القرآن الكريم كتابُ هدايةٍ لجميع شؤون الناس، يُوصِلُ إلى السعادة الحقيقية في الدنيا، فالواجبُ استقامةٌ ومصلحةٌ أكيدة للإنسان، والتحريمُ حمايةٌ ورعايةٌ من الانزلاق نحو الضرر، وما التزم إنسانٌ بتعاليم القرآن إلاَّ وعاش الطمأنينة والأُنس والراحة النفسية، لأنَّه يسير في الطريق المستقيم، في هذه الحياة الفانية المؤقتة التي يُحاسبُ عليها. وكلَّما تعرَّفنا على آيات القرآن أكثر، كلَّما ازددنا كسباً ومعرفةً وتربيةً وسلوكاً وأجراً، فهو محلُّ النفع الدائم، وطريقُ الشفاعة في الآخرة.
عن رسول الله(ص): "يا معاذ، إنْ أردتَ عيشَ السُعداء, وميتةَ الشهداء, والنجاةَ يوم الحشر, والأمنَ يوم الخوف, والنورَ يوم الظلمات, والظِّلَ يوم الحرور, والرَّيَ يوم العطش, والوزنَ يوم الخِفَّة, والهُدى يوم الضلالة, فادرس القرآن، فإنَّه ذكرُ الرحمن, وحرزٌ من الشيطان, ورجحانٌ في الميزان"(100).
وعن أمير المؤمنين علي(ع): "واعلموا أنَّه ليس على أحدٍ بعد القرآن من فاقة، ولا لأحدٍ قَبْلَ القرآن من غنى, فاستشفُوهُ من أدوائكم, واستعينوا به على لأوائِكُم، فإنَّ فيه شفاءً من أكبر الدَّاء: وهو الكفرُ والنفاق والغَيُّ والضَّلال. فاسألوا الله به، وتوجهوا إليه بحُبِّه، ولا تسألوا به خَلْقَهُ, إنَّه ما توجَّه العباد إلى الله بمِثلِه. واعلموا أنَّه شافعٌ مشَفَّع، وقائلٌ مُصَدَّق, وأنَّه من شَفَعَ له القرآن يوم القيامة شُفِّعَ فيه، ومن مَحَلَ به القرآن يوم القيامة صُدِّقَ عليه، فإنَّه يُنادي منادٍ يوم القيامة: "ألا إنَّ كُلَّ حارثٍ مُبتلى في حَرثِهِ وعاقبةِ عمله, غيرَ حَرَثَةِ القرآن. فكونوا من حَرَثَتِهِ وأتباعه, واستَدِلُّوه على ربكم، واستنصحوه على أنفسكم، واتَّهِموا عليه آراءَكُم، واستَغِشُّوا فيه أهواءَكُم"(101).
القرآن الكريم عطاءٌ متجددٌ لا ينضب، وشعاعٌ يضيءُ ويزداد إشعاعاً، يُعطينا في كل زمان ومكان، ويستفيد منه الأفراد والأمم على مرِّ الدهور، من دون أن ينقص من عطائه شيء. انَّنا نستفيدُ منه بمقدار ما نتفاعل معه، ونأخذُ منه بمقدار إقبالنا عليه، فيعطينا ما يملأ حياتنا ويعالج قضايانا، وكلما قرأناه اكتشفنا جديداً في حياتنا، يُضافُ إلى ما اكتشَفَه من كان قبلنا، فسراجُهُ لا يخبو توقُّده.
قال أمير المؤمنين علي(ع): "ثم أنزلَ عليه الكتاب نوراً لا تُطفأ مصابيحُهُ، وسراجاً لا يخبو توقُّدُهُ، وبحراً لا يُدركُ قعرُهُ، ومنهاجاً لا يُضِلُّ نهجُهُ، وشعاعاً لا يُظلِمُ ضوءُهُ، وفرقاناً لا يُخمَدُ برهانُه، وتبياناً لا تُهْدَمُ أركانُه, وشفاءً لا تُخشَى أسقامُه، وعزَّاً لا تُهزَمُ أنصارُه، وحقاً لا تُخذَلُ أعوانُه"(102).
وقال(ع): "وإنَّ القرآنَ ظاهرُه أنيقٌ, وباطنُهُ عميقٌ, لا تَفنَى عجائبُه, ولا تنقضي غرائبُه, ولا تُكْشَفُ الظلماتُ إلا به"(103).
ومن خطبة للسيدة الزهراء (ع) عما تركه النبي (ص) للمسلمين: "لله فيكم عهدٌ قدَّمه إليكم, وبقيةٌ استخلفها عليكم: كتابُ الله بينةٌ بصائرُه، وآيٌ منكشفةٌ سرائره، وبرهانٌ متجليةٌ ظواهرُه، مديمٌ للبرِيَّة استماعُه، وقائدٌ إلى الرضوان أتِّباعُه، مؤدياً إلى النجاة أشياعه، فيه تبيانُ حججِ الله المنورة، ومحارمه المحدودة, وفضائله المندوبة، وجُمَلِهِ الكافية" (104).
