مقابلات

المقابلة التي أجرتها معه صحيفة الانتقاد الالكترونية في 24/4/2009

نرجح أن تفوز المعارضة بأغلبية المقاعد النيابية وسيكون هناك إعادة لقراءة بعض المواقف السياسية

يمكن القول ان حزب الله بخلاف كل القوى السياسية مرتاح كثيرا إلى مسار المعركة الانتخابية المقبل عليها مع حلفائه في السابع من حزيران، ومن يستمع إلى المنسق العام للماكينة الانتخابية لحزب الله، نائب الأمين العام، سماحة الشيخ نعيم قاسم، يظن ان المعركة انتهت ولا حاجة إلى خوضها على الأقل من زواية المعارضة المطمئنة الى فوزها، فكل الترتيبات واللوائح الانتخابية أنجزت، باستثناء تفصيل فيما خص دائرتي بعبدا وجزين، وقد "ضحى" حزب الله بمرشحه عن دائرة بيروت الثانية امين شري لقاء المصلحة العامة للمعارضة، وعليه يصبح كلام الشيخ قاسم عن "ان حزب الله عادة ما يضحي بالموقع والمنصب لمصلحة المسار والهدف"، أمراً مفهوماً كونه تجسد واقعاً عملياً.

وبهذا المعنى يصبح استشراف المستقبل السياسي للبلاد بعد السابع من حزيران أمراً مبتوتاً به لان "الانتخابات ستفرز مجلساً نيابياً جديداً، ونرجح ان تفوز المعارضة بأغلبية المقاعد النيابية، وسيكون هناك إعادة لقراءة بعض المواقف السياسية عند فريق الموالاة".

وبخلاف ما يعتقد البعض بأن الحملة المبرمجة للنظام المصري على حزب الله ستؤثر سلبا على صورة حزب الله في الداخل اللبناني، يأتي الجواب واضحاً وهذه المرة من قبل "استطلاعات الرأي التي أعطت الارجحية لحزب الله مقابل من يتخاصم معه، في كل الأحول نحن لا نعتبر ان هذه الحملة هزت صورتنا بل بالعكس، أثبتت صورتنا الصحيحة، وهذا خلاف ما كانوا يريدون".

ولأن حزب الله وجهته الصحيحة أبعد بكثير من المعركة الانتخابية، وتتجاوز البعد المحلي إلى البعد الاستراتيجي، وتتلخص بكلمة واحدة "عدونا هو الإسرائيلي، لذلك يجب ان يبقى حاضراً في أذهاننا ان المنطقة معرضة للاعتداءات الإسرائيلية مستقبلاً.. والعدو لا يفهم إلا لغة واحدة هي المقاومة"...

المعركة الانتخابية وآفاقها الى واقع المنطقة كانت محور أسئلة توجهت بها "الانتقاد" الى منسق الحملة الانتخابية في حزب الله نائب الامين العام لحزب الله سماحة الشيخ نعيم قاسم، وجاءت بهذه الأجوبة:

نبدأ من دائرة بيروت الثانية وما شهدته من انسحاب لممثل حزب الله، فهل سيؤدي هذا الإجراء إلى حل الإشكال القائم بين بعض قوى المعارضة في بعض الدوائر؟

ـ حرصنا كحزب الله، وكجزء من المعارضة ان تكون اللوائح موحدة في المناطق اللبنانية كافة، واستطعنا بحمد الله تعالى ان ننجز هذا الامر في الاغلبية الساحقة من الدوائر، بقي هناك نقاش في دائرة او دائرتين. ووجدنا ان الاجراء المرتبط بالدائرة الثانية في بيروت بالعدول عن ترشيح نائب حزب الله لمصلحة مرشح عن حركة امل يمكن ان يسهل إنجاز الاتفاق في الدائرة او الدائرتين المتبقيتين، وبالتالي هذا أمر تسهيلي في الواقع، لكن لا نستطيع اليوم ان نقول بأننا انهينا هذا الملف، لا بد من بعض الحوار والنقاش لترتيب بعض التفاصيل، وعندها سنخرج كمعارضة بموقف واحد، ورؤية واحدة من هذه الدائرة المتبقية، والتي تكمل صورة المشهد فيما اتفقت عليه المعارضة في الدوائر الاخرى.

