يؤكد نائب الأمين العام لحزب الله، نعيم قاسم، أنّ الملف الأساسي لدى الحزب اليوم هو كشف شبكات العملاء، والتأكد من تطبيق القانون الصارم بحق المتعاملين. في الوقت نفسه، حدث ما حدث قبل أيام في قرى الجنوب، بين الأهالي واليونيفيل، فيما يؤكد الشيخ: «من حق الناس أن يقلقوا»
كل شيء مجهّز في تلك الغرفة المجهولة: العنوان والموقع والمحيط: زجاجات مياه وصحون على الطاولات، عدد كافٍ من الكراسي المخصّصة للضيوف... وكرسي فارغ في وسط القاعة. إلى يساره هاتف ثابت، وإلى اليمين علمان للبنان وحزب الله. جلس الضيوف المنتظرون كلٌّ في موقعه، يحادث حيناً، يصمت حيناً آخر، يرتقب العناوين التي ستطرح، وربما حاول وضع سيناريو لكيفية سير الجلسة. لتعود، مرغمة، مشاهد السيارة المعتمة المغطاة بالستائر السوداء، والمجهول الذي تسير نحوه.
تخترق من حين لآخر زمامير السيارات محادثات الزملاء أو صمتهم، ما يشير إلى أنّ المكان وسط الناس، الذين لا خوف منهم على أي من مسؤولي الحزب. مرافقون يدخلون القاعة، يسدّون الباب الخشبي حيناً، يغلقونه أو يفتحونه، إلى حين دخول نائب الأمين العام لحزب الله، الشيخ نعيم قاسم.
يقترب نائب الأمين العام لحزب الله نعيم قاسم من الموجودين، يصافحهم، ويجلس في مكانه سائلاً عن الأحوال والأخبار. ولدى طرح السؤال نفسه، يدخل قاسم في حديث عن أحوال المنطقة وأخبار التسويات وأوضاع الأنظمة والمقاومات. ينطلق عرض مكثّف لما يجري في خارج الحدود اللبنانية. فالمفاوضات متعثّرة، والأسلوب الذي تجري فيه المفاوضات خاطئ، على اعتبار أنّ «الفلسطينيين يجلسون وينتظرون ما يتركه لهم الإسرائيليون». وفي الوقت نفسه تستمرّ الانتهاكات وعملية بناء المستوطنات والتضييق على الشعب الفلسطيني، فيما الدول الغربية تساند إسرائيل، وأولها الولايات المتحدة الأميركية. فالرئيس الأميركي باراك «أوباما مثل (جورج) بوش ومثل الآخرين، عاجزون عن ضبط إسرائيل»، ويقدمون لتل أبيب المساعدات على أشكالها، من دعم عسكري إلى غطاء سياسي وتكامل وتطابق في المشاريع.
«ليس من باب نور» للمفاوضات، يقول قاسم، فيما الأنظمة العربية عاجزة عن التعبير، وإذ ليس باستطاعتها رفض الممارسات الإسرائيلية، يقول: «الإسرائيليون حين يُحشرون في اتخاذ موقف ما، يصوغون موقفهم ويقدّمونه على اعتبار أن شعبهم يريد السير في هذا القرار». يضيف مستغرباً: «لماذا ليس باستطاعة الأنظمة العربية اتخاذ أي موقف وإيعازه إلى شعوبها؟».
من الأنظمة العربية وعجزها، ينتقل قاسم للحديث عن وضع قطاع غزّة وحركة حماس. «قطاع غزة وحماس باتا أقوى»، فرغم «الدعم الأميركي المطلق، سمعة إسرائيل في العالم، وخصوصاً في أوروبا، بدأت تتزعزع بفعل الأحداث الأخيرة في البحر التي هزّت المجتمعات الدولية».
ومع الإشارة إلى الفشل والتعثر الأميركيين في المنطقة، يمكن استنتاج أن المقاومة عزّزت مواقعها وقدرتها على المواجهة.
بدأ هدوء صاحب الوجه الزهري واللحية البيضاء ينعكس على أجواء الجلسة. استطاع نقل زوّاره من حالة الترقّب إلى حالة الارتياح. ويساعد على إضافة هذا الهدوء وصول أكواب العصير الطازج، باللونين البرتقالي والأصفر. كأنها إشارة إضافية إلى تحالف الألوان السياسية.
مع هذين اللونين ينطلق النقاش في الوضع الداخلي. المقاومة باتت محصّنة ومرتاحة، «وفي حصول حرب مع إسرائيل، الأوضاع ستكون أسهل مقارنة بعدوان 2006». إلا أنه أصبح اليوم في لبنان حكومة وحدة وطنية وتوافقية «ستتّخذ موقفاً موحداً». و«شوية النقار» الذي يحاول البعض إثارته حول ملف سلاح المقاومة، لن يؤثر في ثبات موقع حزب الله.
في حديث قاسم، تأكيد للإيجابيات التي تحقّقها الحكومة الحالية. فالانتقال جرى من مرحلة عدم الاستقرار، ومن بعدها القلق. واليوم بتنا في مرحلة مستقرّة. وهذا لمصلحة المقاومة. يستبعد نائب الأمين العام لحزب الله الأحاديث عن التغيير أو التبديل الحكوميين، على اعتبار أن حصول أي من الأمرين مرهون «بتغيير في الظروف وفي موازين القوى». يعيد قاسم التشديد على أنّ الحكومة الحالية ـــــ أو ما خلفها من تسويات ـــــ حملت الاستقرار إلى البلد، ونقلت لبنان من مرحلتي عدم الاستقرار والقلق.
