مقابلات

ما من لبناني مستعد لتحمل البحث في تنفيذ القرار 1559...المقاومة لن تلقي سلاحها حتى لو انسحبت إسرائيل من مزارع شبعا

قيادة "حزب الله" زارت اخيراً طهران على نحو غير مسبوق، سواء من حيث شكل الزيارة او توقيتها.

جريدة النهار
10/8/2005
قيادة "حزب الله" زارت اخيراً طهران على نحو غير مسبوق، سواء من حيث شكل الزيارة او توقيتها.

وفي الوقت نفسه ما برح الحزب مستغرقاً في الدفاع عن مبررات احتضانه لسلاح المقاومة، فيما الضغوط الاميركية والغربية عموماً تطل برأسها مجدداً للمطالبة بنزع هذا السلاح. نزولاً عند مضامين قرار مجلس الامن الرقم 1559، وفيما بدأت تلوح في الافق ايضاً تباشير حدثين تتحدث المعلومات عند قرب حصولهما، وهما الانسحاب الاسرائيلي الذي بات على قاب قوسين او أدنى، من غزة، والانسحاب الآخر الذي تتداول المعلومات عن امكان حدوثه من مزارع شبعا، والانسحابان، ان حدثا، او وقع احدهما، سيفقد الحزب سنداً او واحداً من الدعائم التي يرتكز اليها، لتسويغ مقاومته وتبرير بقاء سلاحه بأيدي مقاوميه.‏

نائب الامين العام لـ"حزب الله" الشيخ نعيم قاسم، العائد لتوه من طهران حيث كان في عداد وفد قيادة الحزب الذي حط رحاله في العاصمة الايرانية لاكثر من خمسة ايام، يقارب هذه المواضيع في حوار مع "النهار"، وهو يؤكد ان طهران مجمعة على وقوفها الى جانب "حزب الله".‏

كما يؤكد ان العاصمة الايرانية مصممة على تنفيذ برنامجها النووي مهما كانت النتائج، وانها على ثوابتها بالنسبة الى موضوع العراق، ووصول الاحتلال الاميركي لهذا البلد الى المأزق، وبالنسبة الى دمشق واستمرار العلاقة الاستراتيجية معها.‏

في موضوع المقاومة يعتبر الشيخ قاسم ان قرار مجلس الأمن الجديد في شأن نشر الجيش في الجنوب والذي يحمل الرقم 1614 لا يحمل جديداً، ولا يعني الحزب، كون الجيش منتشراً اصلاً في الجنوب، ويكرر قاسم، ان القرار 1559 لا يملك قابلية للتنفيذ، كونه يفتقر الى آلية لبنانية تسمح بتنفيذه، كما أنه لا يمكن اي لبناني ان يتحمل عبء العمل على تنفيذه، و"من أراد ان يقوم بهذا الدور فهو سيسقط حتماً قبل ان يبدأ".‏

ويستبعد قاسم ما أشيع عن قرب انسحاب اسرائيل من مزارع شبعا، في مدى منظور، ويؤكد انه حتى لو انسحبت القوات الاسرائيلية من هذه البقعة، فان المقاومة لن تلقي سلاحها، لأن لبنان يحتاج الى قوة لحمايته من اخطار اسرائيلية اخرى، منها خطر الاجتياح.‏

وهنا نص الحديث مع الشيخ قاسم:‏

زيارتكم ووفد قيادة الحزب لطهران اعطيت ابعاداً تتجاوز مألوف الزيارات المماثلة فما الجديد في هذه الزيارة؟‏

- ليست المرة الاولى التي تزور فيها قيادة "حزب الله" في هذا الشكل، القيادات والمسؤولين في الجمهورية الاسلامية الايرانية، وعلى رأسهم سماحة الولي الفقيه القائد الخامنئي حفظه الله لكن، ربما بسبب التطورات الكبرى التي جرت خلال المرحلة الاخيرة، برزت الزيارة وكأنها علامة فارقة ومهمة، ولا نجد ضيراً في اعطائها ابعاداً كبرى، فالزيارة استهدفت التبريك للرئيس الايراني الجديد السيد احمدي نجاد والشطر لسلفه السيد محمد خاتمي، ولذا كان اختيار التوقيت منسجماً مع هذه اللحظة الانتقالية، كما انها فرصة للتداول مع الاخوة المسؤولين في ايران ووضعهم في اجواء التطورات في لبنان والمنطقة"، والاستماع الى تقييمهم كما يتصل بموقعية ايران في المنطقة.‏

