مقابلات

المقابلة التي أجرتها معه صحيفة نهار الشباب في 23/7/2009

تقرير "در شبيغل" بلا معنى والمحكمة قد تُسيَّس

 الشيخ نعيم قاسم: تقرير "در شبيغل" بلا معنى والمحكمة قد تُسيَّس..العلاقة مع بكركي تفتقر الى الحرارة ولا حاجة للجلوس مع جعجع

في الرحلة البسيطة التي لم تبعد أمتاراً عن مقر العلاقات الاعلامية، الى حيث نائب الامين العام لـ "حزب الله" الشيخ نعيم قاسم، حرب نفسية لضرورات أمنية تقود الى لقاء رجل مختلف عن صورته التلفزيونية القاسية، بل "اللئيمة" احياناً، لنغوص معه في حديث طويل، ربما اضطررنا الى اختصار بعض اجزائه بسبب ضيق المساحة.

ومما قاله الشيخ قاسم لـ "نهار الشباب" إن انفجار خربة سلم ليس عملاً تخريبياً، وان "البيئة الآمنة لقوات الطوارىء لا تكون من دون موافقتنا"، ممهداً للقاءات التي حصلت للمصالحة بين الاهالي وهذه القوات. وطالب بحركة اضافية تجاه العملاء كالتي سبقت الانتخابات النيابية. واذ رأى ان لا حاجة للقاء الدكتور سمير جعجع والعميد كارلوس اده حالياً، دعا الرئيس امين الجميل "الى ان يفكر أبعد من ذلك" اذا اعتبر ان خطابه الحالي يمكنه من منافسة جعجع.

وبلغة الواثق قال ان الامور بعد الدوحة مستقرة ولا امكان لتغييرها.

* لماذا لم يكن هناك موقف واضح لـ "حزب الله" من انفجار مخزن السلاح في خربة سلم؟

اعتبرنا ان ما حصل في مسألة المخزن أمر عادي لا يتطلب تعليقاً، فأحد لم يقل ان لا مخازن قديمة للسلاح موجودة منذ ما قبل عام 2000. ولم نعتبر ان هناك ما يتطلب موقفاً رسمياً من الحزب، وبالتالي سكتنا عن الموضوع ووردت بعض التصريحات في مقابلات لعدد من الاخوة في الحزب قلنا فيها ان هذا مخزن له علاقة بسلاح قديم قبل عام 2000. الحادث حصل وانتهى وتكبيره في غير محله والمسألة انتهت عند هذا الحد والجيش يقوم بتحقيق ومتابعة والملف موجود عنده.

* ولكن النائب حسن فضل الله قال ان هناك اطناناً مضاعفة عما قبل القرار 1701، ما يعني ان السلاح ليس قديماً...

انا اتحدث عن المخزن في خربة سلم في منطقة جنوب نهر الليطاني. أما في ما يتعلق بقدرة "حزب الله" العسكرية، فنحن في العادة نتجنب الحديث عنها وعن حدودها وعن ضوابطها. اما الحادث الثاني الذي بدأ في خربة سلم وامتد الى بئر السلاسل بعد محاولة قوات الطوارىء الدولية دهم بيت ورفض السيدة الموجودة فيه السماح لهم بذلك، إذ صرخت وندهت جيرانها على قاعدة انه لا يحق لليونيفيل دهم البيوت من دون التنسيق مع الجيش اللبناني او بناءً لطلبه فهذا امر مخالف للقرار 1701، لذلك نزل الناس ورفضوا الدهم، واقتصر الامر على نوع من الاعتراض، الجيش اللبناني وحل الاشكال. كنا صريحين انه ليس من حق قوات الطوارىء وليس من صلاحياتها ان تدهم.

* ولكن قيل انكم في تحرك بئر السلاسل وجهتم رسائل ولذلك سارع المبعوثون الدوليون لزيارتكم للاعراب عن تبلغهم اياها؟

لم نبادر الى افتعال الحادث حتى يقال اننا في صدد توجيه رسائل، نحن كنا امام مشكلة تعامل معها الاهالي، ونحن في اللقاءات التي حصلت اكدنا ان ردة فعل الاهالي هي ردة فعل طبيعية ولو تكرر مثل هذا الحادث لتكررت ردة الفعل. وقد اوضحنا لهم اننا ما زلنا متمسكين بتطبيق القرار 1701 وموافقين على وجود قوات الطوارىء الدولية والكل يعلم ان هذه البيئة الامنة لقوات الطوارىء الدولية لا يمكن ان توجد من دون موافقتنا، فنحن موافقون.

* الى اي مدى انتم موافقون على القرار 1701؟

موافقون على وجود قوات الطوارىء الدولية في اطار المهمات التي تعني اساساً حفظ الامن العام ومنع اسرائيل من الاعتداء والتزام مساندة الجيش اللبناني في مهماته.

* مع احترامنا لكل شعبنا من الشمال الى الجنوب، ولكن هل هو مدرك الى هذه الدرجة تفاصيل القرار 1701، وما هي صلاحيات اليونيفيل؟

يبدو ان معرفة طبيعة الاهالي واحتكاكهم وارتباطهم بـ "حزب الله" في الجنوب ليست دقيقة. الاهالي في الجنوب مسيسون ونحن على تواصل معهم ونشرح لهم ما هو حق لهم وما هو واجب عليهم، وما هو حق وواجب للاخرين. لذلك عندما يتحرك الاهالي بالتأكيد يتحركون وفق هذه الرؤية. وانا اقول ان ما حصل هو رد فعل طبيعي، يعني نحن موافقون على ما حصل ولسنا متنصلين منه، ولكن الفرق بين ان يكون "حزب الله" قد نزل هو بشكل حزبي وتنظيمي وبادر الى هذا الموضوع، او ان يكون الاهالي الذين لم يعلم الدوليون التمييز بينهم وبين "حزب الله" بسبب الالتحام القوي الموجود بينهم. عندما تحصل ردة الفعل في لحظة المشكلة لا يستطيع احد ان يضع ضوابط او ان يرسم حدوداً. لا اعتبر ان شيئاً خطيراً أو استثنائياً حصل في ردة الفعل.

