محاضرات

"لا تتبعوا خطوات الشيطان" / المحاضرة التي ألقاها في تحويطة الغدير في الليلة الثامنة من محرم الحرام 1428 هـــ

السلام على الحسين، وعلى علي بن الحسين، وعلى أولاد الحسين، وعلى أصحاب الحسين، وعلى الشهداء في كربلاء وفي كل موقع من مواقع الإسلام منذ آدم إلى قيام يوم الدين، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

حدثنا رب العالمين، عن قصة في جنة هي غير جنة الخلد، التي أوجد الله تعالى آدم وحواء، وجاءهما الشيطان فأزلهما وأخرجهما من هذا المكان المؤقت إلى الدنيا التي نعيش فيها، والتي حصل التناسل بين البشر عليها، قال تعالى في كتابه العزيز في تفصيله لما حصل:" فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ وَقُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الأرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ "

السلام على الحسين، وعلى علي بن الحسين، وعلى أولاد الحسين، وعلى أصحاب الحسين، وعلى الشهداء في كربلاء وفي كل موقع من مواقع الإسلام منذ آدم إلى قيام يوم الدين، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

حدثنا رب العالمين، عن قصة في جنة هي غير جنة الخلد، التي أوجد الله تعالى آدم وحواء، وجاءهما الشيطان فأزلهما وأخرجهما من هذا المكان المؤقت إلى الدنيا التي نعيش فيها، والتي حصل التناسل بين البشر عليها، قال تعالى في كتابه العزيز في تفصيله لما حصل:" فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ وَقُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الأرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ "، للوهلة الأولى عندما يسمع المرء كلمة عدو يتصور أن الله تعالى أوجد وأراد العداوة بيننا بهذه الدنيا، لكن في الواقع أن الله تعالى كان يشرح طبيعة الإنسان، يمكن للإنسان أن يكون عدواً لأخيه، ويمكن للإنسان أن يكون أخاً لأخيه، هذا تابع للإيمان أو للإنحراف، تابع للإيمان أو للكفر، ولأن طبيعة الدنيا وطبيعة العمل من الممكن أن يكون فيها العمل الصالح ويمكن أن يكون فيها العمل الفاسد، وعندما أخرج الله تعالى آدم وحواء من الجنة المؤقتة التي فيها التكاليف والمسؤوليات، قالوا:اهبطوا بعضكم لبعض عدو، يعني أنه يمكن أن يحصل بينكم عداوة، يمكن أن يحصل بينكم مشاكل، يمكن أن يتسبب الانحراف لمآسي وصعوبات وعقبات، لا يعني هذا أن كل الناس أعداء لكل الناس، لكن هذا يعني أن هذه الدنيا ليست داراً للاستقرار، لذلك استعمل العبارة بعد ذلك في الآية الكريمة:" وَلَكُمْ فِي الأرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ "، فالمكوث فيها بشكل مؤقت، لا أحد يبني أنه في هذه الدنيا خالد، وأنه سيحصل فيها على كل ما يريد ويراكم ما يريد، وينجز كل أهدافه ، لا يستطيع أن يحقق في هذه الدنيا إلاَّ القليل، لأنها مؤقتة ولأن متاعها إلى حين، فالمتاع الحقيقي عند الله تعالى" وَاللهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ ".

على هذا الأساس علينا أن يتقبل وجود الصراع على الأرض بين الإيمان والكفر، فعندما تتعب نفسية الإنسان ويعيش حالة من المرارة والألم وبلاء شديد كما قال القرآن الكريم:"زلزلوا " ففي بعض الحالات يشعر الواحد بأن الأرض تتزلزل، وقلبه وكيانه يتزلزل من مشاهد الانحراف والفساد ويتمنى أن تنقلب الأرض على من فيها ليتخلص من الانحراف والفساد، لكن الله تعالى أراد لنا أن نتقبل هذا الواقع، نتقبل أنه يوجد إيمان وانحراف على الأرض، يوجد استقامة وفساد، لا يجب أن نضوج من الفساد ويدب فينا اليأس لا، إنما يدفعنا هذا الأمر للتمسك بالصلاح من أجل أن ننطلق من المستقر المؤقت إلى المستقر الدائم، فمهما كانت الصعوبات كثيرة وكبيرة فجب أن تكونوا جديرون بالمقام الأعلى عند الله تعالى ، لأنه عندما يكون الامتحان كبير تكون المكافأة كبيرة، وأصحاب الامتحانات الصغيرة مكافأتهم صغيرة، فإنشاء الله تكونون من أصحاب الامتحانات الكبرى وأصحاب المقامات العليا، الأنبياء(ع) أشد بلاءاً ثم الأوصياء ثم الأمثل فالأمثل، لماذا؟ فالنبي شخصية عظيمة وقيادية ورقم واحد بين الناس وفي الأمة والبشرية، لن يستحق هذا المقام العظيم إلاَّ لأنه ابتلي بلاءات عظيمة ونجح في الابتلاءات وبقي يرفع شعار "لا إله إلاَّ الله" .

