ومما جاء فيها:
لقد خضنا انتخابات نيابية صعبة ومعقدة، حتى قيل أن هذه الانتخابات انتخابات كونية ضد المعارضة في لبنان، لم يبقَ أحد في العالم من أمريكا إلى إسرائيل إلى العرب وكثير من الذين تدخلوا، إلا وحاولوا التأثير على هذه الانتخابات كي لا تأخذ المعارضة الأغلبية النيابية. نحن كمعارضة قلنا أننا لم نستطع أن نأخذ الأغلبية النيابية، وخسرنا ما توقعناه من أن نحصل على الأغلبية، لكننا حافظنا على عدد مقاعد المعارضة التي هي 57 مقعد نيابي، وخرجنا أعزاء لأن مستوى التصويت والصمود وتحقيق الهدف بأن نبقى موجودين في الساحة قد تحقق بعون الله تعالى، وتصرفت المعارضة مع نتائج الانتخابات بأخلاقية وحضارة، حتى أن كل العالم اندهش كيف أن المعارضة لم تصل إلى الأغلبية النيابية ومع ذلك قبلت النتيجة، وإذا كان عندها اعتراضات ستُعطيها للمجلس الدستوري وستسلك الطريق القانوني. أنا أعتقد أن هذه المعارضة اللبنانية هي من أشرف المعارضات الموجودة على وجه الأرض، لأنها قدمت نموذجاً في الحماس للانتخابات وفي قبول النتائج مهما كانت، على قاعدة أننا قمنا بما علينا والتوفيق على الله تعالى، ولكن لا بدَّ أن أبيِّن مسألة هامة هي أن الأكثرية النيابية كانت مع جماعة 14 آذار والأقلية النيابية معنا، لكن الفرق ليس كبيراً، فبضعة نواب كان يمكن أن يعطوا الأكثرية للمعارضة، في المقابل المعارضة حصدت الأكثرية الشعبية بلا منازع، حيث بلغت أصوات المعارضة في كل الدوائر حوالي 55 % من المقترعين صوتوا للمعارضة و45 % من المقترعين صوتوا لجماعة 14 آذار، يعني أن لدينا أكثرية شعبية رغم أنه ليس لدينا أكثرية نيابية، ونحن ملتزمون بالقوانين المرعية الإجراء، لكن قيمة هذه الأكثرية الشعبية أنها تُبرز وجود توازن بين المعارضة والموالاة، وعلى الموالاة عليها أن تأخذ بعين الاعتبار هذه القوى السياسية الوازنة التي تؤثر في مستقبل لبنان، من هنا أفرزت الانتخابات توازناً سياسياً دقيقاً ممَّا يؤشر على حاجة كل طرف للطرف الآخر، وبالتالي جماعة الموالاة يحتاجون للمعارضة للانطلاق بما يتَّفقون عليه، وإلا بغير الاتفاق لا يستطيعون قيادة السفينة، فالتوازن السياسي يتطلب تعاوناً ويتطلب اتفاقاً.
اليوم وجود الموالاة في الأكثرية النيابية يعني أنها تستطيع أن تبادر إلى اقتراحات وأفكار، لكنها لا تسطيع أن تتفرَّد، تستطيع الأكثرية النيابية أن تقترح لتجد سبل التوافق، لكن لا تستطيع أن تُلزم المعارضة بما تريد هي، وعلى كل حال لدينا تجربتان خلال الأربع سنوات الماضية، التجربة الأولى هي تجربة التفرد والاستئثار، وكاد البلد أن يخرب وبالتالي لم تستطع الأكثرية النيابية أن تحكم، والتجربة الثانية هي التجربة الوفاقية التي تُرجمت من خلال اتفاق الدوحة، وهذه صيغة من صيَغ التوافق التي استطاعت أن تحقِّق انجازات مهمة خلال هذه الفترة، وباعتراف رئيس الحكومة أن أكثر ما طُرح قد نُفِّذ، وكانت تجربة مهمة وبالتالي استطعنا أن نُجري انتخابات نيابية نموذجية ببركة التوافق وببركة هذا المسار. من هنا نحن ندعو إلى العمل الجدي من أجل التوافق بالصيغة الملائمة التي تمكننا من أن نكون معاً لإنقاذ هذه السفينة المشتركة.
