بسم الله الرحمن الرحيم والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الخلق مولانا وحبيبنا وقائدنا أبي القاسم محمد(ص) وعلى آل بيته الطيبين الطاهرين، وصحبه الأبرار المنتجبين، وعلى جميع الأنبياء والصالحين إلى قيام يوم الدين. السلام عليكم أيها السادة العلماء ،أيها الأخوة والأخوات، أيها التلامذة الأعزاء ورحمة الله وبركاته.
نجتمع اليوم في رحاب مدارس الإمام المهدي(عج) لنلقي أمامنا نموذجاً للدرس والجهد والعطاء في هذه الساحة المليئة بالتحديات، نجتمع اليوم تحت هذه الراية، وقد اختاروا مُنشئها اسم الإمام المهدي(عج) ليصوبوا الهدف نحو النهاية التي نريد أن نصل إليها، ولكي نكون من جند ودعائم مسيرة الإمام المهدي(عج)، وهنا لا بدَّ أن نحيي تلامذتنا لأنهم قدَّموا نموذجاً مميزاً في هذه الساحة التربوية التعليمية، وحمل التفوق واستطاع الواحد منهم أن يبرز كنجمٍ في لبنان، ولطالما قالوا بأنَّ لبنان يتبع الغرب ويقلِّد نموذجه، لكننا اليوم نستطيع أن نفخر بتلامذة الإمام المهدي(عج) أنهم قدموا نموذجاً فريداً وتفوقوا ليقولوا للعالم : بأن بيرق الحجاب وراية المهدي تستطيع أن تتفوق على الآخرين ببسم الله وفي سبيل الله.
نحن اليوم أمام تحديات كثيرة، ومن التحديات التحديات التعليمية، هل نستطيع أن نواكب المؤسسات التعليمية القديمة التي عملت لمئات السنين؟ لقد أثبتت مؤسساتنا الإسلامية أنها قادرة على التحدي وأنها أهلٌ للتحدي، وأن بإمكانها أن تحصد العلامات العالية والمتفوقة، وبإمكانها أن تأخذ الأوائل على مستوى لبنان وعلى مستوى المحافظات ، لتعطي نموذجاً كيف نجمع بين الدين والعلم، بين الصلاة والتفوق، بين الجهاد والحياة، بين الأخلاق والمدرسة، بين السياسة والتربية، لنقول لهم: هذا النموذج المتكامل هو الذي سينتصر إن شاء الله تعالى، فكما انتصرت المقاومة بجهادها ستنتصرون بنموذجكم لتقدموا للإنسانية نموذج تلامذة الإمام المهدي(عج).
أنتم اليوم يا تلامذتنا صورة مقدمة إلى العالم، عندما يأتي الآخرون من خلال الدراسات والأبحاث ووسائل الإعلام، ويحاولون اللقاء مع التلامذة ومع الأهل، ليروا كيف تنعكس هذه المسيرة الإسلامية عليهم، اعتقاداً منهم أنهم إذا جلسوا مع المسؤولين سيأخذون الصورة المشرقة، أمَّا إذا جلسوا مع التلامذة ومع الأهل فسيأخذون الصورة الحقيقية المختلفة تماماً، ولكنهم فوجئوا أن أهلنا على صورة إيماننا وأن تلامذتنا على صورة قادتنا، وأن الأداء العام هو النموذج الذي لا يختلف بين المدرسة والبيت والحي والقرية، وبالتالي صعقوا عندما رأوا هذه اللحمة العظيمة، فكل واحد يعطي في مقامه، الطفل يعطي بالأمل، والتلميذ يعطي لتسلُّم الموقع والمقام، والشاب يعطي في ساحة الجهاد، والشابة تعطي في التربية والأمومة والرقي، والشيخ يعطي في نهضة الحياة، وإذ بنا نعيش العطاء في كل موقع وأنتم شركاء في هذا العطاء، فثقوا أنَّ دعامة النصر والعزة مدينة لكم كما هي مدينة للمجاهدين، فحياكم الله يا تلامذة الإمام المهدي(عج) على نحاجكم وعلى تفوقكم.
