محاضرات

الدنيا دار بلاء / الكلمة الكاملة التي ألقاها في الليلة الرابعة من ليالي عاشوراء 1435هـ في ثانوية شاهد في 7/11/2013

الدنيا دار بلاء

الدنيا دار بلاء

بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الخلق مولانا وحبيبنا وقائدنا أبي القاسم محمد(ص)، وعلى آل بيته الطيبين الطاهرين.
السلام على الحسين، وعلى علي بن الحسين، وعلى أولاد الحسين، وعلى أصحاب الحسين، السلام على الثلة الطاهرة التي قدَّمت للإسلام في كربلاء، فسددت مسيرة الحق، ونورت دروب المؤمنين عبر التاريخ، والسلام عليكم أيها السادة العلماء والأخوة والأخوات ورحمة الله وبركاته.
في أجواء كربلاء وعندما برز القوم في معسكر الانحراف مع يزيد تبين أن الدنيا قد أخذت مأخذاً كبيراً عنده، فهذا راغبٌ للمنصب، وذاك يريد معاشه، وثالثٌ يبحث عن الغنيمة، ورابعٌ يعتقد أن حياته تطول في معسكر الانحراف، والجامع بين معسكر ابن زياد هو حب الدنيا والتعلق بها، فوصفهم إمامنا الحسين(ع) فقال: "الناس عبيد الدنيا، والدين لعقٌ على ألسنتهم، يحوطونه ما درت معايشهم، وإذا محصوا بالبلاء قلَّ الديانون"، ما دامت الصلاة لا تكلف شيئاً فلتكن الصلاة، وما دامت الطاعة لله تعالى لا تنعكس لا تضحية ولا موقفاً ولا سجناً ولا عناءاً ولا بلاءاً فلتكن بصورتها الظاهرية التي لا تكلف شيئاً، هناك من يلتزم بظواهر الإسلام، الصلاة والصوم والحج، فيلتزموا بالأمور السهلة التي يمكن أن يقوموا بها طالما أنها عادية لا تكلفهم شيئاً، ولكن عندما يتعلق الأمر بالتضحية والقتال في سبيل الله تعالى، وبالالتفات إلى الضوابط الشرعية التي يمكن أن تُخسر المال لأنك تريد أن تعطيه إلى صاحب الحق، وبإمكانك أن تتسلط عليه، في مثل هذه الأمور ينكشف المؤمن من غير المؤمن.
في الواقع البلاء الأساس في النظرة إلى الدنيا، كيف ينظر الإنسان إلى الدنيا؟ لن نقول كما يقول البعض هذه الدنيا ملعونة ويجب أن نتخلص منها كيفما كان، لا، لأن الدنيا لها وظيفة ودور، ولن نقول أن هذه الدنيا هي فرصة كبيرة يجب استغلاله بالملذات ولو كانت محرمة، أيضاً هذا خطأ وانحراف، علينا أن نفهم طبيعة الدنيا، ولماذا خلقها الله تعالى وخلقنا فيها، وما هي أدوارنا في هذه الدنيا؟ وما تعني بالنسبة إلينا؟ من أجل أن نتعامل معها بحسبها. والإنسان الذي يعرف الحقيقة ينجح، لأنه يعرف البداية ويعرف النهاية.
هذه الدنيا هي دار بلاء واختبار وامتحان، ليست نهاية المطاف بالنسبة للإنسان، وإنما هي فترة زمنية قصيرة محدودة ينتقل الإنسان بعدها إلى عالم البرزخ، ثم بعد ذلك يُحاسب في يوم القيامة فيخلد في الجنة أو في النار. إذاً هذه الدنيا هي مرحلة زمنية مؤقتة علينا أن نفهم كيف نتعاطى معها لنربحها ونربح الآخرة، وهذه الدنيا لا نريد أن نخسرها لأنها هي المسرح ومكان العمل، ولكن علينا أن نعرف كيف نتعاطى معها. قال تعالى: " إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَّهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً"، هذا اختبار ليرى في نهاية المطاف من ينجح ومن يسقط في هذه الدنيا فيأخذ المكافأة أو العقاب في يوم القيامة، فضلاً عن الآثار التي تنتج في هذه الدنيا.
