اسرائيل لن تدخل في تسوية لا مع الفلسطينيين ولا مع الأنظمة العربية، فإذا كان نتنياهو لا يقبل أن ينطق بلكمة "دولة فلسطين"، ويتحدث عن الوضع الاقتصادي للفلسطينيين وعن معالجة مشكلة الطعام والشراب للفلسطينيين ولا يقترب من الأرض إطلاقاً، يعني أنه رجع إلى الوراء أكثر من 61 سنة، فهذا مؤشر أن التسوية غير قابلة للحياة، فضلاً عن مضمون هذه التسوية التي يمكن أن تطرحها إسرائيل من موقعها المتسلط والعدواني، ولذا نحن علينا أن نُتابع في دعم المقاومة، ولعل المناورات الاسرائيلية التي ستحصل بعد أيام خير دليل على أن اسرائيل تهيِّء نفسها دائماً لحرب ما في يوم من الأيام، إسرائيل لا تهيِّء نفسها لا للسلم ولا للحل وإنما تهيِّء نفسها للحرب، ولا حلَّ مع هذا العدو إلا بالبقاء على الجهوزية الدائمة، والحمد لله مقاومتنا في جهوزية دائمة، ونأمل أن يتعظ الآخرون.
أما فيما يتعلق بالانتخابات النيابية، في الواقع أنني عندما أستمع إلى خطابات 14 آذار لا أرى طرفاً ينافسنا على برنامج إنتخابي لأني لم أسمع منهم لا حلولاً اقتصادية ولا اجتماعية ولا مواقف سياسية تنافس مواقفنا السياسية، إنما هم يواجهوننا بالتهويل بعدم قدرتنا على حكم البلد فيما لو نجحت المعارضة بالأغلبية، وأن الدول الأجنبية ترفض التعامل معنا، ويُثيرون الغرائز الطائفية والمذهبية، ويحذرون من المستقبل، إذاً كل ما نسمعه هو تخويف وتهويل وإرعاب للناس، ومحاولة تصوير المعارضة وكأنها ستوقع لبنان في مأزق، نسوا ما هم عليه كجماعة 14 آذار، نسوا أن شهاداتهم التي لم تُوزَّع لأنها غير ملائمة للتوزيع على المنابر، نسوا أنهم فشلوا في إدارة البلد وفشلوا في خياراتهم السياسية طوال أربع سنوات، دلُّوني على خيار سياسي واحد نجحوا فيه، ربطوا مصيرهم ومصير البلد بأمريكا فانهارت أمريكا من الداخل، وتفكَّكت على مستوى سيطرتها في المنطقة، راهنوا على متغيِّرات تطال المقاومة فخرجت المقاومة منتصرة بحمد الله تعالى، راهنوا على أن دولاً إقليمية ستسقط في مقابل دول إقليمية أخرى داعمة لهم، وإذ بنا نرى أن الغرب يخطب ودَّ هذه الدول الإقليمية وتصبح في الصدارة وتُحلُّ هذه المشاكل بحمد الله تعالى بين بعض الدول الإقليمية المتنازعة في ليلٍ لم يعرف أحد ما الذي تغيَّر إلا هذا المشهد العام الذي سقط فيه المشروع الأمريكي وأتباع هذا المشروع. أما في إدارة البلد، هل تراكم خمسين مليار دولار إدارة حكيمة في البلد؟ هل الفساد المستشري إدارة حكيمة؟ على الأقل يقدم الإنسان برنامج عمله على ضوء إنجازاته، فأي إنجازات مشرِّفة كانت خلال أربع سنوات في الإدارة الاجتماعية الاقتصادية؟ كلها فشل بفشل، على الأقل إذا جاء جماعة المعارضة نكون أمام تجربة جديدة، دعونا لا نتصور إنجازات غير عادية، لكن بالحد الأدنى نجرِّب جماعة المعارضة في مقابل تجربة جماعة الموالاة في الأربع سنوات الأخيرة، وكان لها تجارب سابقة على المستوى الاقتصادي منذ عام 1992. تستطيع المعارضة أن تقول أنها نجحت حتى في الأربع سنوات الأخيرة هذه، نجحت المعارضة في المقاومة وسمعة لبنان وتحرير أرض لبنان، نجحت في منع الوصاية الأمريكية، نجحت في المساهمة في الاستقرار السياسي في البلد ، نجحت في إنجاز اتفاق الدوحة، هذا كله ولم تكن هذه المعارضة أغلبية نيابية، فكيف إذا كانت أغلبية نيابية، ستكون نجاحتنا أكثر بإذن الله تعالى.