* كيف تصفون علاقة الحزب باليونيفيل؟

علاقتنا جيدة وتحصل لقاءات دائماً على مختلف الصعد، ان شاء الله سنقوم بالخطوات اللازمة لتأكيد ان لا مشكلة بيننا وبين اليونيفيل، وليس لنا موقف سلبي تجاهها. كان لنا موقف سلبي تجاه حادثة معينة ولا يجب ان تتكرر. قرأت تقريراً يورد ان عدد الانتهاكات الجوية والبرية والبحرية منذ 14 آب 2006 حتى آخر شهر نيسان 2009 بلغ 4900 خرق. ونقرأ تقارير مجلس الامن والامين العام للامم المتحدة فنراه يتصرف مع الخروق على أنها حوادث سخيفة. ولكن اذا حصلت حادثة مرتبطة بـ "حزب الله" وهناك شك في هذه الحادثة تأخذ مساحة كبيرة من التقرير، مثل اتهام اسرائيل لنا اننا نهرب السلاح، ويسألون الدولة اللبنانية فتقول ليست لدينا معلومات عن هذا الموضوع، ثم يقول الامين العام للامم المتحدة انه توجد شكاوى اسرائيلية ويرجح انها صحيحة. كيف يحق لك ان ترجح شيئاً ليس فيه مستند ولا بينة".

* هل تؤيد قول البعض ان قوات اليونيفيل المتواجدة في الجنوب اللبناني هي لحماية حدود إسرائيل أم هي فعلاً لحمايتنا من إسرائيل؟

قد يكون هدف الذين ساهموا في صياغة القرار الدولي 1701 ان تحمي قوات اليونيفيل إسرائيل. إلا اننا قررنا التعامل مع هذه القوات على أساس ممارساتها على الأرض طالما ورد في القرار 1701 انها تساند الجيش اللبناني في عملياته وتحفظ الأمن وتمنع الطرفين. لذا سنتابع الإجراءات العملية ولن ندخل في الهواجس والدليل على إيجابيتنا هو مرور ثلاث سنوات لم تحصل خلالها أي إشكالات بيننا وبين اليونيفيل.

* ما تعليقكم على ما قاله قائد قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة ان "مجرد وجود مستودع للأسلحة والذخيرة جنوب نهر الليطاني يمثل إنتهاكاً خطيراً للقرار الدولي 1701"؟

وجهة نظرنا تختلف عن وجهة نظره. فنحن نعتبر ان مهمة قوات الطوارىء هي منع التصادم ومراقبة تنقل السلاح والمسلحين ولا يندرج ضمن مهماتها دهم البيوت أو المخازن أو أي أمر آخر. وهنا أذكّر بالنقاش الحاد الذي حصل داخل الحكومة اللبنانية قبل أيام من صدور القرار الدولي 1701، حيث حسمت المسألة بأن المطلوب عدم وجود مظاهر مسلحة ونقل للسلاح في جنوب نهر الليطاني ولم يكن الأمر مرتبطاً بأي أمر آخر، حتى فكرة نزع السلاح كانت خارج التداول لأن المطلوب حفظ الأمن العام ولهذا الامر آلياته.

* هل تم فتح تحقيق عن كيفية انفجار مخزن السلاح ومسؤولية من هذا التحقيق؟

الجيش اللبناني يجري الآن تحقيقه حول الإنفجار وهو يستطيع ان يصدر ما يريد حول النتائج التي سيتوصل إليها.

* هل ستسمحون له بأن يصدر نتائج تحقيقه؟

طبعاً، نحن لا نتدخل بما يقرره الجيش اللبناني.

* تقرير الأمم المتحدة يشير الى محاولة قوات من اليونيفيل والقوات المسلحة اللبنانية الإقتراب من مكان الإنفجار، لكن عناصر في "حزب الله" بالملابس المدنية منعتهم من ذلك. ما ردكم؟

نعم، لحظة الإنفجار قد يصح هذا الكلام، ففي الأمر خطورة، لذا تابعنا الموضوع مع الجيش اللبناني، الذي وصل بدوره الى المخزن وأجرى التحقيقات اللازمة والأمور سارت بشكل طبيعي.

* ما هو سبب انفجار المخزن أساساً؟

سبب الإنفجار غير أمني وليس نتيجة أي عمل تخريبي.

* حصل لغط كبير حول استشهاد الضابط الطيار سامر حنا، حيث اعتبر البعض ان "حزب الله" لم يقدم مطلق النار بل اختار أحد عناصره ليقدمه الى المحاكمة، فما هي الصورة الحقيقية لما حصل؟

القضاء تسلم الملف وتعامل مع الحادثة مثل أي حادثة أخرى تتطلب تحقيقاً وشهوداً لإصدار الأحكام، ثم أصدر حكمه بأن ما حصل هو خطأ غير مقصود، حيث لم يتعمد مصطفى المقدم قتل الضابط حنا لأنه لم يعرف ان المروحية لبنانية أصلاً، فالأرزة عليها كانت صغيرة وغير واضحة، اضافة الى ان لون المروحية يتشابه مع ألوان المروحيات الإسرائيلية لذا اشتبه الأمر على الأخ المقدم وأطلق النار عليها فأصيب الضابط حنا. هنا أذكر انه عندما يصدر القضاء العسكري تحقيقه بعنصر في الجيش اللبناني بالتأكيد ستكون لديه مراعاة خاصة لوضعية الجيش اللبناني. لذلك بعد إصدار الحكم وإثبات عدم العمدية تصبح الروايات السياسية من دون معنى ودق الأسفين بيننا وبين الجيش اللبناني في غير محله.

* كيف تصفون علاقتكم بالجيش اللبناني؟

جيدة جداً.

* هل تعاونتم في كشف شبكات التجسس الإسرائيلية؟

خلال حركة الجيش على العملاء كنا نزوده المعلومات المتوافرة لدينا في ما يتعلق ببعض الشبكات وبالتالي هناك تنسيق دائم بيننا.

* أشار السيد حسن نصر الله الى ضرورة متابعة فرع المعلومات لجهوده بالوتيرة نفسها كما حصل قبل الإنتخابات في قضية شبكات التجسس، فما الذي تغير منذ ما قبل الإنتخابات ؟

التواصل بيننا وبين فرع المعلومات قائم رغم ان وجهة نظره وإنتماءه ليسا مجهولين، فما يهمنا هو العمل المهني، لذا عندما يعملون بطريقة مهنية نتعاون معهم بشكل كامل. وفي هذا الإطار تعاونا في عدد من ملفات الشبكات. أما بالنسبة الى ما قصده سماحة السيد حسن فنحن نطالب بحركة إضافية تجاه العملاء من دون ان نتهم احداً بالتقصير أوالتواطؤ بل نرغب بالمزيد من الحيوية في كشف الشبكات.

