’مواجهة أعداء الدين’افتتاحية العدد 269
مواجهة أعداء الدين
مواجهة أعداء الدين
أَيْنَ قاصِمُ شَوْكَةِ المُعْتَدِينَ؟ أَيْنَ هادِمُ أَبْنِيَةِ الشِرْكِ وَالنِّفاقِ؟ أَيْنَ مُبِيدُ أَهْلِ الفُسُوقِ وَالعِصْيانِ وَالطُّغْيانِ؟ أَيْنَ حاصِدُ فُروعِ الغَيِّ وَالشِّقاقِ؟ أَيْنَ طامِسُ آثارِ الزَّيْغِ وَالاَهْواءِ؟ أَيْنَ قاطِعُ حَبائِلَ الكِذْبِ وَالاِفْتِراءِ؟ أَيْنَ مُبِيدُ العُتاةِ وَالمَرَدَةِ؟ أَيْنَ مُسْتَأصِلُ أَهْلِ العِنادِ وَالتَّضْلِيلِ وَالاِلحادِ؟
العنوانُ الأساس لحركة الإمام المهدي(عج) هو بسطُ العدل، الذي لا يتم إلاَّ بقتالِ الكفرة والظلمة ودَحرِهم، فهم العائق أمام الحياة الإنسانية المستقيمة، وهم الذين واجهوا رُسلَ الله تعالى إلى البشرية لمنعهم من إسماعِ كلمة الحق، وهم الذين قاتلوا المؤمنين وعذَّبوهم لإلغاء الدين من حياة الناس.
تُحقِّقُ مواجهةُ أعداء الدين المسار العملي لإنجاز أهداف ظهور المنتظر(عج)، وهذا ما بَيَّنتهُ المناجاة في دعاء الندبة، وقد اخترنا منها ثماني صفات للإمام(عج) تُبرزُ دورهُ وتأثيره في مواجهتهم.
1- أَيْنَ قاصِمُ شَوْكَةِ المُعْتَدِينَ؟
القاصِمُ هو الذي يضربُ ضربةً تقصمُ وتكسرُ قدرة المعتدين فتمنع حِراكهم، وتُنهي اعتداءاتهم. وقد أمرنا الله تعالى أن نقاتل المعتدين في سبيل الله تعالى من دون اعتداء وظلم، قال تعالى: "وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُوا إِنَّ اللهَ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ"(1).
يخوضُ الإمام المهدي(عج) حروباً عدة, أبرزها مع السفياني, فينتصر في كل حروبه على الأعداء, فيقصمُ شوكَتهم, ويُنهي قُدرتَهم.
2- أَيْنَ هادِمُ أَبْنِيَةِ الشِرْكِ وَالنِّفاقِ؟
مع تطاولِ أبنية الشرك والنفاق تنحسر مواقع الإيمان والاستقامة، فتاريخ الشرك والنفاق عدوانٌ ومواجهة ورفضٌ للإيمان، لذا لا بُدَّ لقائد المؤمنين أنْ يهدمَ ما بناه الكافرون والمنافقون، ليتمكَّن من رفع بنيان الإيمان والاستقامة.
تدورُ المسألةُ حول حدود الله تعالى، أي أوامره ونواهيه، التي يعمل المشركون والمنافقون على تعطيلها ويرفضونها، قال تعالى: "الأعْرَابُ أَشَدُّ كُفْراً وَنِفَاقاً وَأَجْدَرُ أَلاَ يَعْلَمُوا حُدُودَ مَا أَنْزَلَ اللهُ عَلَى رَسُولِهِ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ"(2). أمَّا المؤمنون فهم الذين يعملون لإقامة حدود الله، والمتشوقون والمحتاجون الى قيادة القائم(عج)، الذي يهدم أبنية الشرك والنفاق.
3- أَيْنَ مُبِيدُ أَهْلِ الفُسُوقِ وَالعِصْيانِ وَالطُّغْيانِ؟
المُبِيدُ هو الذي يُهلك الباطل الذي يواجهه ويُنهيه، والقائم(عج) مُبِيدُ أهل الفسوق والعصيان والطغيان، أي الذين عصوا فلم يلتزموا بأوامر اله تعالى أو ينتهوا عن نواهيه، والذين طغوا وظلموا باستخدام قدراتهم في الظلم والعدوان.
