بسم الله الرحمن الرحيم والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الخلق مولانا وحبيبنا وقائدنا أبي القاسم(ص)وعلى آل بيته الطيبين الطاهرين.
السلام عليك يا أبا عبد الله، السلام عليك يا بن رسول الله وابن أمير المؤمنين وابن فاطمة الزهراء سيدة نساء العالمين، السلام عليك وعلى الأرواح التي حلت بفنائك، عليكم مني سلام الله ما بقيت وبقي الليل والنهار، ولا جعله الله آخر العهد مني لزيارتكم،.
أيها السادة العلماء، أيها الأخوة والأخوات, السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
عاشوراء خزان الحياة الإسلامية، توضِّح معالم الطريق وتعرفنا على الكثير من دعامات الإسلام التي نجحنا بسببها وارتقينا وانتصرنا بسببها، لفتني الحديث الوارد عن وفاة السيدة الشهيدة الزهراء(عها) كيف جاء إليها الحسنان, وإذ بالإمام الحسين(ع) كما في الرواية ينزل إلى رجليها ويقبلهما سائلًا الله تعالى أن لا تغادر هذه الدنيا، هذا تعبير عن النظرة للأم وعن العلاقة مع الأم، ونحن عندما نستعرض التاريخ نرى أن هذه الأسرة أسرة علي(ع) وفاطمة(عها) أسرة رائعة ورائدة، يتصرف الأولاد فيها من الحسن إلى الحسين إلى زينب إلى أم كلثوم(عم) بطريقة تُشعرنا بأنهم يتعاطون مع أمهم من موقع القداسة، ويتعاطون مع والدهم من موضع التقدير العظيم، وهو معروف المكانة والدور فهو إمام الأمة وإمام المتقين.
سنتحدث اليوم عن بر الوالدين، مستفيدين من هذا المشهد الذي رأيناه داخل هذه الأسرة العظيمة علي وفاطمة والحسن والحسين وزينب وأم كلثوم(عم)، وقائدهم جميعًا محمد(ص).
كل تفصيل في الإسلام يؤثر في بناء الشخصية، حب الوالدين واحترامهم وبرهم يعكس النمط والروحية التي أرادها الإسلام في كل واحد منا، المسألة ليست مسألة حب وتقدير عادي، فالمسألة مسألة اعتراف بأن الوالدين لهما الفضل في أن جئت إلى الدنيا أيها الإنسان, فعليك أن تتصرف معهما من هذا الموقع، لذا نرى أن الله تعالى قَرَنَ شُكره بشكر الوالدين، قال تعالى: " أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ", وربط عبادته بالإحسان لهما, "وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَ تَعْبُدُوا إِلاَ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا فَلاَ تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلاً كَرِيماً"، فللوالدين مكانة عظيمة ودور كبير في حياة الإنسان، تُكمل الآية: "إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا فَلاَ تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلاً كَرِيماً"، في تفسير الإمام الصادق(ع) لهذه الآية يقول: وبالوالدين احسانا، يعني أن تحسن معاملتهما، وأن تعطيهما ما يحتاجانه من دون سؤال حتى ولو كانا مستغنيين. فإذا جاء أبوك وقال ساعدني في هذا الموضوع؟ لا يصح أن تقول له: أنت لست محتاجًا فلا تُشغلني بطلباتك! طلَبَ منك فعليك أن تساعده. أو قالت لك أمك: أعطني مبلغًا من المال، لا يصح أن تقول لها: معك مال والخزنة عندك مليئة، إذا طلبت منك اعطها، فهذا هو الإحسان، أن تقدم لهما ما يحتاجانه حتى ولو كانا مستغنيين, وأن تُبادر إلى أن تسعدهما بعطائك بالوقوف إلى جانبهما بمسايرتهما بما يشعران معه بالإحسان وأنك بالفعل ذاك الولد الصالح.