* هذه أسرع وتيرة شهدها لبنان في كشف شبكات التجسس الإسرائيلية منذ زمن بعيد، فما المطلوب إذاً؟

المطلوب ان تكون الوتيرة بعد الإنتخابات كالوتيرة قبل الإنتخابات.

* ما هو تفسيركم لارتفاع وتيرة كشف الشبكات الإسرائيلية قبل الإنتخابات؟

تراكمت مجموعة من المعلومات، اضافة الى حرص عدد من المسؤولين على إبراز جدية في هذا الملف، حيث عملوا ليلاً نهاراً للوصول الى نتائج سريعة ومباشرة. أما الآن فالمطلوب هو متابعة العمل كما قبل الإنتخابات.

* تحدث الاسرائيليون عن التفوق الفكري لدى الأجهزة اللبنانية في كشف هذه الشبكات مما خلق أزمة في الداخل الإسرائيلي. في المقابل حدثت 15 عملية اغتيال منذ 2005 لم نتوصل فيها الى خيط واحد، فما رأيك بهذا الأمر مع ما لـ "حزب الله" من يد أمنية تمتد على الأراضي اللبنانية؟

هناك خلط بين اهتمامات "حزب الله" على الصعيد الأمني والأمن العام الذي له علاقة بلبنان ككل. فنحن نهتم منذ البداية بالموضوع الإسرائيلي ونركز على الشبكات والعملاء والمناطق التي يمكن ان يحصل فيها إيذاء للمقاومة أولبيئتها التي تحتضنها بشكل مباشر، لأن ذلك ينعكس بشكل سلبي على المقاومة. ليس لدينا أجهزة أمنية تطال لبنان والقضايا المختلفة والمخابرات الأميركية والبريطانية والفرنسية وغيرها من الأجهزة المخابراتية، ولا نمتلك امتداداً في المناطق المسيحية او الدرزية أو السنية البعيدة من خطوط التماس مع العدو الصهيوني. عادةً لا بد للامن من ان يكون ممتداً ليربط المعلومات بعضها بالبعض. هذا الأمر تمتلكه الأجهزة الأمنية اللبنانية الممتدة في مختلف المناطق، بينما نحن في "حزب الله" كما لاحظتم نجحنا بالمساعدة في الموضوع الإسرائيلي ولم تكن لنا علاقة بالملفات الاخرى وليس لدينا معلومات فيها.

* لكن المعلومات قد تتشابك...

إذا ظهرت لدينا معلومات في قضايا أخرى بالتأكيد سنزود الأجهزة الأمنية بها، وهذه الاجهزة إذا تبين لديها أي خيوط بالتأكيد ستتابعها الى النهاية لأنه يعتبر أنجازاً كبيراً إكتشاف أي من الشبكات. فكما لاحظنا سابقاً إستطاعوا اكتشاف الشبكات التي قامت بتفجيرات عين علق وطرابلس.

* ألا تجدون أنفسكم مسؤولين معنوياً في المساعدة على إيجاد الحقيقة لتبرئة ساحتكم منها، سيما بعد الحديث الذي دار بعد اغتيال الرئيس الحريري عن تفخيخ السيارة في الضاحية الجنوبية اضافة الى ما أشار إليه تقرير "در شبيغل"؟

لا إمكان لمواجهة إتهامات تفبركها أقلام مأجورة أو مخابرات تلعب بطريقة مركزة لإيجاد حرب نفسية علينا أو على غيرنا. هذا الأمر سيبقى موجوداً في الساحة، فكل يوم ستقرأون روايات كثيرة، لذا قررنا ان لا نناقش الخبريات الأمنية او القضائية في الإعلام، فليقولوا ما يشاؤون. نحن نتعامل مع الوقائع والحقائق لأننا نتمنى اكتشاف الحقيقية في قضية الرئيس الشهيد رفيق الحريري. هنا أكرر ما قاله سماحة الأمين العام عندما أجاب على إشكالية طرحت حول مساهمتنا في محاولات البحث الأمني في الجرائم: "إذا كانت السلطة السياسية تريد منا هذا الدور فليكلفنا مجلس الوزراء بهذا الأمر.

* هل تقرير "در شبيغل" حرب معنوية فقط؟

هذا التقرير لا معنى ولا قيمة له وبالتالي هو جزء من الحرب النفسية وقد ارتد سلباً على من كتبه لأنه فضح عقلية تريد توجيه الأمور بطريقة معينة. فلننتظر ما سيقوله التحقيق وعندها سنتعامل معه.

* هل تتهمون أحداً؟

نحن قلنا سابقاً ان المتهمين كثر، وقد تكون إسرائيل بينهم. هذا إتهام سياسي لذلك لا نريد الإستمرار فيه طالما ان هناك جهة قضائية تعمل على متابعة الإتهام.

* هل تؤمنون بعمل المحكمة الدولية؟

نحن نؤمن بالصواب في المحكمة الدولية، لذلك عندما أطلقوا الضباط الأربعة من السجن قلنا لهم ان ذلك عمل جيد وصائب، لكن ما جرى قبل ذلك كان مسيساً فأحكامهم ومواقفهم لم تكن مقبولة ولا يمكن إعطاء صفة القداسة للمحكمة الدولية بعدما مرت بمحطات كثيرة كانت فيها مسيسة، ومحطة واحدة كانت فيها موضوعية. لذا سننتظر ونبني على ما يعرضونه.

* هل طويت مرحلة التسييس؟

لم تطوَ وربما تكون موجودة في المستقبل ويمكن ان يسيروا بمسار قانوني موضوعي، فهذا رهن بما سينتج من المحكمة.

* هل تتخوفون من أن يكون تقرير" در شبيغل" مشابهاً للقرار الظني الذي ستصدره المحكمة الدولية؟

هذا التقرير مصاغ على طريقة قضية زهير الصديق.

* هل تتبنى الكلام الذي يقول ان أقلاماً وأيادي لبنانية ساهمت في صياغة تقرير "در شبيغل"؟

هذا التقرير صنع في لبنان وليس خارجه.

* من تتهمون إذاً؟

اترك لكم البحث عن ذلك.