هناك من يرى ان هذه التضحية من جانب حزب الله قد اخرجته من بيروت، وبالتالي فقد ـ إذا صح التعبير ـ جزءاً من مشروعيته على الساحة الداخلية.

ـ لا شك ان وجود نائب لحزب الله في العاصمة له اعتبار معنوي، لكن من الناحية السياسية لا شيء يتغير، سواء اكان هناك نائب، او لم يكن، لان الحضور في بيروت على المستوى الشعبي، وعلى مستوى المؤيدين لحزب الله هو واضح للعيان، ومعروف ان المسألة الانتخابية لها ضوابطها، وبالتالي عندما لا يكون لنا نائب في بيروت، هذا لا يعني انه ليس لنا شعبية، او ليس لنا تأييد في بيروت، بل هناك من يحلل ـ وهو صادق ـ ان هذا الاجراء الذي اتخذه حزب الله هو عمل ايجابي فيه تسهيل لتفاهم المعارضة، لذا فيه شيء من التضحية المشروعة والتي تتمثل أيضاً في رغبة الحزب بتأكيد حضور المعارضة بصرف النظر عن عدد ممثليه في العاصمة او في غيرها، نحن نعتبر ان المشروعية السياسية، هي مشروعية الموقف، والتأييد الشعبي، وهما متحصلان في بيروت وفي المناطق الاخرى، وعليه نحن لا نقف عند هذه المسألة الشكلية في مقابل الامور الجوهرية التي لها علاقة بمشهد اتفاق المعارضة وبتثبيت الرؤية السياسية والعملية التي نريدها لمجلس 2009.

لماذا الثمن يدفع دائما من جيب حزب الله، ولا يدفع من جيب الحلفاء، ثم ان البعض اعتبر ان خروج مرشح حزب الله من بيروت هو نوع من "التنفيس" أراده حزب الله بعد السابع من أيار؟

ـ لا يوجد اي علاقة بين انسحاب مرشح حزب الله من بيروت وأحداث السابع من ايار، الامران منفصلان تماماً، بل نحن نعتبر ان احداث السابع من ايار انتهت، وأنتجت اتفاق الدوحة واصبحنا في مسار آخر في البلد على صعيد تعاون الافرقاء، وإعادة الدور للمؤسسات، وبالتالي لم يعد هناك من مفاعيل لاحداث 7 ايار لا سلبية ولا إيجابية، هذا الامر انتهى بمحطة الدوحة وما تم بعدها، أما لماذا دائماً يعطي حزب الله في مواقع مختلفة، فلأن الحزب لا يتوقف كثيراً عند حسابات عدد النواب والوزراء والمناصب الموجودة في الدولة إنما يهتم بالرؤية السياسية، ويهتم بنجاح المسار الذي يسير عليه، فإذا الامر تعارض بين نجاح المسار ودعمه من ناحية، والتمسك بحصة معينة على حساب تعثر المسار، أو وجود ارباكات في صفوف المعارضة، او خلل يمكن ان ينتج، نحن نقدم عادة التضحية بالموقع والمنصب لمصلحة المسار والهدف، هذه رؤيتنا في حزب الله، وهكذا نمارس، فنحن عندما قررنا إعطاء مقعدين وزاريين، واحد للوزير طلال ارسلان والاخر للوزير علي قانصو، إنما اردنا ان نعبر عن اهتمامنا بالمعارضة ككل، حتى عندما تكون الحصة لنا كحزب الله لا نستأثر بها، لان فرصة بعض الاطراف في المعارضة تكاد تكون معدومة، ولكن بهذه الطريقة تعبر عن نفسها، وتشعر أيضاً بأن حضورها السياسي من خلال الموقع الوزاري متحقق، حتى لو وجدت تعقيدات تمنع من هذا الوصول لسبب او لآخر. نحن نعتبر ان هذا النمط الذي يتبعه حزب الله، هو النمط الصحيح، طبعاً نتمنى لو يكون عند كل الاطراف هذا النمط، ونتمنى لو تكون هذه المدرسة السياسية لو صح التعبير هي القاعدة، لكن نحن لا نستطيع ان نفرض قناعتنا، واسلوبنا على احد، هذا هو حزب الله، هكذا يتصرف، اعتاد على التضحية، ولكن ثمار التضحية كبيرة ومهمة بحمد الله تعالى.

