مقابلات

قاسم :تحوّلُ الحزب إلى الاهتمام السياسي حُسم منذ 1992 وقرارُنا اليوم تفعيل الاهتمام بالشأن الداخلي

ثمة قناعة راسخة في الوسط السياسي اللبناني بأن "حزب الله" ما بعد أحداث الضاحية الجنوبية في 27 أيار الماضي غيره نسبياً عمّا قبل هذا التاريخ، على اعتبار ان 27 أيار شكّل صدمة للحزب سواء على مستوى نظرته الى السلطة وأجهزتها أو لناحية نظرته الى العمل السياسي الداخلي أو من زاوية تعاطيه مع الاستحقاقات على أنواعها.. لكأن الجرح الذي أصابه حرّك مجموعة من التوجهات التي باشر بوضعها موضع التنفيذ.

مقابلة مع صحيفة المستقبل-نصير الأسعد - الاثنين 5 تموز 2004 - العدد 1636‏

الملخص: ثمة قناعة راسخة في الوسط السياسي اللبناني بأن "حزب الله" ما بعد أحداث الضاحية الجنوبية في 27 أيار الماضي غيره نسبياً عمّا قبل هذا التاريخ، على اعتبار ان 27 أيار شكّل صدمة للحزب سواء على مستوى نظرته الى السلطة وأجهزتها أو لناحية نظرته الى العمل السياسي الداخلي أو من زاوية تعاطيه مع الاستحقاقات على أنواعها.. لكأن الجرح الذي أصابه حرّك مجموعة من التوجهات التي باشر بوضعها موضع التنفيذ.‏

أحداث الضاحية "استهدفت" الحزب‏

يقرّ "حزب الله" على لسان نائب الأمين العام الشيخ نعيم قاسم بـ"الأذى" الذي حملته أحداث 27 أيار وإن كان لا يذهب الى حد اعتبار هذا التاريخ نقطة تحوّل. ويقول انه "لا يخفى اننا اعتبرنا أحداث حيّ السلّم وما رافقها موجهة ضدنا بالدرجة الأولى، لان هذه الأحداث جرت بأسلوب يتجاوز قواعد التحرك السلمي باتجاه إعطاء صورة مشوّهة عن أهل المنطقة وما تعنيه هذه المنطقة في نظر العالم وذلك بالتخريب والقيام بأحداث شغب". ويوضح ان هذه الأحداث "جرت في منطقة ذات دلالات بالنسبة الى العمل المقاوم، ما يؤدي الى تشويه سمعتها بمثل هذه الأحداث". ويلفت الشيخ قاسم الى ان "الأحداث بدت وكأنها محاولة لجرّ الحزب كي يتصرف بردة فعل فتتوتر العلاقة بينه وبين الجيش". ولذلك "كنا أمام استهداف سواء كان حجم التخطيط لذلك كبيراً أو صغيراً".‏

على ان قاسم يعلن أن "الحزب تجاوز هذا الأمر بعد أن تكشفت الأمور بشكل واضح وكان المؤتمر الصحافي للسيد حسن نصرالله بوابة لرمي المشكلة في مقلب أصحابها ورفع الأوزار عن منطقتنا وعن حزب الله". وفي إشارة لافتة يقول "لكننا في الوقت نفسه استفدنا من هذه التجربة لأمور كثيرة نأمل أن تساعدنا في عدم تكرار ما حصل وفي فهم الآخرين لصعوبة إحداث فتنة تعبُر من خلال حزب الله".‏

ويضيف القيادي الكبير ان "أحداث الضاحية لم تحقق أهدافها ونتابع مجريات التحقيق للوصول الى النتائج التفصيلية التي تفيد في وضع اليد على الأسباب الحقيقية وتضع حداً لتكرار هذه المسألة".‏