* هل تقرون بدور النائب وليد جنيلاط في إحباط ما كان يسعى إليه تقرير "در شبيغل"؟

موقف الأستاذ وليد جنبلاط فيه رؤية بعيدة، فهو لا يريد أن تدخلنا المحكمة في لعبة الأمم حيث اعتبر أن ما حصل الى الآن لم يكن إلا لعبة أمم. فالإتهام كان متجهاً الى جهة محددة طوال أربع سنوات ثم انتقل الى جهة أخرى. ليس لدينا مصلحة في أن يدخل لبنان في دوامة جديدة خلال السنوات الأربع المقبلة لينتهي الإتهام ربما في مكان ثالث.

* لكن هذا الإتجاه الآخر تحدث عنه جنبلاط في حديثه الشهير سابقاً عن الشاحنات التي تخرج من الضاحية؟

أنا أعتبر ان ما تكلم به الأستاذ وليد جنبلاط اخيراً بعد تقرير "در شبيغل" حول المحكمة يبين أنه غير مطمئن الى عدم تسييس المحكمة، وبالتالي فهو يحذر من ان هذا الأمر سيكلفنا كثيراً في لبنان. وهو محق في ذلك لأنه لا يمكن اللعب بمصائر الناس لاعتبارات سياسية أو لكولسات قد تحصل بين بعض الأطراف.

* لماذا أضعت تفاؤل الرئيس نبيه بري بقولك ان كلامه "قد يكون في غير مكانه لأن ظروف ولادة الحكومة لم تنضج بعد"؟

تفاؤل الرئيس بري أتفهمه تماماً وأعتقد انه مبني على ما قدمته المعارضة للرئيس المكلف، فالرئيس بري يعلم تماماً ان المعارضة اجمعت على تسهيل مهمة الرئيس الحريري. ومنذ اليوم الأول قالت ما عندها ولم توارب ولم تضع سقفاً مرتفعاً تمهيداً للوصول الى السقف المنخفض، بل تم الحديث مع الرئيس المكلف بوضوح في كل الامور. فللمشاركة عناوين منها، ان لا نكون شهود زور، وان لا نأخذ كأجزاء في المعارضة، وان تكون المشاركة فعلية في القرارات الأساسية، أي في الـ 14 بنداً المحددة في الدستور، وبالتالي نحن حاضرون لتسهيل كل هذا العمل. لذلك أعتقد ان حديث الرئيس بري عن التفاؤل مبني على اساس ان المطلوب هو جواب الطرف الآخر، وهذا الأمر يحتاج الى إقدام من الرئيس الحريري.

* ولكن أليس من تناقض بين الكلام على ارادة الرئيس الحريري والخط السوري - السعودي الذي قلت انه لم يستوِ بعد؟

هذه هي الشجاعة عند الرئيس الحريري في ان يقول لمن يعنيهم الامر، داخليا وخارجيا، لا تضيعوا وقتنا لان الامور وصلت في لبنان الى حافة لا نستطيع تجاوزها، وبالتالي عليه ان يفكر بالمخرج المناسب الذي يحفظ المعنويات للجميع. وفي النهاية، لا نريد ان ينكسر احد او ان يربح احد، بل ان يثبت هذا المسار الذي نتج من اشهر طويلة قبل الانتخابات النيابية.

* واذا قال الرئيس الحريري هذا الكلام للسعودية، من يقول الكلام نفسه لسوريا؟

ومن قال ان سوريا عقبة في الموضوع؟ ان الخط السوري - السعودي لم يتوصل بعد الى قاسم مشترك ينهي فيه تعقيد تأليف الحكومة، لكن هذا لا يعني انه يمانع ويعوّق اذا تم التفاهم في لبنان. ان كل البحث كان قائما حول ما اذا كانت المعارضة تعطى ضمانات شفوية في ما تريده، من دون ترجمة هذه الضمانات بآليات الحكومة. هذا هو المسعى في اللقاء السعودي - السوري، انما لم يتوصل الى هذه النتيجة، لان المعارضة تريد ترجمة هذا الاتفاق بآليات تأليف الحكومة، والتي عبرت عنها بالصيغة المبدعة، من دون التمسك بشكل معين. عمليا يمكن الرئيس المكلف ان يقول لمن يناقشه في جماعات 14 اذار ومن المؤثرين الاقليميين والدوليين، ان هذا الوقت يحتسب من حياتنا وسنصل الى النتيجة نفسها، لان ما يمكن ان نقرّره بعد شهرين، نستطيع ان نقرره اليوم، والاتجاهات باتت محسومة. واذا لم يحسم الامر يكون تضييعاً للوقت الا اذا اعتبر بعض المؤثرين انه يمكن ان يتغير شيء في المعادلة، انما في اعتقادي لا شيء سيتغير، فاما ان تتشكل حكومة مشاركة فيها هذه الصيغة الابداعية، واما ألا تتشكل.

* ما هي هذه الصيغة الابداعية، وماذا عن الثلث المعطل او الضامن او غيره من اللعب على التسميات؟

لو كنت اريد الافصاح عنها، لتكلمت عليها. عندما اقول صيغة مبدعة، فهذا الكلام يعني فتح باب للرئيس المكلف من اجل ان يرعى الاخراج المناسب الذي يوفق بين الطرفين من دون التراشق الاعلامي الذي يؤدي الى كسر طرف مقابل الآخر.

* ولكن أليست هذه المعادلة صعبة بالنسبة الى رئيس حكومة شاب يخوض تجربته الاولى في التأليف؟

لو كنا امام خيارات سياسية متعددة، لوافقتكم ان الامر صعب عليه، لكننا امام خيارين لا ثالث لهما، اما ان تتشكل حكومة مشاركة بتطمين المعارضة بالصيغة المبدعة، واما الا تتشكل ويذهب الامر الى تشكيل حكومة لا معارضة فيها، وهذا غير مطروح. لذلك، انحصر الامر بالخيار الاول.

* بهذا الكلام وضعتنا امام لوحة تشكيلية لم نفهم منها شيئاً؟

اذا كنا نريد فعلا النجاح للرئيس المكلف، فلا نريد ان نحشره. اذا قلنا اننا لا نريد الا شروطا معينة، واذا وافق عليها، فهذا يعني انه ينكسر. وهنا، سنقع في اشكال نفسي ومعنوي. آثرنا ان نلتزم الصمت ونفتح له الكوة حتى يأخذ القرار، ويقول هذا هو قراري من بنات افكاري ونتيجة المشاورات وقد نجحت في تذليل العقبات. وهذه هي الصيغة المبدعة.

