محاضرات

الحسين نموذج القدوة / الكلمة الكاملة التي ألقاها في الليلة الثانية من ليالي عاشوراء 1435هـ في مجمع سيد الشهداء (ع) - الرويس في 5/11/2013

الحسين نموذج القدوة

الحسين نموذج القدوة


بسم الله الرحمن الرحيم، السلام عليك يا أبا عبد الله، يا ابن رسول الله، وابن أمير المؤمنين، وابن فاطمة الزهراء(عها) سيدة نساء العالمين، السلام عليك وعلى الأرواح التي حلت بفنائك، عليكم مني سلام الله ما بقيت وبقي الليل والنهار، ولا جعله الله آخر العهد مني لزيارتك، والسلام عليكم يا أحبة الحسين وزينب ورحمة الله وبركاته.
في كل عام نحيي هذه الذكرى، ونعيشها متجلية في عقولنا وقلوبنا وكأنها حاضرة في هذه اللحظة، في كل عام نستعيد تاريخ كربلاء، وكأننا نتلمس معالمه من جديد فتتفتح من العبر والدروس التي تمدنا بالنور والعطاء، كربلاء ليست حادثة في التاريخ، ولو كانت كذلك لقلَّ الاهتمام بها، وضعُف مضمونها، ولكن كربلاء هي النور المتجدد الذي أراده الله تعالى مشعاً بالحياة إلى آخر الزمان، كمعلمٍ ينظر إليه المؤمنون فيهتدون بعد ضلالة، ويتعرفون بعد جهلن وينورون بعد ظلمة وظلام.
نحن لا نحيي كربلاء لأننا نريد الذكرى، نحن نحيي كربلاء لأننا نريد أن نحيا بالنور الذي انطلق من كربلاء، ولذا هي المدد والعطاء، هي نور السماء الدائم، هي الممول لقناعاتنا وأرواحنا وعواطفنا ومسارنا، وهذا ما جعل كربلاء خالدة مستمرة رغم مرور الزمن، وكأنها حادثة اليوم، وكأنها جرت بيننا ونحن نرى أحداثها ومعالمها.
لماذا كربلاء تحمل هذا المعنى، ولعلَّ البعض كان يظن دائماً أننا نحيي كربلاء من أجل أن نعبر عن أحزاننا عن الحادثة التي جرت في التاريخ، صحيحٌ أن التعبير عن الحزن أمرٌ مشروع، ولكن الهدف كبير وعظيم، نحن نستعيد كربلاء لأنها في ذاتها وجدت لتبقى، ولأنها الرمز الذي نحتاجه دائماً، ومن دون كربلاء يصعب أن يصل الإنسان إلى الاستقامة الحقة خاصة وأنه قد عصف بنا الكثير الكثير من الانحرافات والتفاسير، وكذلك يعصف بنا الكثير الكثير من التفاسير والتهويلات التي تبعد عن الحقيقة، فنرى أنفسنا دائماً بحاجة إلى كربلاء لنهتدي ونتعلم ونتنور، فكربلاء هي النور الذي يمدنا إلى يوم القيامة.
ما هو السر في كربلاء؟ السر الأساس هو شخص الإمام الحسين(ع)، هو شخص القائد، قال تعالى: " وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَاماً قَالَ وَمِن ذُرِّيَّتِي قَالَ لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ"، الدور الأساس الذي كان لأبي الأنبياء إبراهيم(ع) أنه الإمام والقائد والعلم والهادي والموجه والراسم لخطوات الطريق، إمامنا(ع) هو من هذه الطيبة، طينة الأئمة وطينة الإمامة التي تمثل القيادة الحقة، والتي تحتاجها البشرية لتهتدي. فإذا درسنا معالم شخصية الإمام الحسين(ع) وجدنا أنه إمامٌ معصوم، أي أنه لا يخطئ ولا يسهو ولا ينسى، ولا يعصي الله تعالى لا في صغيرة ولا في كبيرة، ويعمل كل ما يؤدي إلى الكمال الإنساني الراقي الذي يمثل القمة التي علينا أن نهتدي بها لنسعى إليها ونصل إلى خطوات على طريق هذه القمة.