استنتاجات من 27 أيار‏

بيد أن قاسم يرفض مع ذلك أن تكون أحداث الضاحية "الإطار الذي عاد الحزب من خلاله الى التحرك في المسألتين الاجتماعية والسياسية"، ويعتبر ان هذا القول "مبالغة". ويشرح ذلك بالقول ان "التحرك المتجدّد لحزب الله وليد رؤية وقناعة بضرورة تفعيل الاهتمام الاقتصادي والاجتماعي خاصة مع تفاقم الأزمة يوماً بعد يوم ومع نذر تأجيل معالجة الأزمة تارة والتهديد بازدياد الدين العام الى ما لا طاقة للبنان به تارة أخرى".‏

لكن ماذا في الاستنتاجات المباشرة التي خلص الحزب اليها بعد هذه الأحداث؟‏

يجيب الشيخ نعيم قاسم بداية انه "بناء على المبالغة في تسييس حركة الاتحاد العمالي العام وتصدي بعض افراده لسوقه في اتجاه لا يمثل مصلحة عامة، وعدم محاسبة المسؤولين أوالمسؤول عن بدء أحداث حي السلم، كل ذلك يمثل علامات استفهام حول فاعلية هذا النوع من التحرك وحول الآلية المعتمدة في الاتحاد العمالي العام". ويلاحظ ان "هذه الأزمة موجودة في الكثير من الأطر النقابية التي أصبحت أطراً لأركان السلطة يحركونها في تجاذباتهم ولا تتحرك بطريقة مستقلة". وعلى هذا الأساس "قرر الحزب تعليق عضوية مندوبه في هيئة مكتب الاتحاد لإطلاق صرخة تعلن ضرورة إعادة النظر في واقع الحركة النقابية". ويشير قاسم الى ان "الواقع السيء لا يمكن مواجهته الا بحركة اعتراض سياسي ـ اجتماعي تعبر عن شرائح المجتمع اللبناني لا أن يتم من جديد انتاج اشكال معارضة تخفي خصوصيات شخصيّة وتسعى الى تحقيق حصة في التجاذبات القائمة".‏

السلطة السياسيّة ككلّ‏

ويستطرد المسؤول الحزبي الكبير من ذلك ليجيب عن سؤال يتعلق بـ"المسافة" التي يقيمها "حزب الله" حيال أطراف السلطة فيقول "لسنا في صدد توزيع المسؤوليات، ولذا فعندما نتحدث عن الفساد والهدر والمحسوبيات و الاستنسابية ونظام المزرعة انما نتحدث عن حقائق لم تعد بحاجة الى أدلة". ويضيف "اذا أردنا جدية المساءلة فهناك قنوات للمسآءلة وهناك أشخاص يتحمّلون المسؤولية كل بحسب ما أعطاه القانون من صلاحية، ولا حاجة تالياً لأن ننبري بتوجيه السهام تجاه نقطة محددة طالما ان المسؤولية موزعة ولهذا الأمر آلياته التي يجب اتباعها".‏

ويوضح قاسم انه "يكفينا ان نتوجه بتحميل المسؤولية الى السلطة السياسية". ويؤكد أن "الحزب يوجه الاتهام من موقع الحريص على المعالجة وليست لنا حسابات مع أو ضد أشخاص في السلطة، والمطلوب الانتقال الى آليات الحل والسلطة هي المعنية بهذا الحل فمن كان عاجزاً فليترك الفرصة لغيره ومن كان قادراً فليشحذ الهمة ومن أعاقته الظروف والمعطيات فليكشفها أمام الرأي العام ليرفع عنه المسؤولية ويحمّلها للمسؤولين المعنيين".‏

تحرّك نصر الله تحت العنوان البلدي‏

ويُسأل الشيخ نعيم: لماذا في ضوء ما جرى ذكره، "يُنكر "حزب الله" ان ثمة جديداً في خطابه السياسي كما في حركته السياسية نحو الداخل، وأن ما أعلنه الأمين العام السيد حسن نصر الله قبل أيام يقع في إطار هذا الجديد؟.‏