وعندما سئل الإمام الصادق (ع): "ما بالُ القرآن لا يزداد على النَّشر والدرس إلا غضاضة؟ قال(ع): إنَّ الله (تبارك وتعالى) لم يجعله لزمانٍ دون زمان، ولا لناسٍ دون ناس، فهو في كلِّ زمانٍ جديد، وعند كلِّ قومٍ غَضٌ إلى يوم القيامة"(105).
القرآن الكريم هو الحل عندما تلتبس الأمور على الناس، وهو الحقيقة التي تبدِّد الجهل، والاستقامة التي تهدي إلى الطريق القويم، وهو المخرج من الفتن، قال رسول الله(ص): "فإذا التَبَسَتْ عليكُم الفِتَنُ كقِطَع الليلِ المظلم, فعَليكُم بالقرآن, فإنَّه شافعٌ مشَفَّع، وقائلٌ مُصَدَّق, ومَنْ جعلَهُ أمامَه قادَهُ إلى الجنة, ومَنْ جعلَهُ خلفَه ساقه إلى النار, وهو الدليلُ يَدُلُّ على خيرِ سبيل, وهو كتابٌ فيه تفصيلٌ وبيانٌ وتحصيل, وهو الفصلُ ليس بالهزل, وله ظهرٌ وبطن, فظاهرُه حُكم, وباطنُه عِلم، ظاهرُه أنيق, وباطنُه عميق، له نجومٌ وعلى نجومه نجوم, لا تُحصى عجائبُه, ولا تُبلى غرائبُه, فيه مصابيحُ الهدى, ومنارُ الحكمة, ودليلٌ على المعرفة"(106).
وقال أمير المؤمنين علي(ع) : "سمعت رسول الله (ص) يقول: إنها ستكون فِتَنٌ! قُلتُ: فما المَخرَج منها يا رسول الله؟ قال: كتاب الله، فيه خبرُ ما قبلكم، ونبأُ ما بعدكم، وحكمُ ما بينكم، هو الفصلُ ليس بالهزل، هو الذي لا تزيغُ به الأهواء، ولا تشبعُ منه العلماء، ولا يَخِلقُ عن كثرةِ رد، ولا تنقضي عجائبه، وهو الذي مَنْ تركَهُ مِنْ جبارٍ قصمَهُ الله، ومن ابتغى الهدى في غيره أضلَّهُ الله. هو حبلُ الله المتين، وهو الصراط المستقيم، هو الذي من عَمِلَ به أَجَر، ومن حَكَمَ به عَدَل، ومن دعا إليه دعا إلى صراطٍ مستقيم"(107).
100- المتقي الهندي, كنز العمال, ج 1, ص: 545.
101- نهج البلاغة, من الخطبة 176, ص: 388. / الفاقة: الفقر./ لأواء: شدة./ مَحَلَ به: قال عنه ما يَضرُّه.
102- المصدر نفسه, من الخطبة 198, ص: 489.
103- المصدر نفسه, من الخطبة 18, ص: 63.
104- الشيخ الصدوق, من لا يحضره الفقيه, ج 3, ص: 567.
105- الشيخ الطوسي, الأمالي, ص: 580.
106- الشيخ الكليني, الكافي, ج 2, ص: 599.
107- الشيخ الطبرسي, تفسير مجمع البيان, ج 1, ص: 45.
روى الإمام الحسن بن علي (ع) قال: "قيل لرسول الله(ص): إنَّ أمتك ستفتن، فسئل ما المخرج من ذلك؟ فقال(ص): كتابُ الله العزيز، الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، تنزيلٌ من حكيم حميد، من ابتغى العلم في غيره أضلَّه الله"(8)، إنَّ الفتنة تعبيرٌ عن الإلتباس بين الحق والباطل ، إذ مهما حلَّلنا على المستوى الفكري، وقارنَّا بين الأدلة، ومحَّصنا المقدمات التي تساعدنا على الحكم والإستنتاج، فسيبقى العجز مسيطراً علينا، والنقص محيطاً بنا، ما يؤثر على النتائج النهائية، حيث لا مُنقِذَ منها إلا القرآن الكريم. إنَّنا وعلى الرغم من مرور أكثر من ألف وأربعمائة سنة على اكتمال نزول القرآن، ومع تفسير الرسول الأكرم(ص) له، وما نقله الأئمة(ع) من معانيه، فإنَّ الاختلاف في التفسير وإصدار بعض الأحكام ، فضلاً عن إعراض البعض عن تعاليم القرآن، يبيِّن الهوة الواسعة التي أودت بمجتمعاتنا إلى الضلال والفساد والتبعية. فحريٌ بنا أن نعود إلى المقياس الثابت والواضح والمحفوظ عبر التاريخ :"إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ"(9)، فالقرآن الكريم هو النعمة الكبرى التي تساعدنا على الإنطلاق الصحيح وتلمُّس طريق الهداية من بدايتها.
(1) العلامة المجلسي، بحار الأنوار، ج 89، ص: 27.
(2) سورة الحجر، الآية: 9.