مقابلات

مقابلة عن الإستشهاد

- سماحة الشيخ نعيم قاسم كيف بدأت فكرة تفجير النفس عند حزب الله؟ ومن في الحزب قام بفكرة استعمالها؟ ومتى كانت أول عملية ومن قام بها؟‏

- سماحة الشيخ نعيم قاسم كيف بدأت فكرة تفجير النفس عند حزب الله؟ ومن في الحزب قام بفكرة استعمالها؟ ومتى كانت أول عملية ومن قام بها؟‏

الإسلام هو الدين الذي ارتبطنا به، فهو يعبئ أنصاره بفكرة الجهاد في سبيل الله تعالى والاستشهاد من أجل: تحرير الأرض ورفض الظلم، ومواجهة الاستكبار، والعمل الذي يؤدي إلى راحة مجموع الأمة، وهو يركز البناء الإسلامي على أقصى روحية العطاء في سبيل الله تعالى متمثلة بأمرين أساسيين:‏

الأمر الأول هو التضحية بالنفس، والثاني هو التضحية بالمال.‏

يقول تعالى في الآية الكريمة:" إنَّ الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة يقاتلون في سبيل الله فيقتلون ويقتلون وعداً عليه حقاً في التوراة والإنجيل والقرآن ومن أوفى بعهده من الله فاستبشروا ببيعكم الذي بايعتم به فذلك هو الفوز العظيم". فالتربية القرآنية للإنسان المسلم تركز على الاستعداد الكامل لبيع النفس والتخلي عنها، والموت في سبيل الله تعالى عندما يقتضي الأمر هذا، وكذلك التضحية بالمال. وعندما أنشأنا حزب الله بعد الاجتياح الإسرائيلي سنة 1982، بنينا رؤيتنا على أساس الإسلام، واعتبرنا أنه هو المنهج الذي يجب أن نسلكه في حياتنا، وبما أن تربية الإسلام تربي على الشهادة في سبيل الله تعالى عندما يستلزم الأمر تضحية بالنفس، فإن شبابنا قد تربوا من اللحظة الأولى على هذه الروحية وعلى هذه النفسية، مما ساعد بوجود عدد كبير من الشباب المستعد لأن يقاتل ويُقتل دون أن يسأل عن مكاسب دنيوية آنية ورخيصة، لأنه يؤمن بعطاء الله تعالى، في الجنة كبديل عن كل ما هو موجود في الدنيا، وكذلك يؤمن بمسألة أخرى حساسة ومهمة وربما لم يلتفت إليها الكثيرون، وهي أن الموت له أجل عند الله تعالى، وله وقت عند الله تعالى" فإذا جاء أجلهم لا يستقدمون ساعة ولا يستأخرون" كما جاء في الآية الكريمة، فالذي يذهب إلى المعركة ليقاتل ويضحي بنفسه لن يصل إلى الموت إلا إذا حان الوقت ليقتل ويموت فخير له أن يختار الموت في سبيل الله بإرادته من أن يموت على فراشه، أو أن يقضي حياته دون فائدة تذكر، ثم بعد ذلك ينتهي وقت هذه الحياة.‏

انطلاقاً من هذه الرؤية انتشر الشباب الذي يستعد للقتال في سبيل الله تعالى، وحيث كانت إسرائيل محتلة في لبنان ولا يمكن مواجهتها بأسلحة تضاهي الأسلحة التي تمتلكها، إذاً يوجد عدم تكافؤ في المعركة، مما يستدعي التفكير بقوة استثنائية تحقق هذا التوازن، أو تحقق ضربات مؤذية وموجعة للعدو تمكن المقاومين من تحقيق نصر ما، أو تمكن المقاومين من منع إسرائيل من أن تتجاوز أكثر مما وصلت إليه، فكانت فكرة العمليات الاستشهادية هي الفكرة التي درسناها ووجدنا أنها فعالة ومعقولة، لأن استشهادياً واحداً يمكن أن يقتل العشرات والمئات في بعض الحالات من الإسرائيليين، بينما عملية المواجهة المباشرة قد لا تؤدي إلى عدد كبير من القتلى الإسرائيليين فضلاً عن ضعف الإمكانات والأسلحة في عملية المواجهة، فكانت العملية الأولى للشهيد أحمد قصير في 11/11/1982، أي بعد حوالي خمسة أشهر من الاجتياح الإسرائيلي، وقد حقق إنجازا كبيراً، لأنه قد دخل بسيارته الملغومة والمفخخة إلى مقر الحاكم العسكري في صور، وبالحد الأدنى سقط حوالي سبعين قتيلاً إسرائيلياً برتب مختلفة عدا عن الجرحى، وتهدم المبنى بالكامل وقد صُعِق الإسرائيلي لهذه النتيجة غير المتوقعة، وكان أداء الشهيد أحمد قصير فاتحة العمليات الاستشهادية.‏

- وهذا لا يعني طبعاً بأن الذي يفخخ نفسه هو الذي يقوم بعملية استشهادية فقط، بل كل المقاومين الذين يذهبون إلى المعركة ويعلمون صعوباتها، يتوقعون أن لا يرجعوا منها، وأن يستشهدوا بهذا المعنى هم استشهاديون وفق الرؤية التي ذكرت، والتي تركز على الإيمان بأن الشهادة هي الحل، فمن ناحية تحقق توازن الرعب ومن ناحية أخرى تحقق انتصاراً ولو جزئياً في مرحلة من المراحل، ومن ناحية ثالثة تحقق للمُستشهد عطاء إلهياً في جنة عرضها السموات والأرض أُعدت للمتقين.‏