وكذلك كان لا بد من احاطة القيادة الايرانية علماً بما قام به "حزب الله" خلال الحقبة المنصرمة، وما رافق حركته من تطورات مختلفة.‏

وعليه من الطبيعي ان لا تكون زيارة وفد قيادة الحزب لطهران، مجرد لياقات اجتماعية، وانما هي عرض وتحليل ومناقشة لمختلف القضايا ذات الاهتمام المشترك. وقد كان واضحاً ما برز في وسائل الاعلام من احاديث تناولتها قيادة الحزب او اطلقها المسؤولون الايرانيون، بما يوضح الصورة في شكل جيد. ومن الطبيعي القول ايضاً ان ابرز ما في هذه الزيارة كان اللقاء الذي اجراه وفد قيادة الحزب مع القائد السيد الخامنئي، وقد ابدى سماحته اعجابه باداء الحزب السياسي الناجح المتناغم مع الاداء المقاوم الناجح. كما بيّن سماحته للوفد تصميم ايران الاكيد على البقاء ثابتة على مواقفها، واكد ان الهزائم المتتالية تلحق بالاميركيين سواء في الوحل العراقي، او في مخالفة نتائج الانتخابات الرئاسية الايرانية لتوقعاتهم، او في اخفاق الخطوات الاميركية في لبنان، خصوصاً في ما يرتبط بتنفيذ القرار الرقم 1559.‏

وقد لمسنا من خلال هذه الجولة، ما نعرفه من اجتماع المسؤولين الايرانيين على اختلاف مواقعهم وارائهم حول "حزب الله" والوقوف الى جانبه.‏

سياسة ثابتة‏

ونشير الى ان قيادة الحزب تعهدت ان يكون برنامج زياراتها شاملاً اكبر عدد ممكن من المسؤولين الحاليين والسابقين، من دون التوقف عند توجهاتهم الداخلية نحو كيفية الادارة لواقع ايران، وهذا يظهر عدم تأثر "حزب الله" بنتائج الانتخابات الرئاسية الايرانية، فهي خصوصية ايرانية بحتة. كما يظهر عدم تأثر الحزب بالخلافات التي تبرز بين الاطراف الداخلية، فهي شؤون تعني ادارة البلد هناك، والخلاف هو خلاف على الآليات والمناهج المعتمدة بناء على رؤية كل طرف، لكن هذا الامر لا يمس "حزب الله"، واستتباعاً لا يمس على العموم السياسة الخارجية لايران، والتي اثبتت خلال اكثر من عقدين من الزمن، بأنها سياسة ترسم على مستوى الفاعليات الاساسية في ايران وباشراف سماحة القائد (المرشد) من دون ان تتأثر بتغيير الرؤساء وتعاقب الحكومات.‏

ونحن لمسنا هذا الامر بوضوح من خلال تجربة ايران في مواقع مختلفة، فعلى سبيل المثال، بدأ الشيخ هاشمي رفسنجاني، ابان توليه سدة الرئاسة في ايران، خطوات انفتاحية على دول الخليج، ثم عززها خليفته السيد خاتمي ووسعها على المنوال نفسه. كذلك لم تتغير نظرة ايران الى العلاقات الاستراتيجية مع سوريا على الرغم من تناوب الرؤساء في طهران، وانتقال الرئاسة في سوريا الى الرئيس بشار الاسد.‏

اذن هذه نماذج تدل الى ان السياسة الخارجية لايران واحدة لا تتأثر بالمتغيرات، و"حزب الله" في اطار هذه السياسة هو محل اجماع ايراني، رسمي وشعبي، خصوصاً لجهة ضرورة دعمه وتأكيد حقه وحق اللبنانيين في مقاومة الاحتلال وحماية سيادة لبنان واستقلاله.‏

