بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الخلق مولانا وحبيبنا وقائدنا أبي القاسم محمد وعلى آل بيته الطيبين الطاهرين وصحبه الأبرار المنتجبين، السلام عليكم أيها السادة العلماء أيها الحفل الكريم ورحمة الله وبركاته.
الحج قصدٌ، والقصد هدفُ، والحج إلى بيت الله قصدٌ إلى بيت الله الحرام، وهناك طوافٌ حول الكعبة الشريفة، حول مركز العطاء الإلهي للبشرية جمعاء حول توحيد الخالق جل وعلا، ولا قيمة لحج بلا قصد، ولا لحركة من دون هدف، هذا أولاً.
ثانياً الحج قيام، قال تعالى في كتابع العزيز: " جَعَلَ اللهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ قِيَاماً لِلنَّاسِ" والقيام باعثٌ للحركة والتغيير وإعلاء كلمة الإسلام، فما لم يكن هناك قيام فالقصد مختل، والوصول إلى بيت الله الحرام معطل، أما إذا تحقق القيام فالحركة نحو العلى، أي نحو الأفضل، والقيام في كل مفردة من مفردات العبادات عندنا حاضر ومربطون به، قال تعالى: "حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاَةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا للهِ قَانِتِينَ"، لأن قيامكم بقنوتكم يحقق هدف الوصول إلى الحركة نحو الأفضل، ولا يكفي أن يكون القيام مفرداً، كونوا جماعة إضافة إلى قيامكم بأنفسكم " قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُمْ بِوَاحِدَةٍ أَنْ تَقُومُوا للهِ مَثْنَى وَفُرَادَى" عندها يتحقق الانتقال نحو القصد إلى الله تعالى.
وثالثاً الحج اجتماع في وقت واحد وزمان واحد وشعائر واحدة، لإزالة الفوارق الخاصة بين الناس، لإزالة الفوارق في اللباس، والمقامات، والوعي، والمكانة، والأدوار التي يقوم بها الناس في حياتهم العادية، لماذا إلغاء هذه الفوارق؟ ليكون الاجتماع متكافئاً كي يشعر الجميع أنهم بحاجة إلى بعضهم البعض، فالفرق إن وجدَ متممٌ للقدرة والقوة والاجتماع، وليس سبباً للإمرة أو التسلط أو الاستئثار، هذه الشعائر التي يقيمها الحاج تعبر عن الهدف، بحيث تكون قيمة للإنسان بمقدار اقترابه من الهدف، فمن وصل في شعائره إلى القيام وإلى القصد إلى الله، حقَّق من خلال الشعائر حجاً عظيماً، أما من بقي في إطار الحشود فقد خسر خسراناً كثيراً.
رابعاً الحج توحيد، وإخلاص ومحور حركة الحجيج أن يعملوا لإقامة الدين وتشييد معالم الإسلام، ففي حديث الزهراء(عها) في خطبتها: "جعل الله الحج تشييداً للدين"، والتشييد للدين إقامته على حقائقه التي تحقق الجمع والقصد والقوة والدور، وبهذا نحن بحاجة إلى توعية الناس على هذه الأبعاد العظيمة للحج في إخلاص لله تعالى لينعكس في حياتنا.
خامساً: الحج براءة من المشركين، وهذه الرؤية هي التي برزها الإمام الخميني(قده) بعد أن حاول الكثيرون طمس معالمها عبر التاريخ، وحضور الإمام(رض) ودوره ودور ثورة إيران الإسلام أوجدوا صحوة إسلامية واسعة وفعالة، أصبحت قابلة لاستيعاب المعاني الواسعة للحج، وبذلك استطاع الحج من خلال البراءة من المشركين أن يبرِزَ دور تحديد الأعداء المركزيين الذين يجب أن تتوجه ضدهم هذه الأمة، وهم المستكبرون بأعمالهم وتسلطهم ومشاريعهم وعدوانهم على ديننا وأجيالنا وأوطاننا.