- من قام بالفكرة، ومن أين استوحيتم فكرة استعمالها؟‏

الفكرة من الناحية النظرية كاستشهاد قامت من التربية القرآنية، أما التطبيق العملي فجاءت من خبرة الأخوة العسكريين الذين رأوا أن جمع المتفجرات في سيارة وتوجيهها إلى المكان المعين يمكن أن يحقق إنجازاً كبيراً، لكن لا يمكن وضع الألغام في المبنى بواسطة عدد من الأشخاص إذ قد يعتقلون أو يكتشفون، إذاً لا بدَّ من تفخيخ جسم معين يصل إلى هذا المبنى، وكانت فكرة السيارة التي نشأت من تفكير الأخوة العسكريين في الحزب.‏

- الأمريكيون يتهمون حزب الله بعمليات السفارة الأمريكية ببيروت ومركز المارينز والبعثة الفرنسية، ما هو تعليقكم على هذا الأمر؟‏

في سنة 1982 عندما نشأ حزب الله وضع أمامه أولوية واحدة وعمل لها، وهي أولوية قتال إسرائيل وفي الأماكن التي تحتلها إسرائيل، أي لم يتجاوز حدود مواقع الاحتلال، ولم يفكر في أن يكون له أي نشاط يشمل غير الإسرائيليين، أو يتعدى حدود الأرض المحتلة أي على مستوى العالم، من هنا كان الاتجاه الذي ركز عليه حزب الله وتبناه وعمل له ونظَّر له وعرفه الناس به في هذا الاتجاه وهو اتجاه مقاومة الاحتلال الإسرائيلي، لكن الجميع يعلم أن لبنان في تلك الفترة كان ساحة مفتوحة لكل أشكال النشاطات المقبولة وغير المقبولة على مستوى العالم، وقد نشأت منظمات كثيرة سمعنا بأسمائها في لبنان وقامت بأعمال سواء داخل لبنان أو خارج لبنان وتبنت هذه الأعمال بسبب الحالة الفوضوية التي كان يعيشها لبنان وعدم قدرة الضبط، في مثل هذه الظروف قامت بعض المجموعات وأطلقت على نفسها أسماء معروفة في ذاك الزمان كأسماء عامة هي التي كانت وراء التفجيرات وأعمال خطف الأجانب، وكانت مجموعات متنوعة في هذا الاتجاه لكن لم يكن لحزب الله أي علاقة بها لا على المستوى التنظيمي ولا على مستوى معرفة نشاطاتها وخططها، وقد أعلنا عن هذا الأمر مراراً وفي مناسبات متعددة وبالتالي تجري محاولات أمريكية حثيثة لربط عمل هذه المجموعات بحزب الله ذلك لعجزهم عن معرفتها وعن تسليط الأضواء عليها، ونحن نعتبر أن هذا الاتهام هو اتهام سياسي يفتقر إلى أدنى الأدلة.‏

- معت مرة بأن الجهاد الإسلامي هو من قام بالعملية، هل تعرفون من، ولماذا لم تقولوا عنهم إذا كنتم تعرفونهم؟‏

الجهاد الإسلامي هو المنظمة الأبرز التي قامت ببعض الأعمال ضد الأمريكيين، وهناك منظمات أخرى أعلنت عن نفسها قامت بأعمال أخرى مثل العدالة الثورية أو غيرها مما هو مذكور في وسائل الإعلام وقتها، لأن هذه المنظمات كانت تعبر عن وجهة نظرها وتبين أهدافها من أعمالها، ونحن لسنا في وارد أن نبحث عن أسماء هؤلاء أو أن نقدم تقارير عن معلومات قد نمتلكها وقد لا نمتلكها فيما يختص بأفراد أو تصرفات معينة، فالساحة كانت ساحة مملوءة بالأنشطة المختلفة وقد أقفل المجلس النيابي الباب على كل هذا التاريخ عندما أصدر قانون العفو في سنة 1991، وبالتالي لم يعهد هناك فائدة من استعراض واستعادة هذا التاريخ سوى محاولة التفتيش عن مبررات ضعيفة من أجل إثارة ملف حزب الله الذي لا يرتبط بعلاقة مع هذه الجهات.‏

- هل تملكون أي معلومات؟‏

قلت، لست في وارد أن أبين معرفتنا أو عدم معرفتنا ببعض ما كان يجري لأنها أمور من الماضي من ناحية ولأن ذكرها لا ينفع ولا يقدم ولا يؤخر إذا كان هناك معلومات متوفرة في هذا الاتجاه.‏

