’المهدي(عج) مؤيدٌ بالنصر’افتتاحية العدد 232
المهدي(عج) مؤيدٌ بالنصر
الفقرات باللون الأحمر حُذفت من قبل المجلة ولم يتم إدراجها بالمقالة (خطأ من المجلة).
يصل الكافرون إلى درجةٍ تُقفلُ معها عقولهم وقلوبهم، فلا يفقهون، ولا يحتكمون إلى المنطق، ويرون الحق باطلاً والباطل حقاً، ويتصلبون في مواقفهم، فلا ينفع معهم حوار ولا نقاش ولا دليل، وفي الوقت نفسه، يتسلطون على المؤمنين ويقمعونهم ويظلمونهم، ويسلبونهم حقوقهم في الحياة وفي كل شيء، فما هو الحل بمقياس الدنيا؟
الحل بأن يتقوَّى المؤمنين عدداً وعدة، وأن يستعدوا لمجاهدة أعدائهم بقوة السلاح، دفاعاً عن النفس والأرض والحق، ودفعاً لأخطار الكفر والظلم والانحراف، وبما أن الإسلام سبيل الحياة المستقيمة، فقد ركَّز على جهاد الأعداء في موارد كثيرة، وأمر بالاستعداد قدر الاستطاعة من غير تراخٍ ولا استسلام، " وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ"(1)، وجعل الجهاد فريضة على المسلم يترتب عليها الفلاح والقبول، قال تعالى: " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ وَجَاهِدُوا فِي سَبِيلِهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ"(2)، ولا يمكن لهذا الدين أن ينتصر، ولا يمكن للمؤمنين أن يفوزوا بتحمل مسؤولياتهم في هذه الدنيا، إلاَّ بالجهاد وبذل الأنفس والأموال، قال تعالى: " انْفِرُوا خِفَافاً وَثِقَالاً وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ"(3).
الجهاد ضرورة لحماية استقامة المؤمنين من الأعداء، فهو رد فعل على العدوان والاحتلال والظلم، ولو استقرأنا ما حدث في التاريخ، لوجدنا منطق القوة والتسلط هو السائد في المجتمعات المختلفة، وليس منطق الحق والعدل والإنسانية، فقد كانت القبائل الكبرى تهجم على القبائل الصغرى وتتسلط عليها، وتعتدي الدول الكبرى على الدول الصغرى لتستعمرها وتستثمر خيراتها وتستخدم شعوبها، ويتسلط الحكام الظلمة على شعوبهم بقوة الأمن والعسكر والمخابرات والسجون والاغتيالات... والمبرر الوحيد هو منطق القوة والاعتداد بها. فكيف نواجه هذا المنطق؟
طبعاً، لا يمكن مواجهته بإدارة الخد الأيسر، ولا بالموعظة الهادئة، ولا بالاستسلام للظلم والألم، بل يجب مواجهته بالجهاد والمقاومة، مع كل ما يستلزم ذلك من شدة وغلظة وعزة وكبرياء وصلابة، ليدرك الكافرون بأنَّ المؤمنين يملكون الشجاعة والحزم، وهم عندما لا يستخدمونه فلأن أسلوب دعوتهم إلى الله تعالى وإلى الصلاح بالحكمة والموعظة الحسنة، وهذا ما لا ينفع مع المستبدِّين والمعتدين والمحتلين الذين لا يلتزمون بأية قواعد إنسانية، إنما يعتمدون على فائض القوة لديهم لقهر العباد.
من هنا نفهم معنى أن يكون الإمام المهدي(عج) منصوراً بالرعب، إذ لا يكسر سطوة وجبروت الظالمين إلاَّ القوة والرعب فيرتدعون ويقفون عند حدودهم، ثم يستعيد المؤمنون حياتهم من دون قهر وإذلال. عن الإمام الصادق(ع): "القائمُ منَّا منصورٌ بالرُّعب، مؤيدٌ بالنَّصر, تُطوي له الأرضُ, وتظهَرُ له الكنوز، يبلغُ سُلطانه المشرق والمغرب، ويُظهِرُ الله عزَّ وجلَّ به دينَه على الدِّين كلِّه ولو كرِه المشركون، فلا يبقى في الأرض خرابٌ إلا قد عُمِّر"(4).