الإيمان هو المقابل لكل عناوين الانحراف، قال تعالى: "وَلَكِنَّ اللهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُولَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ"(3). ولكن لا رجاء بأولئك الجهلة الذين أوغلوا في البعد عن طاعة الله تعالى. كتب أبو عبد الله(ع): "ولعمري ما أُتي الجهال من قبل ربهم, وأنهم ليرون الدلالات الواضحات والعلامات البينات في خلقهم، وما يعاينون من ملكوت السماوات والأرض والصنع العجيب المتقن الدال على الصانع، ولكنَّهم قومٌ فتحوا على أنفسهم أبوابَ المعاصي، وسهَّلوا لها سبيلَ الشهوات، فغلبت الأهواءُ على قلوبهم، واستحوذَ الشيطان بظلمهم عليهم، وكذلك يطبع الله على قلوب المعتدين"(4). وستكون إبادة هؤلاء على يد الحجة(عج).
4- أَيْنَ حاصِدُ فُروعِ الغَيِّ وَالشِّقاقِ؟
حصادُ الأرض هو اقتلاع الثمار من مكانها، أمَّا الغَيُّ فهو الضَّلالُ, وأمَّا الشقاق فهو العداوة, والمهدي(عج) حاصِدُ فُروعِ الغَيِّ وَالشِّقاقِ باقتلاع آثارهما ونتائجهما. حدَّثنا أمير المؤمنين(ع) عن تشتّت أصحاب الغَيِّ فقال: "وأَخَذُوا يَمِيناً وشِمَالًا ظَعْناً فِي مَسَالِكِ الْغَيِّ, وتَرْكاً لِمَذَاهِبِ الرُّشْدِ"(5). ونحن بحاجة إلى مقتلع الباطل وأركانه, وهو المنتَظر القائم(عج).
5- أَيْنَ طامِسُ آثارِ الزَّيْغِ وَالاَهْواءِ؟
الطامس هو الماحي للآثار، والزيغ هو الانحراف، والأهواء هي ميل الأنفس إلى الشهوات بعيداً عن طاعة الله تعالى. عندما يحصل الزيغ والانحراف تحدثُ الآثام والمعاصي، وتنتشر الرذائل في حياة الناس، ثم تتكاثر في المجتمعات إلى درجةٍ تصبح معها عصيَّةً على المواجهة العادية, فيأتي الإمام المُخلِّص(عج), الطامس والماحي للآثار التي نتجت عن الزيغ والأهواء، فيواجه السائرين على طريق الانحراف.
6- أَيْنَ قاطِعُ حَبائِلَ الكِذْبِ وَالاِفْتِراءِ؟
ليس لدى الكافرين منطقٌ أو دليلٌ على مناهجهم وسلوكهم، فيواجهون تحدي آيات الله تعالى والعلامات الدالة على وحدانيته، وسلامة وصلاح دينه، بالكذب وعدم الاعتراف بالحقائق, بل بنقلها مغلوطةً لتبرير مواقفهم, ويشوشون على عقول الناس، وبالافتراء في إعطاء صورٍ وقصص وأدلة لا صحة فيها، فتلامس أصحاب النفوس الضعيفة فيسقطون في حبائلها.
الإمام المهدي(عج) صادحٌ بالحق والصدق، يصرِّح بالإيمان والدليل، ويقاتلُ لمصلحة الحقيقة والبرهان، فهو قاطِعُ حَبائِلَ الكِذْبِ وَالاِفْتِراءِ بمواجهته للباطل، يفضح الكذَّابين والمفترين، ويواجههم بأبلغ الحجج والأدلة، ما يُسقط حججهم ويعرِّيهم أمام أنصارهم، من دون أي لُبْسٍ أو شك.
