بسم الله الرحمن الرحيم ، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الخلق وأعز المرسلين سيدنا وقائدنا وحبيبنا أبي القاسم محمد(ص) وعلى آله الطيبين الطاهرين، والسلام عليكم أيها السادة العلماء ، أيها الأخوة والأخوات ورحمة الله وبركاته.
مباركٌ لنا جميعاً ولادة النبي الأكرم محمد(ص)، فهي الولادة التي أحيَت البشرية، وأعطتها أبعادها المتناغمة ليعيش الإنسان حياة سعيدة على الأرض بشرع الله المقدس ، وفيها الثواب والعطاء في اليوم الآخر في جنة عرضها السموات والأرض أعدت للمتقين، ولو يعلم الكثير من الناس أن "أكثرهم لا يؤمنون"، ولو يعلم الكثير من الناس أسرار هذا الخلق لنبينا محمد(ص)، وبركات هذا الوجود لما قصَّروا ولما ابتعدوا ولكنهم أصيبوا بالعمى والضلالة فخسروا الدنيا والآخرة. إنَّ هذه الولادة الميمونة لنبي الإسلام(ص) تؤشر لنا لثلاث مسائل جوهرية:
أولاً: أن النبي(ص) شكَّل القدوة لجميع الناس في هذا العالم، والمقصود بالقدوة هن أن يكون أمامنا في كل شيء، أن يكون أمامنا في نموذج الطهر ، وأن يكون أمامنا في بلاءات العالم التي صبَّت عليه وتأذى من خلالها حتى قال:"ما أوذي نبي في قومه مثل ما أوذيت"، وهذا يعطينا البعد الحقيقي لرسول الإسلام رسول البشرية جمعاء محمد(ص)، قال تعالى:"لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيراً"، فهو القدوة في الأخلاق وفي العقيدة والقيادة وفي الجهاد والصبر على الأعداء وفي تحمل المشاق التي عاشها في حياته، فلولا وجود محمد(ص) لشكى الكثير من المؤمنين أنهم يعانون وأنهم يعيشون الصعوبات، لكن إذا كان الأول في البشرية مكانة ودوراً وعظمة وحباً وعشقاً وعلاقة مع الله تعالى يُصاب بالآلام والمرارات التي أصيب بها نبينا(ص)، فكيف نشكو نحن وكيف لا نتقبل؟ فالمسألة الأولى ترتبط بالقدوة، وهذا هو الذي يعطينا دفعاً كبيراً إلى الأمام.
المسألة الثانية: لها علاقة برسم الدور، قال تعالى:" يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً * وَدَاعِياً إِلَى اللهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجاً مُنِيرا"، هذا هو التكليف الذي يعمل له، وهذا هو الدور الذي ينطلق منه، هو الشاهد ليشهد في يوم القيامة أنه بلَّغ رسالة الإسلام، ونحن أيضاً يجب أن نكون شهداء" لِتَكُونُوا شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً "، حتى نكون في يوم القيامة قد قمنا بما علينا وذلك بأدائنا وعملنا وسلوكنا وتثبيتنا لشرع الله تعالى المقدس، ومبشراً بالجنة ومنذراً من النار، للحديث عن الحساب الذي يصل إليه الإنسان في يوم القيامة، وداعياً إلى الله تعالى بإذنه لينشر دعوة الله تعالى فلا يبقى جامداً على إيمانه وعلى عطاءاته فقط، وإنما ينشر الخير للبشرية، وسراجاً منيراً يضيء أراد الكافرون ذلك أم لم يريدوا ، واجه المنافقون ذلك أم لم يواجهوا، لأن السراج لا يمنعه شيء فهو سيضيء حتماً وغصباً عن الآخرين، أحبوا ذلك أم لم يحبوا ، لذا ترون أن دين الله تعالى ينتشر ويزداد نوراً وعطاءً وبشرا على الرغم من كل الكفر العالمي، وعلى الرغم من كل الضغوطات التي تمارس، لأن الله تعالى أراد لهذا الدين أن يبقى على الأرض:" إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ "، وسيبقى إن شاء الله وسينتصر وينتشر بإذنه تعالى.
