هذه التضحية التي يقدمها حزب الله هي من أجل خيار وليس من أجل علاقة شخصية
نائب الامين العام لحزب الله سماحة الشيخ نعيم قاسم في حوار خاص مع مجلة مرايا حول رؤية حزب الله الى سوريا :
-أعطيتم الكثير وبقي الصبر القليل.
-اقول للشعب السوري: … أعطيتم الكثير وبقي الصبر القليل، وفي نهاية المطاف لا بد لصاحب الحق أن ينتصر ولابد للظلم أن ينكشف ويسقط، وها أنتم تحققون الانتصارات المتتالية على المستوى الميداني والسياسي لكن حجم المعركة كبير وهذا يتطلب شجاعة وتحمّلاً ، وأنتم أهل الشجاعة والتحمّل.”
1-سماحة الشيخ قيل ان سوريا ” ظهر المقاومة ، سوريا قلب العروبة ” واليوم كل صراع العالم على أرضها .ماذا تعني سوريا لحزب الله حتى يقول عنها الأمين العام سماحة السيد حسن نصر الله ” لو احتاجت المعركة في سوريا أن أذهب وكل إخواني في قيادة المقاومة سنذهب دون تردد”؟
سورية هي الدولة العربية الوحيدة، التي بقيت واقفة تحمل لواء تحرير فلسطين وتبذل الإمكانات والجهود من أجل ذلك، وفتحت المكاتب للقيادات الفلسطينية، وسهّلت دخول السلاح إلى داخل فلسطين وكذلك إلى لبنان ، وشكلت حينئذ ظهراً سياسياً كبيراً للمقاومة، وكانت شريكاً أساسياً للانتصارات التي حصلت عام 2000 و2006 في لبنان ، بمعنى آخر سورية هي صلة الوصل بين محور المقاومة، والعامود الأساسي في أعمدة الدفاع عنها، من هنا فإننا عندما قاتلنا في سورية قاتلنا دفاعاً عن هذه الدعامة لمصلحة المقاومة ولبنان وفلسطين وسورية والمنطقة.
ليست سورية بالنسبة لنا مجرد بلد، إنها عرين المقاومة دعماً وإيواء وموقفا سياسيا وإستراتيجية.
2- في بدايات الأزمة في سورية عندما خرج المتظاهرون يطالبون بإصلاحات والحدّ من الضغوط السياسية والوطنية ، لم يتخذ حزب الله موقفاً مشابهاً لما اتّخذه من أحداث دولة أخرى .هل حزب الله كان يدرك السيناريو المخطط لسورية ؟ وما علاقته بهزيمة إسرائيل عام 2006؟
سورية بلد مجاور ، لذا فإن حساباتها تختلف عن أي بلد أخر، وحزب الله لم يؤسس خياراته على قاعدة أن يكون جزءاً من منظومة تتدخل في شؤون بلدان أخرى، إنما هو أقام خياره على قاعدة مواجهة إسرائيل انطلاقاً من لبنان ودعم المقاومة من سورية ، لكن الذي حصل أنه بعد فشل الخطة الأولى عام 2006 حيث كان الأميركي يريد أن يؤسس الشرق الأوسط الجديد الذي انكسر من بوابة لبنان ، بعد هذا الفشل نشأت الخطة الثانية ” الشرق الأوسط الجديد” من البوابة السورية….
من هنا نحن قرأنا من اليوم الأول أن المشروع هو تدمير سورية وتحويلها من سورية المقاومة إلى سورية الإسرائيلية، فالقضية ليست قضية إصلاحات إنما كنا ندرك تماماً أن هناك مخططاً لتغيير وجه المنطقة من البوابة السورية ، وقد اتضحت الرؤية بشكل أفضل عندما تم استقدام التكفيريين من مختلف دول العالم حيث سهّلت لهم الدول المتواطئة الدخول أي أننا أمام مشروع حشدت له كل الطاقات العالمية والإقليمية من أجل تغيير المسار السوري باتجاه آخر. لذا وجدنا أنفسنا معنيين في مواجهة هذا المخطط وأن نحمي خيار سورية المقاومة.
3-في البداية حزب الله كان يقاتل على الحدود لمنع دخول الارهابيين الى لبنان ، ويحمي المقدسات في الداخل السوري …أما اليوم حزب الله موجود في معظم جبهات القتال .هل حزب الله يردّ الجميل لسورية في عام 2006 ؟ أم أن حزب الله يقاتل لأجل بقاء سورية ظهر المقاومة ؟ أليست إسرائيل أكثر ارتياحاً اليوم بسبب ما تعتقده استنزافا لحزب الله ؟
هذه التضحية التي يقدمها حزب الله هي من أجل خيار وليس من أجل علاقة شخصية ، الخيار هو المحافظة على ركن أساسي من أركان محور المقاومة، وعندما نقوم بهذا الدور الذي يتضمن هذا الموقف وكل الأمور الايجابية الأخرى ، كرد الجميل وتأكيد العلاقة الإستراتيجية وحسن الجوار والتعاون بين الأشقاء ….