فالإمام الحسين(ع) إمام معصوم، وهو الإنسان الكامل، والكمال هنا يعني أننا إذا أردنا أن نقيس أفكارنا وأعمالنا بمقياسٍ دقيق يُبين النسبة المئوية التي نجحنا فيها أو فشلنا علينا أن نعود إلى الإنسان الكامل، ساعتئذٍ يمكن أن تكون نسبة أحدهم 10% أو 20%، يطوِّر نفسه ببعض الإجراءات والعبادات والتربية والتعبئة والتوجيه فيرتقي بعد سنة إلى 30 أو 35% وهكذا، الإنسان الكامل يمثل المقياس، الذي نعود إليه ونسترشد به ونتعلم منه ونرى أنفسنا وموقعنا منه لنعرف موقعنا عند الله تعالى في يوم القيامة، ولنعرف مدى نجاحنا في هه الحياة الدنيا. كل واحد بحاجة إلى أن يعرف علاماته: راسب أو ناجح.
كيف نقيس أعمالنا؟ وكيف نعرف موقعنا ودرجتنا؟ نعود إلى الحسين(ع) فنرى المسافة التي تفصلنا عنه، ونعلم عند ذلك في أي مرتبة من المراتب قبل أن نصل إلى الإنسان الكامل، وهو سيد شباب أهل الجنة، كما قالها رسول الله(ص) في حياته وحياة أخيه الإمام الحسن(عما): "الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة"، يعني أنهما مضمونان بأن يدخلا إلى جنة الله تعالى لأنهما أنجزا ما عليهما في الدنيا بأعلى المراتب التي تجعلهما على حوض رسول الله(ص) في أعلى مقام في الجنة، فهما سيدا شباب أهل الجنة.
وهناك من يناقش: الحق مع الإمام الحسين أم مع يزيد؟ الإمام الحسين(ع) عجَّل في الخروج أم لم يعجل؟ يزيد أخطأ خطئاً واحد فله أجر واحد ولو أصاب لحصل على أجرين على قاعدة أن المسألة اختلاف على وجهة النظر؟! ما هذا التحليل الذي لا يقبله عقل، ولا تقبله استقامة، الحسين سيد شباب أهل الجنة، يعني أنه أدَّى أداءً كاملاً في هذه الدنيا، وبالتالي هو المرجعية، وهو المستند وهو المقياس. هو الذي رضي الله تعالى عنه، لماذا؟ لأنه حمل الدين بأبهى حلة إذاً نستطيع القول: أن الإمام الحسين(ع) هو النموذج القدوة.
النموذج القدوة في كل الجوانب: السياسية والثقافية والاجتماعية والتربوية والأخلاقية والعبادية، وفي تحديد المسار والأعمال والمواقف في هذه الدنيا، الإمام الحسين(ع) خالدٌ بخلود شريعة الله تعالى" إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ"، هذه الشريعة الكاملة إلى يوم القيامة " الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِيناً"، ولذا الإمام الحسين(ع) هو النموذج القدوة في كل زمان ومكان، فهو النموذج القدوة في كل الجوانب، وهو النموذج القدوة التي تُحاكم على أساسه كل النماذج الأخرى التي تعرض علينا، فالنموذج الذي يوافق الحسين(ع) هو نموذجٌ حسينٌ مبارك عند الله تعالى، والنموذج إلى يخالف الحسين(ع) هو نموذج منحرف أو شيطاني أو بعيد عن الله تعالى كائناً من كان ومهما أعطى لنفسه الصفات والمواقع والأقوال. فالحسين هو النموذج القدوة.
اخترت في هذه الليلة أربعة جوانب للنموذج القدوة للإمام الحسين(ع) لتكون مقاييس نعود إليها لنرى مدى اقتراباً من الحسين(ع) أي من الإسلام أي من الله تعالى ومدى ابتعادنا عن هذا النموذج القدوة، فعندما نقولك نحن مؤمنون يعني أننا نريد أن نطبق شرع الله تعالى ونريد أن نربح الدنيا بالطاعة والآخرة بالمكافأة من الله تعالى على أساس اتباع النموذج.
أولاً: الحسين(ع) هو النموذج القدوة في المحافظة على أصالة الإسلام.