- كيف تختارون الجنود الذين يفجرون أنفسهم، ومن الذي يختارهم، ومن أين؟‏

عندنا تنظيم واسع وكبير وتوجد آلية لقبول الأفراد في داخل الحزب، بحيث تكون لهم ملفات ومقابلات ودورات ثقافية وعسكرية، ومراقبة لأعمالهم حتى نطمئن أن هذا الشخص يمكن أن يكون في حزب الله ولا يشكل عقبة أو اختراقاً أمنياً أو ضرراً معيناً، هذا ما أثبتته التجربة حيث قمنا بكل العمليات العسكرية ضد إسرائيل في جنوب لبنان والبقاع الغربي ولم تنكشف أي عملية قبل حصولها بسبب هذه الدقة في اختيار الأفراد ، من خلال هؤلاء الأفراد يأتي البعض فيطالب بأن يكون استشهادياً، ويقدم طلباً عند جهة مخصصة في الحزب في هذا الاتجاه، يُدرس طلبه فإذا كان هناك مجال لعمل استشهادي بحسب تقدير القيادة العسكرية الميدانية، وكان هذا الشخص من بلد وبمواصفات وبشروط تؤهله لأن يقوم بهذا العمل بالذات، فإن الأخوة يستدعونه ويدربونه ويهيئونه لهذا الأمر، وللعلم لم تتجاوز العمليات الاستشهادية بالسيارات المفخخة التي قام بها حزب الله خلال ثمانية عشرة عاماً الإثنتي عشرة عملية(12 عملية فقط خلال الفترة كلها)، لكن كما قلت سابقاً بطبيعة الحال كل العمل في الكمائن والهجومات تحمل أيضاً طابعاً استشهادياً بسبب الخطورة الكبيرة التي تكون موجودة أثناء العمل، لكن عنوان أن يذهب الشخص بسيارة مفخخة لم يتجاوز الـ 12 فرد، إلا أن هذه الروحية العامة كانت أكبر وأكثر تأثيراً من هذه التفاصيل المرتبطة بالعدد لأن روحية الشباب بشكل عام هي روحية مستعدة للاستشهاد بطرق مختلفة، وفي الواقع عندنا لائحة فيها أسماء كثيرة من الذين يرغبون بالاستشهاد، لكن لا نرسل الأخوة لمجرد رغبتهم فهذا أمر يخضع لدراسة ولتحقيق الفائدة المطلوبة ، فما فعلناه هو ما كنا نراه مفيداً وكافياً ولذا لا زالت اللائحة مملوءة ولكن ليس هناك فرص كافية في هذا الاتجاه.‏

- من أين يُختار هؤلاء الأشخاص، يُقال أن هؤلاء الأشخاص الذين يستشهدون بتفجير أنفسهم يختارون من المدارس التي تحرضهم على الاستشهاد أو سفك دمائهم كالمدارس في أفغانستان وباكستان التي تحرض تلامذتها ضد الغرب وما إلى ذلك، هل هذا صحيح، وما هو تعليقكم؟‏

نختارهم من الأفراد المتدينين المقتنعين بخط حزب الله منهم مَن هو موجود في مدرسة، ومهم مَن يعمل وعنده عائلة، ومنهم من يعيش في أجواء اجتماعية متوسطة الحال، ومنهم من يعيش حالة فقر، يعني هذه عناوين مختلفة، ولكن لا يوجد في الواقع مدارس متخصصة لها علاقة بتخريج الاستشهاديين كما لا يوجد مدارس تهتم بإيجاد نوعية من الشباب تكون هي المؤهلة لتسلك طريق حزب الله، فإذا جلتي النظر بكل واقعنا الاجتماعي ستجدين أن المرتبطين بالحزب هم موزعو الاهتمامات، منهم من يتعلم في مدرسة عصرية وعادية مثل كل المدارس، ومنهم من يعمل في الهندسة أو الطب أو أي مهنة معينة، ومنهم من يشتغل في التجارة، فالأمور لا ترتبط بآلية شبيهة بالآلية التي ذكرتيها في باكستان او غيرها، نحن نعمل من خلال تعبئة المجتمع بشكل عام بكل توجهاته وبكل أقسامه، وليس عندنا أماكن مخصصة أو مدارس مخصصة تعمل في هذا الاتجاه.‏

- ماذا تعني بتعبئة المجتمع؟‏

يقف العالم ويثقف ويربي ويعلم بالإسلام ويعرض الآيات القرآنية ويفسرها من خلال التلفزيون أو الراديو أو في الاجتماعات واللقاءات، ويبين لهم الأهداف العامة للإسلام، وبهذا يتعبأ الناس بالفهم الإسلامي الذي سيؤدي بشكل طبيعي إلى أن يتبنى هؤلاء فكرة الجهاد والاستشهاد، وعندها يأتي دور الحزب في أن يستثمر تلك الطاقات الراغبة في أن تعمل في صفوفنا.‏

أما فكرة غسل الدماغ فقد أتت من حيرة موجودة عند الغرب في تفسير هذه الظاهرة عندما نشأت، فاعتبروا أنه لا يمكن أن تحصل إلا إذا خضع هذا الشخص لأجواء نفسية وسلوكية وأخذ بعض العقاقير وما شابه ليصل إلى هذا المستوى، وهذه فكرة مستوحاة من نمطهم المادي، أما في الواقع فنحن لسنا بحاجة إلى هذه الأساليب، وعندما يكون القطاع الأكبر في مجتمعنا مقبلاً على الشهادة مع اختلاف مستوياته الثقافية والاجتماعية والعمرية حيث نجد هذه الروحية موجودة عند الشباب والكبار وهذه الرغبة موجودة عند الأطفال والنساء، مما يبين أن المسألة تتعدى اهتمامات شخصية وفردية لكل شخص على حدى لتطال التعبئة العامة التي تؤثر بسبب روحية الإسلام ومنطق الإسلام في التوجيه الإسلامي.‏

- هل تعتقد سماحة الشيخ أنه يوجد في الإنسان روح التضحية؟‏

الإنسان في رأينا يحمل كل القابليات الإيجابية والسلبية، وتعمل التربية على الاستفادة منها في اتجاه معين، فإذا ركزنا على جانب السمو والرفعة والارتباط بالله تعالى، والتضحية بالنفس فإن بإمكاننا أن نحصل على إنسان مضحٍّ، كما يمكن أن يكون التوجيه بالاتجاه الفاسد فنحصل على إنسان مجرم لا يراعي أبسط قواعد الإنسانية، فلا غرابة أن نجد بين البشر الأكثر أخلاقية وإيمانياً والأكثر وحشية وحيوانية في طريقة التعاطي، لأن المسائل مرتبطة بقابليات موجودة عند الإنسان وتربية أدت بهذه القابليات في اتجاه دون آخر.‏

