بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الخلق مولانا وحبيبنا وقائدنا أبي القاسم محمد(ص)، وعلى آل بيته الطيبين الطاهرين.
السلام عليك يا أبا عبد الله، السلام عليك يا بن رسول الله وابن أمير المؤمنين وابن فاطمة الزهراء سيدة نساء العالمين، السلام عليك وعلى الأرواح التي حلت بفنائك، عليكم مني سلام الله ما بقيت وبقي الليل والنهار، ولا جعله الله آخر العهد مني لزيارتكم ، السلام عليكم السادة العلماء الأخوة والأخوات السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
ثورة الإمام الحسين(ع) ثورة فياضة تعطي في كل حقل من الحقول دروس وعبر، نستطيع من خلالها أن نستخلص قواعد أساسية لها علاقة بقيام الثورة وبالنتائج المتوخاة منها، حديثي اليوم عن الثورة بين المقاومات والشروط، مستفيدًا من ثورة الإمام الحسين(ع) لأتصيد منها بعض قواعد وأفكار، وأحاول أيضًا أن أطبقها بشكل أو بآخر على جزء من ثورة الإمام الخميني(قده)، وكذلك حركة أمير المؤمنين علي(ع) وحركة الإمام الحسن(ع)، لأستخلص من خلال هذه الجولة التي تبنى قاعدتها على ثورة الإمام الحسين(ع) المقومات والشروط.
الثورة هي انقلاب على الواقع من أجل تغييره جزئيًا أو كليًا، لأنه حصل نقاش، هل نستطيع الحديث عن ثورة الإمام الحسين(ع) أنها ثورة أو هي نهضة أو هي استمرارية، أعتقد أن أي مصطلح نستطيع استخدامه إذا وضعنا له تعريفًا ينسجم مع ما نريد الحديث عنه، فعندما نتحدث عن تغيير الواقع أو تغيير جزئي للواقع، ونطلق على هذا التغيير عنوان ثورة عندها نستطيع أن نقول ثورة الإمام الحسين(ع)، أما إذا كان التعريف تعريف آخر فيمكن أن لا يصدق على هذا المجال، لذلك سأستخدم عبارة ثورة الإمام الحسين(ع) انسجامًا مع التغيير الذي حصل جزئيًا أو كليًا.
الأمر الآخر أي نجاح للثورة يكون بنجاح أهدافها، وأهداف الثورة يجب أن تكون واضحة من البداية حتى نستطيع قياسها بعد ذلك، يعني لا يصح أن تقوم ثورة من دون أن نعرف لماذا انطلقنا وإلى أي سنصل، وما هي التوقعات، ثم بعد ذلك لا نستطيع أن ندرس النتائج، وهذه لا تكون ثورة تكون فوضى. فإذًا نجاح الثورة مرتبط بتحقيق أهدافها التي وضعتها، وهذا ما سنلاحظه في ثورة الإمام الحسين(ع). هنا أبدأ بالمقاومات، والمقومات بحسب ما استقيته من ثورة الإمام الحسين(ع) أربعة:
المقوم الأول: وجود المشروع. ما هو المشروع الذي نريد تحقيقه؟ ما هو المشروع الذي اراده الإمام الحسين(ع) عندما انطلق من المدينة ثم إلى مكة ثم إلى كربلاء، لقد أعلم الإمام الحسين(ع) أن مشروعه هو الإصلاح في أمة جده رسول الله(ص)، عندما قال: "أني لم أخرج أشرًا ولا بطرًا ولا ظالمًا ولا مفسدًا إنما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي رسول الله، أيد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر ,أسير بسيرة جدي وأبي علي...."، إلى آخر الرسالة التي كتبها لأخيه محمد ابن الحنفية. إذًا حدَّد الرؤية وهي الإصلاح، وهذا المشروع الإصلاحي يستند إلى رؤية كاملة هي رؤية الإسلام، لأنه هو يريد الإصلاح في أمة جده على قاعدة أن يكون الإسلام هو القاعدة، فمشروعه إصلاحٌ في الأمة على أساس شريعة الله تعالى التي هي الإسلام.