يعني إذا أردت أن تعرف أصالة الفكر الإسلامي والعقيدة الإسلامية عليك أن تسمع الإمام الحسين(ع) ماذا يقول، وكيف ناقش الأفكار المختلفة، من أروع ما قاله الإمام الحسين(ع)، وقد سجله وصية مكتوبة ليأخذ بعداً استثنائياً في حياة الناس، عندما كتب إلى محمد ابن الحنفية، وكان من الممكن أن يقول له الوصية بشكل شفهي وقول، لماذا هذا ما أوصى به؟ لماذا كتابةً؟ فالكتابة عبارة عن وثيقة، والوثيقة تخلد أكثر من الكلام الشفوي الذي يمكن أن يتغير وتبدل عبر التاريخ، وقيمته غير قيمة الوثيقة، ماذا يقول في الوثيقة؟ ثلاثة أمور: "وإني لم أخرج أشراً ولا بطراً ولا مفسداً ولا ظالماً وإنما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي صلى الله عليه وآله، أريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر، وأسير بسيرة جدي وأبي علي بن أبي طالب(ع)، فمن قبلني بقبول الحق فالله أولى بالحق، ومن ردَّ عليَّ هذا، أصبر حتى يقضي الله بيني وبين القوم بالحق وهو خير الحاكمين"، وضع الإمام الحسين(ع) ثلاثة أسس فكرية عقائدية تعتبر المرجعية الأساسية للنموذج الحسيني أي نموذج الإسلام، من تنطبق عليه هذه القواعد الثلاثة يكون حسينياً محمدياً علوياً مسلماً حقيقياً كما أراد الله تعالى.
 الأولى: خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي صلى الله عليه وآله، الإصلاح في السياسة، وفي القبول بالحاكم، وفي الاهتمام بشؤون ألأمة، يعني أي مسلم على وجه الأرض عليه أن يهتم بشؤون أمته وبسياستها وبحاكمها، وأن لا يعطي البيعة إلاَّ لمن يأخذ هذه الأمة إلى درب الفلاح وإلاَّ كانت البيعة محرمة ومنحرفة وبعيدة عن طاعة الله تعالى، على هذا الحال يظهر أن على كل المسلمين أن يتدخلوا في المسألة السياسية باختيار القائد والحاكم. ماذا برر الإمام الحسين(ع) عدم بيعته ليزيد؟ قال: "ويزيد رجل فاسق، شارب الخمر، قاتل النفس المحرمة، معلن بالفسق، ومثلي لا يبايع مثله"، فالإسلام قائم على تحريم الخمر وقائم على رفض الفساد ورفض الفسق والفجور والانحراف، قائم على الاستقامة والأخلاق والطاعة والحلال والابتعاد عن الحرام، هذا الرجل بعيد عن العناوين الإسلامية، إذاً كيف أبايعه؟! لا يصح أن أي شخص قال لا إله إلاَّ الله محمد رسول الله وصاحب لحية وعمامة بايعتك قربة إلى الله تعالى أنت أميري! فأولاً عليك أن تعرف إلى أين يأخذك هذا الأمير لطاعة الله أم لطاعة أمريكا والشياطين أو لطاعته هو، هناك استقامة، ما هو سلوكه ودينه وما هي معلوماته، وما هي عقيدته، وما هي قناعاته، وهل هو مؤهل للقيادة أم لا، فالإمام قال: إنما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي رسول الله(ص)، الإصلاح في اختيار الحاكم. البعض يفسر قوله تعالى: " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأمْرِ مِنْكُمْ" فأولي الأمر منكم هم الحكام! إذا كان الحكام ظلمة، يقولون: لم يقل الله تعالى إذا كان الحكام ظلمة أو غير ذلك، الذي يعرف اللغة العربية يفهم" يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ(1) وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ(المعصوم الكامل طاعة مطلقة ومعطوفة على أولي الأمر الذين يجب أن يكونوا معصومين كعصمة النبي(ص) حتى نطيعهم طاعة مطلقة. وإلاَّ لا طاعة للعاصي ولا طاعة للمنحرف. فهل يكون أولي الأمر منكم الفاسد والظالم، وهل يكون أولي الأمر منكم يزيد وأشكاله، لا، هنا نرى النموذج المقياس الذي هو الإمام الحسين(ع)، فالإمام يقول أنا لم أبايع يزيد لأنه فاجر وكاذب ومنحرف. إذا أردت أن تكون حسينياً محمدياً مسلماً عليك أن لا تبايع ظالماً يقودك مهما كانت الأسباب تجلس في بيتك أو قم بالصبر أو تحمل التضحيات أو ادخل إلى السجن أو افعل ما تريد أن تفعل لكن لا تقل: أنت وليي، الولاية لله تعالى ولرسوله وللأئمة(عم) ولمن سار على طريقهم. وطبعاً هذا الأمر معروف في الإسلام وموجود: "قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُل لَّمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِن قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ" هناك أناس كثيرون يقولون لا إله إلاَّ الله محمد رسول الله وهم مسلمون بشكل عام، ولكن الإيمان درجة أعلى، والإيمان هو حسن الاختيار الذي يوصل إلى النبع وإلى النور، لذلك اليوم ليصبح الإنسان مسلماً يكفي أن ينطق بالشهادتين، فهل هذا هو كل الدين؟ لا، ولكن هذه بطاقة عبور وبطاقة مرور، البطاقة شيء والقلب والعقل شيء آخر، أنت تحمل بطاقة لتمر ولكن حتى تعبر إلى جنة الله تعالى تحتاج إلى عقل وقلب مملوئين بالإيمان ولا تكفيك البطاقة للوصول إلى جنة الله تعالى.