لذا أتمنى أن يطرح هذا الفريق رؤاه الواضحة بدل النكايات ومحاولة التهويل على الناس، على كل حال الدول الكبرى اليوم تتسابق الواحدة بعد الأخرى لتقول من خلال الممثلين الرسميين بأنهم سيتعاملون مع نتيجة الانتخابات النيابية، وهم يقصدون أنهم سيتعاملون مع المعارضة التي ستحصل على الأكثرية النيابية، وإلا لما قالوا أنهم سيتعاملون لو أن تصورهم كان غير ذلك، فهم يتعاملون اليوم بشكل طبيعي مع الأغلبية النيابية الحالية، لكن يقولون هذا ليطمئنونا أنهم سيقبلون بالنتيجة لأنهم بحاجة للعلاقة مع لبنان، ولا يستطيعون التخلي عن هذه العلاقة.
قلنا منذ أشهر بأن لا شيء سيمنع الانتخابات النيابية في موعدها، وقلت يومها أن المعارضة والموالاة على حدٍّ سواء يريدون الانتخابات النيابية في وقتها، لأن كلاًّ منهما يتوقع الفوز، الآن الصورة تغيَّرت قليلاً، فكل استطلاعات الرأي الموجودة عند الموالاة وليس عند المعارضة تقول بأن المعارضة ستأخذ الأكثرية النيابية، ولكن على قاعدة أن من لا يرى اسمه على لوحة الإعلان يتأمل إلى اللحظة الأخيرة أن ينجح، بهذا الأمل هم سيستمرون في السعي للانتخابات النيابية، وأما نحن فنريدها في موعدها، وعربياً ودولياً لا مفرَّ عند أحد إلا أن يقبل بإجراء الانتخابات النيابية في موعدها، لذا لا يهولنَّ أحد علينا، فإن شاء الله ستجري الانتخابات في موعدها الطبيعي وسيختار الناس من يشاؤون.
أما بالنسبة للتهدئة الإعلامية السياسية فهي لا تتمُّ إلا من الطرفين، لا يصحُّ أن تكون هناك تهدئة سياسية إعلامية من طرف واحد والطرف الآخر لا يترك فرصة إلا ويُثير الأجواء إعلامياً وسياسياً، وسأذكركم وراجعوا وسائل الإعلام، منذ الأول من نيسان 2009، يعني منذ حوالى شهر ونصر تقريباً، التصريحات التي صدرت عن قيادات 14 آذار وفي صحفهم ومقالاتهم وإخبارياتهم ووسائل إعلامهم المختلفة، كانوا يتكلمون بإثارات كبيرة وباعتداءات إعلامية لا تتوقف ليل نهار، حتى ضجَّ المناخ اللبناني بما كانوا يقومون به، هم الذين خرقوا التهدئة السياسية الإعلامية، استخدموا الهجمة المنظمة والتطاول والتضليل، وكنا نُلفت نظرهم بشكل أو بآخر من خلال بعض الاتصالات التي بيننا وبينهم، عليهم أن يعرفوا أن تصرفاتهم الخاطئة لا يمكن أن تمر من غير ضرر، وأن لكل شيء حدوداً، وبالتالي من يطرق الباب لا بدَّ أن يسمع الجواب. نحن الآن نؤكد أننا مع التهدئة الإعلامية السياسية كما ورد في اتفاق الدوحة، ولسنا من دعاة الإثارات السياسية الإعلامية، لكن عليهم أن يلتزموا ويتحملوا مسؤولياتهم، ليست المسؤولية علينا نحن فقط، كنا في التهدئة الإعلامية وحاضرون للاستمرار في هذا المنهج، ولكن لا يصحُّ أن يثيروا الأجواء، علماً أن خيارات الناس أصبحت محسومة تقريباً، فلن ينتفعوا بهذه الإثارات لتغيير العدد، فالعدد أصبح معروفاً والأرقام أصبحت محسومة.
