ما أريد التأكيد عليه هو أن الانتخابات أفرزت توازناً سياسياً دقيقاً بين الأغلبية النيابية والأقلية النيابية إلى درجة لا تستطيع أي فئة من الفئتين أن تتجاوز الفئة الأخرى في موضوع الشراكة والتعاون والوفاق لمصلحة لبنان، وهذا التوازن هو استمرار للتوازن الذي كان قبل الانتخابات النيابية وبظروف سياسية مشابهة محلياً وإقليمياً ودولياً، لذا ما كنا نقوله قبل أشهر بأن لا متغيرات سياسية في البلد مهما كانت نتائج الانتخابات، يتأكد اليوم أكثر فأكثر أنه لا يوجد هناك متغيرات بالاتجاه والمسار السياسي العام، علينا اليوم أثناء تشكيل الحكومة أن نستفيد من التجارب السابقة، ونميز بين تجربة نجحت في الاستقرار وهي التجربة الأخيرة بعد اتفاق الدوحة، وتجربة فشلت في الاستقرار وسببت الفوضى والتوتر السياسي، وهي التي تميزت بالاستفراد والعزل ومحاولة السيطرة غير المتوازنة وغير الموضوعية، وعلى من يريد تشكيل هذه الحكومة أن يأخذ بعين الاعتبار التجربة الناجحة والاستفادة منها بالطريقة المناسبة والتفاصيل المناسبة.
أعتبر أن الفرصة سانحة ومتاحة لتوافق فاعل في حكومة وحدة وطنية، وأيدي العابثين الذين لا يريدون الحل مغلولة الآن وليسوا قادرين، وتسمعون بعض التصريحات من المتضررين من الوفاق لكنها ستذهب في الهواء لأن السيطرة هي للعنوان الوفاقي، وفي الواقع يجب أن ننظر إلى ما يحيط بنا، الإسرائيلي يشكل خطراً كبيراً ويحاول أن يتدخل في شؤوننا سياسياً وبكل المعايير عندما يتحدث نتنياهو عن موقفه بسبب احتمال دخول حزب الله إلى الحكومة هذا يعني أنه يريد أن يتدخل في المسار السياسي في داخل البلد، وهنا لا بدَّ من الإشادة بموقف رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة المكلف بأنَّ الرد على إسرائيل أن لا محل لها ولا قدرة لها على التأثير في العمل الوفاقي في الداخل اللبناني، ولا إمكانية لإسرائيل لأن تصنع سياساتنا، ولا نسمح لها، هذه مواقف إيجابية مع المواقف الأخرى التي تساعد تشكيل حكومة الوحدة الوطنية.
نحن نأمل أن نُبقي العين مفتوحة على الخطر الإسرائيلي، في مسألة شبكات التجسس، وفي مسألة الخروقات الإسرائيلية وفي التآمر الدائم على لبنان، ويجب أن نطالب كل مسؤول أجنبي ومجلس الأمن بإدانة إسرائيل يومياً ومواجهتها وبفرض عقوبات عليها لأنها تخرق القرار 1701، وأيضاً تعتدي على لبنان، والآن المشكلة الكبرى هي أن إسرائيل تريد تحويل القضية الفلسطينية من قضية أرض إلى قضية توقيف التوسع في المستوطنات لثلاثة أشهر، يعني أن هذه محاولة للإجهاز على القضية الفلسطينية ومسؤوليتنا جميعاً أن نكون منتبهين.
إذا حصل الوفاق في حكومة الوحدة الوطنية وبالصيغة الملائمة إن شاء الله تعالى، ستكون الحكومة أمام موضوع واحد أساسي في لبنان وهو الموضوع الاجتماعي الاقتصادي، الذي له علاقة بحياة الناس وشؤونهم وقضايا الكهرباء والماء والبنزين وما شابه، ويجب إعادة النظر في سعر صفيحة البنزين وما تأخذه الدولة من ضريبة، ويجب محاسبة المسؤولين عن قطع الكهرباء بطريقة عشوائية ومضرة للناس، يجب البحث عمن يقطع الماء عن أفواه الناس، فهذه الأمور يجب أن تتابع بإلحاح وتتحمل الحكومة مسؤوليتها قبل أي شيء آخر، علينا أن نصب اهتمامنا على القضايا الاجتماعية السياسية الداخلية الخاصة ، ولا نبقى في إطار الأحاديث السياسية العامة التي تصل إلى الأقاليم والدول بعيداً عن شؤوننا وقضايانا في لبنان.
هنا لا بدَّ أن ندين ما حدث في بيروت من أحداث أمنية مستنكرة ومنبوذة، وندعو إلى محاسبة المسؤولين ووضع حد لهذا الفلتان الذي يؤثر على واقعنا على لبنان، ونحن بحاجة إلى كل استقرار بكل المعايير وبكل معاني المواقف والكلمات.