هنا، يرد نائب الأمين العام بتوضيحين "تاريخي" و"راهن". في التوضيح "التاريخي" ان "الحزب اتخذ قراره الواضح بعد نقاش مكثف في هيئاته القيادية في مطلع 1992 بالمشاركة في الانتخابات النيابية، وشكل هذا القرار منعطفاً عملياً للاهتمام السياسي الداخلي". ويضيف انه "على هذا الأساس فان المشاركة في الحياة السياسية الداخلية حسمت منذ المشاركة في أول انتخابات بعد الطائف ولم يعد الحديث عن تحول الحزب الى حزب سياسي ذا معنى لأن الحزب يحمل في مضمونه العملي جانب المقاومة وجوانب العمل السياسي والاجتماعي، انما تعلو الوتيرة في جانب دون آخر بحسب الظروف الموضوعية".‏

وفي التوضيح "الراهن" ان "الحزب عقد جلسات نقاش تقويمي قبل قرار المشاركة في الانتخابات البلدية الأخيرة، وذلك لدرس إيجابيات التجربة وسلبياتها، وطرح على بساط البحث إمكان الاستمرار مع قواعد التفعيل كما طرح إمكان التخلي مع سلبيات وإيجابيات هذا التخلي". ويشير الى أنه "بعد النقاش رجح مبدأ المشاركة مع شرط أساس هو التفعيل الأقصى للأداء البلدي وتأمين آلية تنظيمية داخل الحزب تطور من أسلوب الأداء البلدي وتستفيد من المرحلة السابقة وتنشئ ضوابط لكنها تحفظ هامش الحركة لدى المجالس البلدية التي يؤثر فيها حزب الله، على أن تكون مقيدة بعنوانين: الانضباط في دائرة القوانين للمحافظة على النظام العام، وأن تكون خدمة الناس والمجتمع الأهلي هي الأساس الحاكم". ويؤكد ان "البلدية في بلدة ما ليست فرعاً للحزب انما أداة تمثيلية لاختيار اناس".‏

ويقول قاسم "بعد الانتخابات البلدية الأخيرة، نعكف الآن على دراسة الآلية التنظيمية الأكثر فاعلية لتثمير النتائج بما يؤدي الى فاعلية البلديات في مهماتها وقررنا أن تكون عدة لقاءات بعنوان تكريمي يتحدث فيها الأمين العام ليوضح القواعد والمبادئ والتوجهات التي سيلتزمها الحزب في المرحلة المقبلة، وبذلك يكون الخطاب العلني وثيقة شعبية وعامة تتضمن رؤية عامة لاننا لا نريد أن تصبح البلديات ملحقاً بالسلطة السياسية أو بالنزاعات الحزبية". ويعتبر انه "إذا لاحظ البعض اهتماماً إضافياً في المسألة البلدية وفي المسائل الداخلية، فذلك ناتج عن قرار داخل الحزب بتفعيل الاهتمام بالشأن الداخلي، ونكون بذلك قد فتحنا الباب أمام آلية أكثر نشاطاً يمكن أن تساعد في تعاون عدد من الأطراف لإحداث نقلة نوعية في الحياة السياسية اللبنانية".‏

رسالة إلى الداخل‏

وهل ثمّة رسائل يوجهها الحزب والى من، خاصة انه أكثر من توجيه الرسائل في الآونة الأخيرة؟‏

يجيب نائب الأمين العام لحزب الله ان "تركيزنا على الوضع الداخلي يستهدف رسالة واحدة واضحة موجهة الى الشعب اللبناني تعلن الاستعداد للقيام بإجراءات فعّالة بتكاتف الجهود من أجل معالجة الأزمة الاقتصادية والاجتماعية". أما من يتلقى هذه الرسالة أو لا يتلقاها وما هي الآليات العملية؟ فهي "أسئلة لا بد أن تجد أجوبتها من خلال التواصل الموجود بيننا وبين جميع الأطراف". ويختم بالتشديد على أن "ليس ثمّة رسالة خارجية لأننا لا نطرح شيئاً سوى معالجة الوضع اللبناني والمساهمة في هذه المعالجة". اما "إذا كان آخرون يرغبون في قراءة ما بين السطور ليفهموا رسائل تعجبهم أو تزعجهم فهذا شأنهم".‏