نحن خلال فترة الانتخابات عرضنا برنامجاً سياسياً واقتصادياً واجتماعياً، ويستطيع أي فرد أو جماعة أن يراجع البرنامج الانتخابي لحزب الله، سنلتزم بهذا البرنامج بالكامل، لكن الفرق أنه لو كنا في الأغلبية النيابية لبادرنا إليه ودعونا الآخرين ليلتزموا معنا، لكن بما أننا لا نمثِّل الأغلبية النيابية فعلى الآخرين أن يطرحوا ما عندهم، لكن نحن سنقبل ما ينسجم مع هذا البرنامج الذي عرضناه، وبالتالي عندما نتحدث عن التوافق، يعني أن نبحث عن القواسم المشتركة بين برنامجنا وبرنامجهم. ليكن واضحاً، قوة لبنان أساس برنامجنا، مواجهتنا للمشروع الاسرائيلي دعامة من دعائم البرنامج، مواجهة الفساد وعدم التوازن بين المناطق وضرورة الحلول الاقتصادية الاجتماعية أجزاء ضرورية لا بدَّ أن نتابعها. نحن قلنا فيما سبق في العلاقة مع الغرب وأمريكا أننا في هذه الفترة القادمة لن نقبل أن يقولوا لنا ما يريدون فقط، بل سنقول لهم ما نريد، ولعل البعض ظنَّ أننا سنقول لهم ما نريد عندما نصبح أكثرية نيابية، كلا، ونحن أقلية نيابية سنقول لهم ما نريد، لم يتغيَّر شيء، كنا أقلية أو أكثرية فالمقاومة أساس، كنا أقلية أو أكثرية رفض الفساد أساس، كنا أقلية أو أكثرية فسنخاطب الغرب وأمريكا بما نريد وسنطالبهم ولن نقبل أن يُطالبونا وأن نتفرج عليهم ونعتذر أمامهم. أمامنا تجربة بعد نتيجة الانتخابات النيابية، زارنا السيد سولانا ممثل الاتحاد الأوروبي، وجاءت السفيرة البريطانية إلينا، والمنسق العام الممثل للأمين العام للأمم المتحدة، وسفراء عدة دول أجنبية خلال الأسبوع الذي مضى، وكلهم كانوا يسألون: ماذا عندكم؟ وما هو موقفكم؟ وكنا نسمع ما الذي يريدونه، لكن كنا نُسمعهم، قلنا لهم بشكل واضح: لماذا لا يقف الاتحاد الأوروبي ويُدين إسرائيل بسبب شبكات التجسس في لبنان؟ والطيران الذي يعتدي على لبنان؟ وبقاء الغجر وتلال كفرشوبا وشبعا تحت الاحتلال؟ وكل هذه الأمور التي ترتكبها إسرائيل، وتخالف القرار 1701 وتخالف سيادة لبنان، فلم يكن لديهم أي جواب سوى أنهم سيضغطون على إسرائيل وسينتظرون ما ستفعل أمريكا، نعم سنقول لهم دائماً ماذا فعلتم؟ فبدل أن يقولوا لنا أن الحق على المقاومة التي تدافع عن أرضها، سنقول لهم أن الحق على إسرائيل التي أنتجت المقاومة بسبب احتلالها للأرض، لا تقولوا لمن يدافع عن نفسه: لماذا تدافع؟ بل قولوا للمعتدي، إن قلتم هذا كنتم منصفين، وإن لم تقولوا هذا فنحن سنتصرف بما يجعل كرامتنا محفوظة، وما يجعل أجيالنا تفتخر أنها تنتمي إلى هذه الجماعة التي تحمي ساحتها وبلدها وسيادتها واستقلالها.
نحن ندعو جميع المسؤولين اللبنانيين أن لا يخجلوا أمام أي مسؤول أجنبي ليُطالبوه أن ماذا فعلتم بإدانة إسرائيل؟ وماذا فعلتم تجاه شبكات التجسس؟ وماذا فعلتم تجاه الاعتداءات الاسرائيلية اليومية. نحن كحزب الله التزمنا بالقرار 1701 وطبَّقناه، لكن إسرائيل لم تطبِّقه، لماذا لا يجتمع مجلس الأمن ويدين إسرائيل على عدم تطبيقها لهذا القرار؟ كان هؤلاء الأجانب الذين حدثتكم عنهم يسألوننا: هل تؤمنون بالسلام؟ قلنا لهم أننا نؤمن بالسلام الذي فيه عدالة وإنصاف، ويُعيد الحقوق إلى أصحابها، السلام بالنسبة إلينا أن تحرَّر المستوطنات وتعود إلى أهلها الفلسطينيين، السلام بالنسبة إلينا أن يسقط الجدار الفاصل العنصري، السلام بالنسبة إلينا أن يأخذ الفلسطينيون حقَّهم في العودة جميعاً إلى أرضهم الفلسطينية في أي مكان كانوا، السلام عندنا أن لا يحصل توطين في لبنان، السلام عندنا أن تعود القدس إلى أهلها، هذه هي عناوين السلام، تفضَّلوا إذا أردتم وأعيدوا الحقوق إلى أصحابها، عندها يعمُّ السلام المنطقة، أما من يريد سلاماً على طريقة نتنياهو فنحن لن نقبل ذلك لأن هذا يعني أن نُسلب كل حقنا، سمعتم خطاب نتنياهو، خطابه رسالة للعالم أجمع بأنه يريد تكريس احتلال فلسطين، وتهديد المنطقة بأصلها، لم يكن في خطابه أي إيجابية وأي خطوة إلى الأمام، هو تحدث عن مخيَّم فلسطيني كبير ولم يتحدث عن دولة فلسطينية، هو تحدث عن توطين في البلاد العربية والإسلامية ولم يتحدث عن عودة الفلسطينيين، هو تحدث عن محاولة تصفية الفلسطينيين وطردهم من أراضي الـ 48 لتكون الدولة يهودية، إذاً هذا خطاب احتلال وليس خطاب سلام وخطاب حل، آمل أن يسمع العرب جيداً، وآمل أن نكون على قدر المسؤولية. على كل حال، ما دام شعبنا يؤمن بالمقاومة في لبنان وفي فلسطين فالأمور بخير وسننتصر بإذن الله تعالى.