ايران متمسكة ببرنامجها النووي‏

ولكن ألم تشعروا من خلال زيارتكم بأن ايران، ورغم ثوابتها، باتت امام اخطار كبرى او تحولات مهمة جراء الوجود الاميركي في العراق، او من خلال الضغط الاوروبي والغربي عموماً عليها للحيلولة دونها ودون برنامجها النووي؟‏

- قناعة المسؤولين في ايران ان اميركا غرقت في المستنقع العراقي، وباتت مستغرقة في وحل هذا المستنقع، ولا خلاص لها وللعراق، الا بخروج الاحتلال، وان كل المحاولات السياسية التي تقوم بها واشنطن لتلافي هذا المأزق، هي ناقصة وغير مجدية، بل من شأنها ان تطيل عمر الازمة، عوض ان تعالجها.‏

ومن الطبيعي ان تكون ايران مهتمة جداً بتطورات المسألة العراقية، لاعتبارات عدة، ابرزها خصوصية المجاورة في الحدود، والتماهي في الدين، الى الروابط التاريخية الموجودة بين شعبي البلدين. وايران، تنظر من دون شك بريبة الى الوجود العسكري الاميركي في العراق، او في افغانستان، لان اي تثبيت للقواعد العسكرية الاميركية في كلا البلدين، سيستهدفهما ويستهدف ايران في الوقت عينه، وهذه نقطة مهمة بالنسبة الى طهران.‏

كما لمسنا ايضاً تصميماً ايرانياً لا عودة عنه على متابعة الملف النووي السلمي، والتمسك بحق ايران في انتاج الوقود النووي وفق ما تسمح به القوانين الدولية ذات الصلة، من دون الموافقة على البدائل التي يطرحها الاوروبيون، انطلاقا من هذه الموافقة تحرم ايران من حقها الذي نصت عليه القوانين الدولية مهما كانت المبررات والذرائع.‏

فاذا كان هناك من اشكالات او مخاوف، فلا يكون الرد عليها بحرمان ايران من حقها الطبيعي في تخصيب اليوارنيوم، انما بايجاد آليات للمراقبة والمتابعة تطمئن المجتمع الدولي على سلمية الملف النووي الايراني. وقد لمسنا ايضا ان الايرانيين حاضرون للتعاطي بايجابية مع مثل هذا الاتجاه، لكن جميع المسؤولين الايرانيين الحاليين والسابقين، يجمعون على حق ايران الكامل الذي تريد الحصول عليه وفق ما نصت عليه القوانين الدولية.‏

ثابتون على مقاومتنا‏

عادت الاضواء لتسلط مجددا على المقاومة التي تشكلون عصبها الاكبر في الجنوب، خصوصا مع عودة الحديث عن مسألة الضغوط لتنفيذ قرار مجلس الامن الرقم 1559، ومع عودة النقاش الداخلي اللبناني مجددا في جدوى هذه المقاومة ، فهل ما زلتم ترون انه بالامكان الاستمرار في حماية البندقية المقاومة برغم كل هذه التطورات؟‏

- المعلوم ان "حزب الله" حاول مرارا وتكرارا، ابقاء المقاومة وبندقيتها بمنأى عن السجال الداخلي وذلك انطلاقا من معطيات ووقائع عدة ابرزها، ان ما انجزته المقاومة من تحرير ونجاحها في الحيلولة دون ادخال سلاح المقاومة بازار اللعبة السياسية الداخلية، وتصرف المقاومة باخلاقية عالية مشهود لها مع سكان المناطق الجنوبية الخارجة لتوها من تحت تسلط الاحتلال، وترك ملف العملاء والمتعاملين للقضاء اللبناني المختص، من دون الاقدام على تصفية الحسابات مباشرة، اضافة الى الخطاب السياسي الذي سلط الضوء على مشاركة الجميع في عملية التحرير، كل من موقعه، كل هذه الوقائع والعناوين، اعطت بالتجربة والبرهان، الصورة التي يريدها "حزب الله" للمقاومة وهي صورة وطنية جامعة، لا تستهدف استغلال الفرصة لتحقيق مكاسب خاصة باسم المقاومة وتضحياتها وجهادها.‏