إذاً يجب أن نتقبل أن هذه الدنيا دار ابتلاء، وأن نلتفت إلى تنبيه الله تعالى لنا، في أنه يوجد خيار للشيطان وله تفريعاته، ويجب أن لا نتبع خطوات الشيطان، قال تعالى:" يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَنْ يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَوْلاَ فَضْلُ اللهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَداً وَلَكِنَّ اللهَ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ"، فعندما لا تتبعون خطوات الشيطان وهذا يعني أنها رحمة الله من الله تعالى في أن هداكم ويسر لكم أمركم، وعلينا أن نقدم الشكر لله تعالى ليل نهار أن جعلنا من أتباع محمد وآل محمد(ص)، يجب أن نقدم الطاعة وأن نقدم كل الوفاء لله تعالى لأنه أكرمنا بالصلاح وأن نمضي دنيانا ونحن في حالة استقامة ولا نتبع خطوات الشيطان، فالإيمان نعمة كبرى من الله تعالى، ولا أحد ينظر إلى المال وإلى الشكل والمقومات الجسدية وبعض المكتسبات الدنيوية، كل هذه الأمور تفاصيل فالكسب الأول والربح الأول لأي واحدٍ منا هو أن يكون مؤمن بالله تعالى، فإذا كان مؤمن لا يضره إذا كان جميلاً أم قبيحاً، غنياً كان أو فقيراً، قوياً كان أو ضعيفاً، مُبتلاً كان أو في حالة رخاء لأنه مع الله تعالى كل هذه الأمور تسير وفق القواعد والضوابط التي أمرنا بها الله تعالى، وهذا هو الفوز الحقيقي.

إذاً لا تتبعوا خطوات الشيطان، لأن الشيطان يأمر بالفحشاء والمنكر، خطوات الشيطان هي كل انحراف، صغيراً كان أم كبيراً، خطوات الشيطان هي كل فساد، خطوات الشيطان هي كل ابتعاد عن دين الله تعالى، خطوات الشيطان هي أن نكون موالين لغير الموالين لأولياء الله تعالى، كل هذه خطوات الشيطان، فالشيطان لن يمسك شخص بيده ويلزمه ويربطه، فعمل الشيطان هو الضرب على الدف وهنا يأتي دورك إمَّا أن ترقص وإما أن تمنع وتجابه وترفض، فلا أحد يقول لا أستطيع أن أفعل شيئاً، لا، كلنا نستطيع فعل أي شيء، فالشاب يستطيع أن يصلي الصلوات الخمس، ويستطيع أن لا يسرق ، ويستطيع أن لا يرتكب المحرم إيماناً بالله تعالى، والأخت التي تستطيع أن تلبس الحجاب على الرغم من كل الدعايات التي تدعوها إلى إبراز جمالها وأن لا تخسر هذه الدنيا الدنيوية، وتصر على الإيمان والطاعة لله تعالى ، هؤلاء بإمكانهم أن يثبتوا وأن لا يتبعوا خطوات الشيطان، فلا نقدر أن نقول أن شخص لا يستطيع أن يتبع خطوات الشيطان.

على هذا الأساس كيف يمد الله تعالى الناس في هذه الدنيا، هناك ميزة في الإسلام وعندما يقول الآخرون أننا صادقون وأننا نتكلم بصراحة، أننا واضحون، هذا ما تعلَّمناه من القرآن الكريم ومن رسول الله(ص) والأئمة(عم)، الذين يحدثوننا بالحقائق ولا يجعلون الأمور ملتبسة علينا، في هذه الدنيا الله تعالى يقول: أيها الإنسان إذا كنت مؤمناً أو كنت كافراً فأنا سأعطيك هذه الحياة ولن أحرمك، المؤمن يأخذ ويزداد إيماناً، والكافر يأخذ ويزداد كفراً، فلا تقول أن الله تعالى يعطي هنا ولا يعطي هناك فالله تعالى مقسم الأمور، وهو يريد أن يعطي الجميع لأن هذه الدنيا ليست دار حساب إنما هي دار عملن فالقرآن الكريم يقول:" مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلاَهَا مَذْمُوماً مَدْحُوراً"، من يريد الدنيا نعطيه الدنيا، لكن نعطيه بقدر، ولذلك تجد أن هناك فقيراً كافراً وغني كافر، وليس كل غني كافر وكل فقير كافر، لا فالله تعالى يعطي بمقدار، فترى الكافرين غير متساوين بالعطاء الإلهي، والامتحان الإلهي، وكذلك المؤمنين، " وَمَنْ أَرَادَ الآَخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُوراً "، فهذا أمر تابع لاختيار الإنسان والله تعالى يمد الجميع ،" كُلاً نُمِدُّ هَؤُلاَءِ وَهَؤُلاَءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُوراً "، الله تعالى يمد الجميع على قاعدة أن العطاء الدنيوي هو للبلاء والاختبار والامتحان وليس هو نهاية المطاف.