المسألة الثالثة: أن هذا الدين الذي أتى به محمد(ص) هو دين منصور، سواء أعجب ذلك الناس أو لم يعجبهم، وعانينا من الصعوبات أولم نعاني، فهذا الدين لا بدَّ أن ينتصر، بين الدعوة إليه وظهور الإمام المنتظر(عج)، بين ولادة محمد(ص) وانطلاقة الرسالة وظهور الإمام المهدي(عج) ليملأ الأرض قسطاً وعدلاً بعد أن ملئت ظلماً وجوراً هناك تقلبات كثيرة ستحصل في هذا الكون، هناك أمم ستبيد وأمم ستنشأ، زعامات ستتسلط وزعامات ستسقط، " وَتِلْكَ الأيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاء وَاللهُ لاَ يُحِبُّ الظَّالِمِينَ "، في نهاية المطاف ، كما بدأت الدعوة من غير نصير ولا معين إلاَّ الله تعالى، وانتصرت وثبتت تعاليم الدين، ستعود مجدداً بقيادة الإمام المهدي(عج) لتنشر العدل على الأرض بإذن الله تعالى ، ولو كره الكافرون ولو كره المشركون.
من هنا عندما نعمل للإسلام العزيز إنما نعمل له لأننا مؤمنون بأنه الدين الكامل الجامع الذي يصلح للبشرية وينسجم مع فطرتها.
في هذا المجال نتساءل : لماذا يسيؤن إلى نبي الإسلام محمد(ص)؟ وهو خاتم الأنبياء وسيد الرسل والبشرية جمعاء، في الوقت الذي لا يناقشون فيه لا أطروحته ولا قناعاته، ولا يناقشون مضمون الإسلام العظيم، بل يأتون بالرسوم، ويعملون لإنشاء القصص والأفلام التي تسبب الإساءة والشتائم بعيداً عن أي نقاش عقلي أو علمي رزين. وهذا ما رأيناه في الفيلم الهولندي الأخير ، وفي الرسوم الكاريكاتورية الدنماركية، وفي التضامن الذي تحدثوا عنه بين عدد من أصحاب الصحف الأوروبية لإعادة نشر الرسوم المسيئة لنبي الإسلام(ص)، وهنا نتساءل: لماذا يقومون بكل هذا! هل من منطلق حرية الرأي؟ لو كان الأمر يرتبط بحرية الرأي لكان النقاش يختلف عما سأقول، لكن كيف تمنعون وتقمعون في أوروبا أي شخص ينتقد المحرقة الإسرائيلية"الهولوكوست"، وتزجِّونه في السجن تعاقبونه، وتطردونه من وظيفته، بل إذا انتقد إسرائيل على بعض أعمالها كما حصل في فرنسا فإنَّ هؤلاء يُحاسبون ويعاقبون ويطردون لأنه ممنوع عليهم أن ينتقدوا إسرائيل أو ما تؤمن بها إسرائيل. لو كنتم صادقين في أنكم تدافعون عن حرية الرأي لتركتم هذه الآراء من دون منع، ومن دون عقوبة، ولكن لماذا تقبلون بالإساءة لرسول الله (ص) وتدَّعون أنها حرية رأي، هذا لأنكم تريدون مواجهة المد الإسلامي الذي بدأ يدخل إلى كل عقل وقلب عن طريق الحوار والإقناع، وليس عن طريق الإلزام، وهذا دليلٌ واضحٌ على عجزكم، لأن الذي يلجأ إلى هذه الأساليب هو العاجز والضعيف والمحتاج ، ولا يلجأ إلى هذه الأساليب من كان يمتلك قوة المنطق وقوة النقاش، ونحن ندعو الدول الأوروبية أن تكون جادة في مواجهة هذا الاعتداء على المسلمين ومقدساتهم من خلال الإساءة للنبي(ص) بمعاقبة أولئك المعتدين على حريات ومعتقدات الآخرين، كما يفعلون في غير المسائل التي تحدثنا عنها، وكذلك ندعو مجلس الأمن، وهذه مسؤولية الدول الإسلامية في أن تضغط في هذا الاتجاه لإصدار تشريعات تمنع الإساءة للرسل وللأنبياء، وكذلك على الدول العربية والإسلامية أن تقوم بحملة مركَّزة بحيث تطالب أي سفير وأي رئيس دولة وأي مسؤول بموضوع الإساءة من أجل أن يقفوا عند حدهم، على الأقل فلنتعلم مما يفعله الغرب وتفعله إسرائيل، لو كان هناك كلمة أو خطاب أو موقف فإنهم يتداولونه ويطالبون به كل رؤساء الدول العربية والإسلامية، بينما نحن عندما يتعلق الأمر برسول الله محمد(ص) نتكلم مرة واحدة ثم نسكت، لو كان هناك ضغط حقيقي لتوقفوا عند حدهم، اعلموا أن هذا الذي يحصل يهدف إلى ثلاثة أمور:
أولاً: يهدف إلى التعبير عن الألم والمرارة من عظمة الإسلام وهو لا يستطيعون مواجهته فيحاولون الإساءة، ولا يقدمون البراهين.
