مقابلات

المقابلة التي أجرتها معه صحيفة الشروق المصرية في 15/4/2009

نحن لا نعتقد أن ما حصل يمسُّ السيادة المصرية

1- هل تعتقد أن أي دولة عربية مطلوب منها أن تغضَّ الطرف عن أي أنشطة تجري على أراضيها خاصة في عملية نقل وتهريب السلاح للمقاومة الفلسطينية؟ وكيف كنتم ترغبون أن تكون ردة الفعل المصرية حيال هذا الأمر؟

نحن نعتقد أن جميع الدول العربية والاسلامية مسؤولة عن مساعدة الفلسطينيين وعن نصرة القضية الفلسطينية، نحن لم نطلب من هذه الدول أن تهيء جيوشها للقتال، تقديراً لظروف بعضها ويأساً من البعض الآخر، لكن على الأقل أن يدعموا القضية الفلسطينية في الموقف وبغضِّ الطرف عن حركات المقاومة، وبعدم التصدي كشرطي يخدم المشروع الاسرائيلي، وبالتالي نعتبر أن التسهيلات للمقاومة الفلسطينية ضد اسرائيل من أقل وسائل الدعم الواجبة على الجميع، دولاً وشعوباً.

2- مصر لم تقبل اجتياح الفلسطينيين لحدودها لقناعة سياسية لديها بأن ذلك يتجاوز سيادتها، ومثال على ذلك ما حصل إبان الحرب على غزة عندما دخل الفلسطينيون إلى العريش، فأنتم تعرفون أن الأمر غير مرحب به؟

إذا أراد النظام المصري أن يتخذ مواقف علنية وسياسية في الإعلام من أجل أن لا تتحمل بعض التبعات التي تعتقد أنها لا تتحملها، فهذا أمر مختلف عن تكبير حادثة، وإعطائها أبعاد غير صحيحة، والتصدي لما يخدم الفلسطينيين في غذائهم وسلاحهم، كما لو كانت إسرائيل هي التي تقوم بهذا العمل وأكثر. بإمكان القيادة السياسية المصرية أن تطالب بمعالجة المشاكل الموجودة في غزة، من دواء وغذاء ومواد بناء كشرط أساسي لأي موقف، لا أن يكون الحصار حصارين، واحد من إسرائيل وآخر من مصر. نحن لا نريد لأي دولة عربية أن تكون متمِّمة إجرائياً لنواقص الخطوات الاسرائيلية، بل يجب أن يكون هناك تمايز وانحياز لحق الشعب الفلسطيني.

3- التحقيقات المصرية كشفت أن المجموعة كانت تستأجر شققاً على قناة السويس وغيرها، والقيادة المصرية تعتبر هذا عملاً استخباراتياً وهو خرق للسيادة؟

لا يمكن تجريد الأمور بمعزل عن الهدف، الواضح من التحقيقات التي نشرتها أجهزة الأمن المصرية، بأن كل نشاط الأخ سامي ومن معه كان يتركَّز على تهيئة المساعدة لغزة، بل كانت لهم تعليمات واضحة بعدم القيام بأي عمل ضد الاسرائيليين في داخل مصر، وهذا إن دلَّ على شيء فهو يدل على سلامة التوجُّه وعدم استهداف مصر، بل مراعاة الخصوصية المصرية كي لا يقع النظام في الإحراج، وهنا نحن نعتبر أن هذا العمل عمل مشروع لأنه مقاومة ضد محتل، كيف يحقُّ لإسرائيل أن يدعمها العالم علناً وعلى رأسه أمريكا بالسلاح والعمل الاستخباري والموقف السياسي وانتشار العملاء الاسرائيليين في كل أنحاء العالم، ويبرِّرون لذلك ولا أحد يطالبهم، ثم نأتي في بعض الدول العربية لاستنكار رفع الظلم عن الفلسطينيين، أو تأمين بعض مقومات الصمود البسيطة.

4- هل تتوقَّعون أن يتم توجيه تهم مباشرة إلى السيد حسن نصر الله؟ وكيف ستتصرفون إذا حدث هذا الأمر؟

أريد أن ألفت النظر إلى التوجيه الاعلامي السياسي الذي فعلته أجهزة المخابرات المصرية، حيث تحدث النائب العام بتهم تمسُّ الأمن المصري مختلفة تماماً عمَّا ورد في التحقيق المعلن من قبلهم، والذي يتحدث عن استهداف الاحتلال الاسرائيلي في غزة، والآن تُوجَّه بعض وسائل السلطة الإعلامية لحبك روايات وصوَر تستهدف التشويش وتشويه صورة المقاومة، لكن الأمر يرتدُّ سلباً على صُنَّاع هذا الاتجاه، إذ أن الجميع يعرفون تماماً مكانة المقاومة وسيد المقاومة، فهي مكانة ناتجة عن عطاءات الدم والجهاد، وليست ممنوحة من اللاعبين الدوليين والتسلُّط، أما توجيه التهم لسماحة الأمين العام السيد حسن نصر الله حفظه الله بدعم المقاومة في فلسطين فهذا شرف لا ننكره، ووسام يسطع في الآفاق، وسيبقى عنواناً لعزة العرب والمسلمين.