إذاً هذه الدنيا دار اختبار وبلاء، كيف نتعاطى مع شؤونها؟ رب العالمين بيَّن لنا أمراً هاماً إذا التفتنا إليه عشنا الراحة في هذه الدنيا في التعاطي مع هذه الشؤون التي نصل من خلال تعاطينا معها إلى مكافأة الله تعالى في يوم القيامة، قال: "زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاء وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللّهُ عِندَهُ حُسْنُ الْمَآبِ"، قال تعالى: أيها الإنسان ما الذي تراه أمامك في الدنيا؟ وهذه الأمر الثمانية التي ذكرها الله تعالى وكل ما يمكن أن يكون موجوداً أمامنا، مال وذهب وسكن، وطعام وشراب، زواج وأولاد، هذه الأمور التي نُبتلى بها في حياتنا الدنيا، يقول تعالى: زين للناس حب الشهوات، لأن حب الشهوات فيها زينة مغرية تُبرز لك شكلاً جذاباً، فالتفت أن لا نقع في الإغراء المحرم الذي يجعلك تسقط في ها الامتحان وهذا الاختبار، ماذا نفعل؟ هل لا نأكل، ولا نشرب، طبعاً لا، ولكن كلْ من حلال الله تعالى وامتنع عن حرامه، وتزوج ولكن ابتعد عن الزنا، وليكن عندك أولاد ولكن أحسن تربيتهم وخذ بأيديهم إلى طاعة الله تعالى، وليكن عندك مال ولكن احصل عليه بالحلال واصرفه بالحلال فلا تحصل عليه بالحرام ولا تصرفه في حرام، فطالما أنك تتبع الضوابط الشرعية فلا مشكلة في ذلك، وعندما تحصل على مالٍ تصرف منه ويبقى منه معك ادفع خمسه في آخر السنة، يعني الأمور التي تجذبنا وهي زينة لنا في الحياة الدنيا، علينا أن نحسن التعاطي معها وأن لا ننجذب إليها إنجذاباً يسقطنا في الشهوات والملذات المرحمة فنخسر في هذه الاختبار. بمعنى آخر، أنت لست محروماً من شيء، ولكن المطلوب منك أن تتبع ضوابط معينة، وهذه الضوابط هي التي تنجح معها، وهذه الضوابط هي التي تريحك في الدنيا وفي الآخرة، ونحن علينا أن نعرف بأن هذه الدنيا مسرح.
أمير المؤمنين علي(ع) يقول: " إِنَّ الدُّنْيَا دَارُ فَنَاءٍ وعَنَاءٍ وغِيَرٍ وعِبَرٍ"، أي أن الدنيا تفنى ولا تبقى "كل من عليها فان"، وفيها العناء والتعب وكل شيء نحصل عليه بصعوبة لأنها دار الاختبار والابتلاء فلا بدَّ أن يكون فيها التعب، وتتغير فيها الأمور وتتبدل ولا يبقى الأمر على حاله، وفيها عبر، فترى الإنسان الصالح ما الذي يجناه، والطالح ما الذي جناه، ما الذي حصل مع المؤمنين وما الذي حصل مع الكافرين، كيف انتصرت مسيرة الإيمان وكيف انكسرت مسيرة الكفر، وكيف أهلك الله تعالى الفاسدين عبر التاريخ، كلها عبر موجودة على المستوى الأمة وعلى مستوى الأفراد، حتى في الحياة الشخصية أنت تعتبر من أهلك وجيرانك. لا تعطوا الدنيا أكثر من حجمها، فهذه الدنيا دار فناء وعناء وغير وعبر، فإذا تعاملنا معها كذلك حاولنا أن نستفيد بما نأخذه منها لمصلحة ربحنا ومكاسبنا في الآخرة. فإذا أراد أحد أن يقوم بمقارنة بين ما يربحه في الدنيا وما يربحه في الآخرة لا يوجد نسبة في الأصل، فالدنيا هي لمحة أمام الآخرة.
الإمام الصادق(ع) روى لنا قصة تبين قيمة الدنيا، يقول: "في حوار داوود(ع) مع النبي حزقيل العابد سائلاً إياه: هل هممت بخطيئة؟ قال: لا. فهل دخلك العجب بما أنت فيه من العبادة؟ قال:لا. قال: فهل ركنت إلى الدنيا فأحببت أن تأخذ شهوتها ولذتها.
   قال: ربما عرض بقلبي, فأدخلُ الشعب واعتبر بما فيه: سريرٌ وعليه جمجمة ولوحة كتب عليها: أنا أروى بن سلم ملكت ألف سنة... وكان آخر أمري: أن صار التراب فراشي، والحجارة وسادتي، والحيات والديدان جيراني, فمن رآني فلا يغتر بالدنيا". فلماذا يتكالب الإنسان على الدنيا؟ ولماذا لا ينتبه للضوابط التي رسمها رب العالمين فكلها لمصلحة الإنسان.