المشهد الانتخابي العام

انطلاقاً من هذه التضحية، والحراك الحاصل في المنطقة، هلا قدمتم لنا تصوراً شاملاً للمشهد الانتخابي العام؟

ـ عندما انقسم البلد لقسمين كبيرين، الموالاة والمعارضة، إنما انقسم على خيارات سياسية، ولم ينقسم على حسابات طائفية او حزبية او مناطقية، والخيارات السياسية كانت محصورة باتجاهين: اتجاه يعتقد ان العلاقة مع الاميركيين ومشروعهم في المنطقة واعطاء هامش للوصاية الاميركية في لبنان ووضع حد للمقاومة وكذلك القيام بإجراءات داخل تركيبة السلطة، بما يساعد على هذا الاتجاه، هذا الفريق هو فريق الموالاة الذي عمل بكل طاقاته وإمكاناته وبدعم عربي ودولي من اجل ان يحقق اهدافه. في المقابل كان يوجد فريق المعارضة الذي اكد على استقلال لبنان ودعم المقاومة وضرورة انتهاء الاستئثار والفساد، وما أوصل البلد الى هذه المديونية العالية التي تجاوزت الخمسين مليار دولار، بأداء أدى الى صعوبات نعاني منها جميعاً... إذاً كنا أمام مسارين في السياسة وفي التنمية، وكيفية إدارة البلد، المسار الاول المرتبط بالموالاة أصيب بانتكاسات مرة وكثيرة، أبرزها ان الدول التي كان يعتمد عليها خارجياً على المستويين الاقليمي والدولي، عاشت حالة من الخسائر والارباكات العالمية سواء ما حصل في اميركا من انهيار للوضع المالي، او ما حصل في الواقع العربي من الوصول الى الطريق المسدود ، او الاعتداءات الاسرائيلية، أو العدوان على غزة الذي شكل فضيحة حقيقية للمشروع التآمري الاسرائيلي، وقبله كان العدوان على لبنان في تموز والخسارة الكبرى التي منيت بها "اسرائيل"، إضافة الى فشل الاداء الداخلي، هذه كلها عوامل عند الموالاة كانت عبارة عن خسائر متتالية تراكمت فأدت الى هذه المرحلة التي نقدم بها على هذه الانتخابات، ومن الطبيعي عندما يكون اتجاه معين قد أصيب بخسائر سياسية، وبطريقة الاداء ان يصاب بشيء من التفكك بسبب مراجعة البعض لمواقفه، وحساباته، واعتقادهم ان هذه المنهجية، هي منهجية خاطئة وهذا ما يحصل الآن. نحن نشهد آثار الفشل السياسي والانمائي لفريق الموالاة، وما نلاحظه من تداعيات انتخابية، هو ايضاً نتيجة لهذا الفشل.