يقول رسول الله (ص) :"أقرب الناس من درجة النبوة أهل العلم والجهاد"، وهذا موقعٌ مهم جداً، لأننا في الإسلام نؤمن بالوعي والفهم والمعرفة، نؤمن بالتبصر بالطريق التي نسير عليها، ليس لدينا ما نخفيه، إنما إيماننا صورة للحياة، والمطلوب منَّا أن نعمل على إبرازها وعلى تعميم التربية على أساسها، ولكن العلم إذا لم يكن مصحوباً بنتائج الخير فلا قيمة له، ليس المقام مقام إشادة إذا تسلم موقعاً أو مركزاً في هذه الدنيا، وليست الإشادة لمن أخذ لقباً أو تعريفاً به بين الآخرين، إنما القيمة لآثار العلم في حياتكم، كما قال أمير المؤمنين علي(ع):"خير العلم ما أصلحت به رشادك، وشره ما أفسدت به معادك"، فإذا استطعت من خلال العلم أن تصل إلى إصلاح الحياة وإلى إصلاح الآخرة هذا يعني أنك أحسنت ونجحت، عندها لا قيمة للقب أو للموقع أو للصفة، لأن النور الذي تحمله بإيمانك وعلمك سينتصر ويبدد الظلمة التي ينشرها الآخرون.
هنا هذا العلم لا يجوز أن يكون منفصلاً عن تزكية النفس، لأن تزكية النفس تساعد على الاستقامة في الحياة، وتأخذ من رصيد العلم لتوجهه توجيهاً عملياً صحيحاً، ولذا قال تعالى:" هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الأمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلاَلٍ مُبِينٍ "، فالعلم مع التزكية للنفس، مع الإيمان، مع الطاعة لله تعالى، التفتوا يا شباب المهدي أنكم تصلُّون وتتعلمون، تصومون وتتسوَّقون، تلبس الأخت الحجاب وتخرج إلى المجتمع شاهرة قوتها وعزتها ومعنوياتها، ويقف الشاب حاملاً دفتره وكتابه وفي آنٍ معاً يثمر في بيرق الجهاد مضحٍّ بساعات الفراغ والراحة، هذا الجمع هو الذي يعطيكم المقام، إذا كان الآخرون يفتخرون ويتحدون بأنهم يملكون القوة، فنحن نفتخر بأن القوة أساساً في قلوبنا قبل أن تكون في أيدينا، وإذا كان الآخرون يفتخرون بعلمٍ يحملونه فنحن نفتخر بإيمانٍ يوجه علماً نحمله، وإذا كان الآخرون يفتخرون بمواقع يصلون إليها فنحن نفتخر أننا نسجد لله تعالى ليكون الموقع في السماء بين الملائكة قبل أن يكون مكسباً خاصاً لمصلحة الإنسان الفرد قربة لله تعالى ومن أجل مسيرة الجماعة، وإذا كان الآخرون يفتخرون بفسادهم فنحن نفتخر بطهارتنا سنسجد على الأرض التي داسوها قربة إلى الله تعالى، لترتفع هاماتنا غصباً عن الكافرين والمنافقين والمفسدين لأننا بإيماننا سنرتفع إلى الرفيق الأعلى بقوة عطاءاتنا وسننجح وننتصر في الدنيا قبل الآخرة وهذا ما رأيناه بحمد الله تعالى على درب الإمام المهدي(عج).
علمٌ وتزكية للنفس، يؤديان إلى العمل الصالح، لأنه من دون عمل لا قيمة لهذا العلم، بل لا قيمة لتزكية يحاصرها الإنسان داخل جدران أربعة، يجب أن تدخل التزكية إلى الحياة، فإذا كنت في تزكية نفسك سعيداً بعلاقاتك بالله تعالى فاعمل لتنير درب الآخرين سلوكك وعملك لتربيهم وتأخذهم معك في سلوكك إلى الله تعالى، ولذا قال تعالى:" إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَأَقَامُوا الصَّلاَةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ "، لأنك ما دمت تتعلم وتزكي النفس وتعمل الصالحات فقد أخرجت نتائجك الإيجابية إلى مسرح الحياة، أمَّا إذا قصَّرت في واحدة من هذه الثلاثة فلن تؤدي النتيجة المرجوة، هنا عليكم " وَلاَ تَهِنُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الأعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ"، هذه بشرى الله جلَّ وعلا.
