محاضرات

الشيخ نعيم قاسم: نحن أمام إسلامٍ يؤمن بالدين والدولة / المحاضرة التي ألقاها في مركز الحضارة لتنمية الفكر الإسلامي بعنوان حزب الله: الدولة والواقع في - 15/11/2016

الشيخ نعيم قاسم: نحن أمام إسلامٍ يؤمن بالدين والدولة / المحاضرة التي ألقاها في مركز الحضارة لتنمية الفكر الإسلامي بعنوان  حزب الله: الدولة والواقع  في - 15/11/2016
نحن أمام إسلامٍ يؤمن بالدين والدولة

بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الخلق حبيبنا وقائدنا أبي القاسم محمد، وعلى آل بيته الطيبين الطاهرين وصحبه الأبرار المنتجبين, وعلى جميع الأنبياء والصالحين إلى قيام يوم الدين، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

في البداية, أشكر مركز الحضارة لتنمية الفكر الإسلامي على إتاحته الفرصة لهذا النقاش الفكري حول حزب الله: الدولة والواقع والطموح, بما يُخاطب عقل المثقف, لا بما يقرأه العامي الذي لا يعرف أبعاد الأمور.

وأفترض مسبقًا بأنِّي أتحدث عن الأسس والمعاني الفكرية، ولستُ بحاجة إلى توضيحات كثيرة, لأن النقاش معكم يتخذ الطابع العلمي الدقيق, للوصول إلى تقديم الرؤية التي يراها حزب الله.

ولا أخفيكم بأني ترددت قبل أن أوافق على هذه المحاضرة, خشية الخلط بين الفكر والجدل السياسي السطحي، لكني آثرتُ أن أخوض في هذا البحث بالتعاون مع مركز الحضارة, من أجل أن أثبِّتَ نقاشًا علميًا وثقافيًا يخترق حواجز الطائفية والسياسة اليومية,ويصل إلى محاكاة الفكر الإنساني، من هنا كانت المحاضرة: حزب الله: الدولة والواقع.

قسَّمت بحثي إلى مجموعة من النقاط: 

أولًا: الالتزام بالإسلام يشمل الحكم في الدولة: أي لا يمكن أن نتحدث عن مسلم عقائدي يحمل الإسلام إلاَّ وفي جنبات رؤيته وفكره أنَّه يسعى لإقامة الدولة الإسلامية بالقوانين المدرجة في داخل المنظومة الإسلامية على المستويات الثقافية والاقتصادية والسياسية والاجتماعية، أي على المستويات المتنوعة. وهنا لا بدَّ من التذكير بأنَّ حزب الله ومنذ اللحظة الأولى أعلن بأنه حزبٌ عقائديٌ إسلامي، هو ليس حزب الشيعة، وليس حزبًا إسلاميًا بالمعنى الطائفي، وليس حزبًا يضم الناس الذين يعيشون المظلومية للانتفاضة عليها، وإن كانت هذه العناوين سامية ولها محلها عند كثيرٍ من الأطراف,لكنَّ حزب الله التزم الإسلام دينًا ودولة، أي أن هذا الحزب العقائدي يعتبر أنَّ الإسلام هو منظومة الحياة التي يجب أن تحكم على المستوى الفردي وعلى مستوى الجماعة، والفرق كبيرٌ بين الطائفي أو المذهبي وبين العقائدي، ولذا عندما ينظر بعضهم إلينا من الموقع الطائفي أو المذهبي فهو يعطينا تقييمًا مغايرًا تمامًا لما نحن عليه، أما عندما ينظر إلينا على المستوى العقائدي فيستطيع أن يفهم تمامًا طبيعة المنطلقات والضوابط والاتجاهات التي نسلكها، بمعنًى واضح: حزب الله حزبٌ عقائدي وليس حزبًا طائفيًا ولا مذهبيًا.

لكن بطبيعة الحال,وبحكم التوزيع اللبناني, ستكون هناك إشارات ذات طابع مذهبي أو طائفي بسبب نظرة الآخرين إلينا، وأحيانًا بسبب بعض القضايا التي يتصدى لها الحزب ويصادف أنها مختصة بفئة دون أخرى، أو أن الذين يفوِّضونه التحرك لمصالحهم الشعبية من الناس هم فئة دون أخرى، لكن هذا لا يُلغي الاتجاه العقائدي. على هذا الأساس, نحن كجماعة نبني كوادرنا وتعبئتنا على أساس التربية على الإسلام والالتزام به، ونقوم بحركة ثقافية منظمة، ولا نقبل في صفوفنا إلاَّ من آمن باعتقادنا كحزب عقائدي، وهنا من الطبيعي أن لا نضم في داخل تشكيلات الحزب الشيعة أو المسلمين أو الذين يحملون أفكارًا تتماهى معنا سياسيًا أو ثقافيًا أو عمليًا فقط، بل نركِّز على أن يكون الانتماء التنظيمي المباشر هو الانتماء العقائدي، أما العلاقة مع الآخرين الذين يتقاطعون معنا فكريًا وسياسيًا, فلنا أساليبنا في التعاون معهم, فتارةً نُوسس تجمعات تأخذ من الهوية طرفًا منها ولكنها تُركِّز على التفاصيل السياسية أو الاجتماعية...، ولكن عندما نتحدث عن الحزب فنحن أمام حزب عقائدي يدين بالإسلام.