في المقابل المعارضة أبرزت تماسكاً وتحملت تضحيات، واستطاعت ان تصمد في اللحظات الصعبة، وتحقق انتصاراً على "اسرائيل"، ومنعت الوصاية الاميركية من ان تؤثر في لبنان، وبقيت تمد اليد الى الاطراف المعنية على قاعدة المشاركة، وهي تنادي بالانتهاء من الفساد وكل ما يجري ضد مصلحة لبنان. إذاً طروحات المعارضة تحقق جزء منها من خلال هذه الانجازات التي حصلت وآخرها إنجاز اتفاق الدوحة، لذا من الطبيعي ان نرى ان صورة المعارضة انتخابياً اكثر تماسكاً وانضباطاً لانها في الموقع الذي حقق الانجازات.

ومشروع المعارضة مشروع تقدم وحقق مجموعة من الايجابيات لمصلحة لبنان، لذا مشهد المعارضة اليوم هو مشهد متماسك بينما مشهد الموالاة مشهد متزلزل، واعتقد انه بعد الانتخابات النيابية سنلحظ في البلد اصطفافات جديدة وخاصة من جهة جماعة الموالاة، والسبب في ذلك ان الانتخابات ستفرز مجلساً نيابياً جديداً بأعداد مختلفة لكل فريق، ونرجح ان تفوز المعارضة بأغلبية المقاعد النيابية (على الأقل أكثر من النصف ولو بقليل)، وسيكون هناك إعادة لقراءة بعض المواقف السياسية عند فريق الموالاة طالما انها لم تثمر ولم تؤدِّ الى نتيجة، هذا ما يستدعي نوعاً من الصلة بين الفريق الفائز في الانتخابات بالاغلبية، وجهات ترغب بإعادة التموضع، لذا سنكون امام مشهد مختلف بعد الانتخابات.

.. بهذا المعنى ألسنا امام معركة مصيرية بخلاف ما تقولون بدليل حجم هذا التنافس والاصطفافات السياسية، والاتهامات والاتهامات المضادة والشعارات التي تطلق من هنا وهناك؟

ـ نحن لم نطلق صفات على الانتخابات النيابية بشكل اعتباطي، وإنما اطلقنا ما نعتقد انه يعبر عن الواقع العملي، عندما قلنا ان الانتخابات القادمة هي انتخابات مهمة وليست مصيرية، لماذا؟ لان الانتخابات المصيرية، هي الانتخابات التي تقلب المعادلات والتوازنات وتغير الرؤى السياسية، وتنقل البلد من دفة الى دفة ومن مسار سياسي الى مسار سياسي آخر، وهذا غير متحقق وغير ممكن بهذه الانتخابات النيابية القادمة، لماذا، لأن المسار السياسي للبلد اصبح محسوماً، يعني لا يستطيع احد ان يأخذ البلد الى الوصاية الاجنبية، هذا امر أصبح محسوماً، وسواء اكانت الاغلبية للموالاة او للمعارضة، لن يستطيع احد ان يأخذ البلد الى الوصاية الاجنبية.

دور المقاومة وفاعليتها ضرورة للبنان، وقد اثبتت فاعليتها واثبتت حاجة لبنان إليها، ولا يستطيع لبنان ان يعود ضعيفاً كما كان في السابق، لهذه المقاومة مع الجيش اللبناني انجازات في تحرير الارض سنة 2000، وفي صد اضخم عدوان حصل على لبنان في ربح عظيم للمقاومة والشعب اللبناني والجيش اللبناني عام 2006، وهذا لا يمكن ان نعيده الى الوراء، وهذا ما يمكن ان نبني عليه، وبالتالي لا احد يستطيع ان يعيد لبنان الى ضعفه، من المفروض ان تبني الاستراتيجية الدفاعية القادمة قوة لبنان، وهذا يعني ان مسألة المقاومة كجزء من قوة لبنان اصبحت حقيقة لا يمكن إغفالها ولا يمكن تجاوزها.

