س _ ماذا عن ليلة القدر؟
ليلة القدر ليلة عظيمة في حياة الإنسان وفي حياة البشرية جمعاء لأسباب عدة أهمها:
أولاً- نزول القرآن الكريم فيها إلى السماء الدنيا:" إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ"(18)، وذلك دفعة واحدة ليكون الدستور الخالد والكامل لإسعاد البشرية، ثم نزل بعد ذلك تفصيلاً على محمد(ص) بدءً من المبعث النبوي الشريف في 27 رجب عند نزول أول آيات القرآن الكريم من سورة العلق في غار حراء:" اقرأ باسم ربك الذي خلق * خلق الإنسان من علق* اقرأ وربك الأكرم* الذي علم بالقلم* علم الإنسان ما لم يعلم"(19) واستمر ذلك مدة حياة النبي(ص) بعد الوحي إلى وفاته خلال 23 سنة بين مكة المكرمة والمدينة المنورة.
ثانياً-إنها ليلة احتساب الأعمار والأرزاق والشؤون المتعلقة بكل فرد لسنة كاملة:"فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ"(20)، إنها ليلة التقدير لما سيترتب على حياة الإنسان، فالأولى أن يكون حاضراً قائماً راكعاً داعياً سائلاً المولى تحسين سنته القادمة في نتائج أعمالها وعطاءاتها.
ثالثاً- تمتاز بقيمة الأعمال العبادية التي يقوم بها الصائم، فالليلة خير من ألف شهر، وكل ما فيها يعادل هذه القيمة التي تتراكم لمصلحة المؤمن، وتعوض له ما فاته، وتعطيه دفعة معنوية ومكاسب عملية في فترة زمنية قياسية في ليلة واحدة مباركة.
رابعاً- سلام هي حتى مطلع الفجر، وأمان هي في العلاقة بين الإنسان وربه، وتواصلٌ هي بين السماء والأرض حيث تنزل الملائكة والروح فيها، وسريعة هي في تحقيق الإجابة وإزالة تلك الحجب الكثيفة التي تعيق التقرب من الله تعالى. إنها ليلة الإعتراف والاستغفار والطاعة والدعاء والطلب والتقوى.
إنَّ أهمية هذه الليلة في إحيائها والاستفادة من عظمتها وخيراتها، فمن توفق لقيامها والدعاء فيها وقراءة القرآن حتى مطلع الفجر، فقد حصل على مكسب استثنائي في هذه المحطة الهامة في كل سنة. إنها تمثل الذخيرة للطاعة والعمل الصالح، فإذا انفتحت الآفاق في هذا الاتجاه وتعززت العلاقة مع الله تعالى، وبدأت تتساقط حجب الغفلة والرياء والأمر بالسوء، تكون ليلة القدر قد أثمرت. وهي ليست ليلة حصول المعاجز كما يتصور البعض، من سجود الأشجار إلى تغيير بعض المعالم الكونية، إنها ليلتك أنت في سجود كبريائك وتغيير معالم نفسيتك نحو الاستقامة والسير في طريق الطاعة لله تعالى. فالسعيد من توفق لإحيائها بإحياء الاطمئنان في نفسه للعلاقة مع خالقه.