نحن أمام إسلامٍ يؤمن بالدين والدولة، وكل حديثي الآن هو حديث نظري فكري,وهو أساس اعتقادنا كحزب من الناحية الفكرية، فعندما نعود إلى القرآن وتوجيهاته فنحن أمام ثلاث آيات في سورة المائدة, تتحدث عن الحكم بما أنزل الله تعالى: "إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالأحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتَابِ اللهِ وَكَانُوا عَلَيْهِ شُهَدَاء فَلاَ تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْنِ وَلاَ تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَناً قَلِيلاً وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ (44) وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالأنْفَ بِالأنْفِ وَالأذُنَ بِالأذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (45) وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ الإِنْجِيلِ بِمَا أَنْزَلَ اللهُ فِيهِ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ(47)".وفي هذه الآيات يصف الذين لا يحكمون بما أنزل الله تعالى بـ: أولئك هم الكافرون، وأولئك هم الظالمون، وأولئك هم الفاسقون، وهذا يعني بأنَّ الإسلام يؤكد على الحكم بما أنزل الله تعالى,وهو ما ينسجم مع الالتزام الإسلامي ومع الإيمان الإسلامي.
ولنا تجربة غنية لرسول الله محمد(ص), وهو القائد الأول, والمعلم الأول, الذي انطلق في دعوته من مكة المكرمة,ثم أقام الدولة الإسلامية الأولى في المدينة المنورة، وكانت لها تشريعاتها في الميادين المختلفة، وكان النبي(ص) يمثل قائد الدولة, وقائد الحرب, وقائد تبليغ الرسالة الإسلامية، وهو الذي كان يربي الناس على عباداتهم ومعاملاتهم الخاصة، كما كان يقود الناس على مستوى الدولة ونظام الحكم، وهذا الأمر من مختصات الإسلام بين الرسالات السماوية.كما كان الاهتمام السياسي دائمًا هو العنوان الغالب للإسلام في حياة المسلمين، قال رسول الله(ص): "من أصبح لا يهتم بأمور المسلمين فليس بمسلم"، والاهتمام بأمور المسلمين هو صلب العمل السياسي، الذي يشمل الدولة وشؤون المجتمع حيث لا يمكن الفصل بينهما.

وعندما تحدث أمير المؤمنين علي(ع)في عهده إلى مالك الأشتر عندما ولاَّه على مصر، قال: "ولْيَكُنْ نَظَرُكَ فِي عِمَارَةِ الأَرْضِ أَبْلَغَ مِنْ نَظَرِكَ فِي اسْتِجْلَابِ الْخَرَاجِ, لأَنَّ ذَلِكَ لَا يُدْرَكُ إِلَّا بِالْعِمَارَةِ, ومَنْ طَلَبَ الْخَرَاجَ بِغَيْرِ عِمَارَةٍ أَخْرَبَ الْبِلَادَ, وأَهْلَكَ الْعِبَادَ, ولَمْ يَسْتَقِمْ أَمْرُه إِلَّا قَلِيلًا"، فانظُر إلى حاجات الناس وما يريده الناس, أكثر من نظرك إلى التحصيل المالي، فليس دورك أن تجلب الخراج من الناس وإنما أن تعمِّر البلد، والتعمير هو إدارة سياسية واقتصادية واجتماعية تنظر إلى خصوصية وحاجات البلد, فتكون أحكام الإسلام هي الأساس لتحقيق الأهداف الإنسانية.

وقد أعلن إمامنا الخميني(قده) كواحد من أعلام المسلمين, يلخص برأيه آراءهم, وينسجم تمامًا مع الأطروحة الإسلامية الأصيلة، قائلًا: "لو أمكنكم درك مفهوم الدِّين في ثقافتنا الإسلامية، لتأكَّد لكم بوضوح بعدم وجود أي تناقض بين القيادة الدينية والسياسية، بل كما أن الكفاح السياسي هو جزء من الوظائف والواجبات الدينية، فإن قيادة الكفاح السياسي وتوجيهه هو جزء من وظائف ومسؤوليات القائد الديني".

يريد توجيهنا:بأن لا فصل بين الدين والسياسة، وهذا ردٌ عمليٌ مباشر على أولئك الذين حاصروا الدين في المساجد أو في العبادات أو في المعاملات الشخصية, وتركوا أمر الحكم والاقتصاد والإدارة لجهات أخرى لا علاقة لهم بالإسلام.