وهذا الإصلاح عندما انطلق في محاولة إسقاط يزيد" مثلي لا يبايع مثله" فهذا مؤشر على أن المشروع عند الإمام يبدأ من إسقاط الحاكم الذي حكم بغير ما انزل الله لأمة يجب أن تحكم بما أنزل الله تعالى، فنكون أمام مشروع كامل هو الإصلاح على أساس الإسلام الذي يبدأ بإسقاط الحاكم من أجل إعادة الإسلام النقي الصحيح إلى مسرح الحياة. هذا هو المشروع الذي أراده الإمام الحسين(ع)، ومن ضمن هذا المشروع استلام السلطة، لأنه عندما أراد إسقاط يزيد كان يريد أن يكون هو الحاكم مكان يزيد، وأعلم أن هذا الكلام في فترة من الفترات كان مستنكرًا، ولكن بعد تصريحات وتحليلات الإمام الخميني(قده) والإمام الخامنئي(حفظه الله ورعاه) أصبح هذا الفهم مألوفًا، لأن البعض كان يعتبر أن السعي إلى الحكم منقصة، لأنه عبارة عن سعي دنيوي، مع العلم أن النبي(ص) أقام دولة الإسلام في المدينة المنورة وكان حاكمًا، الإمام علي(ع) اعتبر أنه اغتصب حقه أي حق الإسلام عندما لم يحكم بعد رسول الله(ص) ولم يتسلم الخلافة، وعندما جاؤوا إليه بعد 25 سنة ليتسلم الخلافة قبل أن يتسلمها لأنها موقع من مواقع الجهاد وموقع خدمة الإسلام.
إذًا موضوع استلام الحكم ليس مستنكرًا هذا جزء من المشروع، وبغير استلام الحكم لا يمكن أن تعمم الخطوات الإصلاحية، إذ أن ما يملكه الحاكم من قدرات وصلاحيات تجعله يقتصر الكثير على الأمة وعلى علماء الأمة في الإصلاح والعمل. وخلال فترة كنا نسمع بأن الإمام الحسين(ع) إنما ذهب إلى كربلاء ليستشهد، الشهادة ليست هدفًا من أجل الأمة، الهدف هو الإصلاح، الهدف هو إقامة الدين، عندما نسعى لإقامة الدين قد ننتصر وقد نستشهد فهي نتيجة، وهي طريق إلى الأسمى وهو إقامة حكم الله تعالى على الأرض بشكل مستقيم، فإذًا المشروع كان موجودًا عند الإمام الحسين(ع)، وهو مشروع واضح جدًا الإصلاح على أساس الإسلام الذي يبدأ بإسقاط الحاكم.
هذا المشروع رأيناه أيضًا في الثورة الإسلامية في إيران، عندما انطلق الإمام الخميني(قده) مخالفًا أغلب المنهجيات التي كانت معتمدة من عدد كبير من المراجع وعلماء الدين، عندما بادر في النجف الأشرف إلى إعطاء دروس الحكومة الإسلامية، ليؤكد بأن المشروع هو إقامة الحكم الإسلامي وهو الأولوية في زمن وجود الشاه، وفي زمن الانحراف الكبير الذي أصاب الدولة في إيران بقيادة الشاه، فكان هذا المشروع هو المشروع الذي عمل له وروَّج له ، وتحدث بصراحة أنه سيدعو إلى الناس إلى الاستفتاء على أساس الإسلام وعندما سألوه في "نوفيل دي لا شاطو" في فرنسا قال بأني إلى أريد أطرح الإسلام كحل وسأعرضه على الناس ليختاروا، وطبعًا ضمن تكتيكات ووسائل العصر الحديث.