وفي موضوع رئاسة الجمهورية، كنت أفكر أن نسجِّل براءات اختراع لجماعة 14 آذار، أول براءة اختراع لهم كانت المثالثة وسقطت ولم تكن صحيحة، براءة الاختراع الثانية ادعاؤهم بأن المعارضة تريد تقصير مدة ولاية رئيس الجمهورية، أذكرهم أنه منذ حوالى اسبوع قلت أني أتحدى جماعة 14 آذار فرداً فرداً أن يأتوني بتصريح واحد لركن من أركان المعارضة عن المثالثة، ولم يصدر أي كلام بهذا الشأن، اليوم أنا أعلن أني أتحدى جماعة 14 آذار فرداً فرداً أن يأتينا أحدهم بتصريح رسمي إعلامي لأحد من قيادات المعارضة تطالب بتقصير مدة ولاية رئاسة الجمهورية، هي همروجة ومحاولة لاختراع شيء، نعم أنا أقول لكم بكل وضوح، فهمنا أن لرئاسة الجمهورية صلاحيات محترمة بالكامل في الدستور، ونحن مع كل الصلاحيات الموجودة بحسب الدستور ولا نقبل بإنقاصها ولا بتعديها، إلا إن طلب أحد ما لاحقاً تعديلات وفق الأسس الدستورية فهذا لوقته، والأمر الثاني أن موقع رئاسة الجمهورية موقع لا يحتاج إلى جماعة 14 آذار ولا إلى المعارضة، الرئيس هو الوحيد القادر على حفظ موقع رئاسة الجمهورية تبعاً لمواقفه وأدائه، فلا يربحنَّ أحدٌ الرئيس جميلاً أنه يحشر نفسه بالرئيس، دعوا الخاسرين يبعدون عن الرئيس حتى لا يحمِّلوه مسؤولية خسائرهم، نحن نريد لموقع الرئاسة أن يبقى مشرفاً قادراً على أن يلعب الدور الأساسي لمصلحة البلد ونحن شركاء في هذا الاختيار ومقتنعون بما فعلناه. أما الزعامة المسيحية الشعبية فهي تأتي عادة عبر الانتخابات النيابية وتعبِّر عن نفسها، ولا يوجد تضارب بين الزعامات السياسية الشعبية المختلفة والمواقع الرسمية الموجودة، كل موقع له دور وكل زعيم له دور، لا أحد يأخذ من مكان أحد، المهم أن نكون واقعيين وعمليين.
أقول لجماعة 14 آذار عليكم أن تتقبلوا ما يختاره الناس، أنا أعرف أن التوتر الموجود عندهم الآن هم بسبب نتائج استطلاعات الرأي الخاصة عندهم، وقد وصلني استطلاعان للرأي عندهم، وهما يتحدثان عن أغلبية للمعارضة ولكنها يختلفان بحجم الأغلبية،لعل هذا الأمر الذي بدأ يصدر منذ اسبوعين وحتى الآن بسبب هذه النتائج، ولكن أقول لهم أن هذا لن ينفع، عليكم أن تقبلوا النتيجة وما سيختاره الناس، كما سيقبل العالم بذلك، ونعدكم مسبقاً أننا سنمد لكم أيدينا مسبقاً للمشاركة كما ترغبون المشاركة، رغبتموها بالثلث الضامن فأهلاً وسهلاً، رغبتموها بأن يشارك قسم منكم وقسم آخر لا يشارك فأهلاً وسهلاً، رغبتموها أن يعارض قسم ويشارك آخر فأهلاً وسهلاً، وإذا لم ترغبوا بالمشاركة نكون قد فعلنا ما علينا، لذلك نحن متمسكون بدعوتكم للمشاركة وتسهيل الأمور، واختاروا أنتم ما ترونه مناسباً.
