نحن لا ندعو إلى العصبية، ولا ندعو إلى فئوية ولا إلى طائفية، هؤلاء الذين يدعون إلى عصبية ليسوا منا ولسنا منهم، لأن العصبية مستنكرة وتدفع الإنسان إلى ارتكاب السيئات باسم الانتماء إلى القبيلة أو المذهب أو الطائفة، وهذا أمر سلبي.
وهذا الأمر نراه في ممارسات وسلوكيات بعض الجماعات في لبنان، التي تستحضر الخيار الطائفي والمذهبي من أجل إثارة النعرات من دون النظر إلى الحق، هم لا يريدون الحقيقة ولا يريدون الحق، ولا يريدون الاستقرار إلاَّ إذا كان يمر عبر إدارتهم وقيادتهم وتصرفاتهم وسلوكهم من أجل أن يسخروا هذه الأمور لمصالحهم الخاصة.
نحن اليوم في أجواء ذكرى الانتصار الإلهي الكبير الذي حققته المقاومة في لبنان من ضمن منظومة الشعب والجيش والمقاومة، خيرات المقاومة في لبنان لا تحصى لكثرها: التحرير عام 2000، الانتصار عام 2006، الحماية التي جعلت إسرائيل تقف عند حدها وتحسب ألف حساب إذا أرادت أن تعتدي على لبنان، إعمار الجنوب وعودة الأهالي إليه بعد أن كان تحت الاحتلال لسنوات طويلة، استقرار البلد السياسي الذي أدَّى إلى نهضة وحركة حيوية سياسية معينة وعمل باتجاه الاعمار أعاقته بعض النفوس المريضة، ولكن هناك استقرار نتج عن كف الأيادي الأجنبية عن لبنان، مكانة لبنان في العالم أصبحت محترمة، وبالتالي الدول تأتي إلى لبنان وتسأله ماذا يريد؟ بينما كانت في السابق تأمر لبنان بما تريد، وهذا ببركة قوتنا ومقاومتنا ومنعتنا التي تحققت في هذا البلد.
لم تعد المقاومة فكرة لنناقشها، ولم تعد مشروعاً يقبل النجاح أو السقوط، ولا خياراً من خيارات نريد أن نرى إن كنا نختارها أو لا نختارها، المقاومة اليوم أصبحت جزءاً لا يتجزأ من حاضر لبنان ومستقبله، هي جزء لا يتجزأ من كل جنين يولد على أرضٍ تقدّست بدماء الشهداء والأحرار الذين أعطوا في سبيل الله تعالى.
نحن اليوم أمام ثلاثي القوة، وثلاثي الدعائم الثابتة للبنان الحديث، الشعب نسيج الوطن، والجيش سياجه، والمقاومة قلبه النابض بالحياة، ولا يمكن الاستغناء عن أي من هذا الثلاثي لمصلحة لبنان مهما حاولوا ومهما قالوا، لأن الأدلة الموضوعية تُثبت حاجتنا إلى هذا الثلاثي لقوة ومنعة لبنان.
ألا ترون ماذا يفعل الإسرائيلي، الإسرائيلي يحتل، ويعتدي، ويستعد، ويتجهز، ويناور، ويهدد، ويخترق الحدود، ويتحدث عن الحروب، والكل يسمع ولا أحد يوجه للإسرائيلي كلمة اعتراض واحدة على المستوى الدولي وعلى مستوى بعض الجماعات الحريصة على لبنان في الداخل اللبناني.
أقول لجماعة 14 آذار: هل تخشون إزعاج إسرائيل؟ هل ترون أن إسرائيل يمكن أن تؤذيكم؟ نحن إلى جانبكم ضد إسرائيل، وصدقوا أنها لا تمس ظفراً واحداً منكم عندما نكون معاً في وطنٍ واحد يريد الاستقلال والحرية والسيادة. أم أن الأمر أبعد من الخوف، هل تريدون شيئاً آخر؟ بالله عليكم: لماذا تطالبون بالتخلي عن المقاومة، وإسرائيل تتحدث في كل يوم أنها تريد أن تهاجمنا وتقتلنا وتحتل بلدنا، لماذا تتخلون عن المقاومة وأنتم تعلمون أن عزنا وشرفنا وكرامتنا هو هذه المقاومة؟ كيف يمكن أن يتم الدفاع عن لبنان؟ عندما تطالبون بالتخلي عن المقاومة يعني أنكم تطالبون بتعرية لبنان من قوته وبرفض الدفاع عنه، والحماية له، وترك الساحة مفتوحة لإسرائيل وأمريكا ومن معهم، لعلَّ البعض يتصدر للإجابة فيقول: لكننا نريد المقاومة أن تبقى بصيغة أخرى، بأن تعطي سلاحها للجيش اللبناني وعندها يتحقق الهدف. أعلم جيداً أنكم غير مقتنعين بما تقولون ولكنكم لا تريدون المقاومة، ولعلمكم المقاومة ليست مستودعاً للأسلحة تُنقل من مكان إلى مكان إنها رؤية ومسار تكميلي للمنظومة الدفاعية، إنها روحٌ وبناء، وتربية على الجهاد والتعبئة والشهادة والعز، هي بناء إنسانٍ شريف يعيش الشرف في صميم روحه ويرفض أن تكون أرضه محتلة، هذا الأمر لا يمكن أن ينقل من مكان إلى مكان وإنما يتكامل مع الجيش والشعب والمقاومة.
