محاضرات

الكلمة الكاملة التي ألقاها في حفل الافطار الذي أقامته السفارة الايرانية في بيروت لمناسبة يوم القدس العالمي في 17/9/2009-

بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الخلق مولانا وحبيبنا وقائدنا أبي القاسم محمد(ص) وعلى آل بيته الطيبين الطاهرين، وصحبة الأبرار المنتجبين، وعلى جميع الأنبياء والصالحين إلى قيام يوم الدين، السلام عليكم أيها السادة العلماء، أيها الأخوة الكرام ورحمة الله وبركاته.

ارتبط يوم القدس بالإمام الخميني(قده) ، حتى لا نذكر القدس إلاَّ ونتذكر ذاك الرجل الرباني العظيم الذي حمال مشعل التحرير، ودعا إلى زوال هذه الغدة السرطانية، وأكَّد على حق الشعب الفلسطيني المجاهد في أن يسترد أرضه، ولكن الإمام الخميني(قده) عندما دخل إلى مشروع يوم القدس وما يعنيه من تحريرٍ للأرض، أطلق عناوين مهمة تعتبر الأسس لرؤية الإمام في كيفية التعاطي مع مشروع تحرير القدس، قال الإمام الخميني(قده) يوم إعلان القدس:" يوم القدس، يوم لا يختص

بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الخلق مولانا وحبيبنا وقائدنا أبي القاسم محمد(ص) وعلى آل بيته الطيبين الطاهرين، وصحبة الأبرار المنتجبين، وعلى جميع الأنبياء والصالحين إلى قيام يوم الدين، السلام عليكم أيها السادة العلماء، أيها الأخوة الكرام ورحمة الله وبركاته.

ارتبط يوم القدس بالإمام الخميني(قده) ، حتى لا نذكر القدس إلاَّ ونتذكر ذاك الرجل الرباني العظيم الذي حمال مشعل التحرير، ودعا إلى زوال هذه الغدة السرطانية، وأكَّد على حق الشعب الفلسطيني المجاهد في أن يسترد أرضه، ولكن الإمام الخميني(قده) عندما دخل إلى مشروع يوم القدس وما يعنيه من تحريرٍ للأرض، أطلق عناوين مهمة تعتبر الأسس لرؤية الإمام في كيفية التعاطي مع مشروع تحرير القدس، قال الإمام الخميني(قده) يوم إعلان القدس:" يوم القدس، يوم لا يختص بالقدس وحدها، إنما هو يوم مواجهة المستضعفين للمستكبرين، إنَّه يوم مواجهة الشعوب التي عانت من ظلم أمريكا وغيرها من القوى الكبرى"، وفي كلامٍ آخر في البيان نفسه قال(قده):" يوم القدس يوم الإسلام، يوم إحياء الإسلام".

نحن نرى من خلال هذه التوسعة التي أعطاها الإمام الخميني(قده)، كيف نظر إلى هذه القضية المقدسة العظيمة، حيث جعلها تعبيراً عن الإيمان بالإسلام، وجعلها عالمية المسؤولية، ورتب من مدخل القدس مواجهة المستكبرين ومسؤولية المستضعفين ليقوموا وينتفضوا ويتحركوا ويقاتلوا ليستعيدوا حريتهم، فحرية القدس هي حرية الإنسان في العالم، ومن لا يعمل لتحرير القدس ليس لديه حرية ولا هو بقادر على صنعها، ولو كان العالم بأسره محرراً والقدس سلبية فنحن في أسر الاستكبار ومن يجاري هذا الاستكبار، وقال الإمام الخامنئي(حفظه الله ورعاه):" أجل، إنَّ القضية الفلسطينية تمثل أولاً قضية العالم الإسلامي، وفضلاً عمّا فيها من جوانب أمنية وسياسية واقتصادية، فهي قضية تكليف إسلامي، والأهم من كل ذلك هو أنَّها قضية إلهية"، فتحولت القدس في نظر الإمام الخامنئي (حفظه الله تعالى ورعاه) إلى تكليف شرعي للمسلمين، لا يمكن أن يؤدي الإنسان تكليفه ووظيفته إن لم يحمل قضية القدس، ويبذل الجهد الكافي ليقوم بدوره من موقعه وبلده وتأثيره وإمكاناته وجماعته التي يعمل من خلالها.

هذه القضية العظيمة ليست أغنية، وليست أنشودة، وليس المطلوب أن نتعاطى معها بالخطب والمواقف بعيداً عن العمل، هي قضية الجهاد والتغيير الحقيقي الذي نتحمل مسؤوليته جميعاً، ولا يقع على عاتق الفلسطينيين فقط، عندما حاول البعض أن يجعلها قضية عربية أراد أن يختزل الأمة الإسلامية ويسقط طاقاتها من الاعتبار تهميداً لمحاصرتها، ثم عندما أراد البعض الآخر أن يجعلها قضية فلسطينية فقط أراد أيضاً أن يعريها من محيطها ومن محبيها ومن مجاهديها في طول المنطقة العربية وعرضها من أجل أن يختنق الفلسطينيون في دائرة خصوصيتهم، نحن ندعو إلى إعادة الاعتبار للقدس كموقعٍ إسلاميٍ وإنسانيٍ وعربيٍ يعبر في الحقيقة عن الموقف الشريف لكل مستضعف على هذه الأرض.