فإذًا وجود المشروع أساس في الثورة، وإلاَّ على أي أساس سيقوم الإنسان بالثورة؟ ولماذا التغيير؟ وما الذي يريد أن يغيره؟ وإلى أين يريد أن يصل؟ وهذا يرينا كيف أن عدد من الثورات التي قامت وبعضها حديث فشلت لأنها لم تكن واضحة في مشروعها، ولم تكن تمتلك رؤية كافية، فأصبحت تتحرك بدافع التأثير الإعلامي مرة وتأييد الغرب مرة أخرى، ثم تنكفئ بعد أن تحصل تطورات، وهذا ما رأيناه في مصر وتونس وبلدان أخرى في العصر الحديث.
المقوم الثاني: وجود القائد. لأنه إذا لم تكن هناك قيادة لا إمكانية لجمع الناس، ولا إمكانية للوصول إلى ألأهداف المرتجاة، فوجود القائد يحدد البداية والنهاية والأساليب والطرق، ويختار التوقيت المناسب، ويوافق على آليات العمل، ويحدد فترات المواجهة متى يصعِّد ومتى يخفف، القائد كان موجودًا في كربلاء وهو الإمام الحسين(ع)، وهو قائد معصوم ملهم، وهو أيضًا يمتلك من القدرة كإنسان كامل ما يتجاوز كل قدرات البشر، فهو قائدٌ كامل بكل ما للكلمة من معنى، ولذا أي محاولة لنقاش أداء القائد الإمام الحسين(ع)، ومن موقع أنه معصوم هي محاولات بائسة وفاشلة، طبعًا نحن يمكن أن نناقش ونجادل مع الآخرين إذا اختاروا بعض المواقف وبعض التفاصيل من باب المحاججة، وإلاَّ ما يطمئننا أن كل حركة من حركات الإمام الحسين(ع) في كل خطواته سواء انطلاقه من المدينة المنورة أو مغادرته على أبواب الحج في مكة المكرمة، أو اصطحابه للنساء والأطفال، أو عدم بدئه بالقتال، أو الطريقة التي قاتل فيها، كل هذه الأساليب والنتائج والضوابط نحن نسلم بأنها ضوابط صحيحة مئة بالمئة لأنها صادرة عن معصوم.
وهذا طبعًا يختلف عن القرار الذي اتخذه القائد، فوجهة نظري أن القائد الإمام الحسين(ع) في كل إجراءاته وقراراته هو صاحب القرار في الثورة وفي الإنطلاق، لأن البعض يقول: لم يكن للإمام الحسين(ع) قرار في الموضوع وإنما هو إلهام من الله تعالى فسار على أساس إلهامه استنادًا إلى "شاء الله أن يراني قتيلًا وشاء الله أن يرى النساء سبايا"، وفي الحقيقة هنا "شاء الله" هي ضمن المشيئة العامة، يعني شاء الله أن يرانا منتصرين في جرود عرسال، وغيرها من الانتصارات، شاء الله هي من ضمن المشيئة العامة التي لا يحصل شيء من دون مشيئة الله تعالى، وإلاَّ الإمام هو صاحب القرار، وإذا قلنا أنه ليس صاحب القرار معنى ذلك أننا نخفف من الصلاحية من القرار ومن القدرة، نعم المشيئة التي عرفها مسبقًا هي من باب العلم الذي توفر للنبي(ص) وتوفر له(ع) من موقعها موقع النبوة وموقع الإمامة.
وجود القائد في إيران الإمام الخميني(قده) غيَّر المعادلة، تعلمون أن بداية حركة الإمام الخميني كانت محل اعتراض وهو نفي 15 عامًا خارج إيران على قاعدة أنه لم تكن له القاعدة العلمائية أو الشعبية الكافية ليتمكن من إحداث التغيير، ولكن هو قائد موجود، بقي مصممًا، ودرس خطواته، وقبل الانتقال، وهاجر أو نفي، ولكن بعد ذلك استمر بالاستعدادات اللازمة، وكان القائد مسددًا وحكيمًا واستطاع أن يؤثر في أن ينقل إيران من حال إلى حال.