 اليوم يضعون برامج تلفزيونية: كيف يصبح وزنك مثالياً؟ والعالم منشغلة بهه الأمور (بين أكل الخس والبندورة والخبز المتنوع، والبيض...) يحرم نفسه من طعام لذيذ من أجل أن يحافظ على وزنه وشكله، الله تعالى لا يعذبنا: يقول يوجد حلال وحرام، اعملوا بالحلال وابتعدوا عن الحرام ولا تسرفوا وكان بين ذلك قواما، وقم بالاعتدال في الحياة تجد نفسك على أحسن ما يمكن على المستوى النفسي والعملي والجسدي والمستقبلي وفي الدنيا وفي الآخرة وتربح الدنيا والآخرة، فالمسألة بحاجة إلى قرار وتصميم وتوكل على الله تعالى.
 "نوح(ع) عاش 2500 سنة جاءه ملك الموت وهو في الشمس، فقال: السلام عليك. فرد عليه نوح(ع)، وقال له: ما جاء بك يا ملك الموت، فقال: جئت لأقبض روحك، فقال له: تدعني أدخل من الشمس إلى الظل؟ فقال له: نعم. فتحول نوح(ع) من الشمس إلى الظل، ثم قال: يا ملك الموت ، فكأن ما مر بي في الدنيا مثل تحولي من الشمس إلى الظل، فامض لما أمرت به. ثم قبض روحه"، 2500 سنة عمر النبي نوح(ع) كأنه ذهب من الشمس إلى الظل، ما قيمة الدنيا التي نتمسك بها؟
 أمير المؤمنين علي(ع) وصف النبي(ص) في نهج البلاغة فقال: "قَدْ حَقَّرَ الدُّنْيَا وصَغَّرَهَا - وأَهْوَنَ بِهَا وهَوَّنَهَا - وعَلِمَ أَنَّ اللَّه زَوَاهَا عَنْه اخْتِيَاراً - وبَسَطَهَا لِغَيْرِه احْتِقَاراً - فَأَعْرَضَ عَنِ الدُّنْيَا بِقَلْبِه - وأَمَاتَ ذِكْرَهَا عَنْ نَفْسِه - وأَحَبَّ أَنْ تَغِيبَ زِينَتُهَا عَنْ عَيْنِه - لِكَيْلَا يَتَّخِذَ مِنْهَا رِيَاشاً - أَوْ يَرْجُوَ فِيهَا مَقَاماً"، فلا يظنن أحد أنه إذا ملك الدنيا فهذا مقام له، لا، معنى ذلك أنه لا يستأهل إلى هذه الدنيا الحقيرة، فكان النبي(ص) ينظر إلى الدنيا نظرة حقيقية.
 نحن عندما نبرز قيمة الدنيا وحقيقتها لنعرف كيف نتعاطى معها، فنحن عندنا نقص بفهم الدنيا وكيفية التعاطي معها، ونحن نقول: لا نريد الدنيا ولكن العبرة بالسلوك، سلوكنا من الدنيا أم لا، لا يصح أن يعتمد الإنسان على الشكل الإيماني أو بعض المظاهر الإيمانية ويعتبر أنه انتهى من الدنيا، لا، سأذكر لكم عدد من الأمور كعملية فحص فيعرف الإنسان هل هو يحب الدنيا أم لا؟
 النبي(ص) كما يُنقل عنه يقول: "حب الدنيا رأس كل خطيئة"، التعلق بالدنيا والارتباط بها، يعني يعتبرها الإنسان أنها فرصته الحقيقية، هي الفرصة التي يأخذ فيها الملذات ويتمسك بهذه الملذات ولو كانت محرمة، فالمشكلة في الحرام، إذا لم تكن حراماً فلا يعد متعلق بالدنيا لأن هذه الأمور المحللة مسموحة للإنسان، بينما يجب أن يتعلق الإنسان بربه، وأن يتعلق بنبيه وأئمة أهل البيت(عم) لينقذوه من الارتباط بفناء الدنيا ليعيش نعيم الآخرة مع محمد وآل محمد(عم).