 ثانياً: أريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر، فوظيفتنا أن نأمر بالمعروف وننهى عن المنكر، الله تعالى قال: " وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ"، الإمام الخميني(قده) ينقل مجموعة من الروايات عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في تحرير الوسيلة، ويقول هذه الفريضة من أقدس الفرائض (فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر)، لأنها هي التي تقوم بعملية التغيير، وهي التي توضح المسار وهي التي تبين الحق من الباطل، يجب أن نقول هذا معروف وهذا منكر، وطبعاً بضوابطه الشرعية.
 النبي(ص) يقول: "لا تزال أمتي بخير ما أمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر وتعاونوا على البر ، فإذا لم يفعلوا ذلك نزعت منهم البركات ، وسلط بعضهم على بعض ، ولم يكن لهم ناصر في الأرض ولا في السماء"، هي فريضة عظيمة، يعني العودة إلى النموذج الحسيني الذي يعرف ضوابط الحلال والحرام بالدقة المتناهية كإنسان كامل، فإذا أردت أيها الإنسان أن تكون حسينياً عليك أن تعمل بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
 الأمر الثالث: وأسير بسيرة جدي رسول الله(ص) وأبي علي ابن أبي طالب(ع)،  يعني هنا القدوة " لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً"، علينا أن نعرف إلى سيرتهم، ونرى تصرفاتهم، كيف كانت في السلوك الفردي والاجتماعي، في العلاقة داخل الأسرة ومع الناس، في الشأن الخاص وفي الشأن العام، في الفكر والسياسة والأخلاق الفردية، وفي كل الشؤون، سلوك رسول الله(ص) سلوك متكامل لا نقدر أن نتبع أمر ونترك الباقي، فمن يقول أن الإسلام هو أخلاق، نقول: الأخلاق في الإسلام، أو الإسلام هو الدولة، مهلاً الدولة في الإسلام، الإسلام هو المقاومة، أيضاً مهلاً المقاومة في الإسلام يعني جزء، والأخلاق جزء والدولة جزء من الإسلام والعبادة جزء، كلها أجزاء تعطينا في نهاية المطاف رسول الله(ع) وأئمة أهل البيت(عم).
 إذاً في النموذج الحسيني لدينا النموذج في الفكر وفي القناعة وفي العقيدة، من أراد أن يعرف صوابية اتجاهه وصوابية مواقفه الفكرية والسياسية والعقائدية عليه أن يلتزم بالقواعد الثلاثة لثورة الإمام الحسين(ع): الإصلاح نحو الاستقامة، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والسير بسيرة محمد وأئمة أهل البيت(عم). فمن نجح في هذه الثلاثة يكون مقتدياً بنموذج الإمام الحسين(ع) وإلاَّ هو بعيدٌ عن الحسين ولو بكاه، وهو بعيد عن الحسين ولو أعلن حبه له، وهو بعيد عن الحسين مهما قال عنه، إلاَّ أن يقتدي بالحسين القدوة النموذج ويعيد النظر بأفكاره وقناعاته التي يجب أن يسلكها.
 أحد العلماء قال مقالة لطيفة، وهي بمثابة آلة فحص، قال: ميزة الإسلام أنه ما كذب أحدٌ على الإسلام إلاَّ وانكشف، وما تستر أحدٌ بالإسلام إلاَّ انفضح، وما حاول بعضٌ أن يفسر خلاف ما أراد الله إلاَّ انكشف أمام الملأ، لأن الإسلام طهرٌ ونور لا يحمله إلاَّ طاهرٌ وحاملٌ للنور أما الآخرون مفضوحون ومكشوفون أمام الناس.
 اليوم لو سألتم شخصاً أجنبياً لا يعرف من الإسلام شيئاً، وقلت له سنقدم لك نماذج عن الإسلام، وقدم له النموذج الطيب الطاهر لحزب الله المقاومة الإسلامية في لبنان بالأخلاق الدمثة، والنموذج الراقي، وقدمت له نماذج أخرى يُقال عنها أنها تكفيرية أو مجاهدة أو غير ذلك، مباشرة يبعد عن تلك النماذج الغريبة، أما أنت فيقول: أفكارك معقولة، فالنور يخرج منك والظلام الدامس يحيط بالآخرين، ولا ظلام مع الإسلام، ولا نور إلاَّ في الإسلام.