والامر الثالث أن هناك إدارة مالية لا بد ان تأخذ بعين الاعتبار الانماء المتوازن، وايضاً معالجة مشكلة الدين والوضع الاجتماعي، وهذا ان اختلف الفرقاء عليه فهم يختلفون على بعض التفاصيل وكيفية الادارة، أي أن لبنان لن ينتقل من نظام رأسمالي الى نظام إشتراكي، ولن ينتقل من طريقة في التعامل في القوانين المالية الى طريقة مخالفة تماماً، إذاً لا تغيير على المستوى السياسي، ولا على المستوى المقاوم، وعلى المستوى الاقتصادي إلا ببعض الادارة التفصيلية التي تعالج بعض الثغرات الموجودة في النظام. كل هذه الامور إذا بقيت على ما هي عليه مع تحسين في الاداء والشروط وكيفية المتابعة يعني أننا أمام انتخابات مهمة، خاصة إذا غيرت من الفريق الاكثري اليوم لمصلحة فريق آخر ليعطي تجربته الجديدة بدل التجربة القديمة التي ثبت فشلها، وحتى لو عاد جماعة التجربة القديمة فأيضاً لن يغيروا في المسار السياسي العام. من هنا اقول ان الانتخابات مهمة بلحاظ البحث عن تجربة جديدة في مسارات محسومة وليست مصيرية، لانه لا يوجد تعديل في المسارات فقد فاز من فاز، وخسر من خسر خلال المرحلة الماضية، وثبت ما ثبت، والرؤية اصبحت واضحة..

في ضوء ما تقدم هل المعركة مصيرية برأيكم بالنسبة للطرف الاخر؟

ـ الطرف الاخر اعتبر ان الانتخابات مصيرية، ربما لان خسارته للاغلبية النيابية ستفقده آخر ورقة يستطيع من خلالها ان يبقى حاضراً في لحمة ظاهرية لجماعته، وإلا لا يوجد مقومات تساعد هذا الفريق على اعطاء شيء، بعدما اعطى كل ما عنده، وخسر مجموعة من الاوراق، وفشل في مجموعة من الخيارات التي أخذها، ومصيرية بالنسبة اليه على قاعدة الامساك بالسلطة، ولكن لا يوجد شيء قابل للتغير الجوهري..

.. لكن الشعار الذي ترفعه الاغلبية هو العبور الى الدولة؟

ـ كانت الدولة بيدهم ولم يستطيعوا ان يعبروا اليها، واستخدموا كل الدعم الاقليمي والدولي والاتصالات الهاتفية من الرؤساء يوميا التي كانت تحصل لدعمهم، وكل الامكانات التي أتت اليهم ولم يقدموا تجربة ناجحة، إذاً ما الذي سيتغير بعد ذلك، هم كانوا يقولون ان الدستور معهم، الاكثرية معهم، والقرار بيدهم، ويستطيعون فعل ما يشاؤون ومع ذلك قدموا تجربة فاشلة، فإذاً ما هو الانجاز الذي سيجعلهم الآن يعبرون الى الدولة، وأنا اسمع خطاباتهم اليوم، لم اسمع في خطاب واحد عن مشروع له علاقة بالعبور الى الدولة، كل الرؤى التي اسمعها هي اتهامات لأطراف المعارضة وتعبئة سياسية لاستحضار بعض الغرائز، وبعض الاثارات إما المذهبية، او الخاصة ببعض المصالح، لكن ليست التعبئة العامة عندهم تعبئة على مشروع جديد غير المشروع القديم، وانما على رؤى سياسية لم تعد نافعة.