"فَلاَ تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ"، ما هي هذه الأف؟ للأسف أعرف بعض الأشخاص الذين تكلموا معي عن حالتهم، لا يقول أف لوالديه بل أكثر من أف، وبلا أدب، ويتصرف معهما بطريقة غليظة وبإساءة. تعرفون أن الرجل والمرأة عندما يكبرون يكثر كلامهم ويضجِّرون أحيانًا، فلا يسكتون، أغلب الكبار في السن هكذا وضعهم، افترض أن عندك أب وأم يتكلمان كثيرًا وأنت جالس معهم، "لا تقل لهما أف", حتى إذا انزعجت منهما ومن تصرفاتهما لا تقل لهما أف، ولا تبادر للأف، ولا تقم بردة فعل بسبب سلوكهما، حتى ولو كان سلوكهما يضجرك، أو كانا يتكلمان بموضوعات لا تعجبك، أو يُكثران من الكلام، أو يعطيانك نصائح أنت تعتبرها من القرون الوسطى أو ما شابه ذلك، عليك أن تسمع وتتحمل، "فَلاَ تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا"، ما معنى تنهرهما؟ عن الإمام الصادق(ع): إذا ضرباكا لا تنهرهما. فلا تقل أتت أمي لتضربني كف فدفعتها، لا، لا تدغعها ولو ضربتك، فإذا تصرف الشاب مع أمه بدفعها فمعنى ذلك أنه قلَّل الأدب، أو تصرف هكذا مع أبيه وهو يتعامل معه، كيف ذلك؟! أما إذا أراد أن يتفادى الضربة قدر الإمكان فليتصرف بطريقة لا تصل إلى أية أذية للوالدين، ولو افترضنا أنهما أصاباك, فلا تنهرهما, ولا تدفعهما، عليك أن تبقى في إطار الأدب واللياقة معهما.
"وَقُلْ لَهُمَا قَوْلاً كَرِيماً", أي إساءة من قبلهما باتجاهك قل غفر الله لكما، ولا تقل أنتم تسيؤون لي وغدا سيحاسبكما الله تعالى! إنهما والداك فقل لهما غفر الله لكما، وادعُ لهما بالمغفرة، وإذا كان الوالدان يفهمان التعاليم الإسلامية فهما يعرفان ما معنى المغفرة، وإذا لم يكونا يفهمان التعاليم الإسلامية تكون أنت قد قمت بما عليك في حسن علاقتك مع والديك.
لماذا وصانا الله تعالى بهم، يقول تعالى: "وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ"، فالأم عندما حملت هذا الولد فقد حملته بتعب، وعناء، وكل لحظة فيها ألم وسهر وتعب..، ألا يستأهل هذا التحمل بأن تكرمهما وتشكرهما وتهتم بهما وترعاهما، "اشكر لي ولوالديك"، كيف تشكر الله تعالى على النعم، تشكر الله تعالى لأنه خلقك ورزقك وأعطاك كل النعم التي لديك، وبالتالي عليك أن تشكر أمك وأباك لأنهما كانا سبب وجودك في هذه الحياة، وتشكر أمك وأباك لأنهما تعبا كي تصل إلى أن يشتد عودك وأن تصبح قادرًا على إدارة شؤونك رجلًا كنت أو امرأة. فالله تعالى قَرَنَ شكره بشكر الوالدين, وإذا لم تشكر والديك فلم تشكر الله تعالى، فالشكر سلوك وعمل.
إحدى زوجات النبي(ص) قالت له بعد أن نزلت الآية الكريمة : "إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً (1) لِيَغْفِرَ لَكَ اللهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ"، لماذا تستمر بالصلاة، والصلاة نقوم بها لطلب غفران الله لذنوبنا، فقال(ص): "أفلا أكون عبدًا شكورًا"، ألا أشكر الله تعالى على النعم التي أعطاني إياها، أنا أصلي شكرًا لله تعالى، فالصلاة التي هي عبادة وفي نظر الكثيرين هي مخلص للإنسان حتى يدخل إلى جنة الله تعالى ويبتعد عن جهنم، أما بالنسبة للنبي(ص) فليس اهتمامه بجنة الله إنما اهتمامه بشكر الله تعالى الخالق المنعم, وهذا نموذج من نماذج الشكر لله تعالى.
كيف تشكر والديك؟ شكر الوالدين بالإحسان، أعطهم شيئًا لا يستحقونه، وسايرهم بشيء لست مقتنعًا فيه، تقول لك: يا بني الله يرضى عنك, اليوم لا تذهب إلى البلد، خير إن شاء الله إذا طلعت أو لم أطلع إذا أنت مبسوطة يا أمي لا مشكلة. أنا لا أقول أن يتحكما بحياة الولد، لا، هناك أمور تستطيع تمريرها. أو يقول لك أبوك: أقفل المحل الذي سترزق منه، فتش عن طريقة تسايره بها، وتقول له غدًا نشتري لك هدية من نتاج هذا المحل وهكذا...عليك أن تكون على درجة من الإحسان، فالإحسان هو عبارة عن تقديم بلا بدل، لأنه في الحقيقة البدل حصل، لأنه قدم لك عندما كنت بحاجة والآن عليك أن ترد هذا البدل بالإحسان، ومهما رددت من بدل فلن تكافئ والديك بأي حال من الأحوال.