- ما هي الصفات التي تؤهل الجنود الذين يستشهدون بتفجير أنفسهم؟‏

المهم أن يكون مؤمناً بالله تعالى ومعتقداً أن هذا العمل الذي يقوم به إنما يقوم به بملء إرادته وهو يريده للقناعة به لا هرباً من الحياة أو للتخلص من مأزق اجتماعي وإنما يفترض أن تكون حياته طبيعية بالكامل ويُقبل على الشهادة لنطمئن بأنه اختار هذه الطريق بطريقة عقلية روحية، ولم يختر الطريق كردة فعل أو هرباً من أي شيء في حياته.‏

- وهل يكون في داخل الحزب أو من الخارج ؟‏

يجب أن يكونوا في الإطار العام للحزب ومن هؤلاء يتم الاختيار.‏

- هل كان أي من الاستشهاديين غير شيعي؟‏

الاستشهاديون الـ12 كانوا من الشيعة ، لكن يوجد من غير الشيعة من قاتل معنا في أعمال خطرة وصعبة واستشهد أحدهم على ما أذكر اسمه طوني أبي غانم، كان مسيحياً واستشهد معنا ضمن أعمال عسكرية. يوجد في الحزب غير شيعة ولكن عدد قليل.‏

- ما هي الدوافع التي تحرك هؤلاء الأشخاص لتفجير أنفسهم؟‏

الدافع الأساس والمركزي للاستشهاد هو تنفيذ التكليف الشرعي، أي قناعة هذا الفرد أن عليه واجباً إلهياً وهو يقوم بهذا الواجب إذ عندما تكون الأرض محتلة يجب تحريرها، فإذا استلزم تحريرها أن يقتل في سبيل الله فعليه أن يسعى لذلك ليقوم بواجبه وبتكليفه الشرعي، فالدافع الأساس هو التكليف الشرعي.‏

- وهل الطموح إلى الجنة من الدوافع؟ وغفران الخطايا؟‏

الطموح إلى الجنة هو في الحديث عن النبي (ص) ورد :" فوق كل ذي بر بر حتى يقتل المرء في سبيل الله فليس فوقه بر" فهو أعلى مرتبة يمكن أن يحصل عليها الإنسان في أعماله الخيرة والصالحة في الدنيا أن يقتل في سبيل الله فهذا هو الأرقى، ومن الطبيعي أن يطمح الإنسان المؤمن أن يكون الأعلى وأن يكون الأرقى وأن يكون مقبولاً عند الله تعالى وأن يكون في أفضل مكان في الجنة، لأن الجنة أيضاً مراتب ومستويات وليست مستوى واحداً، على هذا الأساس يوجد طموح عند هؤلاء أن يحققوا العمل الذي يؤدي إلى مرضاة الله تعالى، وهو الطريق الأسرع والأقرب مع كل مشقاته ومصاعبه، وبطبيعة الحال هذا سيؤدي إلى غفران الذنوب والخطايا وإلى اختصار المعاناة العملية لمصلحة الأجر عند الله تعالى والوصول إلى الجنة، هذه الأمور مجتمعة تكون موجودة في نفسية المجاهد الاستشهادي.‏

- هل مكتوب في القرآن عن غفران الذنوب بالنسبة للاستشهاديين وعائلاتهم؟‏

طبعاً، فعندما يقول تعالى في القرآن الكريم" يا أيتها النفس المطمئنة ارجعي إلى ربك راضية مرضية فادخلي في عبادي وادخلي جنتي" فهذا نوع من التحفيز للإنسان المؤمن أن يكون مطمئناً في الرضا الإلهي الذي يحصل بسبب الأعمال التي قام بها، أيضاً عندما يقول تعالى:" إنَّ الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة" يعني سيعطيهم الجنة عندما يقاتلون في سبيل الله، وعادة الذي يستشهد في سبيل الله تعالى هو الذي يضع نفسه في محل الخطر ويقبل على القتال الذي يؤدي إلى هذه النتيجة.‏

- ما هي علاقة الحزب بإيران؟‏

إيران دولة إسلامية شكلت تجربة مشرقة وجذابة بالنسبة لحزب الله، واعتبر الحزب أن العلاقة مع إيران تساعد في أن يستفيد من هذه الدولة الناشئة والقوية لمصلحة نشر الفضيلة والإسلام، وعلى رأس هذه الدولة قام الإمام الخميني(قده) الذي يعتبر من وجهة النظر الإسلامية ولياً للفقيه وهو قائد للأمة الأمة الإسلامية وليس قائداً لإيران، فارتبطنا بالولي الفقيه كقائد للأمة الإسلامية، وبما انه موجود في إيران والدولة الإسلامية قائمة في إيران، فقد نشأت علاقات مميزة مع إيران على أساس هذا الاتجاه، ودعمتنا إيران وناصرتنا في قتالنا مع العدو الإسرائيلي وفي تحقيق الأهداف المرتبطة بتحرير الأرض، فتمكنت العلاقة بشكل كبير بيننا وبين إيران على قاعدة التقاطع في الرؤى والمصالح وفي آنٍ معاً في محاولتنا لتحقيق أهدافنا، فعلاقتنا مع إيران علاقة دولة لها قناعاتها وآراؤها ومؤيدة لدعم القضية الفلسطينية ضد الاحتلال الإسرائيلية، ونحن وجدنا هذا الدعم من إيران فكانت هذه العلاقة المتينة معها بصرف النظر عن الالتزام الكامل بموقف الولي الفقيه الذي هو قائد للأمة الإسلامية جمعاء.‏