ويقول إمامنا الخميني(قده)أيضًا: "لا يكفي الاجتهاد المصطلح عليه في الحوزات، بل حتى ولو وجد إنسان هو الأعلم في العلوم المعروفة في الحوزات، لكنَّه غير قادر على تشخيص مصلحة المجتمع، أو لا يقدر على تشخيص الأفراد الصالحين والمفيدين من الأفراد غير الصالحين، ويفتقد بشكل عام للرأي الصائب في المجال الاجتماعي والسياسي والقدرة على اتخاذ القرار، فإن مثل هذا الإنسان يكون غير مجتهد في المسائل الاجتماعية والحكومية، ولا يمكنه التصدي لاستلام زمام المجتمع".هنا يميِّز بين العلم الديني الذي يستنبط الأحكام الشرعية, وبين مواءمة العلم الديني لمصلحة المجتمع، وهذه هي السياسة. فالعالم الذي لا يستطيع تمييز الأفراد الصالحين والمفيدين من الأفراد غير الصالحين,ويفتقد بشكل عام إلى الرأي الصائب في المجال السياسي والاجتماعي, وإلى القدرة على اتخاذ القرار في مثل الأمور العامَّة, فإن مثل هذا الإنسان يكون غير مجتهد في المسائل الاجتماعية والحكومية.وهذا يعني وجود مجتهد في المسائل الفقهية ومجتهد في المسائل الاجتماعية والحكومية، أمَّا المجتهد في المسائل الاجتماعية والحكومية فهو الذي يعمل لإقامة الدولة الإسلامية ويكون صالحًا لبلورة حضورها,وأمَّا المرجع أو المجتهد الذي يهتم بالعلوم الدينية البحتة على مستوى الفقه والمعاملات فلا يمكنه التصدي لقيادة زمام المجتمع على أساس الإسلام.

بل يصل الأمر إلى حسم التعارض والاختلاف, بين المرجع الديني الذي يهتم بالأمور الفقهية, والمرجع الديني السياسي الذي يحمل معالم الدين ويهتم بإقامة الحكومة الإسلامية، لمصلحة طاعة الولي القائد هو والمرجع الديني السياسي. سأل أحدهم الإمام الخامنئي(حفظه الله): إذا كنتُ مقلدًا لأحد المراجع، وأعلن ولي أمر المسلمين الحرب ضد الكفرة الظالمين أو الجهاد، ولم يجوِّز لي المرجع الذي أقلده الدخول في الحرب، فهل ألتزم برأيه أم لا؟ يجيب الإمام الخامنئي(حفظه الله): "يجب إطاعة أوامر ولي أمر المسلمين في الأمور العامة التي منها الدفاع عن الإسلام والمسلمين ضد الكفرة والطغاة المهاجمين"، وهذا الرأي هو الذي اشتهر عن الولي الفقيه سواء كان الإمام الخامنئي أو الإمام الخميني، وهو في الواقع رأي عددٍ كبير من فقهائنا على مر التاريخ.

سبب الاختلاف البنيوي: أنَّ المرجع الذي يرفض من الناحية الفقهية الدخول في الحرب, ينطلق مثلًا من عدم أذية النفس، أو الرمي بالنفس إلى التهلكة، أو عدم جدوى المواجهة والتضحية..، فهذه الأعمال لن تؤدي إلى نتيجة بحسب النقاش الفقهي الذي ينطلق من النظرة إلى الفرد, بينما ينظر وليُّ الأمر إلى القيادة والأمة والدولة..).
إذًا عندما نتحدث من الناحية النظرية عن اتجاه عقائدي إسلامي أو حزب إسلامي, سواء كان حزب الله أو أعطى لنفسه اسمًا آخر، لا بدَّ أن يكون في منظومة تفكيره أن يحكم بما أنزل الله تعالى، وأن يكون الحكم في الدولة جزءً لا يتجزأ من الإيمان الإسلامي، وأن يكون الجهاد دفاعًا عن الأرض جزءً لا يتجزأ من الإيمان الإسلامي.
ماذا يعني الحزب العقائدي؟ يعني أنه يؤمن بالإسلام دين ودولة، وهو ما يختلف جذريًا عن الحزب الطائفي أو المذهبي.

ثانيًا: الوطن: من يؤمن بالإسلام يؤمن بأن الإسلام عابرٌ للقارات والأوطان، إذًا ما هو موقع الوطن في الفهم الإسلامي؟ سأتعرض لبعض الكلمات حول الوطن من الفكر الإسلامي لنرى محل الوطن في الإسلام من الناحية النظرية أولًا.

يقول الإمام علي(ع): "عَمُرت البلدان بحب الأوطان"، هذا تأكيد على أَّن إعمار البلاد لا يكون من دون حب وتعلق وارتباط مباشر بالوطن.
ويقول تعالى: "أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ * الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلاَ أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللهُ"، فمن تُحتل أرضهم مسموحٌ لهم أن يقاتلوا, ولو نزفت الدماء من أجل أن يحرروا أرضهم، معنى ذلك أنَّ الوطن له محل ومكانة إلى درجة أنهم يقاتلون من أجل عدم إخراجهم من ديارهم وهي الوطن الذي يعيشون فيه. 

ويقول الرسول(ص): "إن الله عز وجل يبغض رجلًا يُدخل عليه في بيته ولا يقاتل"، هذا استنكار من النبي(ص) ممَّن لا يدافع عن بيته ومركز استقراره, وهو ما يشمل الوطن.