  الجانب الثاني: الإمام الحسين هو القدوة في الجهاد.
 حتى الجهاد بحاجة إلى قدوة، الله تعالى عندما قرر الجهاد قال: الجهاد في سبيل الله، نحن لا يوجد عندنا جهاد ابتدائي في سبيل الأرض، أو في سبيل المكاسب، أو في سبيل المغانم، أو في سبيل الانتصار على الآخرين، أولاً في سبيل الله وبعد ذلك تكون كل الأمور في داخل سبيل الله تعالى، يعني أحرر الأرض في سبيل الله، تأتي الأرض تحت سبيل الله، فسبيل الله الاستقامة، هل يصح أن تكون الأرض محتلة؟ لا، هذا خلاف الاستقامة، إذاً من أجل الاستقامة اذهب لتحرر الأرض، فأنت تقاتل لتحرر الأرض في سبيل الله تعالى، لأن التحرير استقامة في سبيل الله تعالى، وإلاَّ شخص يريد أن يحرر الأرض وهو يقول أنه في سبيل الله ولكن الحقيقة أنه موظف وبانتظار راتبه آخر الشهر، هذا ليس في سبيل الله تعالى، فالترجمة العملية التي علمنا إياها الإمام الحسين(ع) الجهاد في سبيل الله هو لمصلحة الأمة، والجهاد ركن أساسي في داخل الدين يعول عليه في حماية هذه المسيرة الإلهية إلى يوم الدين، الجهاد هو الذي يحفظ لنا مصلحة الأمة، الجهاد هو الذي يبقي التعاليم حية، الجهاد هو الذي يمنع الأعداء من الإساءة، الجهاد هو الذي يمهد لصاحب العصر والزمان(أرواحنا لتراب مقدمه الفداء)، الجهاد يعيد لنا الحقوق ويعيد لنا الأرض، ويعيد لنا الكرامة والعزة، هذا هو الجهاد في سبيل الله تعالى، هذا الجهاد له أخلاقية وهو قتل وقتل "فيقتلون ويُقتلون"، مع ذلك انظروا إلى الميزة عند المجاهدين في سبيل الله تعالى، فأنت لا تستطيع أن تقاتل في سبيل الله من دون ضوابط، ما هي تلك الضوابط؟ هناك نماذج من الحسين(ع) : عندما جاء الحر الرياحي ليجعجع بعسكر الإمام الحسين(ع) جانباً في اتجاه كربلاء، زهير ابن القين طرح فكرة على الإمام الحسين(ع): "يا ابن رسول الله، إن قتال هؤلاء الساعة أهون علينا من قتال من يأتينا من بعدهم، فلعمري ليأتينا بعدهم ما لا قِبَل لنا به. فأجابه الحسين(ع):ما كنت لأبدأهم بالقتال".
 هناك أخلاقية في الجهاد، هؤلاء مسلمون ضالون ومنحرفون سأعطيهم فكرة وأعرض عليهم الحقائق والإسلام، فكل حركتي التي أقوم بها هي من أجل إقامة الإسلام وتعريف الناس على دين الله تعالى، فكيف أعرفهم بقتلهم! أعرفهم على عظمة الإسلام فإن قبلوا ربحوا وأن لا فخسروا، ولكني أقوم بواجبي قربة إلى الله تعالى، هذه هي أخلاقية الإسلام.
 كلكم تعرفون في السيرة الحسينية أن الإمام الحسين(ع) قبل أن يصل إلى كربلاء، جمع كرباً من الماء، فسأله أصحابه لما هذه الماء الكثيرة؟ قال: نحن نجمع الماء لمن يأتي عطشاناً، شرَّب المعسكر الآخر لأنه لا يجوز منع الماء، بينما المعسكر الآخر منع الماء عن الحسين(ع) وأهل بيته وأصحابه، طبيعي لأن هذه هي أخلاقية الإسلام ونموذج في الجهاد.
 الإمام الحسين(ع) بيديه أشرب شخص اسمه طعان المحاربي، من كثرة عطش المحاربي لم يعرف كيف يمسك الكربة ويشرب، فشربه الإمام الحسين وسيكون الخصم القادم ولكن في النهاية لم تبدأ المعركة ومن واجب الإمام(ع) أن يقدم له الماء.