بر الوالدين أساس، ونحن في هذا العصر بحاجة أن نربي أولادنا وأطفالنا على بر الوالدين، لأنه للأسف التربية العامة التي تحصل في المجتمع تربية تحرض الأولاد على التمرد، وعلى عدم احترام الوالدين وعدم احترام الكبير، عليَّ أن أعرِّف ابني الصغير وابنتي الصغيرة أنه إذا كنتما في طاعة الله تعالى وأكرمكما بالصلاة والصيام فاعلموا أن بر الوالدين دعامة من دعامات الإيمان, وجزء من الشكر لله تعالى بشكر الوالدين فلنربهم على هذه الخلفية التي تجعل نفوسهم نفوسًا طاهرة في علاقتهم مع والديهم وفي علاقتهم مع الله تعالى.
يقول الإمام زين العابدين(ع) عن حق الأم في رسالة الحقوق، ورسالة الحقوق هي أهم مئة مرة وألف مرة من حقوق الإنسان الموجودة في الأمم المتحدة، الإمام زين العابدين(ع) منذ 1400 سنة وضع لنا رسالة الحقوق التي تتضمن كل شيء، حق الأب وحق الأم, وحق الصديق، وحق الجار....، تتضمن خمسين حقًا من ضمنها هذه الحقوق.
يقول الإمام زين العابدين(ع): "فحق أمك أن تعلم أنها حملتك حيث لا يحمل أحد أحدا، وأطعمتك من ثمرة قلبها ما لا يطعم أحد أحدا ، وأنها وقتك بسمعها وبصرها ويدها ورجلها وشعرها وبشرها وجميع جوارحها، مستبشرة بذلك فرحة، محتملة لما فيه مكروهها وألمها وثقلها وغمها ،حتى دفعتها عنك يد القدرة وأخرجتك إلى الأرض. فرضيت أن تشبع وتجوع هي، وتكسوك وتعرى، وترويك وتضمأ، وتظلك وتضحي, وتنعمك ببؤسها، وتلذذك بالنوم بأرقها. وكان بطنها لك وعاءً، وحجرها لك حواءً، وثديها لك سقاءً، ونفسها لك وقاءً، تباشر حر الدنيا وبردها لك ودونك، فتشكرها على قدر ذلك، ولا تقدر عليه إلا بعون الله وتوفيقه".
إذا أردنا أن نضع الطفل عند جارتنا يمكن أن تتحمله ليوم أو يومين وفي اليوم الثالث لا تقبل، هذا الولد كل يوم عند أمه، تغازله وتلاعبه وتفرح بأعماله، فترى إساءة طفلها عملًا جميلًا (كما يقولون: القرد بعين أمه غزال)، هي تتحمله. والأم أعطتك من قلبها ومن غذائها وطعامها. وأنها حمتك بكل ما عندها برغم الآلام التي تسببها لها وهي مسرورة. وهي تضحي لك بكل شيء حتى تعيش وتحيا، لذا عندما أمرك رب العالمين بالإحسان لوالديك عليك أن تعطي ومهما تعطي وتحسن لهما فإنك مقصر ولا تقدر أن ترد لهما ما قدماه لك.
ويقول الإمام زين العابدين(ع) عن حق الأب: "وأما حق أبيك, فتعلم أنه أصلك وأنك فرعه، وأنك لولاه لم تكن، فمهما رأيت في نفسك مما يعجبك، فاعلم أن أباك أصل النعمة عليك فيه، واحمد الله واشكره على قدر ذلك، ولا قوة إلا بالله"، الأب هو الأصل ولولا الأب لم تكن على قيد الحياة، هو واسطة إيجادك، فكل ما عندك من صحتك وعقلك وقلبك ..هو من عند أبيك، ولولا أبوك لم تملك شيئًا، فهو أصل النعم كل النعم من الجمال والطول والوعي والفهم والصحة والقدرة، فلولا هذا الأصل لما كنت موجودًا.
فإذًا الأب أصلٌ ولولاه لم تكن في هذه النعم، والأم هي التي حملتك حيث لا يحمل أحد أحدا, ولولا هذا الحمل والتعب وهذا العناء وهذا االسهر لما أصبحت كما أنت عليه. ألا يستحق هذا الأمر الشكر، أكيد يستحق الشكر كل الشكر. ولذلك قال تعالى: "وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ".
يقول النبي (ص) عن إحزان الوالدين: "من أحزن والديه فقد عقهما"، نحن لم نعرف بشكل جيد ما هو العقوق، ونفكر بأن العقوق فقط أن يضرب أمه أو يقاطع والديه، لا هناك أمور أقل بكثير هي من عقوق للوالدين، إذا تصرفت تصرفات تحزنهما هذا عقوق، عليك أن ترضيهما وتقدم لهما (هدية، مشوار،...).