لكن الموضوع الأساسي هو حماية دعامة المقاومة، صحيح أننا في البداية قاتلنا على الحدود وكان لهذا القتال الأثر الكبير في منع تمدد التكفيريين إلى داخل لبنان، لكن في ما بعد كان لا بد أن نقاتل بالتعاون مع الجيش العربي السوري في بعض الجبهات من أجل أن لا تسقط سورية من الداخل، لأنه ما الفائدة إذا حمينا الحدود لفترة من الزمن وسقطت سورية بعد المشروع الآخر عندها سيعودون إلى الحدود ويحاولون التمدد إلى الداخل اللبناني، من هنا نحن اعتبرنا أن تدخلنا في سورية بالتنسيق مع الجيش السوري والقيادة السورية وعلى رأسها الرئيس الأسد هو تدخل له طابع دفاعي وحمائي.
أما أن إسرائيل تستأنس بهذا الأمر أو لا تستأنس فهذا آخر اهتماماتنا ، المهم أن ما نقوم به صائباً ولا يهمنا الانعكاسات عند إسرائيل علماً أن الإسرائيلي تارة يقول أن هذا الأمر جيد لأنه يستنزف حزب الله ، وتارة أخرى يعتبره أمراً سيئاً لأن حزب الله يراكم خبرات قتالية ستنعكس على إسرائيل سلباً، إذاً الإسرائيلي حائر ولا يدرك النتائج العظيمة التي يحققها وسيحققها حزب الله ، وفي كل الأحوال أن ما نقوم به هو في إطار حماية محور المقاومة.
4-في سورية معادلات سياسية متناقضة وأحياناً غامضة : إيران حليفة إستراتيجية لسورية …إيران وتركيا يربطهما علاقة …تركيا تدعم الارهاب وتسهّل دخول المقاتلين إلى سورية حيث يستشهد رجال حزب الله والسوريون والمستشارون الإيرانيون ، ومع ذلك إيران لم تستطع أن تؤثّر على تركيا حيال سورية …كيف تفسرون هذه التحالفات ؟ وهل حزب الله بعيد عن هذه الخارطة ؟
لعل النظرة إلى تركيا كانت خاطئة عند بعض المحللين وخاصة بعد الانقلاب الفاشل الذي حصل فيها، من المهم أن نعلم أن تركيا جزء من الحلف الأطلسي وعلى أراضيها قواعد عسكرية أميركية،وهي جزء من هذه التركيبة الأميركية الأطلسية، وتركيا أردوغان صاحبة طموح عثماني توسعي ترغب بإعادة الإمبراطورية العثمانية بالمباشر أو بغير المباشر ، ومثل هذه الدولة التي تحمل هذه الأحلام ومعها هذا الاتجاه السياسي ، وتقمع كل معارضيها بالداخل بقسوة وبانتهاك أبسط حقوق الإنسان، هل تتوقع أن تكون مستجيبة لسورية المستقرة والمستقلة؟ أو مستجيبة لنظرة إيران في ما يتعلق باستقلال دول المنطقة أو محور المقاومة؟؟ حتماً لا ، يمكن أن يتشكل تفاهماً حقيقياً بين تركيا وإيران، لكن نظرة إيران في التعامل مع الدول المختلفة هي نظرة تقاطع مصالح فإذا استطاعت أن تحقق الحد الأدنى المناسب تبني العلاقة وتحاول أن تطورها ، يعني هناك ما لاح بعد الانقلاب أن تركيا تريد أن تنفتح على إيران بشكل أكثر إيجابية ، أسرعت إيران لتعبر عن استعدادها لهذا الأمر لكن بعد شهر تبين أنها كانت قنابل صوتية ودعايات إعلامية لأن تركيا عادت إلى حضنها الأطلسي الأصلي، إذا لا نستطيع أن نقول لماذا تتعاون إيران في بعض الملفات مع تركيا رغم من أن موقفهما متضادان في سورية لأنه في منظومة الدول قد تحصل تقاطعات في قضايا واختلاف في قضايا أخرى.
5- أين حزب الله من هذه المعادلة؟
حزب الله له شبكة علاقات خاصة ، التي تتفاوت مع شبكة علاقات إيران بشكل واضح، فنحن حزب أما إيران فهي دولة ، وليس هناك ارتباط بين ما نبنيه من علاقات ، وما تبنيه إيران من علاقات يعني هذا الأمر يختلف بين حزب ودولة.
نحن لم يكن لنا في أي يوم من الأيام علاقات معمقة مع تركيا بل كان لنا علاقات سطحية تقتصر على بعض الزيارات واللقاءات مع السفير في لبنان أو بعض الأنشطة إنما لم يكن لنا علاقات على مستوى الدعم والتفعيل والمتانة.
