وفي الوقت الذي يواجه فيه لبنان أسوأ أزمة اقتصادية منذ الحرب الأهلية التي دارت رحاها بين عام 1975 و1990، قال نائب الأمين العام لحزب الله الشيخ نعيم قاسم لرويترز إنه لا يرى أي مؤشرات لاندلاع حرب أهلية جديدة في لبنان، مؤكدا أن حزب الله لن ينجر إلى الفتنة.
وقال الشيخ قاسم إن الأزمة الاقتصادية التي امتدت إلى النظام المصرفي أصابت بيئة حزب الله الشيعية ”كما يتأثر أي مواطن لبناني من أي طائفة ومن أي مذهب...لكن هذا لا يعني أنه إذا كان جمهورنا متأثرا كما كل الجمهور اللبناني أن يكون هذا نجاح لمن افتعل الأزمة“.
وأضاف أن حزب الله أيد المطالب الشعبية بتحويل المسؤولين الفاسدين إلى المحاكمة ”كائنا من كان“.
وانزلق لبنان إلى أزمة عميقة منذ اندلاع المظاهرات الاحتجاجية ضد النخبة الحاكمة الشهر الماضي. وتأجج غضب المحتجين بسبب ما يرونه فسادا بين الساسة الطائفيين الذين يحكمون لبنان منذ عقود.
ووصل الحل السياسي إلى طريق مسدود منذ استقال سعد الحريري من رئاسة الوزراء في 29 أكتوبر تشرين الأول مطيحا بحكومة ائتلافية تضم حزب الله الذي يملك ترسانة كبيرة من السلاح.
وكان لحزب الله تمثيل في الحكومة التي يترأسها الحريري أكثر من أي حكومة سابقة وهو ما يعكس توازنا سياسيا لصالح الحزب في الانتخابات البرلمانية عام 2018.
ويريد الحريري المتحالف مع دول غربية وعربية خليجية العودة كرئيس لمجلس الوزراء وتشكيل حكومة من الوزراء الاختصاصيين وأن يستثني منها الأحزاب الأخرى وهو شرط يحد بشكل فعال من دور حزب الله في الحكومة.
وعلى الرغم من أنهم يتمتعون بأغلبية برلمانية إلا أن حزب الله وحلفاءه بما في ذلك التيار الوطني الحر يواصلون السعي للتوصل إلى اتفاق مع الحريري بشأن تشكيل حكومة تضم سياسيين وخبراء.
وقال قاسم ”المعرقل الأول في تشكيل الحكومة هو أمريكا لأنها تريد حكومة على شاكلتها ونحن نريد حكومة على شاكلة الشعب اللبناني وحاجات الشعب اللبناني“.
وأضاف ”أمريكا تتحرك في الخفاء وتفرض شروطها وتسعى إلى أن تكون النتائج لمصالحها، وهذا ما يجعل الأزمة تأخذ وقتا إلى حين يأس الأطراف الخارجية من إمكانية تحقيق ما يريدون“.
وتطرق إلى كلام السفير الأمريكي الأسبق لدى بيروت جيفري فليتمان أمام لجنة في الكونجرس الأمريكي حول الأزمة اللبنانية قائلا ”فيلتمان يقول بوضوح ماذا تريد أمريكا. تريد أمريكا حكومة لا سياسة فيها على قاعدة أنها تعتقد بأنها تؤثر أكثر، هذا هو الرأي الأمريكي، وتريد حكومة تعمل مع الغرب وتراعي المصالح الأمريكية بشكل مباشر، هذا هو مضمون كلامه، نحن يجب أن نعمل بما يراعي مصالح لبنان وبما ينسجم مع خيارات الشعب اللبناني“.
وأشار قاسم إلى أن أمريكا تريد حصتها من لبنان وقال إن فيلتمان ”عندما يهدد اللبنانيين بالاختيار بين الطريق المؤدي إلى الفقر الدائم أو الرخاء المحتمل فهو يفسح في المجال أمام الخيارات التي تريدها أمريكا كحل للإنقاذ وهذا أمر مخالف تماما لحقوق الشعب اللبناني... وعندما يقول نريد حكومة مناسبة تتناغم مع أفضل حماية للمصالح الأمريكية فهو يعمل على مصادرة رأي الشعب اللبناني في حكومته“؟
وقال ”فليكن واضحا الشعب اللبناني اختار مجلسا نيابيا يمثله والحكومة يتم اختيارها واعطاؤها الثقة من خلال قرار المجلس النيابي ولا يوجد طريق آخر لإنجاز هذا الأمر. فما يراه ممثلو الشعب الذين يأخذون بعين الاعتبار مطالبه المحقة هو الذي يتحقق للبنان لا ما تمليه أمريكا تحت الضغط مهما كان الضغط“.