من هذا المدخل نستطيع أن نفهم الذي حصل مع الإمام الحسين، فالإمام الحسين(ع) يمثل الوصاية ، الإمامة، النبوة، يمثل هذا الخط المستقيم، يزيد يمثل الكفر، الانحراف، الشيطان، الله تعالى أعطى الإمام الحسين(ع) ما أعطاه، وأعطى يزيد ما أعطاه، ثم عندما حصلت المعركة في كربلاء والتي كانت نتيجة رفض الإمام الحسين(ع) في أن يبايع يزيد ويعطيه الشرعية، استشهد الإمام الحسين(ع) في عمل بطولي رائع، إنما ننظر إليه كنجاح لسعي الإمام الحسين(ع) لإثبات شريعة الله المقدسة، وننظر إلى يزيد أنه انكسر في معركته لأنه واجه الإمام الحسين(ع) المعصوم، وأن الربح المادي الذي حصل عليه وأنه أخذه بنتيجة المعركة هو مددٌ إلهي له يدخله إلى جهنم في يوم القيامة على أساس أن خياره كان خياراً فاسداً ومنحرفاً وبعيداً عن الله تعالى.

لذلك عندما نتكلم عن الإمام الحسين(ع) نقول أنه انتصر، فالبعض يقول : الإمام الحسين استشهد وكيف تقولون أنه انتصر؟ نعم انتصر، ودليلنا على هذا إلى الآن من 10 محرم سنة 61 للهجرة ونحن في سنة 1428 للهجرة، وذكر الإمام الحسين(ع) وقيادته، ورمزيته، وتربيته، وأخلاقه، وشحنه المعنوي في الأمة، ومكانته ودوره وكأنه حييٌ بيننا، هو مات بجسده ولكن تعاليمه وكل هذا الزخم الذي تمثل به ما زال مستمراً في الأمة وسيستمر إلى يوم القيامة إن شاء الله تعالى.

فهذا انتصار وليس انكساراً، أمَّا يزيد فلعنات الله تعالى نزلت عليه، وملكه كان محدوداً ، وسمعته في التاريخ سيئة جداً، وحسابه يوم القيامة إلى جهنم وبئس المصير، وأين الربح؟ فمن يضحك أخيراً يضحك كثيراً، "إنما الأعمال بخواتيمها" ، فلا يجب أن يتطلع الواحد إلى النتائج الآنية، فالله تعالى يقول"كل نمد هؤلاء وهؤلاء من عطاء ربك". اسمعوا السيدة زينب(عها) هذه العالمة الرائعة، وإن شاء الله تعالى كل أخواتنا وكل السيدات يكن على هذا المستوى وعلى الأقل كل واحدة تعبر بقدرها ، وعندنا نماذج زينبية رائعة جداً برزت في معركتنا ضد العدو الإسرائيلي وهذا من تربية زينب الحسينية التي علمتنا عبر التاريخ، ماذا قالت زينب(عها): دخلت على يزيد في الشام، ويزيد هو خليفة المسلمين وقتها وهو الخط الأول، الحاكم، يزيد هو الذي أمر بقتل أخيها ومن معه، يزيد في حالة تشفي وانتقام وكبرياء، وقفت السيدة زينب(عها) في مجلس يزيد تقول له:"فكد كيدك واسعَ سعيك، وناصب جهدك، فوالله لا تمحو ذكرنا، ولا تميت وحينا، ولا تدرك أبدنا"، فلا تظن أنك في هذا الموقف ستربح، لا، المهم استطال الذكر، من الذي سيستمر ذكره، ذكر الإمام الحسين(ع)، أما ذكرك فلن يبقى، "ولا تدحض عنك عارها، وهل رأيك إلاَّ فند، وأيامك إلاَّ عدد"، فكل هؤلاء الذين جمعتهم سيذهبون ولن يبقى منهم أحداً،"يوم ينادي المناد: ألا لعنة الله على الظالمين"، هذا كلام منتصر أم كلام منكسر؟ طبعاً كلام منتصر ، كلام يحمل معنويات كبيرة في طاعة الله، تقف مفتخرة أن أخاه الحسين(ع) لم تهزه قدرة يزيد لأنها تعتقد ويعتقد أنه مع الله يكون أكبر وأقدر وأنه يلبي مشروعية نداء الإسلام. ثم قالت السيدة زينب(عها): "الحمد لله رب العالمين الذي ختم لأولنا بالسعادة والمغفرة، ولآخرنا بالشهادة والرحمة، ونسأل الله تعالى أن يكمل لهم الثواب ويوجب لهم المزيد، ويُحسن علينا الخلافة، إنه رحيم ودود ، حسبنا الله ونعم الوكيل".