ثمة ما هو جديد وأساسي اليوم لدى الحزب، هو استكمال سقوط شبكات العملاء لإسرائيل. «والقضية المركزية لدى حزب الله في هذه المرحلة هي التجسس»، كما يقول الشيخ قاسم، مؤكداً أنّ العميل الأخير الذي كُشف عنه في شركة الاتصالات «طبّش على العملاء الـ46 الذين كُشفوا منذ بدء تهاوي الشبكات الإسرائيلية». والأهم لدى الحزب، كما يقول الشيخ، هو تأكيد عدم التساهل القضائي والقانوني مع العملاء، لأن التساهل «يجعل العملاء ناشطين». مع التشديد على أنّ خفض الأحكام دفع عدداً لا بأس به من المتعاملين إلى العودة إلى درب التجسس والعمل لمصلحة العدو، «وقسم من العملاء الموقوفين حديثاً هم من العملاء السابقين».
يشدد قاسم على ضرورة «رفع وتيرة الأحكام»، بعكس ما حصل قبل عشرة أعوام، يوم جرى خفض الأحكام إلى 10% مما يستحقه المحكوم، أو ما هو أقلّ من ذلك. بمنعى أنه بدلاً من حكم العميل بعشر سنوات، حُكم بعشرة أشهر. وعن موقف حزب الله من آلية المحاكمة، يعيد قاسم ويكرر مرات عدة: «حزب الله ملتزم الإطار القانوني في ما يخص العملاء». يضيف أن الحزب لم يؤسس وينفذ «محاكم ثورية بعد التحرير، وهو مفهوم المحاكم الذي حصل في فرنسا بعد الثورة».
يضيف: «نحن سنتابع هذه القضايا، ونضغط ونرفع الصوت، وقد تخرج نتائج كبيرة جداً». ويشدد على أن ما يحصل من كشف شبكات «يفتح ملف كل العمالة الأجنبية الموجودة في لبنان، أكانوا أفراداً أم موظفين في شركات»، «وهو ما يدعونا إلى وضع علامات استفهام على أي تغطية لعملاء من أي لون سياسي أو طائفي كانوا».
يذكر قاسم مفهوم «الأمن الشعبي»، أي مشاركة المواطنين في عملية الكشف عن شبكات التجسس، ودور الناس في مساعدة الأجهزة الأمنية والمختصة، عبر الإشارة إلى أي ملاحظات أو شكوك تساورهم جراء حركة غير اعتيادية تجري في محيطهم. مع تشديد قاسم على أنّ «الأمن الشعبي» يقتصر على تعاون المواطنين مع الأجهزة التي يكون من مهماتها التدقيق والتحري وكشف المخاطر.
في موازاة التركيز على موضوع العملاء، يطرح الشيخ نعيم قاسم ملفاً يضاهيه العملاء أهمية، هو «كيفية جعل الحكومة أكثر حيوية في التعاطي مع مجلس الأمن». يشير قاسم إلى هذا الأمر، بعد تأكده أنّ الكتلة النيابية لحزب الله ستوجّه سؤالاً إلى الحكومة عن أدائها إثر خطف الإسرائيليين للراعي اللبناني عماد عطوي من مزرعة السدانة. يلحظ قاسم أن الوفود والمسؤولين الغربيين الذين أتوا إلى لبنان كانوا يشددون على ضرورة حماية الجنديين الإسرائيليين اللذين أسرهما الحزب في 12 تموز 2006، ومن بعد العدوان، بات تشديدهم على ضرورة أن يحترم لبنان القرار 1701. يضيف: «يأتي المسؤولون الغربيون ويطرحون مطالب إسرائيلية. لماذا لا نواجه الدوليين بمطالبنا؟».
ينتقد ما يحصل في كل زيارة لأي موفد دولي، إذ يتحدث الضيف عن ضرورة احترام الـ1701، ومن بعده يأتي موقف المستضيف اللبناني، أياً يكن، الذي يؤكد أن لبنان يحترم هذا القرار، من دون إضافة أي مطلب أو ملاحظة لبنانية.
يؤكد قاسم موقف الحزب من هذا القرار الدولي: «قلنا منذ 2006 إننا نرحّب بفرق الأمم المتحدة لتنفيذ مهماتها ضمن إطار 1701، لكن عليهم الانتباه إلى ما يفعلونه». تفتح هذه العبارة الأخيرة الأبواب على الأحداث الأخيرة التي حصلت في الجنوب، واحتجاجات الجنوبيين على ممارسة الكتيبتين الفرنسية والإسبانية. يقدم قاسم موقفاً واضحاً: «إنّ هذه التجاوزات تراكم القلق وتهدد الثقة، وعلى اليونيفيل تفسير ما فعلته وتصحيحه، وطمأنة الأهالي. من حق الناس أن يقلقوا».
ينفي الشيخ نعيم قاسم أي علاقة لحزب الله بالاحتجاجات الجنوبية، يضيف: «إذا لم يكن هذا التحرك عفوياً، وجاء بهذا المستوى، نرى أن ما حصل إساءة لنا. لأننا إذا أردنا الاعتراض، «نقبّ» الجنوب كله».
رغم الأحداث الأخيرة في الجنوب، يقول صاحب العمامة البيضاء: «من جهتنا لم يتغيّر شيء في العلاقة مع اليونيفيل»، في تشديد على أن حزب الله مستمرّ في التعاون المطلوب منه مع قوات الأمم المتحدة.