الإمام المهدي(عج) مؤيدٌ من الله تعالى، لكنَّ طريقَهُ الجهاد وقتال الأعداء، وإعداد العدد والعدة، وخوض الحروب، عندها تطوى له الأرض، وينتصر على كلِّ من عليها، ليظهر دين الله تعالى على الدين كله.
إنَّ ظهور هذا الدين في آخر الزمان وعدٌ إلهي للمؤمنين، لكنَّ مسؤوليتهم أن يعدوا أنفسهم للجهاد والعطاء والالتحاق بجيش الإمام المهدي(عج) لقتال الأعداء. عن أبي بصير قال: قال أبو عبد الله (ع) في قول الله عزَّ وجلَّ: "هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ"، فقال: والله ما نزل تأويلها بعد، ولا ينزل تأويلها حتى يخرج القائم (عج), فإذا خرج القائم (عج) لم يبق كافر بالله العظيم ولا مشرك بالإمام إلا كره خروجه, حتى أنْ لو كان كافراً أو مشركاً في بطن صخرة لقالت: يا مؤمن في بطني كافر فاكسرني واقتله"(5).
مطلوبٌ منا في كل زمان أن نتميز بالصلابة والشدة في مواجهة المعتدين الظلمة، وهذا ما لا يتنافى مع أخلاقياتنا والكمال الإنساني الذي نسعى إليه، لأننا نحمي مسيرة الكمال من مخربيها. لقد حدثنا القرآن الكريم عن الجماعة تحت إمرة رسول الله(ص)، كانت ملتفَّةً حوله، مؤتمرة بأمره، تعيش الرحمة بين أفرادها، لكنها شديدةٌ على أعدائها، لتردعهم عن غيّهم وتوقف طغيانهم الذي لا يتوقف من دون هذه الشِّدة، قال تعالى: "مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ"(6).
وكان الأمر الإلهي للنبي(ص) أن يُغلظ على الكافرين لأنَّهم لا يرتدعون عن غيِّهم إلاَّ كذلك، ولا تتم حماية جماعة المؤمنين عن غير هذه الطريق، قال تعالى: " يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ"(7). وها هي تجربتنا في لبنان ماثلة أمامنا، حيث لم تخرج إسرائيل ذليلة من أرضنا المحتلة إلاَّ عندما ذاقت مرارة الجهاد وشدة المؤمنين، وعندما حاولت أن تعيد الكرَّة لاحتلال الأرض، واجهها المجاهدون المقاومون في سبيل الله تعالى، فخرجت مهزومة مذعورة، عندها أعزَّ الله المؤمنين ورفع مكانتهم، وجعلهم محط أنظار المظلومين في العالم.
ما أعظم قوة الإيمان، التي تجعل المؤمن رقيقاً عطوفاً خلوقاً يخشع لله تعالى ويخدم عباد الله ويتراحم مع اخوانه، وفي الوقت نفسه يتقوى بقوة الله تعالى ليقهر أعداء الله منتصراً برعبهم وهزيمتهم. هذه هي الدنيا، التي لا نصر فيها للمؤمنين إلاَّ بقهر المتسلطين والظالمين والمعتدين والمحتلين، ولا يعمُّ العدل والأرض إلاَّ بالمهدي(عج) المنصور بالرعب، وبنصر الله تعالى ومؤازرة المؤمنين.
الهوامش:
1- سورة الأنفال، من الآية: 60..
2- سورة المائدة، الآية: 35.
3- سورة التوبة، الآية: 41.
4- الشيخ الصدوق, كمال الدين وتمام النعمة, ص: 331.
5- المصدر نفسه, ص: 670.
6- سورة الفتح، من الآية: 29.
7- سورة التوبة، الآية: 73.