 أمير المؤمنين علي(ع) يقول: "لا تقاتلوهم حتى يبدؤوكم، فإنكم  بحمد الله على حجة، وترككم إياهم حتى يبدؤوكم حجة أخرى لكم عليهم، فإذا كانت الهزيمة بإذن الله فلا تقتلوا مدبراً، ولا تصيبوا مُعوِراً، ولا تجهزوا على جريح، ولا تَهِيجوا النساء بأذى"، هذه هي أخلاقية الجهاد، نحن اليوم نرى شيء اسمه جهاد في سبيل الله تعالى منتشر في العالم الإسلامي، أين هذا الجهاد من الجهاد في سبيل الله تعالى عندما يكون هناك بقر بطون وقتل بريء ومحاسبة جميع الناس من دون استثناء إلاَّ أنفسهم، هذا ليس جهاداً في سبيل الله تعالى، فيقتلون الناس حتى يكونوا مؤمنين، فالله تعالى لو أراد أن تكون البشرية جمعاء مؤمنة لجعلها كذلك، والله تعالى لم يكلف أحد ليقوم بالناس حتى يكونوا مؤمنين بالقوة، فلو عرضتم ما عندكم على أهل الأرض كافة لما وافقكم عليها أحد لأن لا علاقة لها لا بدين الله ولا بالإسلام، هذا ما تفعلونه هو عمل من عمل الشيطان فاجتنبوه، فهذا ليس الجهاد، إنما الجهاد هو عبارة عن عمل نبيل، الجهاد عمل أخلاقي، فعندما تقاتل أعداء الله تعالى تقاتلهم لأنهم ظلمة حتى يتوقفوا عن الظلم، فما ذنب النساء والأطفال!
 الإمام الحسين(ع) أعطانا منهج في كيفية الجهاد في سبيل الله تعالى، دفع أهل بيته وأصحابه وكل ما يملك، ولكنه التزم بالضوابط الشرعية، أعطاهم الفرص وتحدث معهم، وقال لهم كل ما يمكن أن يعظهم به، فعندما بدأوا بالقتال د عليهم بالقتال، يذكرنا هذا بالتعبير الذي قاله رسول الله(ص) في الطائف عندما عذبوه وأدميت قدماه، توجه إلى الله تعالى قائلاً: "إن لم يكن بك عليَّ غضبٌ فلا أبالي، لك العتبى حتى ترضى، ولا حول ولا قوة إلاَّ بالله العلي العظيم".
 ثالثاً: القدوة في المعنويات، في المسألة الروحية، من دون صلاة وصوم وعبادات نحن لا نساوي شيئاً، وهذا الإسلام لا يقوم إلاَّ بالعبادات التي تقرب من الله تعالى، فالصلاة صلة بالله تعالى، والصوم هو صوم عن المعاصي والمحرمات والمحللات لتجريد للإرادة من أجل أن نتقرب من الله تعالى، العبادات هي التي تُنشئ الحالة الروحية والحالة المعنوية والنفسية مع الله تعالى، فكلما تقرب الإنسان من الله تعالى كلما كان أقوى.
 الإمام الحسين(ع) عندما قرر أن يخرج من المدينة إلى مكة المكرمة، ذهب إلى قبر رسول الله(ص) فدعا وبث شجونه، ثم استمر في الصلاة ركعات كثيرة قربة إلى الله تعالى ليتزود من هذه الصلة شحنة إضافية لهذا المسير الطويل في سبيل الله تعالى، أنتم تعرفون ليلة عاشوراء، كان مقرر أن تبدأ المعركة في التاسع من شهر محرم الحرام وليس في العاشر من محرم، ولكن طلب الإمام الحسين(ع) من أخيه العباس: "ارجع إليهم فإن استطعت أن تؤخرهم إلى غد وتدفعهم عند العشية لعلنا نصلي لربنا الليلة وندعوه ونستغفره فهو يعلم أني قد كنت أحب الصلاة له وتلاوة كتابه وكثرة الدعاء والاستغفار"، يريد أن يؤجل المعركة حتى يعيش مع الله تعالى لحظات خاصة يتزود فيها لما بقي من حياته. هذه الحالة المعنوية أمر مطلوب، النموذج الحسيني نموذج عابد وساجد ومطيع لله تعالى، وكلنا نتكلم عن إمام من الأئمة(عم) فنقول كان عابداً ومصلياً وداعياً لله تعالى، الإمام زين العابدين(ع) لُقب بزين العابدين لكثرة عبادته وهو معصوم، فحتى المعصوم يتزود وهذه هي الزاد الأساسية له.
