س - نرى غالبية الشعوب عبر التاريخ قد اعتمدت صيغاً لعبادة الله والوصول إليه ولو كان يطغى عليها سمات غير إيمانية! ولم يكن الاتجاه موحداً، ولم تكن الصلاة واحدة، فإلى ماذا تردَّون هذا التفاوت في الاتجاه وشكل الأداء؟
يوجد أمر ربما يكون مجهولاً عند الكثيرين، يرتبط بظاهرة التدين والقداسة، والتي تنعكس من خلال التصرفات اليومية مثل القيام بصلاة معينة أو بعبادة معينة كعلاقة مع الخالق أو بتقديس ما، وهذا مرده إلى فطرة الإنسان. فالميل نحو التقديس والاحترام، وتبجيل القدرة والعظمة، والتعلق بقوة موجودة ومؤثرة وفاعلة، موجود في فطرة الإنسان، وهو ما يسميه البعض غريزة التدين، لأنه مغروز في الإنسان أي في فطرته، فكل إنسان بحاجة الى أن يقدس وأن يُجِل وأن يحترم، وأن يقف عاجزاً أمام عظمة ما، إنَّه يحتاج إلى عنوان القوة المحورية. لذا نرى مظاهر التقديس موجودة عند كل البشر، لكنَّ الفرق في التفاصيل. واحد يقدس الإله الواحد الأحد، وثاني يقدس النار لأنها تمثل إله العظمة والقدرة أو التأثير، وثالث يقدس الزعيم ويعطيه في بعض الحالات صفة الإلوهية، حتى الملحدين الذين ينكرون الخالق، ويدَّعون أنهم مجردون وعمليون، يقفون أمام قداسة الفكرة وقداسة الزعيم، وهذا تعبير من تعابير الرغبة بملء ما هو في داخلهم من غريزة التدين.
لكن الشكل والأداء المعتمد ليس منسجماً مع التوجيه الصحيح لفطرة الإنسان، فعندما نرى أن الشعوب تلجأ الى طقوس معينة وتسميها صلاة، حيث يمكن أن تكون للنار أو ما شابهها في معابد مختلفة، فلأنها بحاجة على المستوى الغرائزي والفطري أن تخضع للقدرة الكبرى، التي هي في نظرنا القدرة الإلهية. ولكنهم ضلّوا عنها، فابتدعوا تلك الأشكال والطقوس المختلفة.
روي عن الإمام الصادق(ع)، أنه سأله سائل: يا ابن رسول الله دلني على الله ما هو؟ فقد أكثر علي المجادلون وحيروني.
فقال له: يا عبد الله هل ركبت سفينة قط؟
قال: نعم.
قال: فهل كسر بك حيث لا سفينة تنجيك ولا سباحة تغنيك؟
قال: نعم.
قال: فهل تعلق قلبك هنالك أن شيئاً من الأشياء قادر على أن يخلصك من ورطتك؟
فقال: نعم.
قال الصادق(ع): فذلك الشيء هو الله القادر على الإنجاء حيث لا منجي، وعلى الإغاثة حيث لا مغيث(5).
هذا الاتجاه الفطري إلى الله تعالى يتطلب توجيهاً وإرشاداً، ليتعرف المرء على طريق الهداية، ويسلك منهج العبادة الحقة التي توصل إلى الله تعالى من خلال مفرداتها، وهذه هي الوظيفة الأساسية للأنبياء ولسيدهم وخاتمهم محمد(ص)، ليهدوا البشرية إلى العبادة الصحيحة التي تربط بالخالق القادر الواحد الأحد.