 هذا الإنسان الذي يحب الدنيا ويتعلق بها يصبح عبداً لها، فعندما نقول بأن فلان عبدٌ لله، يعني أنه يسمع لله تعالى الأوامر والنواهي ويطيعه، فمن هو عبد الدنيا؟ الذي يسمع لأوامر الدنيا ويطيع أوامر الدنيا، من هو عبد الدينار والدرهم والمال؟ هو الذي يرى هذا المال ماذا يقول له، (مثلاً: شخص وصل إليه مبلغ كبير لأن شخص ثاني أخطأ معه بالحساب، فهل يرجعه أم لا؟ فيقول أن هذه رزقة رزقه إياها رب العالمين، فأحياناً في بعض المقابلات بعض الناس الفسقة الفجرة عندما يقومون بأعمال منكرة فيقولون الحمد لله توفقنا! فهذا وفقه الله تعالى حسب قوله بهذه الرزقة والآخر لم يعرف، إذا لم يرجع المال لصاحبه فهو عبدٌ للمال لأن المال جذبه حراماً ولم يرده لصاحبه) ، (أو شخص يقوم بعمل حرام ومكسبه كثير، ونقول له اترك هذا العمل الحرام، ويبرر أن عنده أولاد ويريد أن يصرف عليهم، واضح أنه عبدٌ للمال). فأنت تسمع لأوامر المال الذي جذبك ولم تسمع لأوامر الله تعالى، فالمقارنة تأتي بالتطبيق العملي، من تحب أكثر: إذا كنت تحب الله تعالى أكثر لاستمعت لأمره وامتنعت عن الحرام ولو أتاك ما أتاك فإن الرزق من الله تعالى سيأتيك ولو بعد حين، فتحصل عليه حلالاً أو حراماً فخير لك أن تأخذه بالحلال من أن تأخذه بالحرام.
 النبي(ص) يقول: "حب الدنيا وحب الله لا يجتمعان في قلب أبدا"، فرب سائل: أنه يحب الله تعالى ويحب الدنيا، كيف ذلك، فالله تعالى يعطيك أمر والدنيا تعطيك أمر وتزين لك، الله تعالى يعطيك أمر الطاعة والدنيا تجذبك إلى المعصية، الله يعطيك الحلال والدنيا تعطيك الحرام، الله يأمر بالاستقامة والدنيا تأمرك بالضلالة، فكيف بك أن تجمع بينهما؟ فعليك أن تحسم خيارك إما مع الله تعالى وإما مع الدنيا.
 أمير المؤمنين علي(ع) يقول: "إن كنتم تحبون الله فأخرجوا من قلوبكم حب الدنيا"، لأن إذا كانت القلوب معبأة بحب الدنيا فلا يوجد مكان لحب الله تعالى، عليك أن تعزل وتنظف وتُخرج حب الدنيا وتضع حب الله تعالى مكانه، وهذا طبعاً له انعكاسه العملي والسلوك الذي يجب أن تقتدي به.
 أمير المؤمنين علي(ع) يقول: " وكَذَلِكَ مَنْ عَظُمَتِ الدُّنْيَا فِي عَيْنِه - وكَبُرَ مَوْقِعُهَا مِنْ قَلْبِه - آثَرَهَا عَلَى اللَّه تَعَالَى - فَانْقَطَعَ إِلَيْهَا وصَارَ عَبْداً لَهَا"، طبعاً الأمثلة في هذه الأمور كثيرة، فإذا أردتم أن تعرفوا الضابطة الحقيقية عبادة الله تعالى تعني الالتزام بأوامره ونواهيه، عبادة الدنيا، عبادة الشيطان، عبادة المال، عبادة الانحراف والابتعاد عن طاعة الله تعالى تعني ارتكاب المعاصي والغرف في التعلق بهذه الدنيا الفانية.
وطبعاً هذا لا يعني أننا ننبذ الدنيا، فليس المطلوب أن نترك الدنيا لأنها مسرح العمل، من هذه الدنيا تذهبون إلى جنة الله تعالى، فالله تعالى لم يخلقنا في الدنيا حتى نتمنى من الله تعالى أن يخلصنا من هذه الدنيا، لا، فأنت مخلوقٌ للاختبار والامتحان فهناك عمل عليك أن تقوم به لتدخل إلى الجنة، إما أن تقوم بعمل يدخلك إلى الجنة أو تقوم بعمل يدخلك إلى النار.