- هل إيران هي المرجع الأخير لحزب الله؟‏

إيران كدولة لها خصوصياتها وهي لا تمثل مرجعاً بالنسبة لنا، لكن الولي الفقيه القائد الخامنئي الآن(حفظه الله) أو الإمام الخميني(قده) سابقاً يشكل هذا القائد مرجعية التوجيه العام ورسم الخطوات الإجمالية التي تنسجم مع الإسلام، فعلاقتنا مع المرجعية العامة في إدارة شؤوننا وفي نظرتنا إلى أصدقائنا وأعدائنا وأعمالنا العامة، فمرجعيتنا تكون إلى الولي الفقيه وليس إلى الدولة الإسلامية في إيران لأنها دولة لها خصوصياتها ولها شؤونها وطريقة إدارتها كما لنا كحزب الله طريقتنا وشؤوننا وإدارتنا.‏

- هل صحيح أن حكومة إيران تمول الحزب؟‏

الحزب يستفيد من بعض المساعدات التي تأتي من مؤسسات اجتماعية إيرانية كمؤسسة الجرحى ومؤسسة الشهيد ومؤسسة إمداد الإمام الخميني(قده) وكان هناك سابقاً دعم من خلال الحرس الثوري الذي أتى إلى لبنان سنة 1982 وساعد في التدريب وبعض الأنشطة ففي هذه الدائرة يوجد دعم إيراني بهذه الحدود.‏

- ُقال أيضاً أن حزب الله يعمل كما تريد الشقيقة سوريا، فما تعليقكم على هذا؟ وما علاقة حزب الله بسوريا؟‏

علاقة حزب الله بسوريا علاقة ممتازة لأن سوريا تحمل رؤية استراتيجية في رفض التسلط والكيان الإسرائيلي الذي يريد أن يحتل ويتوسع وتزداد سيطرة في المنطقة، وتقاطعت هذه الرؤية بيننا وبين سوريا على قاعدة رفض الاحتلال الإسرائيلي ومفاعيله، وكذلك اعتبرنا كما اعتبرت سوريا أن التماسك الذي يمكن أن يتواجد بين لبنان وسوريا يقوي سوريا ولبنان أيضاً، على هذا الأساس كان التعاون بيننا وبين سوريا في الموقف السياسي وفي الأداء الميداني، ونحن نعتبر أن الانتصار الذي حصل في لبنان هو ببركة هذا التعاون، وأن القوة التي حملها لبنان حتى الآن استطاع من خلالها أن يبرز كبلد مؤثر وفاعل ومهم في المنطقة بسبب هذا التعاون، وكذلك استفادت سوريا من هذا التعاون لتقوي موقعها وموقفها، فالمصلحة مشتركة بيننا وبين سوريا في أن يتقوى كل منا بالآخر.‏

- يقول المثل: لا يقدر المرء أن يخدم سيدين" فكيف توفِقون بين لبنانيتكم وبين إيران وسوريا؟‏

نحن نخدم أنفسنا وتطلعاتنا وإيماننا ولا نخدم أحداً، لسنا عملاء لأحد ولسنا أدوات عند أحد، ما نقوم به هو ما نقتنع به وما نعتبره واجباً علينا ومفيداً لأهلنا وبلدنا، والذي غاب عن الكثيرين هو حالة التقاطع بين العناوين المختلفة، فنحن لبنانيون من حيث السكن والمواطنة والحق الموجود لنا في الأرض اللبنانية مع كل الأفرقاء الذين يعيشون في لبنان، ولا نقبل أن ينازعنا أحد على مواطنيتنا أو يحاول أن يضر بها، وقد قدمنا التضحيات الكبرى من أجل التحرير وهذا أكبر تعبير عن ارتباطنا بأرضنا ورغبتنا في تحريرها، نحن عرب من خلال اللغة التي نتحدث بها، ونتعاطف مع كل المحيط فإذا كانت هناك قضايا تهم العرب وهي قضايا مشتركة معنا، فنحن نناصرها ونؤيدها وعلى رأس هذه القضايا القضية الفلسطينية التي هي قضية حق وقضية شعب مظلوم، ومن حق هذا الجار أن نكون إلى جانبه وأن نؤيده وندعمه بكل الطرق المناسبة، وهذا ينعكس في النهاية علينا جميعاً، ونحن إسلاميون من خلال إيماننا بالإسلام، فمن الطبيعي أن نتناغم مع الدولة الإسلامية في إيران لأنها تحمل الرؤى الفكرية العامة التي نحملها خاصة أن أعمالها وأداءها يصب في الاتجاه الذي نؤمن به، فعندما لا يكون هناك معاكسة بين اللبنانية والعروبة والإسلامية وتتقاطع جميعها في حلقة متناغمة تؤدي دوراً يخدم كل العناوين الثلاثة دون أن يضر بأي عنوان منها فهذا يعني أننا في الطريق الصحيح، ولا نعيش حالة الازدواجية، ولسنا في دائرة الخيار الحاد إما في هذا الاتجاه وإما في ذاك الاتجاه، وأقول أكثر من هذا نحن اليوم على علاقة جيدة مع إيران وسوريا ونتبنى العمل لنصرة القضية الفلسطينية ونعمل في داخل لبنان، فلو أتت دولة من الدول العربية وقالت نريد أن نكون معكم معاونين ومساعدين في نفس الاتجاه، أو أتت دولة إسلامية من العالم الإسلامي وقالت نحن نريد أن نكون مع حق لبنان في هذا الاتجاه فستكون علاقتنا أيضاً معهم جيدة، بل أكثر من هذا أيضاً لو أتت دولة أوروبية وقالت نحن مع الحق اللبناني في تحرير الأرض ومع الحق الفلسطيني في تحرير الأرض لكانت علاقتنا جيدة وممتازة، لكن ما يبعدنا عن بعض الدول وبعض الجهات هو أن مواقفهم وتطلعاتهم تختلف عن موقفنا وتطلعاتنا.‏