وفي موضوع شبكات التجسس، فإذا كانت هذه الشبكات بهذا العدد الكبير الذي وصل إلى الآن بـ 9 شبكات خطيرة، وذلك مع هزيمة اسرائيل في لبنان سنة 2000 ومع وجود المقاومة والموقف الرسمي والشعبي الذي يعتبر أن اسرائيل عدو، هذا يعني أن اسرائيل تشكل خطراً كبيراً على لبنان. تصوروا أنه لا يوجد أجهزة أمنية مثل قوى الأمن الداخلي ومخابرات الجيش والمقاومة كمساهمة في كشف العملاء، لو أنه ليس هناك أجهزة أمنية تؤمن أن اسرائيل عدو وتعمل على هذا الكشف، ما الذي سيكون عليه الوضع في لبنان، لكنا سمعنا كل يوم اغتيال وانفجار واعتداء، ولوجدنا نتائج مُرَّة على الصعيد السياسية. شبكات التجسس ليست موجهة ضد المقاومة والمقاومين فقط، فهي موجهة ضد كل شيء في لبنان، واعترافات العملاء تدلُّ على ذلك، من مراقبة الجسور والقرى والمدارس إضافة للمقاومين ومراكز حزب الله وشخصيات المقاومة، لماذا هذا الاحصاء الشامل؟ من أجل أن تكون لدهم خيارات عندما يريدون الاعتداء، في بعض الأحيان العدو الاسرائيلي يقتل المقاوم وفي أحيان أخرى يقتل العميل أو المحايد أو المعترض على المقاومة لإيجاد فتنة في الداخل، لذلك الكل تحت الاستهداف، ولا يوجد أحد في لبنان بمنأى عن الخطر الاسرائيلي، وأكبر دليل عندما هربت إسرائيل من لبنان عام 2000 افتخرت أنها هربت بشكل مفاجئ وتركت عملاءها لمصيرهم، ومنذ حوالى اسبوع بعد اكتشاف إحدى الشبكات العميلة، سألت صحيفة اسرائيلية أحد المسؤولين الأمنيين الاسرائيليين: ماذا تقول عن كشف الشبكات؟ قال من قال لهؤلاء أن لهم حصانة فأولاً وأخيراً يمكن أن يعتقلوا، بالنسبة لهم هؤلاء العملاء بلا قيمة. من هنا يجب أن يكون واضحاً أن الجاسوس لا دين له ولا مذهب ولا تاريخ ولا عائلة ولا بلدة، الجاسوس مكانه السجن والعقاب والحظر، حتى نمنع أن تدخل إسرائيل إلينا بطرق مختلفة.
أنا أطالب بثلاثة أمور أساسية: أولاً، أطالب الحكومة اللبنانية بأن تحمل قضية التجسس والشبكات الأمنية إلى كل المحافل الدولية، إلى مجلس الأمن، إلى الدول الكبرى، من أجل المطالبة بمعاقبة إسرائيل ومواجهتها ووضع حدٍّ لها، لأن الأمر خطير جداً ويتعلق بأمن البلد وسلامته. ثانياً، على القضاء اللبناني أن يُسرع في بعض التحقيقات، وأن يُصدر أحكام إعدام بمن يستحقون الإعدام من أجل أن يكون هذا الأمر درساً لجميع من تسوِّل لهم أنفسهم أن يكونوا في هذه الدائرة. ثالثاً، لا زلنا ننتظر الأمين العام للأمم المتحدة إذا قرأ عن الشبكات التسعة أو لم يقرأ، سمع أو لم يسمع، نريد أن نسمع منه على الأقل بياناً أو موقفاً.
يوماً بعد يوم تُثبت الأدلة صحة خيار المقاومة وضرورته، لمن يسألون عن المستقبل، ولمن يتربَّصون الدوائر بهذه المقاومة، قناعتنا ازدادت أكثر فأكثر، بعد الانتصار الأول والثاني وبعد شبكات التجسس، وبعد ما نراه في هذا العالم، المقاومة أكثر من ضرورة للبنان، المقاومة واجب علينا أن نحميه ونقوِّيه ونتمسَّك به لتحرير أرضنا وإنساننا، لنصنع أرضنا وإنساننا بعيداً عن المزايدات.