 النبي(ص) كان يصلي صلاة الليل واجبة، وهي بالنسبة لنا مستحبة، ولكن الثقل العظيم لرسول الله(ص) بحاجة إلى نوع من الصلة مع الله تعالى،فكلما ذاق الإنسان المؤمن نتيجة صلواته وعبادته حلاوة العبادة كلما تعمق بالعبادة أكثر. النموذج هذا هو النموذج القدوة الذي يجب أن نقتدي به.
 النموذج الرابع والأخير في هذا الحديث: النموذج القدوة في السلوك، السلوك اليومي، والسلوك مع الناس، السلوك مع الأعداء، نعم هناك سلوك إسلامي خاص، من هنا أقول لكم على الطريقة اللبنانية لا ........، أن نكون مثل غيرنا بعيدٌ عنهم، أو كما يسبونا نسبهم، لا، يسبونا ونحن نسكت فتضرب بنا ونرجع إليهم، فنحن لا نخسر إذا كنا أصحاب أخلاق عالية، البعض يقول أنهم يأكلون إذا كانت أخلاقنا عالية، لا أبداً، الأخلاق العالية هي التي ترفع، والأخلاق العالية هي التي تنجح، والأخلاق العالية هي الكلمة الطيبة التي تثبت في الأرض وتصعد إلى السماء، وهي التي تنجح في الدنيا وفي الآخرة، لذلك قال تعالى لرسول(ص): "وإنك لعلى خلقٍ عظيم" ولو لم يكن الرسول(ص) على خلق عظيم لما قال له رب العالمين ذلك وإنما هي شهادة من الله تعالى لرسول الكريم(ص).
 الإمام الحسين(ع) بكربلاء قال للناس: "أيها الناس إذا كرهتموني، فدعوني انصرف عنكم إلى مأمني من الأرض".
 يقول الإمام الحسين(ع) في دعاء عرفة: "عميت عينٌ لا تراه عليها رقيبة وخسرت صفقة عبدٍ لم تجعل له من حبك نصيباً".
 المقصود بالسلوك الأخلاق الفردية والأخلاق الاجتماعية، مقصود الأعمال التي يقوم بها الإنسان(الشرب والطعام، والنزهات،الخ..)كل هذه الأمور هي سلوك، فمن يريد أن يكون بنموذج الإمام الحسين(ع)يجب أن يكون عنده سلوك مستقيمة. في الحديث الشريف: "إن الحسين مصباح الهدي وسفينة النجاة".
 إذا لاحظتم معي اليوم كيف أن الإمام الحسين(ع) يتخطى الذكرى ليكون المعلم العلم، هو النموذج القدوة، وهو المقياس، أي جماعة أو أي فرد، أي عالم أي بلد، إذا أرادوا أن يعلموا مدى قربهم من الإسلام عليهم أن يحددوا مدى قربهم من شخصية وأداء الإمام الحسين(ع)،  وهذه لكل المسلمين لأن كل المسلمين لهم علاقة بالإمام الحسين(ع).
 يقول الإمام الحسين(ع) عندما خرج من مكة: "لا محيص عن يوم خط بالقلم، رضى الله رضانا أهل البيت"، فماذا نريد بعد أكثر من هذه التوضيحات للأمة لتتعرف ولتتعلم.
 الخلاصة: الإمام الحسين(ع) هو النموذج القدوة، فكره الحق، وتضحيته في سبيل الله تعالى، وهو عابدٌ وعاشقٌ لله تعالى، وسلوكه مكارم الأخلاق. من أراد أن يحيي ذكر الحسين(ع) عليه أن يحيي ذكر النموذج في عقله وقلبه وسيرته في الحياة بكل أشكالها، عندها نعم يكون حسينياً.
 ليس كل من رفع شعار الإسلام يمثله، ولا كل من رفع شعار الجهاد يجاهد في سبيل الله، فالعبرة بالسلوك والنتائج العملية. فإذا كانت النتائج مجبولة بالسماحة والأخلاقية والعزة والإنسانية فهي من الإسلام وتعبِّر عنه، وإذا كانت مجبولة بالأذية والقتل والظلم والانحراف مهما كانت تسميتها فهي بعيدة تماماً عن الإسلام.