* وماذا عن حصة رئيس الجمهورية في الحكومة؟ هل صحيح انكم قطعتم الطريق امامها؟

حصة الرئيس جزء لا يتجزأ من الاتفاق الذي سيحصل.

* رفضتم ان تكون حصة الرئيس الضمانة بين المعارضة والموالاة؟

نحن لم نرفض.

* انما رئيس الجمهورية عرض ان يكون هو الحصة الوازنة بين الطرفين؟

رئيس الجمهورية توافقي، ودوره بالتالي ان يوازن بين الطرفين وان يتعامل بطريقة وسطية وموضوعية تساعد في تقريب القلوب. عندما نصل الى التفاهم بيننا وبين الرئيس المكلف، معنى ذلك ان رئيس الجمهورية سيكون مسرورا. لسنا في اطار نقاش حصة الرئيس وحصة غير الرئيس.

* اذاً سيكون له الدور الاخير؟

لماذ ترتب الادوار؟ لا الموالاة في الاول، ولا المعارضة في الاول. من دون ترتيب، لان الترتيب يُتعِب. رئيس الجمهورية جزء من النقاش.

* هل قنوات الاتصال به جيدة؟

نحن على تواصل دائم معه، والوزير محمد فنيش التقاه قبل ايام.

* ثمة شعور ان المعارضة "تعاقبه" بعد الانتخابات؟

بالنسبة الينا الانتخابات انتهت والنتائج حصلت، ولا حاجة الى ان نعود اليها. نحن في "حزب الله" نرى ان الانتخابات غيّرت امرا واحدا فقط، وهي انه كان لدينا رغبة في ان نكون اكثرية نيابية، ولم تتحقق. ما عدا ذلك، لم يتغير شيء. لا نزال في المسار السياسي الموجود في البلد منذ اتفاق الدوحة، وسنبقى فيه. قبل اربعة اشهر، قلنا سواء نجحت المعارضة او لم تنجح، لم يعد هناك امكان لتعديل المسار السياسي في البلد الذي يقوم على مسلمات اربع. اولها ان المشاركة ضرورية ولا يستطيع احد ان يحكم وحده. ثانيا، المقاومة والسلاح خارج التداول وعلى طاولة الحوار. ثالثا، الوصاية الاميركية وقفت عند عقبات كبيرة لم تستطع ان تتخطاها، لذلك، لا يوجد وصاية اجنبية قادرة على ان تتصرف رغم "خربشات" بين الحين والاخر. رابعا، كل الدول المحيطة ادركت ان توازن القوى في لبنان متقارب جدا الى درجة لا تستطيع معها ان تغلب فريقاً على آخر. هذا الكلام عمره اربعة اشهر، قبل الانتخابات. هم اخذوا هذا المسار من اليوم الاول بعد الانتخابات، حين قال سعد الحريري ان سلاح المقاومة خارج التداول وعلى طاولة الحوار. ومن كان يفكر من الطموحين الذين يقتاتون من الفتن باستثمار نتائج الانتخابات اكتشف لاحقا ان لا استثمار لها. هذا هو لبنان. وفي المنطقة ستاتيكو جديد نتج من فشل الرئيس جورج بوش وانهيار قدرة الادارة الاميركية على المتابعة بالوتيرة نفسها. وعلى رغم عدم تفاؤلي بخطاب اوباما، الا ان المسار السياسي الاقليمي والدولي ليس تصادميا، والرهان عند فريق في لبنان للغلبة على فريق آخر، كان يعتمد على المشاكسة الدولية التي فيها روحية السيطرة والقمع بالقوة. وعندما سقطت هذه النظرية، بدأت فكرة الحوار تتقدم. وهذا انعكس على لبنان، والفريق الذي كان يعتمد على الخارج، قرر ان يعتمد على امكاناته.

* هذا يعني ان لا حرب مقبلة؟

على الارجح. لا معطيات تدل على حرب اسرائيلية في الفترة المقبلة، انما نحن كمقاومة نتصرف على اساس الجهوز الكامل حتى لا تحصل خديعة، وجاهزون بكل ما اوتينا من قوة.

* هل أنجزت طاولة الحوار شيئاً حتى اليوم؟

أنجزت تهدئة خدمت في محطات معينة وسمحت للبنانيين بالجلوس مع بعضهم البعض، وكذلك اعطت مواقف في قضايا كانت دائماً موضوع نقاش كالمحكمة الدولية والعلاقة مع سوريا والسلاح غير اللبناني، واعتقد ان كل هذه الامور حسمت جدلاً في هذه القضايا واراحت الساحة.

* لكن ما بُحث لم يُنفّذ.

متابعة التنفيذ من مهمات الحكومة. كلما كان الجو توافقياً يمكن تنفيذ ما اتفق عليه.

* لكن ماذا يمكن ان تقدم بعد؟

النقاش حول الاستراتيجيا الدفاعية ما زال قائماً. قرأت تصريحات لرئيس الجمهورية وآخرين تبدي رغبة باضافة موضوعات شائكة الى ما تبحثه طاولة الحوار.

* كيف تصفون علاقتكم بالنائب وليد جنبلاط؟ كنتم على خلاف خلال الاعوام الاربعة الماضية، ومن تابع ما عرضته قناة "المنار" عن النائب اكرم شهيب اعتبر اننا وصلنا الى نقطة اللاعودة، لكن في الفترة الاخيرة كأن كل ما قيل محي، والشيخ محمد يزبك مثلاً وصف جنبلاط بـ "الزعيم الوطني"...

بات واضحاً ان لا صداقات دائمة في السياسة ولا عداوات دائمة، طالما ان الامر يبقى محصوراً في إطار الخلاف السياسي. اعتدنا في لبنان ان تعلو السقوف الى درجة توحي بالقطيعة عند حصول الخلافات، وهذا جزء من أدوات اللعبة. لكن الكل يعلم اننا لا يمكن ان نستغني عن بعضنا البعض، فنحن اشبه بالعائلة التي لا تنكر انتماء ولدها مهما قام به.