ثانياً: هي محاولة لإيجاد شرخ بين الشعوب الأوروبية وشعوب العالم الإسلامي، من أجل منع الاحتكاك بينهما، ومنع إلتقاء الثقافات التي يمكن أن تؤثر بطريقة أو بأخرى.
وثالثاً: هي محاولة لإبعاد المسلمين عن الإسلام بمحاولة إيجاد هذه الصورة الضاغطة إعلامياً على المستوى الغربي وعلى المستوى الدولي.
لكنهم لا يعرفون كم تؤثر هذه المواجهة في ربط المسلمين بإسلامهم أكثر فأكثر، وأقول أنه في 11 أيلول بعد هذه العملية التي جرت ضد البرجين الأمريكيين، تصرف الأمريكيون ضد المسلمين على الهوية، فأعادوا غير المؤمنين من المسلمين إلى عصبيتهم الإسلامية ، وزادوا من ارتباط المسلمين بإسلامهم بدل أن يبعدوهم بهذا الموقف العنصري والعصبي الذي قاموا به ولم يكن منسجاً مع أبسط حقوق الإنسان.
أما في مسألة القمة العربية وما أحاط بها فقد كان مشهد جماعة السلطة في التعاطي مع القمة العربية مشهد مضحكا" مبكيا" في آن معا" وكأنهم يلعبون لعبة إسقاط الموقع السوري العربي من بوابة حركاتهم الصبيانية الموجودة في لبنان .فراهنوا في البداية أن لا تنعقد القمة أصلا" او أن تؤجل فلم تؤجل وانعقدت ,ثم راهنوا ان لا تقدم دعوة للبنان فيحركون المشاعر العربية بان لبنان أُهمل فأرسلوا إليهم الدعوة ,ثم راهنوا بعد ذلك أن تكون المقاطعة من بعض رؤساء العرب سببا" لموقع حساس وأساسي للبنان فقاطع من قاطع وسارت القمة وبقي لبنان خارجها ,أي أن لبنان اخرج من القمة بدل أن تخرج سوريا من هذه القمة أو تخرج القمة من الانعقاد.
وهنا قد أخالف بعض من اعتبر موقف السلطة بأنه مؤثر وحساس وعظيم, بالعكس هذا الموقف له دلالات أربعة:
أولا" هو يدل عن عجز الحكومة اللبنانية غير الشرعية من ان تمثل لبنان وبالتالي القرار الذي اتخذته هذه الحكومة كان منسجما" مع عجزها وبالتالي لا يمكنها ان تذهب وهي غير صفة دستورية وغير صفة تمثيلية ولا تستطيع ان تتحدث عن اللبنانيين ولذا اعتبر أن هذا القرار منسجم مع الواقع اللبناني.
ثانيا" نفذت هذه الحكومة القرار الأمريكي الذي قاتل بلبنان وأراد ان يستخدمه من اجل الضغط على سوريا ,علما" ان أوراق جماعة السلطة في لبنان أصبحت بالية ولم تعد قادرة على الضغط وبالتالي هي مهترئة تعاني من امراض كثيرة تحتاج الى ترميم نفسي وسياسي وعملي.
ثالثا" أصبح واضحاً ان هذه الحكومة الغير شرعية تريد ان توتر العلاقات مع سوريا, وكلما لاح في الأفق مجال لتصويب هذه العلاقة ,يمانعون لأنهم يعلمون بان عودة العلاقات اللبنانية السورية الى طبيعتها ستصوب المسار في لبنان ,وفي العلاقات بين لبنان وسوريا وستنهي مشكلة كبيرة في المنطقة .
رابعا"وضعت هذه الحكومة الغير الشرعية لبنان في مهب رياح الخلاف العربي- العربي, وكان من المفروض ان تتساءل هذه الحكومة الغير الشرعية لماذا لم يقاطع بعض العرب حضورهم في هذه القمة وحضروا بمستوى من المستويات واستخدموا لبنان فقط من خلال هذه الجماعة كي لا تحضر في هذه القمة .هذا يعني أنهم يدركون مصالحهم في ان تنعقد القمة بشكل من الأشكال لكن لا يسألون عن مصلحة لبنان ولا عن مكانة لبنان. وأكد الشيخ نعيم قاسم اننا نسجل لهذه القمة العربية انها القمة التي خالفت القرارات الأمريكية والضغوطات الأمريكية وهذه مكرمة لهذه القمة العربية بصرف النظر عن النتائج الأخرى وهذا إثبات بأننا اذا وقفنا مع بعضنا بإمكاننا ان نفعل شيئا" وان نرغم أمريكا على أشياء.
