مقابلات

المقابلة التي أجرتها معه صحيفة الشرق الاوسط في 18/9/2007

لن نعترف برئيس غير دستوري وسنملأ الفراغ

حذر نائب الامين العام لـ«حزب الله» الشيخ نعيم قاسم الاكثرية من خرق الدستور بانتخاب رئيس جديد للجمهورية بنصاب النصف زائد واحداً لأن ذلك سيلغي «الحكم الوحيد القائم بيننا وبينهم». واكد ان المعارضة «لن تسكت ازاء هذا الاحتمال وستعتبر موقع الرئاسة فارغاً وتصبح مضطرة لملء هذا الفراغ». واعتبر ان اختيار الرئيس من قبل الاكثرية «بطريقة سياسية لا دستورية» يفتح المجال امام المعارضة لاجراء اختيار سياسي وتكون المسؤولية على الطرف الذي بادر الى خرق الدستور. ورأى قاسم ان الاكثرية حسمت اختيار مرشحها وهو النائب السابق نسيب لحود، مبرراً رفض المعارضة له بأنه «وضع نفسه في خانة فريق ضد آخر ما ينزع عنه صفة الحكم» مشيراً الى ان الوضع نفسه لا ينطبق على العماد عون «المرشح الوحيد في صفوف المعارضة حتى اليوم».

ونبه رداً على سؤال حول احتمال اندلاع حرب اهلية على خلفية الاستحقاق الرئاسي الى ان افراغ البلد من القواعد المشتركة «يضعه اما شريعة الغاب حيث لا يكون معلوماً الى اين سنصل» رافضاً الجزم بما ستكون عليه وجهة سلاح «حزب الله» عندها. وقال: «ان القاعدة العامة هي ان الداخل ليس هدفاً لسلاح الحزب». لكنه اشار الى ان «لا احد يتوقع تفاصيل ما سيحصل في البلد بسبب اداء السلطة».

ونفى بشدة تسليح «حزب الله» وتدريبه مجموعات لبنانية، متهماً «فريق الاكثرية بالتسلح بقوة ومن دون استثناء». وأكد ان ما يحصل تعرفه تماماً استخبارات الجيش والأجهزة الامنية الاخرى. كذلك نفى ما اورده السفير الاميركي في بيروت جيفري فيلتمان من «وقائع» تهريب السلاح عبر الحدود مع سورية. غير انه اكد ان الحزب مستمر في التدريب والتجهيز، كاشفاً عن زيادة عددية كبيرة في المقاتلين بعد الحرب. وفي ما يأتي نص الحوار:

* الى اين تسير الازمة الداخلية اللبنانية ؟

ـ المعارضة تحاول جاهدة ان تقدم افكاراً وحلولاً تؤدي في نهاية المطاف الى تقديم معالجات تساعد على ان نكون شركاء في الوطن وان ننهض بلبنان. اذ لا يستطيع احد ان يحكم وحده مهما كانت قدرته وقوته وآخر طرح قدمه الرئيس نبيه بري وقبلت به المعارضة يتمثل في الدخول مباشرة الى الانتخابات الرئاسية على قاعدة الاقرار بنصاب الثلثين. ومع ذلك وجدنا ان الطرف الآخر المتمثل بقوى السلطة يرفض كل الحلول والمقترحات الايجابية... وفي قناعتنا ان قوى السلطة ليست مؤمنة بأي حل له علاقة بالمشاركة. وهي تحاول ان تستفيد من لعبة الزمن من اجل القيام ببعض الاعمال غير الدستورية بسبب الغطاء الدولي الذي تستند اليه. ونحن نعتقد ان آخر البدع التي ستلجأ اليها قوى السلطة هي انتخاب رئيس للجمهورية يكون مخالفاً للدستور، سواء بالنصف زائد واحداً او بمن حضر من النواب. وقد جهزوا اسم الرئيس وهو نسيب لحود وأصبحوا متفقين في ما بينهم برعاية اميركية مباشرة وتنسيق مع بعض الدول الاقليمية... ان هذه الخطوات ليست في دائرة الحل، انما في دائرة تعقيد المشكلة اكثر. وما زلنا نأمل ان يرتدعوا وان يستجيبوا لمبادرة الرئيس بري. اذا استمرت قوى السلطة في سد الابواب فهذا يعني ان النتائج ستكون مضرة. وسنكون امام واقع تتحمل السلطة مسؤوليته بالكامل.

