• naimkassem@naimkassem.com.lb

  • الرئيسية
  • ’قدوة المنتظرين’افتتاحية العدد 217
...
’قدوة المنتظرين’افتتاحية العدد 217

’قدوة المنتظرين’افتتاحية العدد 217

قدوة المنتظرين

قدوة المنتظرين


 يتميز الإمام المعصوم بصفات خاصة تجعله في الموقع الأول للقيادة، وله دورٌ رئيس في إقامة الدين ونصرته في حياة الناس، وهو منارة الهدى والاستقامة، والمتصل بحبل الله تعالى، فمن أطاعه بامتثال أوامره والانتهاء عن نهيه، نال رضوان الله تعالى.
تبرز هذه المعاني في دعاء عرفة لسيد العابدين والساجدين علي بن الحسين(ع)، حيث يقول:"اللهم إنك أيَّدت دينك في كل أوانٍ بإمام أقمته علماً لعبادك، ومناراً في بلادك, بعد أن وصلتَ حبله بحبلك، وجعلته الذريعة إلى رضوانك، وافترضت طاعته، وحذَّرت معصيته، وأمرتَ بامتثال أمره، والانتهاء عند نهيه, وألاَّ يتقدمه متقدِّم، ولا يتأخر عنه متأخر, فهو عصمة اللائذين، وكهف المؤمنين، وعروة المتمسكين، وبهاء العالمين"*.
 وبما أنَّ الإمام موجودٌ في كل زمان، وننتظر إمامنا المهدي(عج) في هذا الزمان، فإنَّ اقتداء المنتظرين بقائم آل محمد(عج) يحقِّق الثواب والرضوان عند الله تعالى، ومن المهم لنا أن نعرف ما ننتظره عند ظهور الحجة(عج)، ليكون أداؤنا في غيبته موافقاً لما سنكون عليه في حضوره. وقد رسم الإمام زين العابدين(ع) في دعاء عرفة نفسه، خطوات الإمام  في حضوره, وعلاقة المؤمنين به، بصيغةِ دعاءٍ وطلبٍ من الله تعالى, رجاء توفيقه لتحقيقها.
قال الإمام زين العابدين(ع) في دعائه:
"اللَّهم فأوزع لوليك شكر ما أنعمت به عليه, وأوزعنا مثله فيه، وآتِه من لدنك سلطاناً نصيراً، وافتح له فتحاً يسيراً، وأعِنهُ بركنك الأعز، واشدُد أزره، وقوِ عضده، وراعِه بعينك، واحمِه بحفظك، وانصره بملائكتك, وامدده بجندك الأغلب، وأقم به كتابك وحدودك وشرائعك وسنن رسولك صلواتك اللهم عليه وآله، وأحيِ به ما أماته الظالمون من معالم دينك, وأجْلِ به صداء الجور عن طريقتك، وأَبِنْ به الضراء من سبيلك، وأزِلْ به الناكبين عن صراطك، وامحق به بغاة قصدك عوجا، وألِنْ جانبه لأوليائك, وابسط يده على أعدائك، وهب لنا رأفته ورحمته وتعطفه وتحننه، واجعلنا له سامعين مطيعين، وفي رضاه ساعين، وإلى نصرته والمدافعة عنه مكنفين، وإليك وإلى رسولك(ص) بذلك متقربين"*.
 نستفيد من الدعاء توجيهات عدة أبرزها:
1- شكر النعم، بما أعطاه الله تعالى للإمام(عج)، وبما أعطانا في حياتنا من خيرات, وعلى رأسها نعمة الإيمان والتزام نهج الإسلام، فبالشكر تدوم النعم.
2- أهمية السلطان، وهذا ما وعدنا الله تعالى به، أن تكون لإمامنا السلطة والقدرة ليملأ الأرض قسطاً وعدلاً، بعد أن مُلئت ظلماً وجوراً، لذا دعا الامام ربَّه: "وآتِهِ من لدنك سلطاناً، وافتح له فتحاً يسيراً".
3- النصر، وهو أمل المستضعفين، وشوقهم إلى أن يسدِّدهم الله تعالى، بكل أشكال الدعم، " وانصره بملائكتك، وامدده بجندك الأغلب".
4- إقامة الدين،  وذلك بتحكيم شريعة الله المقدسة في حياة الناس، فالإسلام رسالة الله الكاملة التامة لسعادة البشرية، ولا سعادة بغيرها، ولذا فإنَّ المهمة الكبرى للإمام المهدي(عج) هي إقامة هذا الدين، وعلينا أن نسلك طريق الإيمان, لنصل إلى هذا الخط الذي يقوده إمامنا (أرواحنا لتراب مقدمه الفداء).
5- جلاء الحقيقة، التي أصابها التشويش والتحريف بسبب الضَّالين والمضلِّين، والتي أوصلتنا إلى زمان لا يكتفي فيه الكثيرون بإهمال فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، بل يأمرون بالمنكر وينهون عن المعروف، لا بل أشد من ذلك، يرون المعروف منكراً والمنكر معروفاً.
إنَّ المهمة كبيرة وجليلة وصعبة، فإزالة تراكم الانحراف يتطلب جهداً كبيراً ومتوصلاً، لكشف الزيف وفضح الباطل ، وإزالة الشوائب التي أحاطت بمعالم الدين، ولكن يتحقَّق الهدف بالاستعانة بالله تعالى، وعند ظهور الإمام ينكشف كل شيء، "وأَجْلِ به صداء الجور عن طريقتك، وأَبِنْ به الضَّراء من سبيلك". وهي مهمة تعنينا، أن نعمل كي نزيل الالتباس الذي  أحاط هذا الدين من تفسيرات وسلوكيات خاطئة ومنحرفة، فإذا ما استقمنا على هذه الجادة، أدَّينا وظيفتنا، وسلكنا طريق الانقياد لإمامنا المعصوم(عج).
6- علاقةُ المحبة والرأفة والرحمة, بين الإمام وأنصاره، وهي نتيجة طبيعية للإيمان، فالإمام حنون وعطوف من موقع قيادته، يُعطي من عاطفة القلب ما يعزِّز صلة أنصاره به، وما يؤدي إلى النجاحات المتتالية المليئة بالمشاعر الصادقة والمطمئنة. لسنا أمام سلطةٍ تأمر وتنهى بجفاء، بل أمام قائدٍ يقود بحبٍ وحنان، وهذا من روائع الإسلام المحمدي الأصيل.
7- "واجعلنا له سامعين مطيعين"، إذ لا يمكن لخيرات وبركات وجوده أن تشملنا إذا لم نكن من أنصاره وأعوانه، فدعاؤنا لله تعالى أن يعيننا على أنفسنا، لنكون من المسارعين إلى نصرته، والمدافعين عنه، والساعين إلى رضاه، وبذلك نكون مع الله ورسوله والأئمة الأطهار، فنحصل على سعادة الدنيا وثواب الآخرة.
تُعلِّمُنا هذه الفقرة من دعاء عرفة، أن ننتظر بأملٍ ووعي ومسؤولية إلى إمامنا المنتظر(عج)، وأنْ نعمل بمضمونها كتكليفٍ ممهِّد للظهور، لأنَّ ما ننتظره من الإمام من شمولية وعدل وكمال، هو ما ينتظره الإمام منَّا وفي المسار نفسه بحسب قدرتنا وطاقتنا، لنلاقيه عند الظهور أنصاراً مؤمنين صادقين.
---------------------------------------------
* الصحيفة السجادية, دعاء الإمام زين العابدين (ع) في يوم عرفة, الدعاء (47).