عندما ذكر تعالى في القرآن الكريم بسم الله الرحمن الرحيم:" سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّه هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ"، أراد أن يركز معنى القدس كمهدٍ للأنبياء، ومسرى لرسول الإنسانية والبشرية محمد(ص)، وأراد أن يُبقي نظرنا من مدخل القرآن الكريم إلى هذا الموقع الشريف الذي يمثل كرامة المسلمين وقدس أقداسهم.

هذه المسألة المرتبطة بالقدس هي في نظرنا قضية توحيد ووحدة، هي توحيد لأنها في مسار النبوة توصلنا إلى التعبير عن الالتزام بالدفاع عن المقدسات، والجهاد الحقيقي في سبيل الله تعالى لنعبِّر عن التزامنا العملي وعن اقتدائنا برسول الله(ص) في المحافظة على هذا الموقع المقدس. وهي قضية وحدة لأنها تجمع المسلمين حول أولوية الهدف، وقد رأينا كيف اجتمعوا، كيف اجتمعت المقاومة الإسلامية في لبنان مع المقاومة في فلسطين، لتعبر بشكل مباشر عن عدم وجود فرق بين إنتماءٍ لمذهبٍ أو آخر، أو بلدٍ أو آخر، هذا نموذج من نماذج الوحدة الذي لا يمكن إلاَّ أن يتأصل وأن يكون ثابتاً وأن يتعمَّم ببركة الدماء الزكية التي سقطت من أجل هدفٍ واحد ارتبط بالإيمان بالله تعالى، وهذه الوحدة التي ننشدها والتي نريدها.

اليوم تمر فلسطين بأخطر مرحلة في تاريخها، لأنها في الموقع الصعب، ولأن العالم المستكبر يتآمر بكل إمكانياته العسكرية والسياسية والثقافية والعملية، ولأن المحيط العربي والإسلامي يعيش الغفلة عن الدعم الحقيقي لهذه القضية، ولأن ما يُثار في الداخل الفلسطيني من فِرقة، ومحاولات تجزئة من العوامل التي تعمل لإضعاف قدرة الممانعة تمهيداً للانقضاض على فلسطين وعلى القضية الفلسطينية. ولذا هي اليوم في أخطر أوضاعها، ما يتطلب منّا أن نكون معها، وأن نبذل الأقصى من أجل الأقصى ولو كان قاسياً علينا لنضع حداً لهذا الانحراف الكبير في محاولة معالجة قضية فلسطين بتذويب القضية لمصلحة إسرائيل.

بكل صراحة أقول لكم: لا يوجد حلٌ لهذه القضية تحت شعار حل الدولتين، بل ولأكن واضحاً أكثر: حل الدولتين هو في الواقع حلٌ للدولة الإسرائيلية العنصرية وعلى جانبها المخيم الفلسطيني الكبير تحت السلطة اليهودية الإسرائيلية، الدولة اليهودية في عرفهم معروفة، هي كل الامتداد الذي يبدأ من القدس ولا ينتهي لا بالعالم العربي ولا بالعالم الإسلامي، هذه هي الدولة الإسرائيلية قاعدتها في فلسطين لكن أياديها ممتدة في كل هذه المنطقة، أمَّا الدولة الفلسطينية التي يتحدثون عنها: من دون سلاح، ومن دون تغطية في الأجواء، ومن دون استقلال في الماء والكهرباء، ومن دون حدود، ومن دون علاقات خارجية، هي مخيم ليست دولةً بالمعنى الحقيقي، إذاً هذا الكلام عن حل الدولتين هو محاولة ملتبسة وماكرة من أجل إنهاء القضية الفلسطينية بشعار برَّاق وبمضمونٍ يصب في مصلحة إسرائيل.

كذلك لا يوجد تسوية عادلة بل مسمى سلام مشحون بالظلم العالمي وقلب الحقائق، وهنا لا بدَّ أن نلفت النظر، لطالما قلنا في لبنان بأننا مع حق العودة، ولطالما قلنا بأننا نرفض التوطين، ليكن واضحاً من يقبل بمسار التسوية يقبل بالتوطين سلفاً، ومن لا يريد التوطين عليه أن يختار مسار المقاومة، المقاومة تمنع التوطين أمَّا التسوية فتثبت التوطين، وعندها كل الذين يصرخون ليسجل لهم أنهم ضد التوطين لا ينفع صراخهم وإنما هو صراخُ في الوقت الضائع لأن إيمانهم بالتسوية هو جزءٌ من موافقتهم على التوطين، فلنعمل لتكون المقاومة هي الحل عندها نمنع التوطين، ونحقق العودة، ونعيد فلسطين كل فلسطين إن شاء الله من البحر إلى النهر غير منقوصة لا أراضي 48 ولا أراضي 67، نحن لا نعلم أن فلسطين مقسومة، ولا نعلم أن مؤجرة، فلسطين هي القدس وشعبها ومجاهدوها والذين يعيشون فيها من الفلسطينيين الأبطال الذين عملوا مجاهدين خلال كل تلك الفترة السابقة ولا بدَّ أن تعود إليهم أرضهم كاملة حتى تتحرر فلسطين.