قال الإمام الخميني(قده): " إعلان البراءة في الحج، تجديد البيعة على الكفاح، وتمرين لتكتل المجاهدين لمواصلة مقارعة الكفر والشرك، ولا يختصر ذلك على الشعار فقط بل هو تمهيدٌ لإماطة اللثام عن نفاق الكفاح ورص صفوف جيوش الله تعالى حيال جنود إبليس وأنصاره، ويعد من البيان الرئيسة للتوحيد، فإن لم يظهر المسلمون البراءة من أعداء الله في بيت الناس وبيت الله تعالى فأين يفعلون ذلك؟ وإن لم يكن الحرم والكعبة والمسجد والمحراب خندقاً وسنداً لجند الله والمدافعين عن حرم وحرمة الأنبياء، فأين يكون مأمنهم وملاذهم؟ قال تعالى: " وَأَذَانٌ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الأكْبَرِ أَنَّ اللهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ".
هذه التعاليم التي تنبض بالحياة توجهنا إلى مفردتين كبيرتين ستعرض لهما بعد هذه الصورة الإجمالية، بعد عظمة القيام والقصد وإحياء الشعائر والإخلاص لله تعالى في إطار براءة من المشركين.
الأمر الأول يتعلق بالبراءة من المشركين، واليوم تمثل أمريكا المشرك الأول والأخطر على مستوى العالم، وهي تعبث بمقدرات العالم لمصالحها، وتزرع الفتن بين المسلمين، وتتدخل في أنظمة الحكم، وتدعم إسرائيل الغاصبة بلا حساب، أمريكا تستنزف أموال الخليج للتسلح، وتمويل اعتداءاتها ومؤيدي سياساتها من دون أن تنعكس هذه الأموال خيرات على شعوب هذه المنطقة التي هي أحوج ما تكون إليها.
أمريكا خطرٌ كبير على الحراك العربي، الذي برز فيما اصطلح عليه بالربيع العربي، وتحاول أن تصوغ أنظمته الجديدة لإطفاء الصحوة الإسلامية والحيوية التي برزت من خلال هذه الشعوب الحرة التي انتفضت على مستبديها وعلى ظلمتها وهم صنائع هذا الاستكبار الأمريكي الذي حماهم طويلاً وحرم الشعوب من الخيرات الكثيرة.
أمريكا مكشوفة في عدوانها على العراق وسوريا ولبنان وفلسطين وإيران والبحرين واليمن ومصر وتونس، وعلى كل بلد من بلداننا بأساليب مختلفة، أمريكا تحاول أن تحرف نتائج الحراك العربي من أجل أن تستبد بأساليب جديدة، وهذا ما يلقي مسؤولية كبرى على قادة هذا الحراك من أجل أن يلتفتوا وينتبهوا فيكون التوجه الأساس لحماية هذا النتاج العظيم الذي أسقط المستبدين.
مسؤوليتنا أن نعرف ونُعرِّف ونمانع ونعمل بمشروعنا، لسنا بحاجة لدروس الديمقراطية وحقوق الإنسان التي تشكل اليوم غطاءاً استعمارياً جديداً وتدليساً على الشعوب وتمريراً للأفكار الهدامة، نحن نعلم أن أمريكا ظالمة بأفعالها ولا تصلح نموذجاً أو قدوة، وهي ساقطة في عيون الأحرار الذين يرونها على حقيقتها.