* هل هناك شخصية مؤهلة للعب دور الرئيس الوفاقي؟

ـ قبل ان نتحدث عن الاسماء، يجب ان نتحدث عن امكانية وجود الارادة المستقلة عن الاميركيين لدى قوى السلطة ليتخذوا قرارا مع شركائهم في هذا البلد. في اعتقادنا انهم غير متحررين من هذه السلطة الاميركية حتى الان. وتأخير الاجابة عن مبادرة الرئيس بري لأكثر من عشرة ايام هو بسبب التردد الاميركي في اعطاء الجواب ورغبتهم في ابقاء الامور معلقة الى فترة طويلة من الزمن. ثم جاء الاخراج بالحديث عن الحوار كرد على المبادرة، علما ان هذه المبادرة فيها اقرار بالدستور والبدء بعملية الحوار للوصول الى الرئيس الوفاقي. المشكلة ليست مشكلة الشخص، بل مشكلة ارادة التفاهم والتوافق. ولكن لان التوافق يعني مسار المشاركة بين الاطراف، فان قوى السلطة ترفضه حتى الان، كما رفضت حكومة الوحدة الوطنية.

* هل لديكم اعتراض على نسيب لحود رئيساً؟

ـ لا اريد ان ادخل في لعبة الاسماء. لكن بشكل عام اي شخص يمثل فريقاً ولا يكون مقبولاً من الأفرقاء الآخرين لا يستطيع ان يكون الحل. وهو في مشروعه الرئاسي يتبنى اطروحة تمثيل جماعة «14 شباط» (الاكثرية). اذاً هو لا يريد ان يكون مرشحاً لكل لبنان، بل في الطرح السياسي الذي يجعله فريقاً وليس لكل لبنان.

* لكن ألا يمكن ان نعتمد المنطق نفسه مع ترشيح العماد ميشال عون؟

ـ ما سمعته الى الآن من خطاب العماد عون انه يريد ان يكون لكل اللبنانيين ويحاول ان يقدم نفسه كشخص قادر على عرض برنامج سياسي يرضي الموالاة والمعارضة ويوجد حالة من الخصوصية اللبنانية البعيدة عن الضغوطات والتأثيرات الدولية والاقليمية.

* هل العماد عون هو مرشح «حزب الله» والمعارضة؟

ـ «حزب الله» لم يعلن بشكل رسمي حتى الآن موقفه النهائي. لكن من ينظر الى جبهة المعارضة فان المرشح الوحيد لها هو العماد عون. ونحن نفضل ان يأتي الجواب النهائي والتفصيلي عندما نصبح في قلب الاستحقاق بشكل رسمي.

* ماذا لو استمرت المواقف على حالها ووصلنا الى حالة «الافتراق» الدستوري، بانتخاب الاكثرية رئيساً بالنصف زائد واحداً؟

ـ اذا افترضنا انهم انتخبوا رئيساً منهم بشكل مخالف للدستور، فهذا يعني انهم لم يختاروا رئيساً للبنان، بل رئيساً لإدارة مجموعتهم. وبهذا سنتعامل مع هذا الموقع على انه موقع فارغ حتى ولو اختاروا شخصاً لهم، لاننا نريد رئيساً للبنان وليس لجماعة. وسنتخذ كل الاجراءات المناسبة التي تؤدي الى ان يكون للبنان رئيس.

* ... رئيس بالنصف ناقص واحداً؟

ـ اقول اننا سنتخذ كل الاجراءات ليكون للبنان رئيس عندما يكون الطرف الآخر قد اختار ان يخرج من الخيار اللبناني ويلتزم التوجيهات الدولية ويختار رئيساً له. نحن لا نريد رئيساً لنا، بل لكل لبنان. ونحن مضطرون لأن نملأ الفراغ حتى لا يكون هناك فراغ دستوري بعد ان يلجأ الطرف الآخر الى خطوة العبث بالرئاسة واختيار شخص لا ينسجم مع موقع الرئاسة اللبنانية.