حزيران وما بعده

نسمع حديثاً من البعض عن أن يوم 8 حزيران هو يوم آخر، بينما نرى ان مفاعيل هذا اليوم بدأت منذ الآن، السؤال، هل من جديد على مستوى تموضع النائب وليد جنبلاط؟ وماذا عن 8 حزيران بالنسبة له؟

ـ علاقة حزب الله الجديدة مع الحزب التقدمي الاشتراكي لم تبدأ بالامس، وإنما بدأت من حوالى عشرة أشهر، عندما ساد جو من المصالحات، وبدأت بعض اللقاءات بين جهات من حزب الله واخرى من الحزب التقدمي الاشتراكي، واهم لقاء انعقد على مستوى عالٍ كان بين النائب وليد جنبلاط، ورئيس كتلة الوفاء للمقاومة النائب محمد رعد، وهذه اللقاءات والتصريحات علنية، وفيها طروحات تبيّن الرغبة عند الطرفين بإعادة التواصل، وأيضاً سمعنا من النائب وليد جنبلاط مواقف تقرب المسافة بين رؤيتنا ورؤيتهم، في قضايا حساسة ومهمة لها علاقة بالمشاركة في الداخل اللبناني، ومنع الفتنة والانتقال الى مرحلة جديدة، وكذلك النظرة الى المقاومة والاستراتيجية الدفاعية، وخلافه، هذه تطورات واضحة انعكست على مستوى العلاقة بيننا وبين الحزب التقدمي الاشتراكي، وهي تتقدم بشكل تدريجي، ومن الطبيعي أنه كلما تقدمت اكثر عدّلت بعض الاصطفافات، بمعنى انه كنا قبل سنة على طرفي نقيض، اما الآن فالمسافات اقتربت، وبالسياسة لا بد ان يحصل تعبير عملي في اي تقارب سياسي من خلال امور مختلفة، وبما ان الوضع ما قبل الانتخابات النيابية على مستوى تشكيل اللوائح قد حسم عند كل الاطراف بمعزل عن بعض التعديلات في مواقف السياسيين لذا لا نرى الآثار المباشرة في اللوائح الانتخابية، ومن الطبيعي ان نرى هذه الاثار بعد الانتخابات، لان هذه المحطة لها خصوصيتها، ولا بد من أن التعديلات في بعض المواقف ستترك آثاراً واصطفافات جديدة ومختلفة حتى عند آخرين..

هناك من يخشى من حلف رباعي جديد؟

ـ التحالف الرباعي كانت له ظروفه وخصوصياته ومناخه السياسي، وهذا انتهى ولا يمكن العودة اليه، خاصة اننا الآن امام تشكيلات جديدة، وتحالفات جديدة، ابرزها هذا التحالف الموجود في المعارضة، وخاصة مع التيار الوطني الحر وحركة امل وباقي القوى والاحزاب الاسلامية والوطنية، إذاً نحن امام مشهد مختلف، وفي المستقبل سنكون امام مشهد جديد، لكن هذا المشهد لا بد ان ينطلق مما نحن عليه الآن في تحالفاتنا في المعارضة، أي لا يمكن تجاوزها بل التأسيس عليها، لان هذه التحالفات نجحت وقدمت نموذجاً معيناً، وليس سليماً ان يغير الانسان من نموذجه إلا الى الافضل، ولا يمكن ان نرجع الى الوراء.. نعم يمكن ان نشهد في الاصطفافات الجديدة لقاءات ثنائية، واتفاقات مع المعارضة، انضمام جهات الى هذه التركيبة، لا اعلم كيف ستكون الصورة، ولكن الصورة الجديدة بعد 7 حزيران ستكون من رحم المعارضة وليس خارجها.

ألم يُجد وليد جنبلاط اللعبة السياسية مع حزب الله عندما استدر عطف حزب الله وبدأ يغازله ولو عن بعد بعدما كانت القطيعة السياسية سيدة الموقف؟

ـ نحن نتفاهم مع القوى الأخرى، أو نختلف معها على أساس مواقفها لا على أساس مناطقها أو مذاهبها، فإذا تغير الموقف السياسي في الاتجاه السلبي، سنختلف، وبالتالي سنصبح باصطفافات مختلفة، وإذا تعدّل الموقف السياسي بالاتجاه الايجابي الذي يقترب من الموقف الذي نؤمن به فستكون هناك علاقة تنسجم مع هذا التفاهم، أو التقدم في الرؤية المتشابهة او المتقاربة بين الأطراف المختلفة.