5- السيد حسن نصر الله وحزب الله لهما مكانة كبيرة في الشارع المصري، ألا ترى أن الأمر سيكون سلبياً عندما يكون الموضوع يمسُّ حدود الدولة وبدون علم السلطات في مصر، ألا يهزُّ هذا صورتكم؟ ألم تخاطروا في هذا بأن تتدهور العلاقات أكثر بين مصر وحماس بعد هذا الأمر؟

نحن لا نعتقد أن ما حصل يمسُّ السيادة المصرية، وهو عمل بسيط جداً أمام ما يجب فعله لمصلحة فلسطين، ومن الطبيعي أن يكون عملاً مستوراً وفي الخفاء، لأن النظام المصري لا يريد مثل هذه الأعمال، ويقول بأنه لا يتحمل تبعاتها، فإذاً كيف يتمُّ دعم الفلسطينيين إلا في الخفاء، ونحن نعلم أنه لولا الأنفاق التي تصل إلى غزة، وتهريب المؤن والسلاح لانتهت غزة منذ زمن بعيد، ولما أمكن الصمود في وجه آلة الدمار الصهيونية، بل نحن نعتقد أن مساهمات مصرية مهمة من مواقع مختلفة من الشعب المصري كان لها الفضل في تهيئة بعض هذه المقومات لغزة، وهذا هو المسار الطبيعي. لم تكن المجموعة تستهدف النظام المصري ولا مصر بأي صورة، وبما أن الاعتقال حصل قبل شهر وعشرة أيام من العدوان على غزة، فكان يمكن اعتبار هذه القضية مثل القضايا الأخرى المشابهة التي لا تتحدث عنها مصر، لكن اختيار هذا التوقيت بإعلان قضية مرَّ عليها حوالى خمسة أشهر بطريقة ملفَّقة، تستهدف التحريض السياسي وإثارة الفتنة، ولا تستهدف الحادثة بنفسها والتي انتهت مع مفاعيلها منذ خمسة أشهر، وهذا جزء من الانتقام السياسي ضد حزب الله على مواقفه أثناء العدوان على غزة، عندما طالب بفتح معبر رفح علناً.

6- السيد نصر الله دعا القاهرة إلى التعامل بهدوء وعقلانية مع هذه القضية، في رأيك ما هي العقلانية التي تراها ملائمة؟ وكيف ترَون حلاً لهذه المسألة؟

مصر ليست في حالة عداء مع حزب الله، وحزب الله لا يريد مشكلة مع النظام المصري، ولا يستهدف أي أمر يتعلَّق بخصوصيات مصر وقضاياها، حتى ولو كانت الأمور مرتبطة بمطالب لشعب مصر من حكومته، فهذه أمور داخلية لا علاقة لنا بها من قريب أو بعيد، وبما أن النظام المصري هو الذي افتعل هذه المشكلة معنا، فالمطلوب منه أن يعالجها بالحكمة، وذلك بإقفال الملف على المستوى الإعلامي السياسي والقيام بالإجراءات العملية للإفراج عن المعتقلين المجاهدين الشرفاء. المبادرة بيد النظام المصري وليس بدينا شيء ضد هذا النظام، ولن نخوض سجالاً، كما أننا لن نوسِّع من دائرة هذه المشكلة المفتعلة. نحن نعتبر أن إسرائيل هي العدو الوحيد، هي عدو فلسطين ولبنان ومصر وكل الدول العربية والاسلامية، ليس لنا عدو آخر، حتى عندما نختلف بالسياسة مع النظام المصري، فإننا أمام أولوية القضية الفلسطينية، حاضرون لكل ما من شأنه ألا يصرف النظر إلى منازعات أو خصومة لا يستفيد منها إلا إسرائيل. والآن اسرائيل فرحة، وأتمنى لو تراقبوا التصريحات من المسؤولين والإعلام الإسرائيلي، هم يعتبرون أن مصر ساندتهم في مطالبهم وعدوانهم، وهذه علامة سلبية.