أما بالنسبة لترميم الحكومة ,سمعنا منذ أسبوعين نغمة المواقف الجبارة والكبيرة التي ستأتي بعد القمة العربية من جماعة السلطة ,ومنها ترميم الحكومة ,علما" ان هذه الحكومة الغير شرعية لا أصالة ولا ترميما" معترف بها , وبالتالي لا معنى لها لا وهي في هذا الشكل ولا بأي شكل آخر .
ثانيا" عندما يدخلون في عملية الترميم فيضيفون بعض النواب او بعض الوزراء إليها هذا يعني انهم لا يريدون حلول التي تؤدي الى انتخاب رئيس للجمهورية ,هم يريدون إبقاء هذه الحكومة وتنشيط هذه الحكومة وإلغاء موقع رئاسة الجمهورية وتجاوز الحل الطبيعي . ترميم الحكومة يعني لا يريدون الحل وفق المبادرة العربية هذا يعني إسقاط المبادرة العربية التي تضع في رأس مشروعها انتخاب رئيس توافقي للجمهورية .هم يفكرون بكل شيء الا حكومة الوحدة الوطنية والا بقانون انتخابات عادل والا بالشراكة بيننا وبينهم ,فليعلموا للمرة الالف نحن نعلم ان بينهم فئة متضررة من اي حل وفئة أخرى لا تريد ان تنفذ شيئا" بعيدا" عن الإرادة الخارجية وهي ملتزمة بهذه الإرادة الخارجية وبالتالي ان تسويفهم سيطيل عمر الازمة ,بإمكانهم أن يطيلوا عمر الأزمة, لكن ليس بإمكانهم ان يقدموا اي حل ليس فيه مشاركة .واعلموا ان الحكومة الغير الشرعية هي التي تتحمل المسؤولية الكاملة عن كل مصائبنا في البلد ,هي معنية بغلاء المعيشة وهي المعنية بالتدهور الاقتصادي بالانهيار السياسي وبالمشكلة الأمنية وهذه الحكومة الغير الشرعية تتحمل كاملة عن كل مصائب البلد .واذا أرادت ان تحل المشكلة فنحن نمد اليد على الشراكة ولا حل من غير شراكة ولو تدخل الأمريكيون وبعض العرب .
لقد أصبح للبنان شخصية مستقلة ومميزة يستطيع معها ان يرفض وان يقبل ويستطيع معها ان لا يكون ساحة للآخرين يعبثون بها ,لبنان المقاومة هو لبنان الصمود والتصدي والإباء والعزة ولبنان في المقاومة هو لبنان الساحة الذي لا يملك شخصية ولا يملك دورا" بعد ان لمسنا بأيدينا ومن خلال رؤيتنا المباشرة ما تحقق للبنان من انتصارات وعزة وعظمة لن نتراجع الى الوراء ,لقد اثبت لبنان مكانته بمقاومته عندما استطاع ان يوقف مشروع الشرق الأوسط الجديد من بوابة لبنان .لبنان لا يمكن ان يكون لا اليوم ولا في المستقبل بوابة للشرق الأوسط الجديد ما دام فيه مقاومة وستبقى هذه المقاومة ان شاء الله تعالى .
وتساءل الشيخ قاسم لماذا يسيئون الى نبي الإسلام محمد (ص) وهو خاتم الأنبياء في الوقت الذي لا يناقشون فيه لا أطروحاته ولا قناعاته ولا يناقشون مضمون الإسلام العظيم بل يأتون بالرسوم ويعملون لإنشاء القصص والأفلام التي تسبب الإساءة والشتائم بعيدا" عن اي نقاش عقلي او علمي رزين.ونحن ندعو الدول الأوروبية ان تكون جادة في مواجهة هذا الاعتداء على المسلمين ومقدساتهم من خلال الإساءة للنبي (ص)بمعاقبة أولائك المعتدين على حريات الآخرين وعلى عقائد الآخرين .وكذلك ندعو مجلس الأمن وهذه مسؤولية الدول الإسلامية ان تضغط في هذا الاتجاه لإصدار تشريعات تمنع الإساءة للرسل والأنبياء .