المقوم الثالث: توفر القاعدة الشعبية. إذا لم يكن هناك قاعدة شعبية لا يوجد ثورة، يمكن البعض يتفا جئ، وهل كان هناك قاعدة شعبية مع الإمام الحسين(ع)؟ أقول: نعم، كان هناك قاعدة شعبية مع الإمام الحسين(ع)، لكن شكل القاعدة الشعبية، كمًا ونوعًا، يرتبط بأسلوب المواجهة، أسلوب المواجهة التي اعتمدها الإمام الحسين(ع) كان يكفي فيه هذا العدد القليل، لأن المواجهة كانت مواجهة استشهادية، وعادة ونعرف في العلميات الاستشهادية يقللون العدد لتحقيق الفائدة الأعلى بالتضحيات الأقل، لأن البعض يمكن أن يناقش: لم يكن هناك اتساع شعبي؟ نقول: ماذا كان يريد الإمام الحسين(ع)؟ يريد إسقاط الحاكم، إسقاط الحاكم غير متوفر بالطرق والسبل الموجودة، إذًا من حركة ضاغطة مفجعة مؤثرة تُحدث هزة عظيمة في ضمير الأمة، هذه الهزة العظيمة تحتاج إلى قرار، العدد هنا حتى ولو كان قليلًا يستطيع القائد بقراره وبمشروعه أن يستثمر هذه القاعدة الشعبية على قلتها، ولكن لأن نوعيتها ولأن النتيجة التي ستحصل بالشهادة وبحادثة كربلاء ستكون مؤثرة في تحقيق الأهداف المرجوة.
فإذًا الإمام الحسين(ع) من هذه القاعدة الشعبية المصغرة، ولكن في آنٍ معًا تمتلك النوعيات من الطفل إلى الشاب والرجل والمرأة والعبد وإلى كل الشرائح الاجتماعية، وأيضًا نماذج معروفة لدى الناس، ولكل واحد مواصفاته المعينة يترك آثاره التبليغية، فضلًا عن أن عدم القيام بالثورة بهذا القاعدة الشعبية الصغيرة يمكن أن يؤدي بعد ذلك إلى مفاجآت تحرم القائد من إمكانية التغيير، ومنها مثلًا: عندما انطلق من مكة المكرمة فسألوه أن يبقى في مكة المكرمة رفض على قاعدة أنه قد يقتل في مكة المكرمة ثم يذهب دمه هدرًا ويُتهم بعض الأشخاص ويتهمون أنهم قتلوا الإمام الحسين(ع) وتنتهي بحادث فردي. فإذًا توفر القاعدة بالعدد والنوعية يرتبط بأسلوب المواجهة، أحيانًا أسلوب المواجهة يتطلب قاعدة شعبية صغيرة وأحيانًا أخرى يتطلب قاعدة شعبية كبيرة.
الإمام الخميني(قده) انطلق من قاعدة شعبية كبيرة، لأن الأسلوب الذي اعتمده أسلوب التغيير الشعبي، والتصدي الشعبي، انسجامًا مع العصر الذي نحن فيه، والظروف التي نعيشها، لا تسمح لا بانقلاب عسكري ولا بعدد قليل يعطي التضحية الكبيرة في وقت معين، لذا استكمل الإمام الخميني(قده) الفترة الزمنية الكافية لإحداث التعبئة الواسعة عبر أشرطة الكاسيت أو الأساليب المختلفة وعبر العلماء وما شابه، حتى أصبحت لديه قاعدة شعبية كافية لأن ينطلق من خلالها لإقامة الثورة. فإذًا توفر القاعدة الشعبية أساس ولكن تختلف باختلاف طبيعة المواجهة.
المقوم الرابع: توفر الظروف المناسبة. الظروف يجب أن تكون مناسبة، لأنه لا يقدر أن شخص أن يقوم بالثورة لأن عنده قائد ومشروع وقاعدة شعبية، قد تكون الظروف غير ملائمة، وقد تكون ملائمة، ما هي الظروف الملائمة؟ الظروف الملائمة هي التي نطلق عليها الشروط الضرورية للنجاح.
