س _ سماحة الشيخ يقول الإمام (ع) :" وأما حق الصدقة فأن تعلم أنها ذخرك عند ربك ووديعتك التي لا تحتاج الى الإشهاد" ؟
لا يصح أن تنحصر العطاءات التي يعطيها الفرد للفرد في دائرة التبادل، بحيث يعطي إذا أخذ شيئاً بالمقابل، فلا يعطي تطوعاً أو طلباً للأجر عند الله تعالى. فالنظرة الإسلامية تختلف عن النظرة المادية للحياة، إنه يركز على العلاقات الإنسانية ويربط بالمعنويات ويؤسس لقاعدة الأجر.
ومن أراد البدل فليطلبه من الله تعالى، وهكذا تكون الصدقة"ذخرك عند ربك"، فبمجرد تقديمها تكون قد وفَّرت ذخيرة لك مخبأة عند الله تعالى، ليعطيك المكافأة بدلاً
عنها في يوم القيامة، فضلاً عن الانعكاسات التي تؤثرها في الدنيا. وهي وديعة وأمانة لا تحتاج إلى الشهود ليثبتوا حقك، فلا شيء يضيع عند الله، ولا شيء يغيب عن الله، ولا يُحرم العبد من مكافأة الله تعالى.
فإذا علمت ذلك، فلا داعي ليعرف الناس بما قدمت، لأن سرك محفوظ عند مليك مقتدر، ونتيجته أفضل بكثير مما لو عرفه الناس عنك، فإذا أردت المباهاة بين الناس فقد فقدت الصدقة معناها وكأنها لم تكن، وإذا أردت وجه الله تعالى فقد وقعت حيث تريد. ومع المحافظة على السر يعني أنك واثق ومطمئن إلى النتيجة، ولا ينسجم الإسرار مع الإعلان، ولا حاجة لتشهد أسماع الناس وأبصارهم على ما فعلت، وإلاَّ دل الأمر على عدم ثقتك بالله تعالى في أن يعيد وديعتك إليك بأفضل ما قدمت، فهو ذو فضل عظيم ولا يجحد فضله إلاَّ المنافقون والكافرون.
قال رسول الله(ص): " صدقة السر تطفيء غضب الرب"(6).
وقال أبو عبد الله(ع):" الصدقة والله في السر أفضل من الصدقة في العلانية، وكذلك والله العبادة في السر أفضل منها في العلانية"(7).
لكن هذا لا يعني منع العلانية بالكامل، فقد تنشأ ضرورات ومنافع تستلزم العلانية بالمقدار المناسب لتشجيع الآخرين في المساهمة في أعمال الخير، أو لأي سبب آخر وجيه. فالعلانية المذمومة هي التي تُخرج الصدقة عن هدفها في القربة إلى الله تعالى، بحيث تكون النية مغموسة بالكبرياء أو المباهاة أو الرياء أو الانحراف عن هدف الصدقة.
ومع هذا كله، تبقى صدقة السر أفضل من صدقة العلن، والله هو الحافظ لما قدَّمه هذا الإنسان. قال تعالى:" وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ نَفَقَةٍ أَوْ نَذَرْتُمْ مِنْ نَذْرٍ فَإِنَّ اللهَ يَعْلَمُهُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ * إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاء فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَيُكَفِّرُ عَنْكُمْ مِنْ سَيِّئَاتِكُمْ وَاللهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ" (8).
وقال أبو عبد الله(ع)": صدقة العلانية تدفع سبعين نوعاً من أنواع البلاء، وصدقة السر تطفيء غضب الرب"(9).