رسول الله(ص) يفصل لنا ما هو خارجٌ عن الدنيا: "ليس من حب الدنيا طلب ما يصلحك"، فالأمور التي تصلح لك أمورك فهذا ليس من حب الدنيا، وأمثلة على ذلك: تزوجت وفق شريعة الله تعالى هذا ليس من الدنيا هذا من الآخرة، أنجبت أولاد وربيتهم تربية صالحة هذا ليس من حب الدنيا وإنما من الآخرة، أكلت طعام حلال واستأنست ونمت بعدها وقمت بزيارة صلة رحم وبعدها لعبت رياضة واليوم التالي ذهبت إلى العمل وأديت ما عليك.... فلا بأس في ذلك لأن كل هذا ليس من الدنيا وإنما من الآخرة، لأن تقوم بكل هذه الأمور في طاعة الله تعالى، إذاً ما يصلحك ليس من حب الدنيا وإنما من حب الله تعالى.
لقمان الحكيم قال لابنه وهو يعظه: "بع دنياك بآخرتك تربحهما جميعا، ولا تبع آخرتك بدنياك تخسرهما جميعا"، هذه المعادلة الرائعة، فلا أحد يربح الدنيا ويخسر الآخرة، لا يوجد أحد يخسر الدنيا ويربح الآخرة، إما أن يربح الإنسان الدنيا والآخرة، وإما أن يخسر الدنيا والآخرة، فالظلمة الموجودون في العالم الذين يتربعون على عروشهم فهم لم يأخذوا الدنيا، فهم يعيشون حياتهم الخاصة، فعندهم أمراض نفسية وأمراض معقدة، ويتنافسون، وكيف يعيشون المرارات فحياتهم ليست كما يظهر لنا، هؤلاء الذين يحكمون ثم يطردون من الحكم ويزجون في السجون كما حصل مع بعض زعماء الدول العربية، لا أحد يربح الدنيا بالفساد والانحراف، لأن كلها أمراض نفسية وجسدية وأخلاقية. بينما المؤمن في الدنيا يربح الدنيا فعندما تذوق المرارات والعذابات حسب قسمة الله تعالى وتعيش حياتك كما أرادها الله تعالى، وتحضر المجالس وتعيش مع أهل الحي، ومع عائلتك الصغيرة، وتبني بيتك بالطريقة العادية الطبيعية، فيأكل مما رزقه الله وكأنه يأكل الأطايب كلها وهو سعيد جداً، فهذه السعادة ليست من الطعام وإنما من هذا القلب الطائع لله الذي استأنس بحلال الله تعالى فحوَّل هذا الطعام إلى سعادة، بينما ذاك الذي يضع كل أنواع الطعام أمام ما لذ وطاب فلا يستأنس بها. فإذاً أنت تربح الدنيا والكافر يخسر الدنيا، ثم بعد ذلك في يوم القيامة عند الحساب لا يسألك الله تعالى عن الطعام أو الشراب أو إذا كنت قوياً أم لا ولماذا أو...، إنما يسألك عن الكيفية، كيف فعلت ذلك؟ وفي صحيفة أعمالك تقول: أطعت الله تعالى وجاهدت في سبيل الله تعالى ورفعت راية محمد وآل محمد(عم)، أكلت الحلال وامتنعت عن الحرام، غضيت النظر هنا.... كلها أعمال في هذه الحياة الدنيا أعمال صالحة، فيقول رب العالمين: لأنك قمت بهذه الأعمال الصالحة فبارك الله تعالى بك فادخل إلى جنة الله تعالى خالداً فيها، فإذاً الإنسان يربح الدنيا ويربح الآخرة.
يروى عن ابن أبي يعفور يقول: قلت لأبي عبد الله (ع): إنّا لنحب الدنيا، فقال لي: تصنع بها ماذا؟ قلت: أتزوج منها وأحج وأنفق على عيالي وأنيل إخواني وأتصدق. قال لي: ليس هذا من الدنيا، هذا من الآخرة. فالحمد لله أننا نعمل ونجتمع ونتقوى ونواجه الانحراف ونرفع شعار الحق ونعمل من أجل الاستقامة ونربي على طاعة الله تعالى، هذا ليس من حب الدنيا وإنما هذا من حب الله تعالى وحب الآخرة وحب محمد وآل محمد(عم).
طبعاً كل فرد منا يقدر أن يقوم بالتطبيقات في حياتنا العملية ويقدر أن يميز تماماً بين حب الله وحب الدنيا من خلال الالتزام والاستقامة والطاعة لله تعالى، إذا أفلح الإنسان بها ربح الدنيا وربح الآخرة.