الشرط الأول: انعدام إمكانية الإصلاح، لأنه ما دام هناك إمكانية للإصلاح وإجراء بعض التعديلات، يعني لم نصل إلى محل يستدعي أن نقوم بتغيير جذري، وبالتالي لا نقبل ببعض الإصلاحات إذا كانت تساعد على العمل وعلى تحقيق المشروع. وهذا عبَّر عنه الإمام الحسين(ع) بقوله: "مثلي لا يبايع مثله" انتهينا، وعبر عنه الإمام الحسين(قده) عندما اعتبر أن الشاه صنيعة أمريكا وبالتالي لا يمكن بهذه التبعية الموجودة لإيران أن يحصل أي إصلاح تحت سقف الشاه.
وهنا نجد أن الإمام الحسين(ع) عبَّر بشكل دقيق في كلامه في مكان يسمى"البيضة" عندما جمع جماعة الحر ابن يزيد وجماعته وخطب فيهم وقال: "أيها الناس، إن رسول الله(ص) قال: "من رأى سلطاناً جائراً، مستحلاً لحُرَم الله، ناكثاً لعهد الله، مخالفاً لسنة رسول الله(ص)، يعمل في عباد الله بالإثم والعدوان، فلم يغير عليه بفعل ولا قول، كان حقاً على الله أن يُدخله مدْخَله"، إذًا لا إمكانية، وبهذه الحال يجب أن نخرج، لأن التغيير لا يحصل إلاَّ بمواجهة انعدام إمكانية الإصلاح، وطبعًا الإمام(ع) عبَّر بتفصيل تمَّم الكلام، أوجِزه: "ألا وإن هؤلاء قد لزموا طاعة الشيطان، وتركوا طاعة الرحمن، وأظهروا الفساد، وعطلوا الحدود، واستأثروا بالفيء، وأحلوا حرام الله، وحرَّموا حلاله، وأنا أحق من غيَّر"، والحاكم لم يبقي شيء من المنكرات إلاَّ وقام به، وبالتالي انعدام إمكانية الإصلاح تقتضي بأن تحصل الثورة.
الشرط الثاني: وجود الأمل بالتغيير، أحيانًا لا يوجد أمل بالتغيير، وأحيانًا أخرى يوجد أمل بالتغيير، سواء أكان التغيير مباشرًا أو مستقبلي، والإمام الحسين(ع) وجد بالتغيير من خلال هذه الصدمة الذي سيسقط فيها مشروعية يزيد فتستيقظ الأمة ثم بعد ذلك تأتي التداعيات، فإذًا هناك إمكانية للتغيير، يكفي أن يتمكن الإمام الحسين(ع) من وضع حد للانحراف وفتح صفحة جديدة للمقارنة بين الأصالة والانحراف ليكون هدفًا مركزيًا وقد حقَّق أكثر من ذلك. فإذًا الأمل في التغيير كان موجودًا عند الإمام الحسين(ع) بوضع حد لتحريف الإسلام وإسقاط مشروعية الحاكم وإيقاظ الأمة حتى ولو كان بشهادته التي كان يعلم أنها ستحصل، ولكن يعتبر أن النتائج التي ستترتب ستتداعى مع الزمن وسنكون أمام منعطف حقيقي بعودة الإسلام النقي إلى الحياة كمنافس للتحريف الذي أصاب الإسلام من قبل بعض المسلمين. وهذا ما يجعلنا نفهم كلمة النبي(ص): "حسينٌ مني وأنا من حسين، أحب الله من أحب حسينً".
أيضًا الإمام الخميني(قده) كان عنده قناعة بأن الإسلام يمكن أن يكون بديلًا معاصرًا، وبالتالي لديه أمل بالتغيير، ولو لم يكن يتطلع إلى احتمال أن يحدث هذا التغيير ولو بتضحيات وصعوبات وتعقيدات لما كان بهذه الثقة غير العادية، لأنه لا يقدر أن يغير من دون توفر المقومات التي ذكرت، هو كان مقتنع بأن المقومات متوفرة، الأطروحة، القائد والشعبية، وأتت الظروف المناسبة.
