سبيلك إلى مكارم الأخلاق

بين العدل والفضل

بين العدل والفضل

4- بين العدل والفضل: مقتضى العدل إعطاء الثواب على العمل الصالح، والعقاب على العمل السيء، فلو عدل الله في حسابه لسقط الكثيرون في امتحان يوم القيامة، لغلبة سيئاتهم على حسناتهم فيما لو تم احتسابها بدقة، بل ربما وُجدت الكثر من السيئات التي لا يحسبها الإنسان أو لا يبالي بأهميتها، وهي تتراكم يومياً لتتحول إلى عبء ثقيل يندر أن ينجو منه أحدٌ من العباد إلاَّ من عصمه الله تعالى.

من نِعم الله علينا أن يرحمنا ويتفضل علينا، فلا مصلحة لنا أن نطالب بعدله بل بفضله ورحمته، فهذا أضمن لنا، وقد وعدنا بذلك. وقد علّمنا أئمتنا(ع) كيف ندعو الله ونناجيه سائلين إياه الفضل والرحمة، ففي الدعاء المأثور عن أمير المؤمنين علي(ع) مما واظب عليه في قنوته في أكثر صلواته:"إلهي، أنت أجود المسؤولين، وأنا أحوج السائلين، يا من لا يُرجى إلاَّ فضله، ولا يُخاف إلاَّ عدله، عاملني بفضلك ، ولا تعاملني بعدلك"(296). وفي الدعاء عن الإمام الجواد(ع):"وأنت الكاشف للضر بيدك، فكم من سيئة أخفاها حلمك حتى دَخَلت، وحسنة ضاعفها فضلك حتى عظُمت عليها مجازاتك، جللت أن يُخاف منك إلاَّ العدل، وأن يُرجى منك إلاَّ الاحسان والفضل، فامنن عليَّ بما أوجبه فضلك، ولا تخذلني بما يحكم به عدلك"(297).

ما بال الإنسان تحيط به رحمة الرحمن الرحيم من كل جانب ولا يستفيد منها! فإذا ظن عسر الحساب، فقد توضَّح يسره من خلال الإفضال الذي يتوِّج ما سبقه من احتساب للأعمال، وإذا كان خائفاً من قلة ما عمله من الصالحات، فليشحذ الهمة لمزيد من العمل بدل الحسرة، فالباب مفتوح إلى المغفرة. أيعقل أن يخسر رحمة الله التي وسعت كل شيء؟!.

قيل للإمام زين العابدين(ع): بأن الحسن البصري قال:"ليس العجب ممن هلك كيف هلك، وإنما العجب ممن نجا كيف نجا"!. وهو بذلك يقصد صعوبة الحساب وتجاوز الصراط، وقلة المستحقين لثواب الجنة، وأن النجاة في يوم القيامة عسيرة جداً بسبب دقة الحساب. فقال الإمام زين العابدين(ع):" أنا أقول: ليس العجب ممن نجا كيف نجا، وإنما العجب ممن هلك كيف هلك مع سعة رحمة الله"(298). ذلك أن من المفترض أن يستفيد من هذه الفرصة في طريقة احتساب الأعمال ، فمن لم يستفد وخسر رحمة الله فهلك فأمره عجيبٌ حقاً.

أيها العزيز، إنَّ عملك الصالح جسر إلى رحمة الله، التي تسع المغفرة والعفو والتجاوز، لتتوَّج بالفضل لمن يشاء الله بغير حساب، فتعرَّض لنفحات الله تعالى بدعائك وتذللك، عندها لا حاجة لك لأن تحسب ما اجترحته يداك، فإن عيشك في تقربك من الله تعالى، وسعيك لبذل ما استطعت من جهد في الصلاح، يجعلك في طريق الهدى إلى الله، ومن سار إلى الله وصل ونجا.