ويقول الإمام علي(ع): "لَيْسَ بَلَدٌ بِأَحَقَّ بِكَ مِنْ بَلَدٍ,خَيْرُ الْبِلَادِ مَا حَمَلَكَ"، إذا أردنا أن نُجري تمييزًا بين البلدان, فالذي يحملك هو خير البلدان بالنسبة إليك(تتربى فيه، وأولادك هنا, والمستقبل هنا...),إنَّها دعوةٌ لتبني هذا البلد والدفاع عنه والسكن فيه.

كان موضوع الوطن إشكاليًا عند الكثير من الحركات الإسلامية، فكانوا يقولون: نحن لا نؤمن بالحدود الجغرافية ولا نرتبط بها. والسؤال المركزي: ما هي المشكلة في الوطن؟ هل المشكلة بالجماعة التي تسكن في الوطن؟ أو المشكلة في الحكم الذي يحكم هذا الوطن؟ وهل بالإمكان أن نتجاوز هذه الحدود بأن يكون هناك حكم موحد يمتد إلى العالم الإسلامي أو كل العالم؟ 

نحن نعتبر أن مسألة الوطن مسألة منسجمة تمامًا مع أطروحة الإسلام، لأن كل فريق من الناس معنيون بالمكان الذي يعيشون فيه، وأنا أتصرف في بلدي على أساس أنه وطن آبائي وأجدادي ولي فيه خصوصية، وليس منكرًا أن يكون هناك حدود للوطن، فالمنكر أن يكون هناك فكر وإدارة خاطئة، هذا الذي يجب أن نبحث عنه لا أن نبحث عن إزالة الحدود كيفما كان، وهناك جماعات لا يستطيعون إثبات أنفسهم في جزء من وطن, إنَّها دعوة غير واقعية.

بعضهم أشكل على الجمهورية الإسلامية في إيران,بأنَّه إذا كان الإمام الخميني(قده) وعلماء الإسلام في إيران يؤمنون بأن الإسلام هو الدين وهو الدولة، فالمفروض أن يزيلوا حدود الأوطان!ثم كيف يتم اختيار الولي الفقيه من وطن واحد، ومن مجتهدين من شعب واحد، ثم يتصدى الولي وهو من اختيار هذا الشعب لقيادة ما يتجاوز إيران، بينما لم تشترك الشعوب الأخرى في اختياره؟ الجواب: أنَّ سلطة الحكم والإدارة والسياسة للولي هي سلطة في الحدود التي اسمها وطن، ومن المفروض أن تكون آليات التنظيم وآليات الإدارة مخصصة لمن هو داخل هذه حدود الوطن, أي إيران في هذه الحالة. أما من كان خارج هذه حدود هذا الوطن, فالإلتزام بقيادة الولي الفقيه يعود له من ناحية دينية وسياسية، هل يؤمن بالولاية؟ هل يلتزم بأوامره؟ وهذا تكليف كل فرد في العالم الإسلامي ليقوم بواجباته الإسلامية ويتحمل مسؤوليته.فمسؤولية الفرد داخل وطنه, تختلف عن مسؤوليته تجاه التزامه الديني. إذًا هنا تثبيتٌ للموضوع الوطني برؤية إسلامية, ضمن تقنين يأخذ بعين الاعتبار من يعيشون في بقعة واحدة وجغرافية واحدة.
لا إشكال بالنسبة إلينا في الارتباط بالوطن، ولا نعيش عقدة إزالة الحدود، لأن المشكلة ليست بالحدود الجغرافية، المشكلة في القناعات والأسس الفكرية والمبادئ والأنظمة القائمة,هذه هي المشكلة الحقيقية، وعندما تحل هذه المشكلة سنجد أن الحدود ليست مثلها مثل أي تنظيم إداري أو أي قائمقامية، وليس هناك أي مشكلة إذا ما أراد الناس أن يتفاهموا مع بعضهم . وقد رأينا تجربة الاتحاد الأوروبي فلكل بلد خصوصية في حدوده,وهناك قواعد مشتركة على المستوى الفكري والثقافي والإداري لمجموع الدول, وهذا ما أدَّى إلى إطار واحد رغم تعدد البلدان، وهذا النموذج يمكن أن يطبق على المستوى الإسلامي أيضًا.

عندما بدأ حزب الله في لبنان سنة 1982، كحزب عقائدي، كان معنيًا بأن يوجِّه الخطاب إلى اللبنانيين وإلى المحازبين، كيف ينظر إلى العمل السياسي والاجتماعي والجهادي.. داخل لبنان؟ هل هو حزب عقائدي يريد أن يحطم الحدود الجغرافية؟! أو هو حزب عقائدي لا يقبل أن يتعامل مع الآخرين في بلده إذا كانوا مختلفين معه على المستوى العقائدي أو المستوى السياسي والاقتصادي والاجتماعي..؟! أم ماذا؟ كان في الماضي سؤالًا صعبًا، وأقول ذلك لأنه لم نشهد حركة حزب إسلامي عبر التاريخ استطاع أن يقدم مقولة عملية للعمل من داخل تركيبة نظام لا يحكم بالإسلام، هناك حركات إسلامية كثيرة في العالم, ولكنَّها تعمل لتأخذ حيِّزًا خاصًا، فهي لم تتمكَّن من التعاون أو التفاهم مع الآخرين المختلفين فكريًا وإسلاميًا. 