7- أَيْنَ مُبِيدُ العُتاةِ وَالمَرَدَةِ؟
العُتاة هم قادة الطغيان، وزعماء الكفر، وَالمَرَدَةِ هم الذين تمرَّدوا على الحق، وقطعوا كل خطوط العودة، وقد حذَّرنا أمير المؤمنين علي(ع) منهم، فقال: "أَلَا فَالْحَذَرَ الْحَذَرَ مِنْ طَاعَةِ سَادَاتِكُمْ وكُبَرَائِكُمْ, الَّذِينَ تَكَبَّرُوا عَنْ حَسَبِهِمْ وتَرَفَّعُوا فَوْقَ نَسَبِهِمْ ... ولَا تُطِيعُوا الأَدْعِيَاءَ الَّذِينَ شَرِبْتُمْ بِصَفْوِكُمْ كَدَرَهُمْ, وخَلَطْتُمْ بِصِحَّتِكُمْ مَرَضَهُمْ, وأَدْخَلْتُمْ فِي حَقِّكُمْ بَاطِلَهُمْ, وهُمْ أَسَاسُ الْفُسُوقِ وأَحْلَاسُ الْعُقُوقِ. اتَّخَذَهُمْ إِبْلِيسُ مَطَايَا ضَلَالٍ, وجُنْداً بِهِمْ يَصُولُ عَلَى النَّاسِ"(6).
لا تعادل بين الإيمان والكفر عند الظهور، فالغلبةُ الكاملةُ على العُتاةِ وَالمَرَدَةِ على يد قائم آل محمد(عج)، الذي يُبيدهم ويمحو وجودهم، في مواجهةٍ صارخةٍ وقاسية، ثم تكون راية المهدي(عج) خفَّاقة ومنتصرة. فإذا سقط عُتاةُ الكفر ومَرَدَتُهم، انبسطت الأرض للإيمان وسَادَ شرعُ الله تعالى.
8- أَيْنَ مُسْتَأصِلُ أَهْلِ العِنادِ وَالتَّضْلِيلِ وَالاِلحادِ؟
يعملُ الكفار ليلَ نهار للقضاء على الإتجاه الإيماني وأهله، ويُعاني المؤمنون من الظلم والغيّ والانحراف معاناةً شديدة في هذه الدنيا، وهذا هو بلاؤهم، ولا خلاص إلاَّ بالإمام المهدي(عج) الذي يستأصل أئمة الكفر ويُنهي آثارهم، فيستأصلُ أهلَ العِنادِ الذين انحرفوا عن الحق بعنادهم من دون دليل، وأهلَ التَّضْلِيلِ الذين تصدّروا حياة الناس وعملوا على خداعهم وصرفهم عن الحق وأضلوهم، وأهل الإلحاد الذين انحازوا إلى الكفر بالله تعالى، هؤلاء جميعاً يلتفّون حول الطاغوت، ويُناصر بعضهم بعضاً, "وَإِخْوَانُهُمْ يَمُدُّونَهُمْ فِي الْغَيِّ ثُمَّ لاَ يُقْصِرُونَ"(7).
ولكنهم لن يصمدوا أمام القائم(عج) وعسكره المجاهد، فنحن موعودون بانتصاره على الباطل وأهله، "وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الأرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ"(8).
وعن أبي بصير قال: "قال أبو عبد الله (ع) في قول الله عز وجل: "هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ": والله ما نَزَل تأويلُها بعد، ولا ينزلُ تأويلُها حتى يخرج القائم (عج), فإذا خرج القائم (عج) لم يبقَ كافرٌ بالله العظيم ولا مشرك بالإمام إلَّا كره خروجه, حتى أن لو كان كافراً أو مشركاً في بطن صخرة لقالت: يا مؤمن في بطني كافر فاكسرني واقتله"(9).
إننا جميعاً بانتظار الأمل الموعود، نهيئ عُدتنا، ونعمل لتقوية خط الإيمان، ونسأل الله تعالى أن نتشرف بخدمة وليِّنا صاحب الزمان (أرواحنا لتراب مقدمه الفداء).
الشيخ نعيم قاسم
الهوامش:
1- سورة البقرة, الآية 190.
2- سورة التوبة, الآية 97.
3- سورة الحجرات, الآية 7.
4- العلامة المجلسي, بحار الأنوار, ج 3, ص: 152.
5- نهج البلاغة, تحقيق صالح, ص: 208.
6- المصدر نفسه, ص: 289.
7- سورة الأعراف, الآية 202.
8- سورة القصص, الآية 4.
9- الشيخ الصدوق, كمال الدين وتمام النعمة, ص: 670.