نحن كمؤمنين لا نكتفي بالعمل لمجرد العمل، بل نختار من العمل أحمده وأصعبه وأعظمه وأرقاه، لا نقبل بأن نعمل الأعمال البسيطة التي يقوم بها أي إنسان عادي، يجب أن نقوم بالأعمال التي توصلنا إلى محمد وآل محمد(ص) وتجعلنا نشرب من يديه الشريفتين في حوضه المبارك يوم القيامة، إذاً يجب أن نبحث عن العمل الأفضل، من هنا نرى أن الإسلام حثنا على الأعمال الصعبة والمعقدة التي نستطيعها، قال تعالى:" إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللهِ "،يعطون كل شيء قربة إلى الله تعالى، فما الفرق بينهم وبين الآخرون؟ الآخرين يعملون فبعضهم يعمل شيء لله وشيء له، يعطي قليلاً ويُبقي كثيراً، أقدم شيء بسيط والباقي أريده، أمَّا الذي يريد العلى ويريد محمد وآل محمد(ص) يقول: أنا أعطي نفسي ومالي عندها إذا أعطيت نفسك ومالك فيُبقي الله تعالى هذه النفس في الدنيا لتكمل مرحلتها حتى الأزل، ويُبقي مالك معك ويربيه لأنه رزقٌ لك لن يحرمك منه حتى ولو تخليت عنه، فتكون بذلك قد قدّمت فرد الله تعالى لك العطاء بأعظم مما قدَّمت، عندها يكون عطاء النفس والمال مردودٌ إليك تأخذه وتعطي، فتعطي الله تعالى ثم يعطيك وإذا بك تربح الدنيا بعطاء الله وتربح الآخرة بما أعطاك الله تعالى إياه.
البعض يعتبر أننا عندما نعلن التضحية بالنفس والمال أننا نتخلى عن الدنيا أبداً، نحن لا نتخلى عن الدنيا لكن نريد أعظم نجاح في الدنيا، اليوم أصبحتَ متفوقاً بالجهد الكبير الذي بذلتَه في دراستك، فمن الطبيعي أن يعيش الفرد منكم السعادة عند تفوقه، اليوم عندما نطلب كما أراد الله تعالى بذل النفس والمال بالكامل، لأننا نريد من البذل أن نصل إلى المراتب الأعلى، ولا يقدر الشخص أن يصل إلى المراتب الأعلى ويقول أنه عاجز عن مواصلة العطاء، يجب أن تعطي كل شيء لله تعالى، فهل أنت أكرم من الله تعالى؟ أعطه فيعطيك، وبالتالي كلما أعطيته أعطاك أكثر، عندها نرى النماذج التي نراها بمواجهة إسرائيل تُقبل على الله تعالى مستعدة للموت، لا تسأل من أين يأتيها عن يمنها أو عن يسارها، لأن القلوب معلقة بالله تعالى، وإذ بملائكة السماء تحمي وإذ بالتوفيق الإلهي يأتي، وإذ ببيرق النصر يرتفع فيخرج المؤمن المقاوم من المعركة منتصراً بما أعطاه لله تعالى قائلاً في نفسه: والله قد وفيت بما أعطيت ولكن الله تعالى أوفى معي فليعز المؤمنين وينصرهم كما حصل في مواجهة إسرائيل.
وطبعاً نحن لا نحسبها بميزان التفكير المنطقي الذي يحسب الربح والخسارة، نحسبها بميزان الإيمان، لأنه بالإيمان نوفر علينا الحسابات الكثيرة إذا تحصَّل لدينا، علمٌ وتزكيةٌ وعملٌ وتفتيشٌ عن الأرقى في بذل العمل ببذل النفس والمال، ما هي النتيجة؟ فالنتيجة هذه العزة التي نراها اليوم.