مقدمة الطبعة الخامسة
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي أنعم علينا بأحسن التقويم، والصلاة والسلام على النبي الهادي إلى أعظم الأخلاق وكمال الإنسان، وعلى آله المرشدين إلى الدِّين القيِّم لسعادة البشرية في الدنيا وثواب المؤمنين في الآخرة، وعلى صحبه الأخيار المنتجبين.
الشبابُ مرحلةٌ عمرية حساسة، ففيها يتأسس بنيان الاتجاه المستقبلي فكرياً وثقافياً وسلوكياً ومواقف، وهي بحق مرحلة رسم الاتجاه نحو الصلاح أو الفساد، نحو استثمار الحياة الإنسانية بجمالها وكمالاتها، أو الغرق في متاهات الملذات التي تشوِّه الجمال وتنحدرُ بالإنسان. ومن حق الشباب أن يتعرفوا على حقيقة المرحلة التي يمرون بها، وأن يدركوا صعوباتها، وأن تُطرح أمامهم الحلول والخيارات بايجابياتها وسلبياتها، فلا يصح التعامل معهم بطريقة الأمر والوعظ والتوجيهات الحاسمة، بل يجب علينا أن نأخذ بأيديهم، بالحوار والمشورة والاستنتاج الهادئ، فهم ينفرون من الإملاء، ويُصغون لمن يعترف بأهليَّتهم للمشاركة في الاختيار.
الشبابُ قوةٌ وحيوية، أو كما تم التعبير عنها في عنوان الكتاب: "الشباب شعلة"، لا بدَّ من التعامل معها، فهي إمَّا أن تُضيء الدرب نحو مستقبل واعد، وإمَّا أن تُحرق وتهدم فيخسر صاحبها خيرات الحياة.
لقد تعامل الإسلام مع الشباب بالتماهي مع خصوصياتهم، مبيِّناً لهم وللمشرفين عليهم متطلباتهم النفسية والشخصية وموقعهم في التفاعل الاجتماعي ودروهم في الحياة، ففي الحديث عن الشباب بين سن الرابعة عشرة والواحدة والعشرين، وكيفية التعامل معهم، قال رسول الله (ص): "ووزير سبع سنين"، وقال الإمام الصادق(ع): "وألزمه نفسك سبع سنين"، في صورة واضحة لضرورة التآخي مع الشاب، والتشاور معه، وإيصاله إلى بر الأمان بالمواكبة والاقناع والتفاهم.
خضع هذا الكتاب لتجربة طَرْحِ بعض موضوعاته في "منتدى الشباب"، حيث أظهرت النقاشات مع الشباب ضرورة توفير المعلومات الواردة فيه لجيلهم للاستفادة منها، وسيجد الشباب فيه إجاباتٍ عن أسئلةٍ تجول في أفكارهم في مرحلة تكُّون مسارهم وخطواتهم للاختيار في لحظات التصميم والإقدام.
قدَّمتُ الكتاب في تسعة فصول، بدأتها بموقع المراهق في مراحل عمر الإنسان المختلفة، مع عرض لمميزات الشباب.
ثم تحدثتُ في الفصل الثاني عن الفرصة النادرة التي لا تتكرر، والتي يتحمل المراهق مسؤوليتها بالكامل، فلا أحد يلزمه لاتخاذ أي اتجاه.
وقد بدَّدتُ في الفصل الثالث الخطأ الشائع عن المراهقة بأنَّها سنٌّ للانحراف، مبيناً حقيقة انتقاله إلى مرحلة جديدة تصاحبها انفعالات نفسية طبيعية، يمكنه التعامل معها برفق وهدى إذا أدركها وفهم حقيقتها، لكنَّه سيضيع عندما لا يأخذ أحد بيده، أو لا يدرك حقيقة هذه المرحلة الانتقالية الحسَّاسة في حياته.
أمَّا الفصل الرابع فهو مخصص للعلاقات الاجتماعية مع الأهل والمدرسة والمجتمع، وما يشوب هذه العلاقة من أخطاء في النظرة والتعامل، من المراهق مع هذه الجهات وبالعكس.
ولا شك في أهمية المصارحة حول الحلول العملية التي تصاحب تفتُّح الغريزة الجنسية عند الشباب، وهذا ما تمَّ عرضه في الفصل الخامس، حيث تُشكِّل الرؤية المطروحة عناويناً للتعامل مع هذه الغريزة بشكل سليم في هذه المرحلة العمرية.
ثم ندخل إلى الموضوعات الحساسة حول الحب والميل إلى الجنس الآخر، وما هو صالح أو ضار في العلاقة بين الجنسين، في إطار الفصل السادس الذي يواكب الحالة العاطفية الإنسانية في عيش الحب بأبعاده المتنوعة، من دون إغفال للقواعد والشروط الصحيحة في النظرة إلى الجنس الآخر.
ومع نهاية فترة المراهقة، واكتمال عقد الشباب، لا بدَّ من اختيار الشريك، فما هي مواصفاته الأفضل لنجاح الحياة الزوجية، هذا ما يطرحه الفصل السابع.
يستهدف ما تقدَّم تحقيق السعادة في حياة الإنسان، فما هو مسارها؟ وما هي خطواتها؟ وما هي أسئلتها؟ لقد حاولت أن أقدِّم الإجابة عنها في الفصل الثامن، من موقع الشباب وبطريقة تفكيرهم، وفق المنهج الإسلامي السليم.
ورغبةً مني في الإضاءة على حشد الأسئلة الكبير الذي طُرح في المنتدى، اخترت قسماً معبِّراً منها عن المضمون العام لهواجس وقلق الشباب من الأخوة والأخوات، وذلك في الفصل التاسع والأخير، ومع أنَّه كان بإمكاني إدراج مضامين الأسئلة في متن الكتاب، لكنَّ إبرازها يُظهر نمط التفكير ومتطلبات الشباب المعاصر، الذي يؤكد أهمية التسلسل الذي عرضناه في فصول الكتاب.
نطبع الطبعة الخامسة للكتاب، بعد نفاد الطبعات السابقة، وقناعتنا بالفائدة التي يجنيها القارئ الشاب فيوفر عليه التجارب والعثرات، مع نصيحتي للشباب بقراءة هذا الكتاب بالتسلسل، للاستفادة القصوى من مراكمة المقدمات التي توصل إلى النتائج الصحيحة، وهذا لا يعني أن اختيار بعض الفصول دون غيرها لا يحقق نفعاً، فلك أيها العزيز، أيتها العزيزة، اختيار العنوان الذي يعجبك قراءته.
إنَّه كتاب موجه إلى الأهل والمربين أيضاً، ليتعرفوا على واقع الشباب ومتطلباتهم، كي يقدموا مساهمتهم في توفير البيئة الملائمة للاستفادة من قوة الشباب وعنفوانهم في إطار الخير والاستقامة والصلاح.
نعيم قاسم
27 رجب 1431 هـ
10 تموز 2010 م