وأوضح قاسم أن مسؤولين أمريكيين يجرون اتصالات مباشرة مع سياسيين لبنانين ”فليتركونا حتى نتفاهم وكلما ازداد تدخلهم أخروا الحل. الآن تأخير الحل بسبب أمريكا“.
ومع أن حزب الله وحلفاءه بما فيهم التيار الوطني الحر لديهم الأكثرية في البرلمان غير أنهم ما زالوا يسعون إلى تحقيق تسوية مع الحريري من أجل تشكيل حكومة يريدونها جامعة بين الوزراء الاختصاصيين والسياسيين..
وردا على سؤال عن سبب عدم إقدام حزب الله وحلفائه على تشكيل حكومة بمعزل عن الحريري قال قاسم ”نحن نفضل كحزب الله أن يأتي رئيس الحكومة نتيجة تفاهم وتوافق بين الأطراف الفاعلة في لبنان وهذا ما يتطلب بعض الوقت لتذليل العقبات التي تضعها أمريكا ومن معها ونتوقع أن تحمل الأيام القادمة بعض إشارات الحل إذا لم تستمر التعقيدات“.
وأضاف ”نحن لا نفضل أن تكون هناك تحديات متبادلة في اختيار رئيس الحكومة بل الوضع اللبناني يتطلب للإنقاذ أن يكون هناك قدر مهم من الحوار والتفاهم على رئيس الحكومة وشكل الحكومة ومضمون الحكومة“.
ومنصب رئيس الوزراء مخصص للمسلمين السنة وفق نظام تقاسم السلطة الطائفي في لبنان ويعد الحريري الزعيم السني الأقوى في البلاد. وقال قاسم إن ”الاتصالات موجودة بين حزب الله والرئيس الحريري بشكل دائم وهي مستمرة من أجل تشكيل واختيار رئيس الحكومة، هذه من الأمور التي يجب أن نتعاون عليها مع كل الاطراف“.
وتقول الولايات المتحدة إنها تقف إلى جانب المتظاهرين الذين يطالبون بالإصلاح ووضع نهاية للفساد وإنها على استعداد للعمل مع حكومة جديدة تستطيع أن تبني لبنان مستقرا ومزدهرا ومستقلا.
وكانت مصادر مقربة من الحريري قد قالت إنه يتمسك بمطلبه حكومة من الاختصاصيين لأنه يعتقد أن حظوظها ستكون أقوى بالحصول على الدعم الخارجي.
ووصف قاسم الوضع المالي بأنه صعب وازداد صعوبة خلال الأزمة الأخيرة مع استقالة الحكومة.
وأعرب عن اعتقاده ”بأن بداية الحل بتأليف الحكومة من أجل أن تبدأ بوضع خطوات للمعالجة. وكنا قد وافقنا على ورقة إصلاحية في الحكومة المستقيلة قبل أن تستقيل وهي تساعد على الانطلاق كخطوة أولى... عندما تتشكل حكومة يفترض أن تأخذ هذه الورقة الإصلاحية أو بتعديلات عليها أو بإضافات عليها من أجل أن تعالج القضايا الموجودة في لبنان“.
وأشار إلى أن أسباب الأزمة الاقتصادية هي السياسات الخاطئة والفساد.
وقال ”نحن مع الشعب مئة في المئة لمحاكمة الفاسدين... من المفروض أن يحاسب الفاسد في لبنان كائنا من كان لأن الفاسد يأخذ من حق الفقراء وعموم الناس وهو يسلب أموالهم وحقوقهم. نحن مع كل الإجراءات التي تحد من الفساد وتستعيد الأموال المنهوبة وتحاسب الفاسدين. آمل أن نتوفق ليحصل هذا وخاصة من خلال القضاء“.
وظلت الاحتجاجات في لبنان سلمية إلى حد كبير على الرغم من الاحتكاكات المتفرقة.
وقال ”لا أرى مؤشرات لحرب اهلية في لبنان وحزب الله مصمم أن لا يقع في الفتنة التي تريدها أمريكا، ولكن لدينا معلومات عن محاولات أمريكا من أجل ايجاد بعض القلاقل الأمنية، سنحاول من جهتنا أن نعمل لنتفادى ما أمكننا“.