* ألا يخشى عندها من انقسام البلاد وصولاً الى زيادة اخطار حصول حرب اهلية؟

ـ تستطيع ان تراقب تصرف المعارضة خلال الاشهر العشرة الماضية. لقد صبرنا صبراً كبيراً على المخالفات المتتالية التي ارتكبتها جماعة السلطة. وكان الدافع لصبرنا اننا ما زلنا نجد موقفاً دستورياً يشكل حماية لهذا البلد، هو موقع رئاسة الجمهورية التي حماها وجود شخص الرئيس اميل لحود... اما اذا وصلنا الى نهاية ولاية الرئيس واختاروا رئيساً كيفما كان، فهذا يعني انهم سيختارون رئيساً بطريقة سياسية وليس بطريقة دستورية. وهنا يجب ان يتوقعوا ردود الفعل الاخرى التي تريد حماية البلد وتريد ان تعمل للمحافظة على قواعد الدستور وضوابطه. ومع الاختيار السياسي لطرف لا يمكن ان يمنع الطرف الآخر من اختيار سياسي ايضاً. هذا الامر له علاقة بكيفية تصرفهم. وهنا مهما كانت النتائج فان المسؤولية تقع على الطرف الذي بادر الى خرق الدستور والعبث بموقع الرئاسة. نحن امام منعطف اساسي وكبير اذا تصرف الطرف الآخر بطريقة خطيرة ومؤثرة في دفع البلد نحو المزيد من التعقيد والضياع والخراب فهم سيتحملون كامل النتائج وكامل المسؤولية. ولن ينفعهم ان يعترف العالم برئاسة خارج الدستور لأن الرئيس يحتاج الى اعتراف اللبنانيين..

* هل نحن امام خطر حرب اهلية؟

ـ انا لا اتحدث لا عن خطر حرب اهلية ولا عن غير ذلك. اتمنى ألا نصل الى اي مشكلة من المشاكل المحتملة والمتوقعة. لكن اي خيار تأخذه الموالاة خارج اطار الدستور يعني انها تفرغ البلد من القواعد المشتركة التي نحتكم اليها جميعاً. وعندها سنصبح امام شريعة الغاب. وفي شريعة الغاب ليس معلوماً الى اين يمكن ان تصل الامور. هذه مسؤوليتهم. نحن ندعوهم الى عدم انتخاب رئيس الا وفق قواعد الدستور والى عدم ايقاع البلد في الفراغ بعدم تفويت الموعد المحدد لانتخابات الرئاسة، والى انجاز الاستحقاق وفق مبادرة الرئيس بري حتى لا تنتهي الرئاسة الحالية الا ولنا رئيس للجمهورية كي نحفظ هذا البلد. هذه هي رغبتنا، فاذا اختاروا غير ذلك يتحملون مسؤولية كل النتائج. ولا اعلم كيف ستكون.

* هل هذا يعني انتخاباً من خارج الدستور ايضاً من قبل المعارضة؟

ـ اكتفي بالقول اننا نريد ادارة تنسجم مع الدستور بالكامل. والى الآن يصلح الدستور حكماً بيننا. فاذا ازالوا هذا الحكم وذهبوا في اتجاهات اخرى تجعل البلد خارج دائرة الضوابط عليهم ان لا يتوقعوا من الطرف الآخر ان يقع اسير القفص، اذ لا بد له من القيام بإجراءات تحمي لبنان. وما ستقوم به المعارضة هو لحماية لبنان. ولك ان تفسر كيفما شئت.

* «حزب الله» كان يقول دائماً ان سلاحه موجه نحو العدو الاسرائيلي، فهل يمكن ان يوجهه الى الداخل؟

ـ قلنا مراراً وعبرنا بالدم وبتجربة طويلة اننا نهدف الى قتال اسرائيل وتحرير الارض. وهربنا من الفتنة مراراً وتكراراً لاننا نقوم بقناعتنا بمواجهة التهديد الاسرائيلي. الداخل ليس هدفاً لسلاحنا. هذه هي القاعدة العامة، لكن ما الذي سيحصل في البلد بسبب اداء السلطة؟ هذا ما لا يستطيع احد ان يتوقع تفاصيله لان الجماعة يتصرفون بغير مسؤولية.. نحن نقول لهم هذا الاتجاه سيئ وسلبي ولا ينفع. وبالتالي ندعوهم الى عدم اللجوء الى التصرفات التي تضر بلبنان.

* انتم متهمون بتدريب وتسليح جماعات لبنانية أخرى؟

ـ عندما سمعت احدهم يتحدث عن هذا الموضوع ضحكت كثيراً واستغربت لماذا تأخروا بهذه النكتة حتى هذا التاريخ، خاصة ان الحديث عن سلاح قوى السلطة وتدريباتهم كان سابقاً لهذا الكلام بنحو اربعة اشهر. وهناك ادلة دامغة حول اسلحة وتدريبات تحصل لكل ميليشيات السلطة من دون استثناء. وقد استخدموا قسماً منها في يوم الاضراب العام في يناير (كانون الثاني) الماضي.