نحن لا نتعامل مع المواقف السياسية على أساس أنه يوجد صداقة دائمة او عداوة دائمة، إنما نتعامل معها على أساس ما ينفع مصلحة لبنان، فكلما استطعنا أن نجمع الأطراف على رؤية سياسية واحدة كان الأمر أفضل للبنان، نحن نبحث عمن يضاف الى مسارنا ولا نبحث عن التنفير الذي لا يقبل التعديل، أو لا يقبل إعادة النظر، أو إعادة الاصطفاف، لذا من الخطأ أن نتحدث عن ألاعيب أو ما شابه، ويجب أن نكون واضحين: نحن نتعاطى مع موقف سياسي، لا نجرّ احد لملعبنا، ولا احد يجرنا إلى ملعبه، كل ما في الأمر أن هناك رؤية، من ينسجم معها سنجد طريقة للتعامل معه بطريقة إيجابية.

حزب الله وحملة النظام المصري

في موضوع الحملة المصرية ضد حزب الله، اين أصبحت، وهل سيكون لها تطورات في المستقبل؟

ـ الهجوم السياسي على حزب الله فشل من اللحظة الأولى لان موضوعه تهمة حزب الله بأنه يدعم الفلسطينيين، وهذا وسام وليس تهمة، وبالتالي كل التلفيقات المحتملة حول هذه التهمة لن تنفع ولن تغيّر من الواقع شيئاً.

كنا في حزب الله موضوعيين، ونتصرف بأخلاق، فرددنا بالقدر الذي يبيّن الحقائق، ولم ننجر إلى السجال، ولا نريد أن ننجر إلى السجال، عدونا واحد هو "إسرائيل"، وليس لنا عداوة مع النظام المصري، أو غيره من الأنظمة في المنطقة، حتى ولو كان لنا مناقشة سياسية بمساره، فهذا لا يفسد في الود قضية، إنما الموضوع الأساس هو موضوع "إسرائيل" ، لذا لن احلل ما ستخلص إليه الإدارة المصرية، هذا الأمر يعنيهم، ولكن بالنسبة لنا مسارنا مستمر بشكل طبيعي بما نحن نؤمن به، والشرف الذي أكدناه مرارا وتكراراً بمواجهة "إسرائيل" أو بدعم من يواجه "إسرائيل" سيكون هو العنوان الذي سنستمر عليه في حركتنا. وفي النهاية هذه الحملة ستصل إلى النهاية، وهي غير قابلة للحياة، ولا لتحقيق أهدافها.

.. بصراحة كيف تقوِّمون رد الفعل على المستوى العربي الرسمي، والعربي الشعبي على الحملة المصرية؟

ـ تفاوتت ردود الفعل بين من يتأثر بالنظام المصري أو يخاف منه، وبين من يؤيد نهج المقاومة مهما كانت الاسباب، ولكن إذا راجعت وسائل الإعلام، وعلى الرغم من عدم سيطرتنا كما هو حال الأنظمة عادة، ستجد أن مستوى التأييد للمقاومة ولدور حزب الله كبير جدا، فضلاً عن أن الواقع الشعبي في المنطقة هو واقع مؤيد للمقاومة، وأي استطلاع رأي سيعطي الارجحية لحزب الله مقابل من يتخاصم معه. في كل الأحول نحن لا نعتبر ان هذه الحملة هزت صورتنا بل بالعكس، هي أثبت صورتنا الصحيحة، وهذا خلاف ما كان يريده النظام المصري، ونحن مستمرون ومطمئنون ان الشعب العربي الإسلامي، والشعب المصري بالخصوص، هي شعوب محبة للمقاومة، ومؤيدة لرفع المظلومية عن قضية فلسطين، وهذا هو رأس مالنا الأساسي.

