"واستفرغ أيامي في ما خلقتني له". أفرغ أيامي يا رب، لتكون مليئة فيما قررته من سبب لخلقي كإنسان، فإنك قلت في كتابك العزيز:" وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنْسَ إِلاَ لِيَعْبُدُونِ"(78)، فاجعلني يا رب من الذين يتعرفون على قدرتك وصفاتك، ويعبدونك لأنك أهل العبادة، كي أنسجم مع الدور الذي أوجدتني لأجله في هذه الحياة، فلا فراغ في حياتي إلاَّ وهو مملوء بما أمرتني به، ليكون مساري بالكامل على هدي رسالة الإسلام. وقلت جلَّ ذكرك:" إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأرْضِ خَلِيفَةً"(79)، وعلى الخليفة أن يُحسن الخلافة الممنوحة له من الرب القدير، ليكون جديراً بالمسؤولية. وقلت:" إِنَّا عَرَضْنَا الأمَانَةَ عَلَى السَّمَوَاتِ وَالأرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً"(80)، وعلى المؤمن أن لا ينجرف وراء أهوائه فيظلم ويضل، بل عليه أن يكون على مستوى الأمانة الإلهية، اقتداء بالإنسان الكامل من أهل العصمة من الأنبياء والأئمة.
أيها العزيز إنَّ أيام حياتك هي الرصيد الوحيد في صحيفة أعمالك، لا يمكن استبدالها، ولا يمكن تعويضها، وهي تمر مرَّ السحاب، فاغتنم الفرصة قبل فواتها، ولو تأملت قليلاً في كل عمل قبل إقدامك عليه، لاستطعت توجيهه في الاتجاه الصحيح، فتكسب لحظتك في الطاعة، وتكسب نتائجها في ثواب يوم الحساب.
ما الذي يبقى لك من اللذة المحرمة؟ إنها متاع زائل، يذهب مفعوله بسرعة، ويبقى أثره مدوَّناً في كتابك، ومع الأيام على هذا المنوال، تتراكم الذنوب فيتجه الكتاب إلى شمالك، وأنت لا تقوى على نقله إلى يمينك لما أثقلته في دنياك، فتصبح -لا سمح الله- من أصحاب الشمال،" وَأَصْحَابُ الشِّمَالِ مَا أَصْحَابُ الشِّمَالِ * فِي سَمُومٍ وَحَمِيمٍ * وَظِلٍّ مِنْ يَحْمُومٍ * لاَ بَارِدٍ وَلاَ كَرِيمٍ"(81). أعاذنا الله من غضبه، وأعاننا على صرف جهدنا في أيامنا لرضاه، إنه سميع مجيب الدعاء.