الشرط الثالث: وضوح الشعارات المطروحة وعدم التباسها عند الناس. يجب أن تكون هذه الشعارات واضحة، ويجب أن يشعر الناس حقيقة ما يلتزمون به أو ما يروجه القائد هو في محل الصحيح. هذا الأمر لم يكن متوفرًا على زمن أمير المؤمنين علي(ع)، الشعارات غير واضحة، يعني عندما قالوا له عند تنصيب الخليفة الثالث عثمان ابن عفان: ما رأيك أن نمنعه من استلام الحكم، ونقوم بحركة معينة على أساس أنه أضعف من سابقيه، وبالتالي يمكن أن يكون الأمير هو الخليفة، قدَّر الأمير(ع) أن الظروف غير ملائمة لأن الشعارات غير واضحة، النظر عند الناس مختلفة، ولذلك قال كلمته المشهورة: "لَقَدْ عَلِمْتُمْ أَنِّي أَحَقُّ النَّاسِ بِهَا مِنْ غَيْرِي - ووَ اللَّه لأُسْلِمَنَّ مَا سَلِمَتْ أُمُورُ الْمُسْلِمِينَ - ولَمْ يَكُنْ فِيهَا جَوْرٌ إِلَّا عَلَيَّ خَاصَّةً - الْتِمَاساً لأَجْرِ ذَلِكَ وفَضْلِه - وزُهْداً فِيمَا تَنَافَسْتُمُوه مِنْ زُخْرُفِه وزِبْرِجِه"، لا أحد يقول بأن الفرصة مؤاتية، لا، الفرصة غير مؤاتية والناس غير واضحة بوقتها.
عندما عقد الإمام الحسن(ع) عقد الصلح مع معاوية، (بدأوا بالكلام: كيف تعقد الصلح مع معاوية)، معاوية تكلم بالناس باسم الإسلام والناس مقتنعة أنه يعمل بطريقة صحيحة، ومعاوية هو الذي خاض حرب صفين مع الإمام علي(ع)، ومع كل الوضوح مع الإمام علي(ع) استطاع معاوية أن يجمع الكثيرين من حوله. فرأى الإمام الحسن(ع) أن الناس غير مستقبلة أن معاوية إنسان منحرف ولا يطبق الإسلام، وبالتالي أي ثورة لن يكتب لها النجاح أو النتيجة المرجوة، وبالنتيجة يظهر الإمام الحسن(ع) أنه خارج على الولي، يعني خارج على الحاكم المسلم ولا يظهر كصاحب ثورة، من هنا نرى أن وضوح الشعارات ضرورية حتى نصل.
اختم بثلاث ملاحظات:
الأولى: الثورة يمكن أن تكون متدرِّجة، وليس دائمًا نجد أنفسنا أمام ثورة كبيرة وضخمة وعظيمة، فيمكن أن تبدأ بدايات قليلة صغيرة ومحدودة، وقليلًا قليلًا تجد نتائجها فيما بعد. فلا نستعجل إذا كان هناك إمكانية لثورة في مكان ما، طالما أن الظروف لا تسمح بمباشرتها وتحتاج إلى وقت.
الثانية: الإعلام والتعبئة بشعارات الثورة أمر مهم جدًا، ولاحظوا الموفقية الكبيرة في الإعلام الزينبي الذي انعكس عرضًا لقضية كربلاء ولقضية إحياء الدين وثورة الإمام الحسين(ع)، معنى ذلك أن الإعلام والتعبئة مهم جدًا.
الثالثة: حضور كل أفراد المجتمع، أمر أساسي في الثورة، حضور النساء والأطفال والشباب والكهول، وهؤلاء قسم منهم يشارك بشكل مباشر والقسم الآخر إما أن يكونوا شهود الثورة الذين يدلون بشهاداتهم وإبراز حقائق الثورة، أو يكونون جزءًا من صنَّاعها المباشرين، ولكن لا يمكن للثورة أن تنجح إن لم يكن أفرقاء المجتمع كلهم مشاركين بشكل مباشر.