ثانياً: لا بدَّ أن نؤكد مراراً وتكراراً في كل يوم على الوحدة الإسلامية "وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعاً وَلاَ تَفَرَّقُوا"، ولا أرى أن المسلمين يعيشون حالة اختلاف مذهبي كما يحاول البعض أن يدعي أو أن يصور أو أن يفرز الأمور بطريقة إعلامية سيئة، الخلافات اليوم التي تبرز على الساحة هي خلافات سياسية بلبوس مذهبي، أي أن البعض يحاول أن يمتطي هذا الخلاف ليستغل مشاعر المستضعفين من المسلمين، ويستمد منهم ذخيرة لخدمته ومشروعه للإضرار بوحدة المسلمين وواقعهم، دلوني على موقف واحد في كل العالم الإسلامي بطوله وعرضه برزت فيه حركة إسلامية تطرح رؤية مذهبية تتعارض مع رؤية مذهبية لحركة أخرى، نحن لا نرى هذا ولا نسمع نقاشاً لا عن الآيات ولا عن الروايات، إنما نرى أعوان أمريكا في خندق، ومناصرو المقاومة في خندق آخر، ومن دون هذا التصنيف لا يوجد فرق بين السنة والشيعة على امتداد كل العالم الإسلامي، وبالتالي من كان مع أمريكا راجعوا سجله، هم مع أمريكا وإسرائيل والفتنة والقتل على الهوية ومنع الوحدة بين المسلمين، ومن كان مع المقاومة هو مع تحرير فلسطين كامل فلسطين من البحر إلى النهر، وهو مع الوحدة الإسلامية، ومع إيران والسعودية وسوريا ولبنان ومع كل مسلم أكان سنياً أم شيعياً، يصلي الصلاة الواحدة ويحج الحج الواحد، ويصوم الصوم الواحد، معطياً لله تعالى إخلاصه بعيداً عن اللصوص الذين يحاولون أن يسرقوا هذه العبادات ليختبؤا وراءها في إطار فتنة مذهبية طخياء عمياء.
ولكن في هذا الوقت بالذات أقول لكم ما اعتبره بشارة، أن حجم الضغوطات التي تمارس باسم الفتنة المذهبية كبيرٌ جداً جداً ما يؤشر على أن جماعة الوحدة الإسلامية أقوياء وصامدون ولذا يكيدون لهم صباحاً ومساء، ولكننا نسجد لله صباحاً ومساء فتبقى الوحدة بوجوهكم النيرة أنتم الذين اجتمعتم الآن لتكونوا مع الحج إلى الله تعالى، ومن حج إلى الله حج إلى الوحدة الإسلامية ورفعها شعاراً وعملاً، وثار مع أخيه المسلم ضد أعداء الله مع المقاومة وضد أمريكا للوصول إلى الخيرات الكبيرة التي يعطينا إياها الحج.
أختم بقولي: نحن في لبنان نسمع كثيراً عن إثارات فتنوية، ولكن في الوقت نفسه يوجد شرفاء عظماء خيرون، يعملون ليل نهار لمنع الفتنة أن تطل برأسها ولو على حسابهم، ولولا هؤلاء المخلصون لكانت الفتنة انتشرت لا بسبب الخلاف المذهبي، لأنه لا يوجد خلاف مذهبي يؤدي إلى فتنة، وإنما بسبب الخلاف السياسي الذي يلبس اللبوس المذهبي بتمويل أجنبي عربي، وبتآمر أمريكي إسرائيلي.
نحن نحذر من اللعب بمقدرات البلاد في لبنان بحجة حماية المذهب أو الطائفة، لأننا اليوم في مركب واحد، وعلينا أن نتكاتف لنحمل ونحمي هذا المركب معاً، وبالتالي نحن ندعو إلى أسرع معالجة للخلافات التي يحاول البعض أن يوجدها بين المخيمات والجيش اللبناني، أو بين أهلنا في الشمال والجيش اللبناني، على قاعدة أن الجيش اللبناني هو ضمانة الاستقرار، ومحل إجماع الجميع لمصلحة الانضباط والأمن والاستقرار السياسي، فلا مصلحة لأحد أن يثير خلافات جانبية إما بالتآمر وإما بالتدحرج، لذا نحن ندعو إلى التعقل، وندعو إلى الاهتمام بالقضايا التي تهم الناس وخاصة القضايا الاجتماعية، وكفى مزايدات وتحريض في الإعلام، أيها المحرضون الذين تثيرون الغرائز المذهبية والطائفية أنتم دعاة شؤم والناس تراكم كذلك فاتقوا الله تعالى في البلاد والعباد، واعلموا أننا سنبقى وحدويين ولو كره الكافرون ولو كره المنافقون، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.