- ان كان حصل اختلاف بوجهات النظر بينكم وبين إيران أو الولي الفقيه، فكيف تعالجون هذا الاختلاف؟‏

تختلف المسائل حسب الموضوعات ووجهات النظر، إذا كان هناك أمر شرعي فالولي الفقيه يقرر ويأمر ولسنا في وارد أن نختلف معه أو أن نرفض له طلب لأن الموضوع موضوع شرعي ونحن نتبع الموضوع الشرعي، أما الدولة الإسلامية في إيران أو الجمهورية العربية السورية فإذا كانت لأي منهما وجهة نظر تختلف عن وجهة نظرنا في قضية من القضايا فنحن معتادون على التحاور ومحاولة الوصول إلى المستوى الذي نبقي الأمور فيه في دائرة الحوار والنقاش والوصول إلى الحل الأفضل لأن التصادم ممنوع ، ولأننا يجب دائماً أن نفكر في أن المصلحة في التفاهم والحمد الله لم تمر علينا حالات تستدعي في أن نقف في هذا الموقف الحرج.‏

- نقرأ أن من مدرّبي الحزب كانوا من أعضاء من الجيش ا الياباني، هل هذا صحيح؟‏

أنا لم أسمع بهذا الأمر، ولم نكن بحاجة إلى هذا النمط، فالمدربون في البداية كانوا من الحرس الثوري الإيراني، وقبل ذلك كان عندنا من الشباب الذين اكتسبوا خبرة من المنظمات الفلسطينية الموجودة، وبعد ذلك أصبحنا نملك القدرات والخبرات التي تساعدنا في أن نعتمد على أنفسنا، ولم نكن بحاجة لأي جهة من هذه الجهات العالمية كالجيش الأحمر الياباني أو غيره من الجهات.‏

الآن نحن نعتمد على أنفسنا بشكل أساسي، ولم يعد هناك حرس ثوري إيراني في لبنان.‏

- يُقال أن حزب الله يستخدم محللين نفسيين أو علماء نفس، هل هذا صحيح؟ وبأية مناسبة إذا كان صحيحاً؟‏

لا أكشف سراً إذا قلت أن عالم الدين عندنا هو بحد ذاته عالم نفس، لأن المضمون الديني يربي ويعبئ بشكل مدروس وموزون فيتحول العالم إلى مؤثر نفسي في الواقع وليس عندنا محللون نفسيون بالمعنى المعاصر أو أطباء نفسيين أو دراسات نفسية خاصة، لكن بطبيعة الحال حتى يتقن العالم دوره وأداءه فهو يطلع على الأشياء المعاصرة والحصول على ثقافة معاصرة فهذا أمر طبيعي لمن يقوم بهذا الواجب الإسلامي.‏

- سماحة الشيخ هل لحزب الله علاقة بالقاعدة وابن لادن؟ وما رأيكم بأفكار وأعمال القاعدة كتفجير السفارات في السنغال وكينيا و11 أيلول؟‏

مجال عمل تنظيم القاعدة في أفغانستان، وطريقة عمل القاعدة لها مقدماتها ولها اتجاهها الفكري، أما مجال عمل حزب الله فهو في لبنان وفلسطين وهذه المنطقة، وطريقة عمله وأدائه السياسي والميداني قد عبر عنه بما هو واضح لجمهور الناس، فوجود بُعد جغرافي بين خصوصية عمل حزب الله ومنطقته وخصوصية عمل القاعدة ومنطقتها جعل أي مبرر للعلاقة معدوم وغير متوفر، علماً أن هناك تمايزاً بالأولويات وطريقة التفكير، وعلى هذا الأساس لم يجر أي لقاء بين حزب الله والقاعدة، ولم تكن هناك مبررات عملية وموضوعية لهذا الاتجاه، بل هناك توجهات تتفاوت مما يجعل إمكانية اللقاء إمكانية معقدة، لكن التهم التي ذكرت كانت محاولة لاستسهال تشويه صورة حزب الله من خلال تقريب نماذج أخرى استطاع الغرب أن يعطيها صورة مشوهة بشكل أو بآخر أو بمبرر أو بدون مبرر كي تكون هناك مقدمات تساعد في عملية المواجهة.‏

- الغرب والإعلام الغربي بالإجمال لا يفرق بين أفعال القاعدة كما قلت وتفجير السفارة الأمريكية في بيروت وتفجير مقر المارينز وتفجير النفس بغير العسكريين أو بالمدنيين بإسرائيل، فما هو الفرق؟‏