* هل يمكن ان يجلس في مقاعدنا امامك مثلاً (عميد الكتلة الوطنية) كارلوس اده و(رئيس الهيئة التنفيذية في "القوات اللبنانية") سمير جعجع و(النائب) سامي الجميل؟ تقولون اننا في حاجة الى بعضنا البعض، هل يمكن ان تجلس وسمير جعجع؟

لا حاجة للجلوس مع بعضنا البعض، ولا شيء يستدعي ان نناقشه معاً. هم يعملون بطريقة متوترة ويهاجموننا ليل نهار "خليهن يكفوا تيشبعوا لنشوف لوين حنوصل". اذا عادوا عن توترهم واختلف خطابهم، تصبح امكانات اللقاء متوافرة.

* لكن سماحة الشيخ تطرحون منطق "من يغيّر موقفه فليأت الينا، لكن نحن لا نخطو خطوات تقارب تجاه الآخرين"، وكأنكم تتعاملون بفوقية؟

انا أقول ان البعض يتهمنا ويتوتر ضدنا ويتكلم بطريقة قاسية عنا، فاذا لم يغير منطقه كيف نجلس معاً؟ راجعوا خطابات "حزب الله"، نحن لا نتصرف من منطلق محاولة ايذاء الآخرين. لديهم حاجات لها علاقة بمناطقهم ويعتقدون ان رفع الوتيرة ضد "حزب الله" يكسبهم جمهوراً اضافياً. فليحاولوا ويروا الى اين يصلون.

* "شكلها ربّيحة" وأكسبتهم الانتخابات.

لم يكسبوا الانتخابات بهذا الخطاب. كسبوها بالمال والتدخل الدولي واشياء اخرى.

* هذه هي العوامل التي أدت الى عدم فوز المعارضة؟ ام عوامل ذاتية كخطابات السيد نصر الله والرئيس الايراني محمود احمدي نجاد، او حتى حديثكم عن مجلس الامن قبل الانتخابات. ألم ترتد هذه الخطابات سلباً على موقعكم في صناديق الاقتراع؟

كل العوامل المؤثرة في الانتخابات تؤثر لدى ما تسمى "الكتلة الناخبة"، وحجمها صغير. كل الباقي "معلّب". مهما فعلت لن يتغير الموقع لان معظم الناس اتخذوا مواقفهم. الكتلة الناخبة التي تأثرت بهذه العوامل لم تكن هي المرجحة.

* لكن هذه الكتلة موجودة في الوسط المسيحي، والذي كان دوره حاسماً؟

الكتلة الناخبة موجودة اساساً في الوسط المسيحي، لكنها خضعت لعملية تشويش وعرضت عليها أموال كثيرة. اذا جمعنا المغتربين والاموال والتحريض المذهبي نحصل على 25%. الـ 75% المتبقية اتت من شراء بعض المندوبين والاشخاص في ماكينات انتخابية وهي التي قلبت النتيجة.

* خطاب الرئيس أمين الجميل يختلف تجاهكم، احياناً تكون نبرته تصعيدية لكن في المقابل نرى مبادرات ايجابية. هل تختلف العلاقة معه عن الآخرين؟

الرئيس الجميل لا يقوم حالياً بمبادرات ايجابية تجاه "حزب الله". لا نعلم اذا كان سيبدل، نحن ايجابيون، لكن الامر يرتبط بالخطاب. اعتقد ان خطابه لا يفيده في الشارع المسيحي. اذا افترض انه سيمكنه من التنافس مع سمير جعجع، فليفكر أبعد من ذلك.

* المسيحيون في هذا الاطار يشعرون بعزلة. النائب وليد جنبلاط اعاد طرح موضوع "الحلف الرباعي"، وحضرتكم منفتحون في الاطار السياسي على السنة والدروز، لكن هناك مجموعة مسيحية تُعزل ولولا العلاقة مع "التيار الوطني الحر" لكان المسيحيون شعروا انهم خارج المعادلة.

"شو هوي شوي الجنرال عون؟" (يضحك)، "التيار" يمثل اكثر من 50% من المسيحيين. أبديت رأيي بنتائج الانتخابات.

* هل يمكن اعادة احياء "التحالف الرباعي"؟

لا امكان لقيامه، الموضوع اصبح من الماضي. كانت له ظروفه وانتهى. التحالف القائم مع العماد عون جذري واساسي. ممكن ان تتبدل اصطفافات بحيث لا يعود هناك 8 و14 او تطرح رؤية جديدة تجمع كل المؤمنين بالمسار الذي عرضناه. المطروح ان يعدل احدهم من مكان الى آخر وهذا الامر غير موجود لدينا كمعارضة، بل لدى الطرف الآخر لحسابات لديهم. لذلك لا تحالف رباعي ولا خماسي، ولا موضوع اسلامي واستبعاد للمسيحيين. علاقتنا مع الاطراف المسيحية غير العماد عون موجودة. ربما هي مقطوعة مع طرف او اثنين نتيجة مواقف حادة. اساساً المطلوب من العلاقات ان تكون مبنية على رؤية سياسية. اذا تقاربت هذه الرؤية نتقارب.

* ماذا عن العلاقة ببكركي؟

عادية.

* بمعنى؟

تفتقر الى الحرارة.

* لماذا لا "تدفئونها"؟

التدفئة تتطلب يدين.

* مددتم يديكم ولم تجدوا يداً مقابلة؟

الامر يرتبط بالمواقف. في الفترة الاخيرة قام الوزير السابق وديع الخازن بجهد مشكور. اتصل بي وبغبطة البطريرك وتم نقل رسائل متبادلة. نأمل مع وجود المواقف المُقرّبة ان نقترب اكثر. لا نضع حواجز ولا ممانعة او موقفاً سلبياً، لكن اللقاءات يجب ان تكون مشفوعة بقدر من "اللقاء" السياسي.

* العلاقة مع سوريا؟

جيدة.

* نشعر ان دورها يزداد اكثر فأكثر من خلال المعارضة؟

هل تعتقدون ان سوريا تعود الى لبنان بواسطة المعارضة، وكل الدول الاخرى لا تعود بواسطة الموالاة؟ لماذا تركيب الامور على قاعدة ان زيادة قوة المعارضة تعني عودة سوريا الى لبنان؟

* الآخرون مختلفون مع السوريين...

لكن لديهم حلفاء آخرون يعودون الى لبنان. ان نكون أقوياء كمعارضة معناه ان موقفنا السياسي قوي ونعلنه. قلنا مراراً ان لا امكان الا لقيام علاقات ممتازة مع سوريا على قاعدة انها في سوريا ونحن في لبنان. لا احد يطرح عودة السوريين الى لبنان. كل من كانوا يعتبرون ان زيارة (دمشق) محرمة باتوا يناقشون في توقيتها، قبل التأليف او بعده. الزيارة محسومة، لكن البعض يحاول تسجيل انتصارات في موضوع التوقيت.