 لدينا نموذج المقاومة الإسلامية، نعم نحن نفتخر أن المقاومة الإسلامية نموذج على درب النموذج الحسيني، لماذا؟ لأن هدفها تحرير الأرض من الظلم والعدوان وإعزاز الإنسان ومكانته في منطقته، وقدَّمت سلوكاً نموذجياً عام التحرير، عندما لم تلاحق العملاء ولم تقتلهم، ولم تنشئ محاكم ثورية لتثبت أن المقاومة الوحيدة في العالم التي لم تقتل أخصامها عندما انتصرت هي المقاومة الإسلامية، أما باقي المقاومات في التاريخ كلهم هي التي قتلت كل من عاداها وخالفها، وإنما تصرفت المقاومة الإسلامية بهذه الطريقة إنسجاماً مع أخلاقية الإسلام بأن لا نقتل كيفما كان، وإنما نقتل عدواً يهجم علينا أو يحتل فنطرده من الاحتلال، فإذا وقع في الأسر أو كان هارباً أو ما شابه ذلك فلا نقتله وهذا ما فعلته المقاومة في لبنان.
 لدينا نموذج المقاومة الإسلامية، نعم نحن نفتخر أن المقاومة الإسلامية نموذج على درب النموذج الحسيني، لماذا؟ لأن هدفها تحرير الأرض من الظلم والعدوان وإعزاز الإنسان ومكانته في منطقته، وقدَّمت سلوكاً نموذجياً عام التحرير، عندما لم تلاحق العملاء ولم تقتلهم، ولم تنشئ محاكم ثورية لتثبت أن المقاومة الوحيدة في العالم التي لم تقتل أخصامها عندما انتصرت هي المقاومة الإسلامية، أما باقي المقاومات في التاريخ كلهم هي التي قتلت كل من عاداها وخالفها، وإنما تصرفت المقاومة الإسلامية بهذه الطريقة إنسجاماً مع أخلاقية الإسلام بأن لا نقتل كيفما كان، وإنما نقتل عدواً يهجم علينا أو يحتل فنطرده من الاحتلال، فإذا وقع في الأسر أو كان هارباً أو ما شابه ذلك فلا نقتله وهذا ما فعلته المقاومة في لبنان.
 هذه المقاومة التي وأدت الفتنة حيثما أطلت برأسها، وبكل فترة زمنية نئد الفتنة رغم أن من يشعلها لا يتوقف عن إشعالها، ولا أحد يضع لنفسه مكتسبات أنه يؤد الفتنة فنحن نعرف من يوئدها ومن يشعلها، نحن نئدها لأننا مقتنعون أن أصحاب الفتنة هم أصحاب إبليس أما نحن فمع الله تعالى ولا يمكن أن نقبل بالفتنة.
 هذه المقاومة لطالما قالت: نحن متمسكون بالحوار والشراكة والوحدة والتعاون، نريد بناء الدولة القوية في لبنان مع شركائنا، ونريد تعاوناً عربياً لمواجهة المشروع الصهيوني، ونريد تعاوناً إسلامياً دولياً لمواجهة الهيمنة الاستكبارية على شعوبنا ومقدراتنا.
 من يحرص على المسلمين وبلدانهم واستقلالهم لا يصدر الفتاوى التي فيها القتل لكل من خالفه، ولا يمثل بالأحياء والأموات تمثيلاً بشعاً لا يرتضيه الإسلام لا من قريب ولا من بعيد، من يحرص على المسلمين لا يضع أهدافاً تؤدي غلى الدمار والتقاتل، ولطالما سمعنا أهدافاً يذكرها بعض المسؤولين ثم يردفونها بالدعوة إلى الاستقرار والأمن وهم لأهدافهم يشعلون البلد خراباً ودماراً فيكون ما يدعونه مخالف تماماً لما يضعونه من أهداف.
 سأكون واضحاً أمامكم: من يرفض الشراكة ويحرض على الفتنة المذهبية أو الطائفية، ويستعين بالأجنبية ليغير المعادلة في داخل البلد، ولا يعترف بميزان التمثيل الشعبي الحقيقي هو الذي يدفع إلى عدم الاستقرار والخراب مهما كانت شعاراته، هذه الشعارات أهدافها خاطئة وتوصل إلى النتائج المدمرة، ومن يفتعل مشكلة سنية شيعية أو مشكلة إيمان والتكفير أو مشكلة المسلمين والمسيحيين يخدم إسرائيل علم أو لم يعلم.
 فلنصوب نحو الهدف الحقيقي نحو إسرائيل بسبب المشاكل التداعيات في منطقتنا، وليكن الحسين(ع) النموذج القدوة قولاً وعملاً في العقل والقلب والسلوك.