ماذا لو كان الوالدان مشركين، يقول أمير المؤمنين(ع): "بر الوالدين واجب إن كانا مشركين، ولا طاعة لهما في معصية الخالق ولا لغيرهما"، عليك أن تميز بين البر والطاعة، برهما وأحسن إليهما ولا تسىء لهما، ولكن إذا أتى أمر بارتكاب المعصية لا ترد عليهما، إذا أمرتك أمك بمعصية لا ترد عليها ولا تطعها، قال لك أبوك حتى أرضى عليك احضر لي قنينة الخمر، لا تطعه في هذا الأمر, ولكن إذا أردت أمرًا آخر فأنا بخدمتك، كل عمل حرام ومعصية يأمرانك به لا تطعمها، وحتى لو كانا مشركين بر الوالدين واجب.
هناك أدب إسلامي وتربية راقية، يقول الإمام الباقر(ع): "صلة الأرحام تزكي الأعمال، وتدفع البلوى، وتنمي الأموال، وتنسيء له في عمره، وتوسع في رزقه، وتحبب في أهل بيته، فليتق الله وليصل رحمه"، كل هذه الفوائد العظيمة من صلة الرحم، وبر الوالدين جزء من صلة الرحم، أمام كل هذه الخيرات والفوائد لماذا لا نبر والدينا!
مع هذا البر يميز الإسلام الأم عن الأب، لماذا التمييز؟ التمييز سببه الأساس هو أن معاناة الأم مع الولد قبل أن يولد، ومعاناة الأم مع الولد في تربيته وفي حياته أكثر من معاناة الأب. جاء رجل إلى النبي(ص) فقال له: يا رسول الله من أبر؟ قال: أمك ، قال: ثم من؟ قال: أمك ، قال: ثم من؟ قال: أمك ، قال ثم من؟ قال: أباك ". أن تبر أمك ثلاث مرات والمرة الرابعة تبر أباك، وذلك لأهمية الأم والدور المناط بها حتى كان لها هذا البر العظيم. وأنتم تعرفون الرواية المشهورة: "الجنة تحت أقدام الأمهات"، ولا توجد رواية الجنة تحت أقدام الآباء، وإن شاء الله يدخلون الجنة بأعمالهم، ولمجرد أنها أم استحقت أن تقفز بسرعة إلى الجنة، وباقي أعمالها إما أن تساعدها للوصول إلى الجنة أو لا، ولكن هي كأم عندها رصيد عند الله تعالى, وعليها أن تكمل هذا الرصيد بالعمل الصالح، ولكن هي كأم الجنة تحت أقدام الأمهات.
احترم الإسلام الإنسان: "وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً"، وجعل للإنسان مقامًا كبيرًا, "لَقَدْ خَلَقْنَا الإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ * ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ * إِلاَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ"، فالإنسان مفضَّل على كل المخلوقات، وفي أحسن تقويم، وعليه أن يحافظ عليه، وجعل الإسلام التساوي بين الذكر والأنثى، بين الرجل والمرأة، في التقييم وفي الأعمال الصالحة قال تعالى: "فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لاَ أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ"، فلم يجعل عمل الرجل أفضل من عمل الأنثى, ولا عمل الأنثى أفضل من عمل الذكر، وإنما اعتبر أنهما متساويان في تقييم الأعمال الصالحة، وهذا جزء من القيمة التي أعطاها الله تعالى للإنسان. بل أكثر من هذا, كرم الله المرأة في الإسلام لأنها تتميز بخصوصية وتتميز بمواصفات تحتاجها البشرية لتكون عامرة بالصلاح وبطاعة الله تعالى، فجعلها على قدم المساواة بالتقييم مع الرجل، وجعل عملها الصالح في المكانة اللائقة والمناسبة، وجعل الجنة تحت أقدام الأمهات، وجعل تكريمها وبرها ثلاث مرات كأم قبل أن يكون البر للأب، ولها حقوق ثابتة كبنت وزوجة وأرملة وكبيرة وصغيرة, ففي كل حالاتها هي مكرمة عند الله تعالى، ولها حقوقها الإسلامية التي تجعل منها إنسانة فاعلة في المجتمع، فهي محترمة مصانة في كل حالاتها لأن الإسلام يرى المرأة ركن الحياة الإنسانية وأساس من أسس اعمار هذه الدنيا وما فيها، وبالتالي هي مكرمة في كل حالاتها كما لم يكرمها أحد على الإطلاق من كل أولئك الذين ادعوا أنهم كرموا المرأة أو أعطوا المرأة.