الغرب ينطلق من رؤية ثقافية ومنظومة سياسية فيرفض ما نقوم به كحركة مقاومة لكنه يقبل ما تقوم به إسرائيل من مجازر ضد المدنيين ويجد لها المبررات الكافية، فالموضوع لا يرتبط بنظرة إنسانية أو برفض فكرة القتل أو التفجير أو ما شابه، وإنما يوجد موقف سياسي مسبق ثم توضع في داخله كل التفاصيل الأخرى، فمع موافقة أمريكا والغرب على إسرائيل جعلهم يقبلون من إسرائيل أن تقتل الأطفال والنساء وتدمر البيوت ويدخل الأمر في دائرة الدفاع عن النفس دون أن يكون هناك مشكلة، بينما لأنهم يرفضون مقاومة إسرائيل فقد اتهموا حزب الله بخرق حقوق الإنسان ودخل في الاتجاه الخاطئ، ولا ربط بين مقاومة حزب الله وبين عمليات التفجير التي حصلت في لبنان أو في أفغانستان أو في أمريكا أو في أي منطقة، هذه أعمال تختلف عن أعمال المقاومة، ولا يمكن ان نضع كل شيء في دائرة واحدة، وإنما هناك تفريق وتمييز بين هذه الأنشطة ولكل نشاط نقاشه، هذا الغرب يقبل بأن يخطئ الطيار الأمريكي ويقتل 120 شخصاً أثناء عرس في أفغانستان ويكفي فيه الاعتذار، لكن لا يقبل أن يجرح إسرائيلي واحد في عملية جاءت دفاعية وكردة فعل على كل الجرائم التي ترتكبها إسرائيل، فالمشكلة هي في المنطلقات والرؤى وليست المشكلة في نفس العمل.‏

- وأيضاً هم لا يفرقون بين العمليات التي تجري في فلسطين للمدنيين مع أعمال القاعدة التي هي أيضا كانت ضد المدنيين؟‏

في فلسطين يوجد احتلال وهذا الاحتلال الإسرائيلي يقتل ويدمر سواء من خلال الجيش الإسرائيلي أو من خلال المستوطنين المدنيين المسلحين الذي ارتكبوا أعمالاً إجرامية ضد الفلسطينيين العزل، أمام هذا الواقع ليس هناك خيار أمام الفلسطيني إلا أن يدافع عن نفسه، فلا يمكن أن نحدد له مساحة للدفاع مسموحة ومساحة غير مسموحة، فهؤلاء جميعاً يطالهم بطريقة أدائه، وبالتالي هو يقوم بعمل مبرر، نحن لم نسمع من العالم انتقاداً على قصف الطيران الإسرائيلي لرجل مدني في بيته، أو قتل لعائلته وأدخل هذا الأمر في دائرة الدفاع الإسرائيلي، بينما يُدان الفلسطينيون تحت عنوان أنهم يقتلون المدنيين علماً أنهم يقومون بردة فعل وعملية دفاعية ومحاولة رفع الصوت لمنع العدوان الإسرائيلي، وهذا الأمر يختلف تماماً عن موضوع القاعدة وما جرى في أفغانستان وأمريكا، فهذا ملف آخر لا يمكن مناقشته بنفس الطريقة التي تناقش بها القضية الفلسطينية.‏

- هل المدنيون الإسرائيليون كلهم مسلحون حتى قبل الانتفاضة؟‏

معلوماتي أن جميع المدنيين الإسرائيليين مسلحون حتى قبل الانتفاضة.‏

- هل من الممكن اطلاعي على التكتيك والاستراتيجية التي اتبعها الشهداء والتكتيك الذي اتبعه الشق العسكري لحزب الله ضد الاحتلال الإسرائيلي؟‏

نحن مقاومة وقد ركزنا في عملنا المقاوم على الأعمال التي ترتبط بالكمائن والعبوات الناسفة ومحاولة الوصول إلى العسكر والعملاء حيث هم، أي أننا لم نتخذ طريق التراشق عن بُعد ولم نلجأ إلى أساليب الجيش النظامي، وإنما لجأنا إلى نمط العمل المقاوم الذي يعتمد على الكر والفر، أي نقوم بالعملية ثم يختفي المقاومون ويعودون إلى أعمالهم وأشغالهم بشكل طبيعي وكأن شيئاً لم يكن، لقد ابتعدنا عن الاستعراض العسكري وعن إقامة النقاط الثابتة والتواجد في داخل القرى بشكل عسكري، هذا الأمر ساعدنا في أن نقوم بعمل مقاوم متخصص وفاعل بدل أن يتحول إلى عمل ميليشياوي استعراضي في داخل القرى وكانت هذه النتيجة مؤثرة جداً في تحقيق النتائج ضد العدو.‏

- لقد استوحى الفلسطينيون الكثير من عمل المقاومة في جنوب لبنان، ما هي العلاقة الحسية بينكم وبين المقاومة الفلسطينية؟ هل قمتم بتدريب أو تحضير أو تخطيط استراتيجية معينة استخدمها الفلسطينيون؟ وهل يوجد اتصالات بين المقاومتين مثلاً عبر الأنترنت؟‏

الفلسطينيون لهم تجربتهم ولهم خصوصية بلدهم وأنشطتها وبالتالي نحن نمد يد العون بالمقدار الذي يتناسب مع حاجاتهم من ناحية ومع قدراتنا على تحقيق هذا الأمر من ناحية أخرى، ولا نتكلم عادة بتفاصيل هذه العلاقة لخصوصيتها السرية.‏