7- يبدو أن كلامك في نظرة تصالحية مع النظام المصري، إذا كنا نريد رسالة مباشرة من الشيخ نعيم قاسم إلى النظام في مصر، رسالة يمكن أن تلطِّف الأجواء الحالية؟

لنا في حزب الله نظرة حب إلى الشعب المصري، لأننا نعلم أنه على الرغم من كامب دايفيد وكل خطوات التطبيع القسرية، هو رافض للصهيونية وداعم للقضية الفلسطينية، وهذا أمر ظاهر للعيان رغم هذا الزمن الطويل منذ اتفاق كامب دايفد سنة 1979، وأما النظام المصري فله حساباته السياسية، وهو يحاول دائماً أن يلتزم بنتائج كامب دايفيد التي تُخرج مصر من الصراع العربي الاسرائيلي. نحن كحزب الله لم نخض أي نقاش مع النظام المصري خلال كل الفترة السابقة، ولم نختلف علنياً على المستوى السياسي بما يؤدي إلى هذه القطيعة، بل عندما جاء وزير الخارجية المصري إلى لبنان، كان له لقاء مع حزب الله وقد بثَّته وسائل الاعلام، وكان نقاش في القضايا المختلفة، ووُجهت لنا دعوة لزيارة مصر. إذاً لم يكن هناك أي مشكلة على الرغم من وجود التباين السياسي، وهذا يدل أن الحزب لا يريد خلافات مع أي دولة عربية وليس مع مصر فقط. لذا أنا أقول مجدداً: يمكن للنظام المصري أن يُعالج هذه الأزمة المفتعلة لأنها من طرف واحد، ونحن لا نريدها ولن نستجيب لهذه الأزمة.

8- هل ترحبون بوساطة أي دولة عربية لحل هذه المشكلة؟

لا أعتقد أننا بحاجة إلى وساطة لأن المسألة محصورة ومعروفة، المطلوب إخراج الموضوع من الاتهام الإعلامي السياسي، والعودة إلى مناقشة أي مسائل خلافية بشكل مباشر أو غير مباشر، بما يجعل الاتجاه نحو مواجهة الاحتلال الاسرائيلي، وكفانا خلافات عربية عربية، بل أقول أكثر من هذا، هذا المستوى من التحريض يُضعف مكانة المحرِّض حتى في نظر العالم، نحن أقوياء جميعاً إذا كنا متعاونين ومتفاهمين على تنظيم الخلاف.

9- المشكلة تأتي على خلفية توتر حاصل بين مصر وإيران، وهناك من يقول بأن ما حصل قد تمَّ لمصلحة إيرانية لإحراج النظام المصري؟

إيران لها مواقفها النظرية والعملية الداعمة لمقاومة الاحتلال الاسرائيلي، وهذا ما ينعكس بشكل مباشر في تأييد المقاومة في فلسطين ولبنان، وفي دعم صمود سوريا وفي كل ما من شأنه أن يواجه الغطرسة الإسرائيلية. هذا الموقف ليس موجهاً ضد مصر ولا ضد الدول العربية، وإذا كانت مصر تريد احتكار الدعم لفلسطين عندها لن ينافسها أحد، وستكون الأولى، أما إذا أرادت لاعتبارات سياسية أن تمنع الدعم عن الفلسطينيين فمن حق الفلسطينيين أن يدافعوا عن وجودهم بكل الوسائل، وأن يستعينوا بكل من يؤيدهم، وهذا ما تفعله إيران، فموقف إيران ليس موجهاً ضد مصر ولا ضد أي دولة عربية بل هو موجه ضد إسرائيل، وداعم للفلسطينيين ولشعوب المنطقة، فما هي الإشكالية في هذا الموقف؟

10- المعروف أن كثيراً من المساعدات والعتاد كانت مصر تغضُّ الطرف عن دخول هذه المساعدات إلى غزة، وهذا ليس حديثاً سريًّا، برأيك هل هناك ثنائية في التصرف أو أن هناك تطوراً في الأداء المصري؟

نحن حاضرون أن نشكر علناً كل من يدعم الفلسطينيين مهما كان دعمه متواضعاً، ولكن لن نشيد بأي خطوة معترضة أو مانعة من الدعم مهما كانت محدودة، وفي السابق وكما ذكرت، هناك شيء من الدعم وصل إلى غزة، وعن طريق المصريين ومن مواقع مختلفة، وهذا أمر مشرِّف ومحل تقدير من قبلنا، لكن المشكلة التي انفجرت عند العدوان الاسرائيلي على غزة هي أن الصرامة في إقفال معبر رفح، من دون ملاحظة وجود عدوان فيه إبادة للشعب الفلسطيني في غزة كان محل اعتراض واستنكار، هذه هي القضية، نحن ندعو إلى مطالبة إسرائيل والضغط عليها لفكِّ الحصار عن غزة، لا بمساعدتها على الحصار، أو التضييق على من يدعم الشعب المجاهد هناك.

11- هل ترفضون أي جهد لترطيب الأجواء بين مصر وحزب الله؟

أنا قلت بأن الأمر لا يحتاج إلى وساطة لأن حلَّه من الطرف الذي بادر إلى المشكلة، لكن لو افترضنا أن الأمر يتطلب جهداً ما ووساطة ما، فنحن مع كل الطرق التي تؤدي إلى إعادة البوصلة للعداء مع إسرائيل وعدم التلهِّي بفتن داخلية بيننا.