مقابلات

المقابلة التي أجرتها معه وكالة الصحافة السويسرية في 3/10/2008

سويسرا تقيم علاقات منطقية مع حزب الله وقاسم يعتبر أن لكل طائفة في لبنان مرجعيتها الخارجية

تحوّل حزب الله، الذي تعتبره الولايات المتحدة مجموعة إرهابية، إلى إحدى أبرز القوى السياسية في لبنان، وهي حقيقة تتعاطى معها سويسرا بهدوء ومنطقية. وفي تصريحات له أوضح الشيخ نعيم قاسم نائب الأمين العام لحزب الله منذ عام 1991 بعض خصوصيات ومبادئ ومساعي الحزب.

بشكل قطعي لا لُبس فيه يقول السفير السويسري لدى لبنان فرانسوا باراس: إن سويسرا تُقيم في ممارستها الدبلوماسية "علاقات منطقية" مع أعضاء حزب الله.

ويُضيف السفير باراس الذي تولى مهامه في بيروت قبل أكثر بقليل من عامين: "نحن على اتصال منتظم مع نوابهم أو وزرائهم في إطار عدد من الملفات المختلفة التي نعالجها"، مضيفاً أن "هذا لا يطرح أية مشكلة بما أن هذا الحزب هو إحدى القوى السياسية في لبنان".

وبالتالي فإن اعتبار حزب الله "جماعة إرهابية" من قبل وزارة الخارجية الأميركية أمر لا يعني سويسرا، وفي هذا السياق، قالت كارين كاري، القائمة بالأعمال في السفارة السويسرية بلبنان، والمتحدثة السابقة باسم وزيرة الخارجية السويسرية ميشلين كالمي ري: "إن بلادنا لا تعتبر حزب الله منظمة إرهابية لأنه خلافاً لحالة تنظيم القاعدة مثلاً، لا يوجد قرار للأمم المتحدة بهذا المعنى، وسويسرا لا تتبع توصيات أخرى غير تلك الصادرة عن الأمم المتحدة في هذا المجال".

حزب الله الذي يثير الكراهية لدى الأميركيين والحذر لدى الأوروبيين يُعتبر في شوارع لبنان والعالم العربي عموماً حركة مقاومة بطولية منذ "النصر الإلهي" ضد إسرائيل سنة 2006. ومنذ تأسيسه في صفوف شيعة لبنان على إثر الاجتياح الاسرائيلي للبلاد عام 1982، كانت مهمة حزب الله دائماً القتال ضد إسرائيل، غير أن هذا الحزب اندمج منذ عام 1992 في اللغبة السياسية اللبنانية من خلال المشاركة في أولى انتخابات البلاد التشريعية.

واليوم، يضم الحزب عدداً كبيراً من النواب والوزراء، وربما يصبح جزءاً من الأغلبية بعد الانتخابات التشريعية لعام 2009، لكن حزب الله يرغب في الحفاظ على قدرته العسكرية ومواصلة القتال ضد إسرائيل، وهي مهمة مزدوجة لا تخلو من إشكاليات بالنسبة للبنان، لا سيما وأن المطالبة بنزع سلاح حزب الله كانت أيضاً موضوع قرار أممي.

وفي محاولة لمعرفة المزيد عما يريده حزب الله في لبنان، حصلنا على لقاء حصري مع الشيخ نعيم قاسم، الرقم 2 في حزب الله وأحد مؤسِّسيه، والنسبة له لا يوجد أي تناقض في أن يكون حزب اله في نفس الوقت حركة سياسية ومجموعة مقاومة.

وقال في هذا الصدد: "يجب علينا التمييز بين محورين من عملنا، وهما مقاومة إسرائيل والعمل السياسي، فما أوتينا من قوة ساعد على تحرير جنوب لبنان عام 2000، ودحرنا العدو في 2006، لكننا لم نستخدم أبداً أسلحتنا لدفع سياستنا إلى الأمام.