أمَّا مسرحية الضغط الأمريكي على إسرائيل، فهي مسرحية فاشلة بامتياز، لأنهم يقولون في اليوم الأول ما يتراجعون عنه في اليوم الثاني وهكذا، أولاً كانوا يريدون تجميد المستوطنات، ثم التجميد لسنة، ثم التجميد لستة أشهر، ثم إخراج القدس من مسمى المستوطنات وإبقاء الضفة الغربية، ثم استثناء البناء القائم وإتمامه والتكاثر السكاني الطبيعي، وتجميد الباقي، ثم وصلنا إلى تخفيف وتيرة البناء في المستوطنات، مقابل ذلك مطلوب من العرب أن يمتلكوا الشجاعة ليغروا إسرائيل بما يقدِّموه لها وهم لن يقدموا شيئاً من جيوبهم، إذا قدَّموا شيئاً في التطبيع أو غيره يكونون متآمرين على القضية الفلسطينية، والله نحن لا نريد من الزعماء العرب ولا من القادة العرب أن يدعموا القضية الفلسطينية، نريدهم فقط أن لا يتآمروا عليها، ونريدهم أن لا يعطوا من كيس الفلسطينيين، دعوهم هم يتصرفوا وتفرجوا عليهم، ولكن لا تضيقوا عليهم، ولا تبيعوهم في أسواق النخاسة التي تعملون من خلالها لأن الفلسطينيين لا يحتاجون إلى أحد وإنما يحتاجون إلى أن لا تكون المؤامرات عليهم من الأقرباء ومن الأبعدين في آنٍ معاً، فالشعب الفلسطيني قادر بمجاهديه وبشيوخه وبنسائه وأطفاله أن يحرر القدس كاملة إن شاء الله تعالى، ونحن سنكون معهم وكل الشرفاء سيكونون معهم، وستتحرر القدس إن شاء الله تعالى،" إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الأشْهَادُ "، لقد وعدنا الله تعالى بالنصر الدنيوي قبل التوفيق والتسديد الأخروي، وإن شاء الله سننجح مع كل المجاهدين في استعادة أراضينا السليبة، وفي تحرير القدس أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين بإذن الله تعالى.

هذه القضية الفلسطينية هي قضيتنا جميعاً والحل بالمقاومة، المقاومة هي التي حرَّرت سنة 2000، وهي التي انتصرت سنة 2006، وهي التي صمدت في غزة فلسطين سنة 2008، لا نرى تحريراً حقيقياً إلاَّ بالمقاومة، والآخرون سيخضعون غصباً عنهم، عندما نكون مع الله سيكون معنا، ومهما كانت قوتهم قوة الله تعالى أكبر، وقوة الحق أكبر، وقوة الشعب أكبر، ولذلك علينا أن نلتف حول هؤلاء جميعاً من أجل تحقيق الإنجازات الكبرى، المقاومة هي التي رفعت رؤوسنا جميعاً، وهي القادرة على التغيير، المقاومة هي التي أنجبت الشيخ ياسين، وأنجبت الدكتور فتحي والسيد عباس والشيخ راغب والحاج عماد والمهندس، وكل أولئك الذين قدَّموا في سبيل الله تعالى، وها نحن رأينا بأم العين كيف انتصرنا الانتصارات المتتالية ببركة هؤلاء المجاهدين، وببركة هذه العطاءات.

ثقوا أن أمتنا بخير، وأن بإمكاننا أن نغير، لقد أطلق الإمام الخميني(قده) يوم القدس من أجل أن نشق الطريق لنصل إلى نهايته، وها نحن قد شقّينا الطريق مع المحبين والمؤيدين والداعمين والمقاومين في مواجهة العدو الإسرائيلي وتحققت بعض الانتصارات، وإن شاء الله تعالى تُستكمل إلى نهاية المطاف، كلنا أمل أن ننجح على الرغم من كل الصعوبات ومن كل التعقيدات، ولكن اعلموا أن عند الآخرين نقاط ضعف وعجز كما عندنا نقاط قوة وتوفيق، فلنتوكل على الله تعالى ولنتابع ولنثق أن لله عباداً إذا أرادوا أراد، وإن شاء الله تعالى يحقق لنا إنجاز التحرير الكامل، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.