6- هل حزب الله يتدخّل في القرارات الإستراتيجية السورية باعتباره شريكاً له في الميدان العسكري ؟ وهل حزب الله جهة تفاوٍض لأجل التسوية في التسوية ؟
سورية للسوريين ، وإدارة سورية بيد الدولة والرئيس الأسد، ولا علاقة لحزب الله بمستقبل سورية ولا بكيفية صياغتها ولا بكيفية الاتفاق مع المعارضة السورية ولا بكيفية التسوية التي يمكن أن تنعقد، بل هي من اختصاص واهتمام الدولة السورية ورئيسها الدكتور بشار الأسد، وحزب الله لا يتدخل في هذه التفاصيل لأنه ليس مسؤولاً عن مستقبل سورية الذي يختاره السوريون من خلال الحوار في ما بينهم، والأصل نحن لا نقبل أن يفرض على السوريين خياراتهم من أية جهة في العالم، فكيف نتدخل نحن في هذا الأمر؟ نحن نقاتل في سورية من أجل مواجهة هذه التحديات الخطرة والصعبة ولكن لا نتدخل في الخيارات المستقبلية التي يختارها الشعب السوري.
7-ماذا لو اختار السوريون والأطراف المتحاورة سياسة قد تتعارض مع ما تقاتلون لأجله في سورية؟
نحن واثقون من الرئيس الأسد، ونعتبر أن خياره الذي تحمل أعباءه لمدة ست سنوات قدّم فيها كل التضحيات الضخمة ، وهذا الشعب الذي التف حوله لا يمكن أن يصل في يوم ويخرج فيه عن إستراتيجيته الوطنية المقاومة.
8- لماذا حلب هي معركة سورية الكبرى ؟ بماذا تختلف عن باقي المعارك في أهميتها الإستراتيجية في خارطة الميدان ؟
في تقديري أن حلب كانت محطة أساسية لأميركا وأزلامها لأنه كان يمكن أن يلوحوا بحلب في يوم من الأيام إنها العاصمة الثانية لسورية إذا وصلوا إلى طريق مسدود.
لكن مع تحرير الجزء الأكبر من حلب يعني ضياع حلم الآخرين بإمساك ورقة قوة يهددون بها بالتقسيم أو بالعودة إلى طاولة المفاوضات أو يرفعون سقف مطالبهم.
لذا قامت هذه الضجة العالمية وارتبك المعسكر الآخر لأنهم خسروا نقطة قوة في ميزان الوضع الميداني والسياسي.
9-حزب الله خلال ست سنوات كان يشدد في خطاباته أنه يدافع عن سورية وليس عن شخص مع حرصها على بقاء الرئيس بشار الأسد رئيساً للجمهورية. من هو الرئيس بشار الأسد عند حزب الله ؟ وكيف وجده حزب الله طيلة هذه الحرب ؟
خبرنا الرئيس بشار الأسد قبل الأزمة السورية في فترة رئاسة والده المرحوم الرئيس حافظ الأسد وبعد ذلك عند تسلمه رئاسة سورية، وكانت كل تلك الفترة مع الرئيس بشار الأسد فترة تفاهم وثقة ومصداقية، وقد دعمت سورية المقاومة في مرحلته دعماً كبيراً على المستويين السياسي والعسكري وفي المحطات المختلفة ما جعل العلاقة بيننا وبين الرئيس الأسد من النوع الاستراتيجي ، وقد خضنا تجارب مشتركة خطرة ومعقدة أثبت فيها الرئيس بشار الأسد أنه مع خيار المقاومة.
من هنا عندما حصلت الحرب في سورية قدرنا أن السبب الأساسي لهذا الحرب أن الرئيس بشار الأسد هو شخص شجاع ، يملك نظرة بعيدة ، استراتيجي في طريقة تفكيره، حازم في موقفه الوطني والقومي، يحمل قضية فلسطين بصدق، حاضر للتضحية بأغلى ما عنده من أجل كرامة سورية.
10-سماحة نائب الأمين العام لحزب الله الشيخ نعيم قاسم ، ما يقول حزب الله للشعب السوري ؟
أقول للشعب السوري : اعتدنا عليكم واعتدتم علينا في المحطات الصعبة والمعقدة، لجأنا إليكم أثناء عدوان تموز 2006 ولجأتم إلينا أثناء العدوان على سورية، واكتشفنا المعدن الحقيقي للمقاومين من اللبنانيين أو السوريين، ولولا موقف الجيش العربي السوري الشجاع في الميدان والتفاف الشعب السوري حول جيشه ، وعمل الفريقين تحت إمرة الرئيس بشار الأسد بهذه الشجاعة الكبيرة ، لما استطاعت سورية أن تصمد ست سنوات أمام حرب كونية عليها، وأمام هجمة تكفيرية لا مثيل لها في الزمن المعاصر، من هنا لابد أن أحيي شجاعتكم، وأحيي شهداءكم وجرحاكم، وأسراكم. وأقول لكم أصبروا و صابروا ورابطوا فالأمر يحتاج إلى تحمل لبعض الوقت، أعطيتم الكثير وبقي الصبر القليل، وفي نهاية المطاف لا بد لصاحب الحق أن ينتصر” أن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم” ولابد للظلم أن ينكشف ويسقط، وها أنتم تحققون الانتصارات المتتالية على المستوى الميداني والسياسي لكن حجم المعركة كبير وهذا يتطلب شجاعة وتحمّلاً ، وأنتم أهل الشجاعة والتحمّل.