* انتم مع زيارة الرئيس المكلف لسوريا قبل التأليف او بعده؟

نشجعه على زيارة سوريا وليختر التوقيت المناسب بالتفاهم مع السوريين. الامر يعنيه من موقعه.

* لكم دور في فتح الطريق؟

لا يحتاج الى دور. لديه وسطاء وشبكة علاقات تمكنه من الذهاب الى سوريا في الوقت الذي يريد.

* هل ستفتحون الطريق للنائب جنبلاط؟

له خياراته وهو قال ان توقيت ذهابه الى سوريا سيلي زيارة سعد الحريري، والاكيد ان لجنبلاط قنواته القادرة على ايصاله.

* لماذا لا يزورنا رئيس الحكومة السورية؟

يذهب رئيس حكومتنا ثم يزورنا رئيس الحكومة السورية. هذا تبادل ما بين الدول.

* زيارته قبل التأليف يعني اننا ما زلنا مكاننا؟

قبل التأليف او بعده سيان.

* ماذا عن الشهداء؟

"الله يرحمهم". من اتخذ الموقف القاسي تجاه سوريا اخذ الامور الى حدها الاقصى. مع تغير الظروف من الطبيعي ان يبادر لاعادة الامور الى مجاريها. سوريا بلد اقليمي مهم ولبنان لا يقدر على العيش من دون الرئة السورية، وفي الوقت نفسه سوريا تحتاج الى ان لا يكون لبنان محطة لرشقها. ليس مهماً من يبدأ أولاً، بل من المهم الوصول الى حل ينهي التشنج السوري - اللبناني.

* تقولون ان الامام علي خامنئي "يحدد خطوط أدائنا السياسي لكنه لا يتدخل في التفاصيل". ما معنى تحديد الخطوط، وماذا لو قرر الدخول في التفاصيل؟

انا أرغب في عرض توضيح تفصيلي. "حزب الله" حزب ديني سياسي، وبالتالي يحتاج الى نيل مشروعيته الدينية والسياسية من القيادة التي تمنحها. معروف ان للطائفة الشيعية في العالم مراجع تعود اليهم من اجل تبيان المسائل الشرعية وهذا ليس جديداً. في فترات سابقة كان يقال ان شيعة لبنان يقلدون السيد الخوئي الموجود في النجف الاشرف، وفي مراحل اخرى السيد محسن الامين الذي كان لبنانياً مقيماً في سوريا... يبحث الشيعة دائماً عن مرجع التقليد ليقول لهم ما هو تكليفهم الفردي من اجل عباداتهم. قسم آخر من العمل يطلق عليه "العمل المجتمعي" وهو من اختصاص الولي الفقيه. المرجع (الديني) يتخصص بالموضوع الفقهي الفردي، لكن من يتصدى لفقه الجماعة هو الولي الفقيه. نحن كحزب اعتبرنا ان الولي الفقيه كان الامام الخميني وخلفه الامام الخامنئي. هو يحدد لنا الخطوط العامة التي تبرىء ذمتنا وتمنحنا المشروعية. ما المقصود بالخطوط العامة؟ مثلاً: هل قتال اسرائيل واجب أم حرام؟ اذا قلنا انه واجب يصبح المقتول في قتال اسرائيل شهيداً وفق فهمنا، اما اذا قلنا انه حرام فيذهب المقتول الى جهنم لانه لا يجوز له ان يذهب الى هذا القتال. الولي الفقيه يقول ان قتال اسرائيل واجب، مما معناه ان من يقتل في هذه المعركة هو شهيد لانه لا يجوز لأحد ان يفرط بدمه. لا يمكنني كفرد الذهاب في عملية ضد اسرائيل بلا مسوغ شرعي. تلاحظ الانضباط العالي في عملنا لاننا نملك موقفاً شرعياً. اما كيف نقاتل اسرائيل ومتى وكيف نتسلح وكل هذه التفاصيل، فهذا شأن يعنينا كمكلفين لاننا ادرى بشؤوننا وظروفنا ولا يقول الولي الفقيه للشخص ان يقوم بما يتعدى طاقته، وبالتالي لا يمكنه ان يتدخل في هذه التفاصيل. من هنا ذكرت ان للامر علاقة بالمشروعية. يبدو ان البعض لم يفهم ما طرحته في كتابي عن الانتخابات: هناك نقاش لدى السنة والشيعة عن المدى الذي يجوز للمتدين العمل به في نظام غير اسلامي. جئنا الى موضوع المشاركة في الانتخابات، وهي نظام غير اسلامي. سألنا الولي الفقيه، قال "يجوز". اعطانا القاعدة التي تبرىء ذمتنا. نحن نبحث عن مشروعيتنا من أجلنا لا من اجل الآخرين. وبالتالي انت كـ "آخر" تناقشني بنتيجة المشروعية والمواقف التي اتخذتها في ضوئها. عندما يقول الارشاد الرسولي للمسيحيين "عليكم ان تتفاهموا مع محيطكم وتكونوا مع العرب"، أليس توجيهاً سياسياً؟ هذه ولاية فقيه لدى المسيحيين لمن يأخذ بها.

* لكن اذا اعتبر الولي الفقيه انه لا تجوز المشاركة في الانتخابات، الا يعني ذلك انكم تقاطعون المشروع الذي تتشاركون فيه مع المواطنين الآخرين؟

- الولي الفقيه يقول لي لا تجوز المشاركة في نظام غير اسلامي.

* بمعنى ان نؤسلمه للمشاركة؟

لا، هو يعطيني الموقف العام. حالياً تتعاملون مع حزب اجاز له فقيهه العمل في تركيبة النظام، ما المطلوب اكثر من ذلك؟ ناقشونا من هذه النقطة بدلاً من طرح اسئلة "لو".

* لكن هناك تخوف انه ربما بعد سنوات قد يقول شيئاً مختلفاً...

هذا التخوف ليس في مكانه. هو جزء من الهواجس النفسية. كما تتخوفون من ان يطرح علينا الولي الفقيه فكرة معينة، انا اتخوف ان "تطلع براسكن" فكرة "لا تركب على راسنا".

* لكن فكرتنا تلزمنا وحدنا، الولي الفقيه يلزم مجموعة.