كيف قارب حزب الله موضوع الدولة الإسلامية؟ كنا نقول بأنه حزب عقائدي أي أنَّه يؤمن بالدولة الإسلامية، إذًا كيف يدعو الناس إليها في لبنان؟ في الوثيقة السياسية التي أصدرناها سنة 2009 عبَّرنا عن الوطن، وقلنا: "إنّ لبنان هو وطننا ووطن الآباء والأجداد، كما هو وطن الأبناء والأحفاد وكل الأجيال الآتية، وهو الوطن الذي قدّمنا من أجل سيادته وعزته وكرامته وتحرير أرضه أغلى التضحيات وأعزّ الشهداء. هذا الوطن نريده لكل اللبنانيين على حد سواء، يحتضنهم ويتسع لهم ويشمخ بهم وبعطاءاتهم". هذا النص يعبِّر بوضوح عن رؤية حزب الله من موقعه العقائدي إلى نظرته للوطن الذي هو لبنان، فهو يعتبر نفسه شريكًا مع الآخرين في هذا الوطن الواحد، ويعتبر أن هذا الوطن مطلوب له ولمستقبل الأجيال، أي أن موضوع الوطن بالنسبة إلى الحزب كان محسومًا.

وهنا لفتة نظر: أنَّنا اتخذنا قرارًا منذ بداية تأسيس حزب الله بأنَّنا لا نريد تشكيل أحزاب تشابه حزب الله في البلدان العربية أو الإسلامية أو البلدان الأخرى، ولا نريد أن نؤسس فروعًا لحزبنا اللبناني من أفراد ومواطني البلدان الأخرى، لنحافظ على خصوصية الوطن الذي يتطلب عملًا في داخله.فإذا أراد الآخرون أن يشاركونا في عملنا أو أن يستفيدوا من تجربتنا، أو أن يقلدونا أو أن يتماهوا معنا، فليؤسسوا أحزابًا لهم, وليسموها ما شاؤوا, ولكن لا يكون بيننا وبينهم أي رابط تنظيمي، ولا يكونون لا فرعًا ولا جزءً منا، وإنما ننسق معهم ونتعاون معهم، كما يمكن أن نتعاون مع أي طرف من الأطراف. وبذلك نكون قد عالجنا مشكلة عالمية الحزب في اجتياز الجغرافية فلم نعمل عليها, وتبقى عالمية الفكر والتجربة متاحة للجميع,فقد حدَّدنا بأنَّنا معنيون بوطننا وسنعمل له, ولا نريد أن نفرِّع ولا أن نتمدد.

ثالثًا: كيف يدعو حزب الله اللبنانيين والناس إلى فكره وقناعاته؟ لأن أي حزب عقائدي لا بدَّ أن يدعو الناس إلى ما يفكر فيه، وأن يقدم أطروحته يروِّج لها.
انطلق الحزب من الآية الكريمة التي شكلت إطارًا وخارطة طريق بالنسبة إليه، لقول تعالى في القرآن الكريم: "لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لاَ انْفِصَامَ لَهَا وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ". عندما يقول رب العالمين صاحب الدين الإسلامي، ومُنزل الوحي، "لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ"، يعني ليس المطلوب أن تُلزموا الآخرين على أن يؤمنوا به، اتركوا الناس لخياراتهم، فمن آمن فلنفسه ومن كفر فعليها، وما أنت عليهم بوكيل، وهذا يعني بأنَّنا لسنا مسؤولين عن إقامة الدولة الإسلامية فيما لو عجزنا عن ذلك، بحيث أنها لو لم تقم لا نكون مقصرين أو محاسبين عليها، فواجبنا أن ندعو إليها,فإن قامت فهذا إنجاز، وإن لم تقم فـ "لاَ يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلاَ وُسْعَهَا"، فنحن لا نُلزم الناس على طاعة الله تعالى، ولا نُلزمهم كما تدَّعي وتفعل "داعش" اليوم, فهم يقتلون ويقطعون الرؤوس ليعيدوا الناس إلى دين الله تعالى! 
من هنا كنا واضحين تمامًا، ففي الرسالة المفتوحة لحزب الله سنة 1985: "لكننا نؤكد أننا مقتنعون بالإسلام عقيدة ونظاماً، فكراً وحكماً، وندعو الجميع إلى التعرف إليه والاحتكام إلى شريعته، كما ندعوهم إلى تبنِّيه والالتزام بتعاليمه على المستوى الفردي والسياسي والاجتماعي. وإذا ما أتيح لشعبنا أن يختار بحريّة شكل نظام الحكم في لبنان، فإنه لن يرجِّح على الإسلام بديلاً. ومن هنا فإننا ندعو إلى اعتماد النظام الإسلامي على قاعدة الاختيار الحر والمباشر من قبل الناس، لا على قاعدة الفرض بالقوة كما يُخيَّل للبعض".