ومع ذلك لاحظنا ان البعض يبادر الى ابداء المخاوف بين الحين والاخر من تغير في هذه المنهجيةـ، او يجهر بالاعراب عن عدم رغبته اساسا بوجود مثل هذه المقاومة مهما كانت النتائج. ففي الشق الاول ابدينا استعدادنا للدخول في الحوار والنقاش الذي يبني ويطمئن ويعطي الضمانات، على ان يكون ملف المقاومة جزءاً من ملفات عدة تحتاج الى نقاش داخلي صريح وشفاف، فنحن لا نقبل ان تناقش المقاومة ودورها من موقع المتهم، ونقبل في المقابل ان تناقش هذه المسألة كجزء من سلة كاملة لها علاقة بكل الشؤون اللبنانية.‏

وعليه، فان الحوار هنا يتعدى المقاومة، ولا يكتفي باجابات المقاومة على تساؤلات الآخرين واسئلتهم، بل ان لدى المقاومة نفسها اسئلة على الآخرين ان يجيبوا عنها، خصوصا لجهة البحث عن كيفية حماية لبنان ودرء التهديدات والاخطار والاطماع الاسرائيلية، المعلن منها والمضمر، ومنع الطيران الحربي الاسرائيلي من اختراق الاجواء اللبنانية، والضمانات العملية للحيلولة دون تكرار الاجتياح الاسرائيلي للاراضي اللبنانية والذي كان يحصل حتى يوم كان لبنان ملتزما اتفاق الهدنة، وقبل ان توجد على الاراضي اللبنانية مقاومة فلسطينية وغير فلسطينية وسواها من الاسئلة الاخرى الكثيرة المماثلة.‏

اما من لا يريد اصلا المقاومة وسلاحها ووجودها، بصرف النظر عن النتائج، فهذا لا ينفع الحوار معه، لأنه ينطلق من رؤية سياسة مغايرة، تفرض علينا ان نناقشه بطريقة مختلفة.‏

اذن صار واضحا ان الحوار يجب ان يكون حوارا شاملا، وليس هناك مدع ومدعى عليه، اي ليس هناك متهم يسعى الى تبرئة ساحته، لانه من وجهة نظرنا، المقاومة حققت انجازاً ضخماً، وهذا يتطلب تكريماً لها وحماية وتحصيناً، وبالتالي النأي بها عن أي سجال او خلاف داخلي.‏

لا آلية داخلية للقرار 1559‏

ولكن ماذا عن القرار الدولي الرقم 1559، هل انتم ما زلتم مطمئنين الى انه لن يأخذ طريقه الى التنفيذ؟‏

- لقد صار واضحاً لدينا ان ملف المقاومة ما كان ليبرز على السطح وعلى هذا النحو لولا القرار 1559، ولقد تباهى وزير الخارجية الاسرائيلي سلفان شالوم مراراً وتكراراً بأنه كان سبباً في صدوره، ولن اعير الآن اهتماماً كبيراً بمن تباهى مثله بهذا الدور، فالمهم بالنسبة الينا ما الذي يؤديه هذا القرار؟ انه يحقق فيما لو نفذ، رغبة اسرائيلية جامحة في تعطيل قدرة لبنان على جبه التحديات والمشروع الاسرائيلي، ويعطي الكيان الصهيوني فرصة ذهبية ليستخدم لبنان معبراً لسياساتها، وحساباتها وتصفياتها، وتوطينها للفلسطينيين، مما يعني ان اهداف القرار اسرائيلية بالكامل، ولا نجد فيها ذرة خدمة للبنان. اما ان يكون قراراً دولياً فهذه سلبية ضد القرار وليست ايجابية له، لانه اتخذ بهذه الصيغة بعد عجز اسرائيل من خلال اجتياحها للبنان مرتين في عامي 1993 و1996، عن ان تتخذ لبنان معبراً لمخططاتها، كما عجزت اميركا عن تحقيق عملي لنظريتها في "ارهاب" "حزب الله"، اذ كان الحزب يتجلى كل يوم اكثر فأكثر واصبح حال مقاومة مشروعة تنال تأييداً عربياً واسلامياً وتقديراً دولياً. وباختصار عندما عجزت هذه الاطراف عن استضعاف لبنان رمت بثقلها على مجلس الامن ليكون ستاراً لمشاريعها. ما فعله "حزب الله" وكل المخلصين والشرفاء في لبنان هو رفض القرار 1559، من خلال التأكيد انه تدخل في الشؤون اللبنانية وانه خدمة لاسرائيل، وضرب لقوة لبنان في جبه التحديات الاسرائيلية.‏