وهذا التسلح الواسع جداً يحصل تحت ستار شركات امنية وحماية شخصيات. وتساهم في تمويله دولة عربية. وتحصل التدريبات في دولة عربية اخرى. وبالتالي نحن نملك المعلومات الكافية، وكذلك تملك الاستخبارات وقوى الامن المعلومات عن مستوى التسلح والتدريب عند الطرف الآخر... في كل بيت لبناني سلاح بسبب الفوضى الموجودة وبسبب الحملة التي رعتها قوى السلطة وخاصة بعد اغتيال الرئيس (رفيق) الحريري حيث كانت هناك تغطية كافية لان يتسلحوا ويتدربوا بحماية مباشرة من اجهزة الدولة. العبرة هي بالهدف الذي تريده قوى السلطة من التسلح والتدريب. وما الذي تريده من اثارة هذه الموضوعات.

* السفير الاميركي في بيروت جيفري فيلتمان يقول ان حزب الله يتسلح بشكل مكثف عبر الحدود مع سورية؟ ـ كل هذا الحديث محاولة دعائية لتسليط الضوء على موضوع لا علاقة له بالمشكلة الاساس، وهي ان اسرائيل لا تزال معتدية. وهي تهدد لبنان وتشكل خطراً حقيقياً وان اميركا تتدخل في الشؤون الداخلية الى درجة ستخرب من خلالها لبنان. هم يحاولون ان يضعوا مشكلة اخرى اسمها تسلح «حزب الله». ويخترعون الدولة ويتحدثون عن معلومات لم نجد لها اي اثبات حتى الآن في كل ما ذكر. وقد رأينا الاعتداء الجديد على سورية الاسبوع الماضي ما يؤكد ان المشكلة هناك وليس عند «حزب الله» الذي من حقه ان يكون منتبهاً وجاهزاً وقوياً لأنه امام تحديات لم تتوقف. ليست تهمة ان نكون على استعداد لمواجهة اي مشروع اسرائيلي - اميركي.

* هل استعاد «حزب الله» قوته التي كانت ما قبل حرب الصيف الماضي؟

ـ «حزب الله» كمقاومة يعمل بشكل حثيث ليحافظ على حيويته وقدرته وقوته. عندما حصل التحرير عام 2000 ظن الناس اننا انتهينا من المواجهة مع اسرائيل. لكننا قلنا لهم انها محطة. وعملنا بشكل حثيث في التدريب والتجهيز من اجل ان نبقى في حالة ردع لنبعد الكأس المرة عن لبنان. وبعد هزيمة اسرائيل وانتصار المقاومة استمرت في ترتيب وضعها بالطريقة المناسبة وفي تهيئة شبابها وتهيئة الإقبال المنقطع النظير من الشباب اللبناني باتجاه المقاومة. وهذا يستلزم ان نهيئ هؤلاء ليكونوا عنوان قوة وقدرة تشكل حالة ردع لأي تفكير اسرائيلي وتؤجل او تلغي فكرة المواجهة... اما كيف نعد انفسنا فهذه تفاصيل لا تذكر عامة. لكن اذا اراد البعض ان يطمئن فنقول له ان حضور وجهوزية «حزب الله» في مستوى مهم جداً يجعل العدو يتأمل كثيراً قبل ان يبادر الى اي عدوان. اما المفاجأة التي تحدث عنها السيد حسن نصر الله فتفقد معناها اذا تحدثنا عنها. وليسرح ذهن المحللين الى حيثما شاؤوا.

* على الأقل نفهم من كلامك ان هناك زيادة عددية كبيرة؟

ـ الاقبال الشعبي على المقاومة كان كبيراً جداً وبطريقة تنفيذية وليس مجرد عواطف ومشاعر.

* ماذا سيفعل «حزب الله» اذا اندلعت حرب اقليمية؟ وهل ستبقى صواريخه محايدة اذا ضربت سورية او ايران؟

ـ عندما تحصل حرب اقليمية لا نعلم كيف سيكون الوضع آنذاك.. لا احد يستطيع ان يتصور سيناريو محدداً حتى يعطي جواباً محدداً. اذا حصل اعتداء في المنطقة، فكل الاحتمالات مفتوحة. ولا استطيع ان اجزم مسبقاً اين سيكون موقعنا من اي احتمال لأننا حتى الآن في كل الحروب التي خضناها كنا في موقع الدفاع. المستقبل قد يحمل ما يورط اطرافاً عدة وليس ايران وسورية ولبنان فقط، بل دولا اخرى. نحن نسأل الله ان لا يتم فهذا لمصلحة الجميع. ومن ظن من الدول الاجنبية او العربية ان الاعتداء فيه مصلحة فهو لا يدرك ابعاد ونتائج اي عدوان ممكن ان يحصل.