من حق أي إنسان على المستوى النظري أن يدعو الآخرين إلى معتقداته، ونحن نقول بأنَّ هذا أفضل للشعب اللبناني، إن قَبِلَ الشعب اللبناني فهذا خيرٌ له، وإذا لم يقبل فهو حرٌ، على قاعدة "لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ",فقد قدَّمنا ما علينا وقمنا بواجبنا، وليس المطلوب منَّا أن نفرض رؤيتنا على الآخرين.

طبعًا عندما نتحدث عن هذا النص في سنة 1985 يعني منذ بدايات حزب الله، بعد ثلاث سنوات من النشأة، وهو نصٌ متقدِّم، ولكن لا يخفى أنَّنا في الرسالة المفتوحة لم نفصِّل كثيرًا حول رؤيتنا للدولة التي نريدها إن لم تكن دولة إسلامية، ولم نتحدث عن ماهية تعاطينا مع الدولة ومشاركتنا في الدولة، وأصارحكم: في وقتها لم يكن هذا الأمر مطروحًا, وقد ساعد عليه أنَّ الأزمة في لبنان استمرت إلى سنة 1989 -1990، يعني لم يكن أحد يفكر في لبنان بالموضوع السياسي, ولا الانتخابات, ولا التحالفات, ولا إقامة الدولة..، وقد ولد حزب الله في هذا الوقت الفوضوي في لبنان, فلم يكن أمامنا أسئلة صعبة للإجابة عنها، فاكتفينا بالعنوان العام الذي يتحدث عن رؤيتنا من دون أن ندخل إلى التفاصيل.

رابعًا:إجازة الولي الفقيه بالمشاركة في الدولة.

عندما تمت الدعوة إلى الانتخابات النيابية سنة 1992، لأول مرَّة بعد انتهاء الحرب اللبنانية, أصبحنا أمام استحقاق لم يكن مطروحًا أمامنا سابقًا، هذا الاستحقاق هو بكل وضوح: هل نكون جزءًا من تكوين الدولة اللبنانية أم لا؟ وعند النقاش داخل الأطر القيادية في الحزب, انقسمت القيادة إلى رأيين: 

رأي يقول بحرمة المشاركة في أي حكومة إذا لم تكن إسلامية، لأننا إذا شاركنا في حكم غير إسلامي يعني أننا نثبته ونعترف به, وهذا ما يفوِّت علينا الفرصة من أن نقيم الحكم الإسلامي مستقبلًا، وذلك عندما يبرز فساد الحكم غير الإسلامي فينهار, فيكون الإسلام هو البديل، بناءً عليه فإنَّ الدخول في تركيبة الدولة اللبنانية خاطئ مئة بالمئة، وهذه النظرة  هي نظرة كل الحركات الإسلامية  الموجودة في العالم. 

الرأي الآخر يقول: عندما لا نستطيع أن نقيم نظام الحكم الإسلامي، ولا يقبل به الشعب اللبناني، فماذا نفعل؟ هل نبقى مجرد حزب يدعو إلى الإسلام؟ أو نقوم بمشاركة سياسية تعزز تفاعلنا مع الأطراف الأخرى,وتجعلنا قادرين على بث بعض أفكارنا في منظومة الدولة, ونعطي تجربة رائدة تكون نموذجًا, على قاعدة التفاعل مع هذه الأطر المختلفة,فنؤثر فيها ونقدم تجربتنا من ضمن تركيبة الدولة، وهو أفضل من أن نبقى متفرجين, أو أن ننتظر إلى أن تقوم الدولة الإسلامية في لبنان, ويمكن أن لا تقوم، بسبب خصوصية الوضع اللبناني الطائفي الذي لا يتيح بسهولة مجرد النقاش في مثل هذه الموضوعات.

كنا أمام رأيين، وهذا الموضوع مفصلي، فكان لا بدَّ من أن نعود إلى الولي الفقيه, وهذا هو دوره في حسم الموقف، فالولي الفقيه في فهمنا هو القائد الشرعي الأول الذي يجمع بين الفقه على مستوى الفرد وبين فقه الدولة والحكم وشؤون الأمة على مستوى الجماعة. والولي الفقيه ليس مرتبطًا لا بجنسية ولا ببلد معين، هنا الحدود تزول، ففي المسألة الإيمانية على المستوى الاعتقادي, لا دور للحدود الجغرافية، لكن عند تطبيق القوانين في بلد ما, نحتاج إلى الإجراءات والحدود في إطار الوطن والعمل له. لكننا نحتاج إلى الولي الفقيه من خلال الاعتقاد والإيمان لنبرئ ساحتنا الشرعية، ولنقدم أطروحتنا التي نشعر معها بالرضا، الولي الفقيه هو الذي يوجه قرار الحرب والسلم على مستوى الأمة وليس على مستوى نقطة ضيقة في العالم، هو الذي يعطي الإجازة لأن يقاتل المقاتلون لأن دماءهم ستسقط,والولي الفقيه هو المسؤول عن هذه الدماء,حيث تبرأ بإجازته ذمة المقاتلين إذا ما قتلوا أثناء المعركة، الولي الفقيه هو الذي يحدد استراتيجيات تحديد العدو من الصديق بشكل عام...