ونحن ما نزال نرى ان لا قابلية لتنفيذ القرار 1559، واذا كان البعض يتستر تحت عنوان متطلبات المجتمع الدولي، فنحيله على القرارات الاخرى الصادرة عنه والتي علاها الغبار في الادراج، ولم نعد نسمع عنها شيئاً. فإذا بتنا على موقفنا فلا احد يستطيع ان يلزمنا بما لا نريده واكبر دليل الى ما نذهب اليه هو الفشل الذريع للاجندة الاميركية بخطوات وآليات هذا القرار بعد الانتخابات النيابية اللبنانية فقد كان واضحاً ان اميركا تريد مباشرة المواجهة مع المقاومة وسلاحها، بعد هذه الانتخابات، لكنها فوجئت بحجم الالتفاف الشعبي حول المقاومة، وبوغتت بالتعقيدات الداخلية اللبنانية التي لا تسمح بالدخول في هذا المعترك، مما يفضي الى خطورة ان يتحول هذا الملف ملفاً تفجيرياً، لانه ليس ملفاً عادياً وبسيطاً يتم التعاطي معه بقرارات والزامات.‏

لمسنا التراجع الاميركي الذي بدأ يتحدث عن مهلة "سماح" قد تصل الى 6 اشهر، وعن حديث بين وزيرة الخارجية الاميركية ونظيرها الفرنسي عن ضرورة رفع الضغط عن لبنان لهذه الناحية، وان شاء الله لا يكون هذا التأجيل الاول او الاخير، بل نتوقع تأجيلات متتالية.‏

وعموماً فإن الذين يريدون تنفيذ هذا القرار ما زالوا يفتقرون الى الآلية، ولا يوجد اي لبناني مستعد لان يكون صوت اسرائيل في حمل القرار 1559 على ظهره وعاتقه، والمطالبة بنزع سلاح المقاومة، فضلاً عن ان الواقع اللبناني لا يحتمل مثل هذا الطرح وسيواجه صاحبه بتطويق لبناني من القوى السياسية المختلفة، فاللبنانيون ليسوا ادوات تنفيذية للمشروع الاميركي الاسرائيلي، ومن اراد منهم ان يقوم بهذا الدور فهو، سيسقط حتماً قبل ان يبدأ.‏

القرار 1614 ولد ميتاً‏

ولكن الا يضيف القرار الدولي الجديد الرقم 1614 قوة اضافية الى القرار 1559، يعطي صدور هذا القرار في هذه المرحلة دليلاً جديداً على ان داعمي القرار 1559 لن يسكتوا؟‏

- ان القرار 1614، ليس جديداً، وما تضمنه عن الدعوة الى انتشار الجيش لا معنى له، لان الجيش اللبناني منتشر في الجنوب. القرار بالنسبة لنا ليس سوى محاولة للنفاذ منها لاثارة موضوع المقاومة. وليس المطلوب هنا ان نستنفر كلما تحدث احد عن انتشار الجيش وغير ذلك من جماعة المجتمع الدولي. لقد اعجبني ممثل الامين العام للامم المتحدة غير بيدرسن، عندما صرح بأنه موظف، فهو يعبر عن انه يقوم بدور لا بد له من ادائه وبالتالي عندما نتحدث عن مقاومة فهذا خارج عن سياق الوظائف والموظفين، فاذا قاموا بدورهم من اجل رفع التقرير المناسب، انتهى الامر عند هذا الحد ولا شيء جديداً بالنسبة لنا.‏