- هنالك من يقول أن العمليات الانتحارية ضد المدنيين في إسرائيل أضرت القضية الفلسطينية حتى من داخل فلسطين؟ وهناك من يقول العكس فما هو رأيكم؟‏

رأينا أن هذه العمليات هي عمليات استشهادية، وأنها أفادت القضية الفلسطينية كثيراً ولولاها لما خرجت كقضية حارة وملحة، إذ كان العالم ينظر إلى ما يجري في فلسطين بأنه مجرد تقاتل، وأن الإسرائيليين يرتبون أنفسهم ولا مشكلة في ذلك، ولكن بعد صدور هذه العمليات الاستشهادية برز أنه يوجد مشكلة حقيقية وأن إسرائيل تشكل عبأ على المنطقة وعلى العالم، ولا زال شارون إلى الآن يعيش إرباكاً من ضبط الوضع ولا يتمكن من فعل شيء، هذا كله بسبب العمليات الاستشهادية، إذاً هي عمليات الضرورة والدفاع وعمليات تغيير الواقع الأليم الموجود داخل فلسطين، وليس صحيحاً بأنها عمليات سلبية ضد القضية الفلسطينية لأن عدم وجود هذه العمليات يعني التسليم لإسرائيل لما تريد.‏

- هل يوجد فرق بالتكتيك والاستراتيجية بين ما حدث في جنوب لبنان مع المقاومة اللبنانية وما يحصل الآن في إسرائيل؟‏

طبعاً توجد فروقات بين ما يجري في فلسطين وما جرى في لبنان، فمثلاً في داخل فلسطين الإسرائيليون يحتلون الأرض على قاعدة أنهم يريدون البقاء فيها وطرد الفلسطينيين منها، بينما لم يكن هذا الأمر بهذه الصيغة في لبنان، إنما كانوا يدعون بأن احتلالهم هو كمجال أمني لإسرائيل.‏

أيضاً في داخل فلسطين يوجد كثافة إسرائيلية تمكن من القيام بنوع معين من العمليات لم تكن متوفرة في لبنان لأنها كانت مقتصرة على مواقع وتواجد الجنود الإسرائيليين الذي كان في أماكن مخصصة.‏

أيضاً في فلسطين هناك محاصرة إسرائيلية من كل الجوانب للفلسطينيين بينما في لبنان كان هناك خلفية موجودة خارجة دائرة الجنوب والبقاع الغربي في الامتداد اللبناني الآخر.‏

كذلك طبيعة التنظيمات المتعددة الموجودة في فلسطين لم تكن موجودة في لبنان، إذ كان الأبرز والمحدد في دائرة العمل هو حزب الله بنسبة تكاد تكون آحادية الجانب.‏

إذاً توجد اختلافات وفروقات بين الساحتين، لكن المشترك بينهما أن العدو واحد، وأنه توسعي ولا يفهم إلا بلغة القوة، وأن المقاومة هي الحل الوحيد المتاح بالنسبة للفلسطينيين كما كان الحل الوحيد المتاح بالنسبة للبنانيين، وأن التعبئة الدينية تساعد بشكل الكبير في المكانين على إنجاز خطوات إلى الأمام.‏

- هل هناك تكتيك استعمل في فلسطين لم يستعمل في لبنان؟‏

إجمالا استفادوا من تكتيكات لبنان وتجربته وهم أيضاً عندهم تجربتهم، وأعتقد أن هذه التجربة متداخلة بنسبة من النسب، لكن توجد بعض الأعمال التي لا يتمكنون من القيام بها بسبب طبيعة ظروفهم، إلا أن فكرة الاستشهاد والسيارات المفخخة هي فكرة لبنانية بامتياز.‏

- كيف ترون تتطور العمليات الاستشهادية في إسرائيل؟‏

قطعت العمليات الاستشهادية خطوات مهمة وإن كانت بطيئة في هذه المرحلة بسبب الظروف المعقدة التي يعيشها الفلسطينيون، ولكن نعتقد أن الاستشهاد سلك طريقاً من أجل التحرير، ولا أعتقد أن العمليات ستتوقف، لأنه يوجد إيمان بالاستشهاد من ناحية ومن ناحية أخرى لن يعطي الإسرائيليون ما يساعد حتى الفلسطينيون الذين يؤمنون بالتفاوض على إنجاز أي خطوة تفاوضية مقبولة.‏

- هل أحد أهداف حزب الله أن يمحو إسرائيل من الوجود؟‏

إسرائيل كيان مصطنع في المنطقة، ولا يصح أن يكون بديلاً عن فلسطين التي يعيش فيها الفلسطينيون من المسلمين والمسيحيين واليهود الذين يعتبرون من الفلسطينيين، وبالتالي نحن لا نؤمن بحق إسرائيل أن توجد وطناً قومياً لليهود يحل محل الآخرين ويستبدل شعباً كان موجوداً على هذه الأرض، لذا نحن لا نؤيد قيام الكيان الإسرائيلي.‏

- وهل تعتقد أن المقاومة الفلسطينية لديها نفس الاتجاه؟‏

تتفاوت الفصائل الفلسطينية في النظرة إلى هذا الأمر بعضهم يؤمن بالتحرير الكامل وبعضهم يكتفي بالأراضي المحتلة سنة 1967 وفق القرار الدولي 242 و 338، فالتفاوت موجود بالنظرة إلى هذا الأمر بين الفصائل الفلسطينية لكنهم جميعاً الآن في دائرة واحدة هي دائرة المقاومة بسبب انسداد الآفاق.‏

أجرى المقابلة الدكتورة بشرى صالحة /شهر تموز 2002‏