أريد أن أهنيء الحكومة اللبنانية والمجلس النيابي على إنجاز قانون النفط بأمل أن تكون هناك خطوات سريعة للمراسيم التطبيقية، لنبدأ بالاستفادة من نفطنا الموعود، وقد أثبت إقرار الحكومة والمجلس النيابي لهذا القانون أن التثبيط والتشويش واستدراج الوصايات لا تصمد ولا تنفع أمام العمل الدؤوب والتصميم الحقيقي، هذه الحكومة التي أُحيطت بجملة من التصريحات والتوجهات الرافضة لأصل وجودها استطاعت أن تقول بأنها حاضرة من خلال عملها، وإن شاء الله تستمر بالعمل وتنجح أكثر فأكثر وهذا هو الرد، العمل في الحكومة هو الرد.
وهنا أدعو بكل جدية إلى إيلاء مسألة الكهرباء الاهتمام الكافي والجريء، فمهما كانت القيمة التي ستصرف على الكهرباء هي لا تساوي 1/60 مليار مما صُرف خلال الفترات الماضية، وفيها ما فيها من هدرٍ وسرقةٍ وتمييعٍ لمصالح الناس، إضافة إلى ذلك هذا أمر يدخل إلى كل بيت وإلى كل مواطن فإن لم تخدم الحكومة جميع المواطنين من تخدم إذاً وماذا تفعل؟ وبالتالي علينا أن نعالج مسألة الكهرباء لأنها اليوم كالخبز والماء بالنسبة للناس، وهي أساسية واستثمارية في آنٍ معاً إذا أحسنا الإدارة والمتابعة.
أما بالنسبة إلى سوريا، نحن مع حرية التعبير السياسي لأي طرف أراد أن يوافق أو أن يخالف ما يجري في سوريا هذا شأنه، لكن أن يُستخدم لبنان منصة للتحريض والتمويل والتسليح فهذا أمرٌ مرفوض وهو عمل ينتهك السيادة اللبنانية وليس فيه من الوطنية شيء، لأنه عبثٌ يؤدي إلى الإضرار بلبنان كما يؤدي إلى الإضرار بسوريا وهذا مخالف لدستورنا وقوانينا واتفاق الطائف وكل الأعراف التي بُني عليها الواقع اللبناني، تهريب السلاح عملٌ مؤذٍ وخطير في آنٍ معاً، نحن ندعو الحكومة اللبنانية إلى التدقيق، والأجهزة المختصة إلى ملاحقة الخارجين عن القانون والمرتكبين الذين يسيئون إلى العلاقة مع سوريا ومع الشعب السوري والحكومة السورية، ويسيئون إلى لبنان ويعملون على تخريب هذه العلاقة. بإمكان سوريا أن تعالج شؤونها بالحوار، ونحن نعتبر أن لا بديل في سوريا عن أن يتفاهم الناس مع بعضهم هناك من خلال الحوار وهذا هو الحل.
نرفض أن يُستخدم لبنان ساحة لتصفية الحسابات، وكنت أتمنى لو رأينا هذه الحرارة التي يستخدمها البعض في أجواء آب اللهاب عندما يجري الحديث عن تهويد القدس، وبناء المستوطنات، والتحرك الإسرائيلي ضد الشعب الفلسطيني، صوبوا البوصلة يا جماعة 14 آذار، صوبوا البوصلة لمصلحة الناس ولمصلحة الوطن، وإذا كان البعض يراهن على التغيير في لبنان من موقع التغيير في سوريا فهو واهم ويعيش السراب، لأن سوريا غير متجهة باتجاه ما يرغبون، وما حصل في لبنان في السنوات الخمس الماضية، أكبر بكثير من تلك الحرتقات التي يقومون بها اليوم سواءً بالتحريض الداخلي، أو بالعدوان الإسرائيلي الكبير في تموز سنة 2006، أو بحجم التدخلات الاستكبارية الأمريكية والأوروبية في شؤون لبنان، ومع ذلك حصل في لبنان ما لم يكن بحسبانهم، وكما يقولون "في ليلة ما فيها ضو قمر" أُسقطت الحكومة المدعومة من الشرق والغرب ومن كل الاتجاهات الأربعة، لأن الشعب اللبناني لم يعد راضياً عنها، فقد خرجت عن سياق الحقة، وخرجت عن نصرة سيادة لبنان واستقلاله.
لاحظوا خطابكم السياسي المتقهقر والمتراجع، أتمنى أن تقوموا بإحصاء لتعرفوا شعبيتكم أين أصبحت، وكم تراجعت، الحمد لله نحن نعمل بهدوء ونرتقي السلم درجة درجة، وهم ينزلون بسرعة فائقة وهذا شأنهم، نحن ندعوهم إلى أن يلتفتوا إلى مصلحة لبنان، مصلحة لبنان بثلاثي القوة: الجيش والشعب والمقاومة، مصلحة لبنان أن تعمل الحكومة بجدٍ وثبات لمصالح الناس، مصلحة لبنان أن لا تُثار الفتن الطائفية، مصلحة لبنان أن لا يُستخدم منصة للإطلاق على سوريا أو غير سوريا، وهذا ما سنعمل له وهذا ما سينجح إن شاء الله تعالى.