وبالتأكيد لا يمكن التعاطي مع المقاومة بالتهديد والقوة العسكرية ولذلك عندما واجهنا هذا المنطق بالاستعداد للمواجهة فنحن نقصد اولئك المتآمرين في الخارج الذين يريدون الضغط على لبنان وعلى مقاومته، ولن نرضى بان يسقط انجاز التحرير، ولن نرضى باخضاع لبنان مجدداً للوصاية الاجنبية وجعله ممراً للمشروع الاسرائيلي. نحن لا نعتدي على احد وعناوين مقاومتنا واحدة، ولكن لا ننصح باستسهال التعاطي مع هذا الانجاز الكبير في لبنان.‏

من منطق التحرير الى منطق الدفاع‏

ماذا لو انسحبت اسرائيل من غزة كما هو متوقع خلال ايام قليلة ومن مزارع شبعا تمّا يتوقع، الا يعني كلا الامرين إن تمّا ان المقاومة ستفقد مبررات اساسية من مبررات وجودها؟‏

-- الانسحاب الاسرائيلي من غزة هو انتصار كبير للانتفاضة والمقاومة الفلسطينية لانه تعبير عن حاجة اسرائيلية ملحة للتخلص من الخسائر المتتالية التي تمنى بها اسرائيل، لذا من الخطأ تصوير الانسحاب المتوقع بأنه جزء من خطة لاعطاء الفلسطينيين حقوقهم.‏

واذا افترضنا ان اسرائيل انسحبت من مزارع شبعا، فهذا ايضاً نعده انتصارا كبيرا للمقاومة الاسلامية اللبنانية لا يقل اهمية عن انتصار 25 ايار 2000 رغم ضآلة مساحة هذه المزارع، ذلك ان رمزية مزارع شبعا كبيرة جدا ولها علاقة بمواجهة الاحتلال واسقاط معقل من معاقله وتعطيل خطة من خططه. لكن ليس واضحا ما اذا كان هذا الانسحاب سيحصل في القريب العاجل فقد حاولت في الاشهر الماضية جهات اوروبية ان تستكشف ردود فعل الحزب في حال التزمت اسرائيل بالانسحاب، وحاولت اكثر من ذلك، أن تعرف ما اذا كان الحزب مستعدا لاعطاء شيء مقابل هذا الانسحاب، كأن تنتهي المقاومة مثلا وتلقي سلاحها. لقد كان جوابنا واضحاً وهو ان لا تفاوض مع الاحتلال من اجل تحرير الارض، وعلى الاحتلال ان يخرج وليس له علاقة بما نفعله في داخل بلدنا.‏

واذا اردنا ان نسلط الضوء اكثر على هذه المسألة فاننا نقول: بالنسبة لنا لم تعد المقاومة مجرد خطوة تحرير مزارع شبعا، فحجم الاخطار التي نشعر بها في لبنان من الاسرائيليين تؤكد الحاجة الملحة الى المحافظة على هذه المقاومة لحماية لبنان، والدفاع عنه.‏

ان تحرير مزارع شبعا يدخل في الجانب التحريري ويبقى الجانب الدفاعي وجانب الحماية وهذا حق طبيعي للبنان ولا يحق لأحد أن يحرمه منه او يسلبه امكاناته الدفاعية في مواجهة "الرؤوس النووية واسلحة الدمار الشامل التي تمتلكها اسرائيل، اضافة الى الخطة التوسعية التي لا حد لها لدى قادة اسرائيل.‏

نعم نحن نتعامل مع موضوع المقاومة بجدية كبيرة لان المسألة تتجاوز مسألة السلاح الى مسألة الاستقلال والوجود والحق، ولا يمكن حمايتها الا بوجود قوة دفاعية بين أيدينا.‏

*المقابلة التي أجراها سماحة نائب الأمين العام مع جريدة النهار البنانية 10-8-2005‏