فإذًا نحن بحاجة إلى أن نعود إلى قائدنا الفكري والإيماني الذي يستطيع أن يعطينا الموقف الشرعي الذي يبرئ ذمتنا أمام الله تعالى. وهنا تأتي خصوصية الارتباط به, فالبعض يقول: ولكنكم لبنانيون، صحيح، نحن لبنانيون بالهوية، ولبنانيون بالسكن، ولبنانيون بالجهاد، ولبنانيون من الأجداد إلى الأبناء والأحفاد، لكن هذا لا يمنع أبدًا من أنَّ لنا رؤيتنا الفكرية والثقافية والإيمانية التي نحتاجها لنطمئن من خلالها بأننا على الدرب الصحيح، وهذا ما نحققه من خلال علاقتنا بالولي الفقيه وأخذ إرشاداته وقراراته العامة في المسائل العامة التي تبرئ ذمتنا أمام الله تعالى.

في أحدى ندوات نقاش كتابي "مجتمع المقاومة", قال لي أحد قرَّاء الكتاب: أنتم كحزب الله كل شيء لديكم جيد إلاَّ ارتباطكم بالولي الفقيه! فقلت له: لماذا؟ قال: من أين أتيتم بها؟ فقلت له: مهلك، هل تحب مقاومتنا؟ قال: بالتأكيد أحبها. قلت: هل تؤمن بأن أداءنا السياسي كان متطورًا وجيدًا؟ قال: نعم. قلت: هل تعتبر أن وجود حزب الله في لبنان أفضى خصوصية معينة على طريقة الأداء والأخلاقية في الساحة، وأستطاع أن ينفتح على الأطراف المختلفة؟ قال: نعم. قلت: هل رأيت حزبًا إسلاميًا في الكون يبني تفاهمًا مع تيار مسيحي علماني ومع الحزب الشيوعي ومع الحزب القومي ومع الأحزاب القومية ومع من لا حزب له ولا فكر له ولا قناعات له سوى تشكيل مجموعات مدنية صغيرة، وهو يقوم بدور عظيم ومقاومة عظيمة؟ قال: هذا هو محل إعجابي... قلت له: كل ما تراه هو بسب الولي الفقيه. لأن الولي الفقيه أجاز لنا بأن نعمل ضمن تركيبة الدولة اللبنانية، بهذه الإجازة الشرعية التي تعتبر جريئة ومميزة, ولم يحصل مثلها في التاريخ, وذلك بعد أن حسم لنا الولي الفقيه الموقف من العمل السياسي في لبنان, وأعطى رأيه بين من يقول بعدم جواز الدخول في الدولة غير الإسلامية, وبين من يقول بجواز الدخول إلى الدولة لنكون شركاء فيها. جاء جواب الولي الفقيه سنة 1991: لا وجه لعدم المشاركة في الانتخابات النيابية إذا كانت حرة. وهذه أول إشارة من نوعها لحزب ليعمل ضمن تشكيلة دولة غير إسلامية, من ولي فقيه يقيم دولة إسلامية في إيران, ويحكم بالإسلام, ويدعو إليه، طبعًا هذا يدل على المرونة,وعلى حسن قراءة الأوضاع، والانفتاح، ويدل على أننا بارتباطنا بالولي الفقيه استطعنا أن نفتح فرصًا عملية تنسجم مع واقعنا, ونوفق بين إيماننا النظري ومتطلباتنا العملية، فلا نعيش عقدة أننا نؤمن نظريًا بالإسلام من ناحية,وبالتطبيق العملي من ناحية أخرى.

من هنا، الولي الفقيه هو الذي يضع الحدود والضوابط، وهو الذي أفتى لنا حول إمكانية المشاركة في تركيبة الدولة اللبنانية, على قاعدة أن ننتبه ونحن نقوم بأدائنا العملي بأن لا نرتكب المخالفات والمحرمات الشرعية، يعني حين نرى محرمًا نبتعد عنه, وحين نرى أمرًا مباحًا أو حلالًا نقوم به، حتى في تفاصيل الدولة هناك الكثير من الأمور التي يمكن أن نواجهها ويكون فيها حرام من الناحية العملية ولكن نجد لها مخرجًا بالطريقة المناسبة، فلا نرتكب الحرام ولنبتعد عنه. أذكر مثالًا لبنانيًا: هناك اهتمام في وزارة الزراعة بالاحتفال بالخمر يوم الكرمة، لتحسين الإنتاج اللبناني وما شابه ذلك، وهذا حرام بالنسبة إلينا، في هذه المسألة يترك وزير الزراعة عندنا موقعه للوزير الوكيل للقيام بهذه التفاصيل, وعلى ذمته ومسؤوليته وقناعاته، ونكون قد تخلصنا من الوقوع في الحرام، لعلَّ بعضهم يعتقد بأننا ندقق في هذه المسائل، تأكدوا بأننا سنبقى نحافظ على انضباطنا الإسلامي بأقصى الدرجات التي نعمل عليها.