إلا أن هذا الموقف يتعارض مع العملية العسكرية التي أطلقها حزب الله في مايو الماضي في العاصمة بيروت وضواحيها. وفي دفاعه عن هذا التحرك، أكد الشيخ قاسم أن الأمر يتعلَّق "بحادث معزول في تاريخنا، بحيث كنا نواجه معضلة". واستطرد قائلاً: "كان حزب المستقبل (لسعد الحريري، والموالي للحكومة) قد جلب وسلّح قرابة 2000 مقاتل إلى بيروت. وكان المخطط يتمثل في نصب فخ للمقاومة وتوريطها في اقتتالات داخلية للاستفادة بعد ذلك من هذه الاشتباكات واستخدامها ذريعة للمطالبة بنزع أسلحة الجميعن ونحن قرّرنا بعملية وقائية".

ماذا عن الدولة الاسلامية؟

ويتهم عدد كبير من المنتقدين في لبنان حزب الله بإخفاء جدول أعماله الحقيقي والسعي إلى إقامة دولة إسلامية في بلاد الأرز، لكنها تهمة ينفيها أيضاً الشيخ نعيم قاسم قائلاً: "نحن نعتقد بالتأكيد بأن الدولة الإسلامية هي أفضل سبيل، ولكن القرآن يقول: "لا إكراه في الدين"، وبالتالي فإنه لا يمكن إنشاء هذه الدولة بالقوة، ولبنان هو أيضاً حالة خاصة، ونعتقد بأنه من المستحيل ومن غير المناسب إقامة دولة إسلامية فيه نظراً للتعدد الديني الذي يتميَّز به".

من جانبه، لا يعتقد السفير فرانسوا باراس أن يكون ذلك الاتهام مبرراً، بحيث نوَّه إلى أن "الشيعة يشكلون أقلية في المنطقة، وحسب ما أراه أو ما أسمعه، أعتقد أن لبناناً تعدُّدياً يمثل ضمانة أفضل لأمنهم من الدولة الإسلامية".

ولدى إثارة المعركة مع إسرائيل، تحدث الشيخ قاسم بحزم مُطلق: "إذا ما أخلت إسرائيل مزارع شبعا لصالح الدولة اللبنانية، سنعتبر حينئذٍ بلادنا مُحررة، لكن سيظل هنالك مشكل واحد: عدوانية النظام الإسرائيلي، فإذا ما قرَّر مهاجمة لبنان مرة أخرى، من سيمنعه؟".

لذلك فإن الشيخ قاسم يرى بأنه ينبغي على حزب الله المحافظة على قدرته العسكرية كـ "تعزيز للجيش اللبناني"، ولا يبدو إذن بأن التوصُّل إلى سلام شامل مع الدولة العبرية مُدرج في جدول أعمال حزب الله، وقد وعد الشيخ برد مُقبل على اغتيال القائد العسكري لحزب الله عماد مغنية في دمشق في شهر فبراير الماضي في عملية نُسبت إلى إسرائيل من جانب الحركة.

أما بالنسبة لاعتماد الحزب المزعوم إلى إيران، فأضفى الشيخ عليه طابعاً نسبياً مشيراً إلى أن "لكل طائفة في لبنان مراجعها الخارجية، فالمسيحيون يعترفون بسلطة البابا. أما نحن، فمرجعيتنا الدينية يُمثِّلها آية الله خامنئي، ولكننا مستقلون تماماً عن طهران في توجهاتنا وخياراتنا". وإذا ما قرَّر الإسرائيليون أو الأميركيون توجيه ضربات ضدّ المنشآت النووية الإيرانية؟ يجيب الشيخ قاسم بنبرة جادة: "إذا حدث مثل ذلك الهجوم، فلن يمكن لأحد السيطرة على الوضع، وستلتهم النار المنطقة بأكملها.