هل توافقني الرأي بأن قلة نسبة الطلاق ناشئ عن مجتمعنا الإسلامي المحافظ وتقاليدنا الشرقية؟
عندما تتراكم المشاكل بين الزوجين وتصل إلى المدى الذي لا معالجة معه، فإن الطلاق هو الحل الأخير. وعندما يتم رفض هذا الحل فهذا يعني أن تبقى الأزمات وتتفاقم، أو أن يلجأ كل منهما إلى حلول منحرفة لحل مشاكلهما المعقدة. ولا بدَّ أن نكون واقعيين، فبعض الزيجات تفشل لعدم الانسجام أو اختلاف الطبائع والتربية أو وجود عقبات تعيق حياة الطرفين مع بعضهما، ومهما وضعنا من حلول للحياة الزوجية الناجحة، فمن المستحيل افتراض خلوها من الإشكالات الواقعية والتطبيقية.
لقد تشدد الإسلام في مواجهة فكرة الطلاق، فعن الرسول (ص):" ما أحلَّ الله شيئاً أبغض إليه من الطلاق"(16)، وقال الإمام الصادق(ع):" ما من شيء ممَّا أحلَّه الله عزَّ وجل أبغض إليه من الطلاق،وإن الله يبغض المطلاق الذوَّاق"(17)، وهذا ما يشجع على استنفاد كل الوسائل قبل الوصول إلى الطلاق. كما شجع الإسلام على عدم تسرُّع الزوجين بالانفصال عندما تصل المشكلة بينهما إلى مرحلة لا يقبل معها كل واحد منهما رأي الآخر، ويفقد الحوار مقوماته، وذلك بالتحكيم من خلال طرف ثالث يكون موثوقاً ومقبولاً من الطرفين أو يمثلهما، كي يتم البحث في تفاصيل المشكلة وسبل معالجتها ، وفي هذا يقول الله تعالى:"وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَماً مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلاَحاً يُوَفِّقِ اللهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللهَ كَانَ عَلِيماً خَبِيراً"(18). فالأصل هو المحافظة على الحياة الزوجية، باتباع كل الأساليب التي تساعد على بقائها، وتشجيع كلا الطرفين للتنازل والتحمل لمصلحة استمرارها، على قاعدة العلاقة الإيجابية" فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ"(19)، وإلاَّ فالطلاق هو البديل المشرف والمحلل"أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ"، لأن العلاقة الزوجية ليست علاقة قهرية بل علاقة مودة ومعروف، فإمَّا أن تستمر كذلك وإمَّا أن يتم فصلها وإنهاؤها بإحسان وأخلاقية في التعامل الإنساني.
ولَّدت هذه النظرة الإسلامية تشدداً اجتماعياً في عدم تقبل الطلاق بسهولة، فالمعنويات العائلية والاعتبارات الاجتماعية تؤدي إلى ضغوطات للمحافظة على الحياة الزوجية، ثم يزداد الأمر صعوبة مع وجود الأولاد الذين يشكلون رابطاً مؤثراً وضاغطاً على الزوجين خوفاً من ضياعهم وعدم استقرارهم. كما ساهمت هذه النظرة في معالجة العديد من المشاكل التي تؤدي إلى الطلاق، بإعطاء الفرص للتجربة والمعالجة، وكذلك يساهم الطلاق الرجعي في تخفيف حدة إجراء الطلاق، حيث يعيش الزوجان تحت سقف واحد خلال عدة المرأة، حيث يمكن العودة خلالها إلى الزوجية من دون عقد زواج، وهذا جزء من مشجعات الإبقاء على هذه الرابطة. مع كل هذا فإن الطريق غير مسدود عند تعسر الحل بأبغض الحلال وهو الطلاق.