على سبيل المثال: عندما كنا نقاوم في الجنوب, وكان العملاء منتشرين في المناطق المحتلة، قام الأخوة ببعض العمليات، وكان كانت التوصية لهم: إذا وجدتم أثناء العمليات مدنيين أو أفرادًا لا علاقة لهم بالعملاء, فلا تقوموا بها، وكانوا يلتزمون بدقة بهذه التعليمات. وفي أحد الأيام بالصدفة,مرَّ مدني فأصابته العبوة التي استهدفت العميل، بحثنا عن اسمه وعائلته، ومن الناحية الشرعية القتل الخطأ يستلزم الدية لعائلته. 

عندما كنا بالمشكلة مع حركة أمل في إقليم التفاح، دخل إخواننا إلى بعض البيوت, وأكلوا بعض ما وجدوا من الطعام, لعدم توفره لديهم بسبب الحصار، وكان الأخوة الذين يأكلون من البيوت يكتبون على ورقة: أخذنا من هذا البيت مرطبان مكدوس أو زيتون، وثلاثة كيلو رز أو سكر الخ... ويعطون الورقة للمسؤول، وعندما عاد الناس أعطى الأخوة أصحاب المنازل ثمن ما استعملوه من المؤونة من بيوتهم، لأنه لا يجوز أن يستعمل الفرد مؤونة الآخرين من دون التعويض له أو المسامحة منه. حتى عندما نعمل في بيئة وفي ظروف غير إسلامية علينا أن نبقى ملتزمين بالضوابط الإسلامية الشرعية, وهذا هو ديدننا في العمل، هذا هو عملنا وأداؤنا، وكذلك شاركنا في تركيبة الدولة اللبنانية بهذه الروحية.

خامسًا: حدود وضوابط عملنا ضمن الدولة.

كيف نعمل داخل الدولة، إذا كانت الدولة غير إسلامية، ولم يوافق الناس على حكم الإسلام؟

ذكرنا في الوثيقة السياسية سنة 2009 (وهي الثانية بعد الرسالة المفتوحة سنة 1985), الحدود والضوابط ضمن نظرتنا إلى الدولة، وذكرنا حوالى 18 بندًا، قلنا: هكذا نتمنى أن تكون الدولة للبنانية، وهكذا سنعمل ونساهم لتكون الدولة اللبنانية, أذكر بعض هذه البنود مع المقدمة:

إنّ الدولة التي نتطلع إلى المشاركة في بنائها مع بقية اللبنانيين هي:
 
1- الدولة التي تصون الحريات العامة، وتوفر كل الأجواء الملائمة لممارستها.
2- الدولة التي تحرص على الوحدة الوطنية والتماسك الوطني.
3- الدولة القادرة التي تحمي الأرض والشعب والسيادة والاستقلال، ويكون لها جيشٌ وطنيٌ قويٌ ومقتدرٌ ومجهَّزٌ، ومؤسساتٌ أمنيةٌ فاعلةٌ وحريصةٌ على أمن الناس ومصالحهم.
4- الدولة التي تعتمد وتطبق مبدأ الإنماء المتوازن بين المناطق، وتعمل على ردم الهوّة الإقتصادية والإجتماعية بينها.
5- الدولة التي تعتمد نظاماً إدارياً لا مركزياً يعطي سلطاتٍ إداريةً واسعةً للوحدات الإدارية المختلفة (محافظة/ قضاء/ بلدية)، بهدف تعزيز فرص التنمية وتسهيل شؤون ومعاملات المواطنين، 

لقد وضعنا قواعد نراها مناسبة للعمل ضمن الدولة، طبعًا قسم منها موجود، وقسم بحاجة إلى عمل ليكون موجودًا، وعندما ناقشنا موضوع الطائف، وجدنا أن هذا النقاش لا فائدة منه حاليًا، وأن هذا الموضوع تشكل إثارته حالة من المناكفة السياسية والمذهبية والطائفية، فأعلنَّا بأنَّنا ندعو إلى تطبيق الطائف, وهذه القواعد التي وضعناها نتمنى أن تراعى في عملية التطبيق، فنحن شركاء مع كل القوى والمواطنين، وإذا لم تتكاتف الأيدي لتحقيق أي فكرة من الأفكار لا تتحقق، حتى ولو كان طموحنا يصل إلى السماء.

أخلص إلى القول: بأن حزب الله حزب عقائدي، يعمل في لبنان على أساس الشراكة الوطنية من ضمن تركيبة النظام القائمة، ويحاول أن يقدم تجربته على المستويات كافة، وقد استطاع بحمد الله تعالى أن يقدم تجربة المقاومة التي أكَّدت مستوى الاهتمام الوطني، وتجربة العمل الوزاري والنيابي التي بيَّنت كيف يكون المسؤول من موقع الخادم للشعب لا المستفيد من موقعه لمصالحه.

أسأل الله تعالى لكم, التوفيق والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.