هل تستدعي الفروقات بين الرجل والمرأة تمايزاً في الحقوق والواجبات في الحياة الزوجية؟
توجد فروقات طبيعية في خلق كل من الرجل والمرأة، وهي قليلة، ولكن لها انعكاسات على حياة وأداء كل منهما:
فالرجل له جسد أقوى ويتحمل الأعمال التي تحتاج إلى جهد عضلي، وهو أكثر عقلانية في مواجهة الأمور بحيث يميل إلى الشدة والحسم والضبط مع قلة تأثر عاطفي، وهو قادر على حماية الأسرة والدفاع عنها.
أما المرأة فجسدها أضعف ، وتمر بحالات جسدية شهرية تؤثر عليها، وكذا عند الولادة وما يصاحبها من مقدِّمات الحمل، وهي أكثر عاطفة وأحاسيسها مرهفة، بحيث تتأثر عند مواجهة الأمور فتكون أحياناً أكثر تسامحاً ولطفاً، وأحياناً أخرى أكثر انفعالاً وتوترا، وهي تشعر بالحاجة إلى من يحميها، لكنَّها الأقدر على التربية وبث المودة والحنان والعاطفة في دائرة الأسرة وفي غيرها، وهي الأنجح في تعليم وتربية الأطفال، والأنجح فيما يتطلَّب سكوناً وهدوءاً ولطافة.
عند الرجل غريزة جنسية أكثر تطلباً ، وهي رغبة جسدية مباشرة، وهو الذي ينشَدُّ عادة إلى الجنس الآخر ويرغب بالاستحواذ عليه.
أما المرأة فأقل تطلباً ابتداءاً، وهي تتميز بجاذبية للطرف الآخر، وترغب بإبرازها والاحساس بها تجاهه، وتطلب التعبير العاطفي أكثر من العلاقة الجسدية المباشرة.
ومما ذكره العلاَّمة مرتضى مطهري في هذا المجال:
"فالرجل أسير شهوته، والمرأة أسيرة حب الرجل.
المرأة أقدر في السيطرة على الشهوة من الرجل.
شهوة الرجل بَدوية وهجومية، وشهوة المرأة انفعالية وتدريجية.
الرجل أكثر عدواناً وصخباً، والمرأة أهدأ.
تميل المرأة بشدة إلى الجمال والزينة والأزياء المختلفة على عكس الرجل.
المرأة أكثر حيطة من الرجل، وأكثر تديناً، وألْسَنْ، وأكثر خوفاً، وأكثر تقيداً بالعرف.
عواطف المرأة أمومية، ويظهر هذا الاحساس منذ مرحلة الطفولة، وللمرأة علاقة أكبر بالأسرة، وهي تلتفت بشكل لا شعوري لأهمية محيط الأسرة قبل الرجل.
لا تصل المرأة حدَّ الرجل في العلوم البرهانية والمسائل العقلية الجَّافة، إلاَّ أنَّها لا تقل عنه في مجال الأدب والفن وسائر المسائل المرتبطة بالذوق والعاطفة"(26).
هذه أبرز الفروقات وهي مؤثرة على الدور والقدرة، وإن كانت المشتركات كثيرة جداً، من وجود العقل والمشاعر والحاجة إلى الطعام والشراب، وما في التكوين الجسدي من دورة دموية وخلايا وغيرها، والارتباط بين الروح والجسد، والتكوين الفطري في الذكاء والنمو التدريجي للقدرات الكامنة، ومسؤولية الاختيار والرغبة بالحياة الأفضل، ...الخ، علماً بأنَّ هذه المشتركات تتفاوت بين الأفراد رجالاً كانوا أم نساءً، بصفتهم أفراداً مخلوقين لا لخصوصية جنسهم، ولذا نجد القوي والضعيف، الذكي والعادي، الصحيح والسقيم، الطويل والقصير... الخ، وما بين هذه الصفات من تفاوت.
لقد بيَّن رب العالمين سبب التفاوت بين الأفراد في الخلق ومقوماته، الذي يشمل التفاوت في المشتركات، والتفاوت بين الرجل والمرأة فقال:" وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلاَئِفَ الأرْضِ وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ إِنَّ رَبَّكَ سَرِيعُ الْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ" (27) ،وقال:" أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَةَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضاً سُخْرِيّاً وَرَحْمَةُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ"(28). فمهمة البشر هي خلافة الأرض ، التي تتم بالعمل وإعمار الأرض، باستمرار الجنس البشري من خلال التناسل، ولا تستقيم الحياة مع التشابه التام في مقومات أفراد البشر، لذا رفع الله البعضَ فوق البعض الآخر درجات، أي ميَّز في خلقهم وأوجد الفروقات الفردية والتفاوت بينهم، ليكونوا بحاجة إلى بعضهم البعض،"ليتخذ بعضهم بعضاً سخريا"، وهكذا يتحقق التكامل بينهم. ولا سلبية لهذا التمايز، لأنَّه سبب للاختبار والابتلاء الدنيوي الذي ينتج عنه حسابٌ عادل يرتبط بمقدار ما أودع الله في البشر، "لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ"، فيتحمل الإنسان مسؤولية قيامه بواجباته ضمن قدرته، ثم يترتب عليه عقاب مع الانحراف، وغفران وثواب مع الاستقامة. فعِلَّة التمايز ترتكز على قاعدتين: تكامل الطاقات لاعمار الأرض، والابتلاء بحسب القدرة ليوم الحساب.
إنَّ موقف الشريعة المقدسة من حقوق وواجبات كل من الرجل والمرأة مبني على أساس طبيعة خلقهما، وبما أن الفروقات موجودة فلا بدَّ أن تتمايز بعض الحقوق والواجبات بما ينسجم مع تكوينهما، وبما يؤدي إلى صلاح الحياة الزوجية المشتركة بينهما. كما تتأثر سلامة مسار الأسرة بتوزيع الأدوار التي يجب أن تتناغم مع القدرات المتوفرة، ويأتي في الطليعة تحديد مسؤولية الإدارة، وهذا هو ديدن كل المجتمعات بل كل المواقع العملية، وقد أعطاها الإسلام للرجل، كقاعدة عامة منسجمة مع طبيعة الخلق، فإذا فشل بعض الرجال في القيام بمسؤولياتهم، فالأمر يعود لتقصيرهم، ولكل قاعدة تطبيقات خاطئة لا تضرّ بها، ولا يصح إخضاع التنظيم الأسري للاستنساب أو التجارب أو الحالات الخاصة والاستثنائية في المجتمع.
علماً بأن تمايز بعض الحقوق والواجبات في إطار الحياة الزوجية، لا يعفي أيّاً من الزوجين من الالتزام بالقواعد الإسلامية التي تشمل جميع المكلفين ومنهم الزوجان، فيما يتعلق بالعبادات والمعاملات والأخلاقيات، لتكون الأسرة مجالاً من مجالات تطبيق السلوك الإسلامي العام لكل من الرجل والمرأة.