هل تجدون من رابط بين الحملة المصرية والمعركة الانتخابية المقبلين عليها في السابع من حزيران، خصوصا ان هناك في الداخل من وظّفها في هذا السياق؟

ـ ورد في بعض التحليلات ان الحملة المصرية تستهدف التأثير في الانتخابات النيابية، ولكن أقول لك بصراحة هي لن تؤثر شيئا، لان الاصطفافات السياسية في لبنان قائمة ومعلبة، وبالتالي من الصعب تغييرها إلا بأحداث، او زمن طويل، او متغيرات قريبة من تغيّر المسارات، هذا أمر غير متحقق الآن، ونحن على أبواب انتخابات، وهي ليست بعيدة، وبالتالي مما راقبناه ولاحظناه خلال هذين الأسبوعين تبيّن أن آخر اهتمام الناخب اللبناني في أي موقع كان ما يجري من حملة مصرية.

حكومة نتنياهو.. والآتي

سؤال لا بد منه في ختام هذه المقابلة: مع تشكيل الحكومة الصهيونية الجديدة وما حملته من صورة متطرفة، كيف ترون مستقبل المنطقة مع حكومة نتنياهو؟

ـ حكومة نتنياهو حكومة قتال وعدوان وسد الطرق على الحلول، وبالتالي اعتقد ان المنطقة ستشهد انسداداً في كل قنوات الحوار حتى الشكلية، وكذلك التسوية ستكون في ثلاجة الولايات المتحدة بسبب عدم القدرة على تقديم شيء في الحلول المقترحة. وقد سمعنا وزير الخارجية الإسرائيلية ليبرمان انه لا يقبل بأنابوليس ولا يقبل بكل ما تم إنجازه سياسيا في المرحلة السابقة برغم عدم قناعتنا بكل ما أنجز، ولكن من وجهة نظر "إسرائيل" حتى المناورة أصبحت مفقودة، لذا لسنا في المرحلة القادمة أمام أي حل سياسي حتى جزئياً، بل صرح نتنياهو بما لا يقبل التأويل بأنه مع حلول اقتصادية، وليس مع حلول سياسية، هو مع التفكير كيف يأكل الفلسطينيون ويشربون حتى لا يموتوا، ولكن ليس مع إعطائهم حقهم في الدولة الفلسطينية.

هذا يعني ان الافق مسدود امام التسوية، وستبقى "إسرائيل" تحاول ان تظهر بمظهر المتكبر والمسيطر، والذي يحاول ان يهدد بقوة السلاح. نحن امام فترة آمل ان يستيقظ فيها العرب وخاصة عرب التسوية ليفهموا ان "إسرائيل" لا ينفع معها إلا لغة المقاومة لأننا في كل هذه المرحلة لم ننجز شيئاً إلا في المواجهة مع "إسرائيل" عبر المقاومة، حققنا تحريرا في ايار سنة 2000، وهزيمة لـ"إسرائيل" في تموز 2006، وصموداً أسطوريا في غزة بداية 2009، وإبرازاً لحقيقة الصورة "إسرائيل" الظالمة والمعتدية أمام العالم، هذه كلها نتائج المقاومة والصمود، ولا يوجد حل آخر.

أمام هذا الأفق المسدود سياسياً، بالمقابل هل الأفق الآخر مفتوح، هل سنسمع صوت المدافع؟

ـ يجب ان نبقى جاهزين لان احتمالات العدوان الإسرائيلي في المنطقة قائمة، لان "اسرائيل" قائمة على العدوان، وليس لها أي دليل يقنع الآخرين لا بحضورها، ولا بأدائها السياسي وهي تطمع بالأرض، وبالسيطرة على كل المنطقة، لذلك يجب ان يبقى حاضراً في أذهاننا ان المنطقة معرضة للاعتداءات الإسرائيلية مستقبلاً، لا أجد شيئا قريبا على المستوى الحربي، ولكن لا يمكن إقفال هذا الملف مع الإسرائيلي.