اذا طرح النائب سعد الحريري او وليد جنبلاط او اي كان، فكرة "تقلب البلد"، وهناك طرف آخر لا تعجبه، فهذه فكرة مماثلة لما يمكن ان يصدر عنا ولا يعجب الآخرين. ربط الامر بالولي الفقيه خطأ لانه لا يتدخل في هذه التفاصيل. لا علاقة لنا بكيفية حصول كل طرف على مشروعية فكرته، لكن العلاقة هي بالفكرة نفسها. كل ما يطرح اليوم عن الولي الفقيه تراشق سياسي. تعرفون ان عدداً ممن يملكون الآراء والافكار يرتبطون بدول اقليمية. اذا "بدنا نشتغل" وفق هذه المنهجية، لا يخرج احد من الارتباط الخارجي والعلاقات الدولية. لكننا بتنا متسالمين مع بعضنا البعض. "انا بدي منك يلي بشوفو". لذا ولاية الفقيه بالنسبة لنا بحث عن المشروعية حتى نطمئن ان عملنا يرضي الله ولا علاقة للآخرين بكيفية بحثنا عن مشروعيتنا، ولكل ان يبحث عن مشروعيته بالطريقة التي يشاء، وما يهمنا هو كيف تنعكس نتيجة هذا الموقف على لبنان. منذ 1982 انعكس موقف "حزب الله" على لبنان خيارات ومواقف ايجابية وتعاون ومقاومة وتحرير ارض ومشاركة في الحكومة ومجلس النواب، "شو بدكن احسن من هيك؟" (يضحك).

كارلوس اده يروج لكتابي وسأهديه نسخة

* كيف تتعامل مع الوضع الامني؟

اعتدناه خصوصاً بعد عدوان تموز، ونتعامل معه بما هو متاح. الوضع اصبح عادياً بالنسبة لي وهذا المسار اخترناه بملء ارادتنا، وعلينا ان ندفع ثمنه. نعم هو وضع غير مريح ولكن علينا ان نتعود كيف نتكيّف معه. انا احب المطالعة كثيراً، وفي هذه الحالة اجد وقتاً كافياً لذلك.

* هل تتواصل مع اصدقاء؟

ليس هناك هذا المستوى من الجلسات للسمر، وهي نادرة ولكن تواصل وكلام وبعض اللقاءات التي تتم في المناسبات الاجتماعية التي احرص على المشاركة فيها.

* والتواصل مع عائلتك؟

هناك تواصل ولكن ليس بشكل دائم او مكثف، ولكن هناك طريقة للتواصل، ومع الاولاد والاخرين. هناك ترتيب للقاءات وهي ليست عفوية.

* هل يتذمر اولادك من هذا الامر؟

صاروا يتقبلون الواقع ولكنهم يعبرون عن الشوق، كما أعبر أنا. تتألف عائلتي من اربعة شبان وابنتين، خمسة تزوجوا وهناك واحد يكمل تعليمه، وهم في جو الحزب، ويلتزمون خط المقاومة 100% وأحدهم شارك في المواجهات في حرب تموز واصيب اصابة بالغة، وكاد ان يستشهد وانقذ في اللحظات الاخيرة. واحدة منهم تنهي بعد سنة تخصصها في علم النفس، وواحد لا يزال يدرس الهندسة، والآخرون اتموا دراستهم في هندسة الكومبيوتر والاعمال.

* لم يتخصص احد منهم في علوم الدين؟

- لا، لم اوجههم لما يجب ان يفعلوه، تركتهم لخياراتهم.

* عندك أحفاد؟

صاروا سبعة.

* كيف يرون "جدو"؟

لا يزالون صغاراً، ألاحظ كثيراً انهم يروني من خلال التلفزيون ويجرون مقارنة، والولد لا يقدر النبرة العالية وغيرها على التلفزيون.

* ألا يسألون عندما يرونك حاداً في خطاباتك "كيف سنتدلع في حرجه"؟

هم لا يفهمون ما نقول (يضحك). الكبار لا يفهمون ما نقول فكيف الصغار؟ انا في حياتي الخاصة وفي علاقاتي، ولو تحدثت عن نفسي، انا شخص دمث الخلق.

* من يراك من خلال التلفزيون يقول انك لئيم جداً...

على الشاشة، في محاضرة او كلام مدته ثلثي الساعة، هناك موقف في حدود الدقيقة، عندما تنقل هذه الدقيقة وتكون هي الموقف، وعندما يتطلب الموقف صلابة وجدية ويشاهدني الناس في هذا المقطع الصغير الذي لا يتجاوز الدقيقة يأخذون انطباعاً عن جدية عالية الوتيرة، لا أخفيك ان بعض الذين جلست اليهم في مقابلات او في لقاءات ليس لها علاقة بالصحافة كانوا يقولون انهم قابلوا شخصاً غير الذي يعرفونه من خلال التلفزيون. وغالباً ما تختار وسائل الاعلام الموقف الذي يتحدث عن الاخر اكثر من اختيارها الموقف العادي والطبيعي والذي من الممكن ان تدلي به وانت غير متوتر. وطبعاً يغتاظ اكثر من لا يحبني وهنا يكون الموقف حقق هدفه ايضاً.

* اذا لم تكن بعد فترة نائباً للامين العام او في موقع اي قيادي، ماذا تختار ان تفعل؟

أحب أمرين للغاية، أولهما الطابع التثقيفي، والقاء المحاضرات والتواصل التعبوي، والآخر القراءة والكتابة ولذلك عندي نحو 16 كتاباً غالبيتها في الاطار الثقافي التربوي، وهناك كتابان في السياسة، كتاب "حزب الله" وكتاب "مجتمع المقاومة".

* هل يأتي الكتابان من ضمن عملك الثقافي واهتمامك ام هما نتيجة قرار حزبي ان تقوم شخصياً بالكتابة عن الحزب؟

هذا تصرف شخصي. صحيح انني حصلت على موافقة الحزب على الفكرة، ولكن الكتاب لم يخضع لقنوات داخل الحزب، وهو يخاطب الاخر عن "حزب الله"، من دون ان يشكل حالة تعبوية، وكنت أقدم الحزب كما هو بغض النظر عما اذا كان سيعجب الاخر او لا يعجبه. وفي الكتاب أمور صريحة جداً حتى ان كارلوس اده يقوم بالترويج له (يضحك) وسأرسل له نسخة هدية.