اليوم نحن أمام مشهد أوجده ترامب في المنطقة وفي العالم، عندما أعلن أن القدس عاصمة الكيان الإسرائيلي، وفوجئ البعض ولكننا لم نُفاجئ، بل حمدنا الله كثيرًا أن هذا المستور الذي لطالما أخفوه عن الناس لخداعهم كشفوه فانكشف، أمريكا لم تكن يومًا أمينة، ولا نزيهة لمصلحة القضية الفلسطينية، وصورة فلسطين بنظرهم بلديتان: واحدة في غزة وواحدة في جزء من الضفة الغربية، ولا عودة ولا قدس، أي أنهم لا يرون وجودًا لفلسطين المستقبلية، بل يرون وجودًا لإسرائيل وأما فلسطين فهي عبارة عن بعض القرى والمزارع.
تسوية أمريكا هي إعطاء إسرائيلي ما تريد، والضغط على الفلسطينيين للتنازل عن فلسطين، وحاولت أمريكا مارًا أن تقول أنها نزيهة، وأنها لا تضغط على المتفاوضين، فإذا جلسا على طاولة واحدة كل شيء بيد إسرائيل لأنها محتلة، ولا شيء بيد الفلسطينيين لأنهم مظلومون، لكن تقول أمريكا إذا اتفقا على أمر نحن حاضرون! على ماذا يتفقان؟ لن تتنازل إسرائيل عن شيء، والفلسطيني لم يعد عنده شيء ليعطيه، فإذًا المطلوب أن تكون جلسات المفاوضات لتوقيع الفلسطينيين على التنازل لإسرائيل حتى تنجح هذه المفاوضات.
قلنا مرارًا وتكرارًا هذه المفاوضات عبثية، وهذه المفاوضات لا تعيد فلسطين، وهذه التسوية المسماة زورًا سلام هي استسلام، وأن المطلوب أمريكيًا ودوليًا تثبيت الكيان الإسرائيلي على حساب الفلسطينيين، لكنهم كانوا يقولون لنا أنتم تبالغون، الحمد الله أعلنها اليوم ترامب بشكل واضح وقال ما يريد، ولكن هل هذا التصرف هو تصرف من دون خطة؟ لا، لكن ماذا يريد ترامب الآن: هو يختبر حشر الجميع بقضية إعلان القدس عاصمة للكيان الإسرائيلي، فإذا نجح بتمرير القدس من دون أن تكون هناك اعتراضات وانتفاضة وخسائر حقيقية عندها يستطيع أن ينتقل إلى صفقة القرن التي تحدث عنها، وصفقة القرن هي إلغاء فلسطين وتثبيت الكيان الإسرائيلي. لن تمر هذه الصفقة، كما لن يمر إعلام القدس عاصمة للكيان الإسرائيلي لأن القدس عاصمة فلسطين كانت وستبقى وستثبت الأيام أنها ستعود إلى أهلها وأحبتها.
إن إجماع العالمي على رفض خطوة ترامب بصرف النظر عن أهداف كل معترض، لأن المعترضين يختلفون في تقييمهم للأمور ولكنهم يجتمعون على قضية واحدة أن خطوة ترامب غير مقبولة، هذه الإجماع العالمي دليل على حق الفلسطينيين، وهو كشف أكذوبة القانون الدولي والمجتمع الدولي، فأمريكا تستخدم القانون الدولي والمجتمع الدولي لمصلحتها، وتتمرد عليه وتقول له عندما لا يكون لمصلحتها، أي أنها تعمل لمصالحها فقط.
لقد تأكد موقفنا بأن لا حل لاستعادة فلسطين والقدس إلاَّ بالمقاومة والانتفاضة، أمامنا تجربة القرار 425 التي ضحك عليه الإسرائيلي كثيرًا، هذا القرار أُتخذ سنة 1978 عندما احتلت إسرائيل جزء من جنوب لبنان، وهو ينص على خروج إسرائيل إلى الحدود الدولية من دون قيد أو شرط، وبقي القرار في الأدراج 22 سنة إلى سنة 2000، وإذا تحدث أحد عنه اقتصر الحديث على التذكير به أو الإشارة إليه أو السخرية عليه بحسب المتحدث، ولكن لم يوضع يومًا للتنفيذ، إسرائيل رفضت أن تنفذه وأمريكا دعمتها ومجلس الأمن نام على القرار، كنا نقول في وقتها القرار 425 لن يخرج إسرائيل من لبنان، المقاومة هي التي تخرج إسرائيل، فقالوا لنا: لا، أنتم تخربون علينا، لأن الأمور السياسية جيدة ولبنان مقبول ومحترم ولبنان يمكن أن يحقق إنجاز كبير بأن تنسحب إسرائيل وفق القرار 425، قلنا لهم لن نجادلكم أكملوا بدبلوماسيتكم ولكننا سنكمل بمقاومتنا، وصلنا بالمقاومة فتحرر الجنوب، ولم يتحرك سطر ولا كلمة واحدة من القرار 425، فداسته المقاومة تحت أقدامها وتحررت الأرض ببندقية المجاهدين.
هذه تجربة صالحة للتعميم، كل القرارات الدولية التي تتحدث عن تقسيم فلسطين وعن أراضي 48 وأراضي 67 لا قيمة لها، المقاومة هي الحل لاستعادة فلسطين.
أما الأنظمة المحمية من أمريكا فهي تدفع ثمن الحماية للاستبداد فيها للتخلي عن فلسطين، ولكنها ستخسر كل شيء كما خسرت في العراق وسوريا، وستكتشف أن الأموال التي دفعتها ذهبت هباء.
من يعتمد في حضوره على أمريكا والغرب هو عميلٌ مؤقت تنتهي خدمته بعد حين، وأما من يعتمد على حقه وشعبه فهذا يخلد في الأرض ويحكم إلى الأبد إن لم يكن هو فأولاده وأهل بيته والشعب الذي يعيش بينه، هكذا نريد أن تكون أوطاننا.
لقد أيقظت المقاومة شعوب المنطقة وأعطتها نصرًا وأملًا، إن نجاح المقاومة في مواجهة الإرهابين الإسرائيلي والتكفيري سيغير المعادلة في المنطقة، فستثبت الأيام أن إرادة الشعوب أقوى من قوة أمريكا وإسرائيل، أمريكا ليست قدرًا وأمريكا لا تقرر لتحقق، "إذا الشعب يومًا أراد الحياة فلا بد أن يستجيب القدر ولا بدَّ لليل أن ينجلي ولا بدَّ للقيد أن ينكسر".
لقد تمَّ تعطيل أخطر مشروعين خطيرين مدمرين في المنطقة خلال عشر سنوات، الأول هو مشروع الشرق الأوسط الجديد من بوابة لبنان سنة 2006، والثاني هو مشروع الشرق الأوسط الجديد من بوابة سوريا سنة 2011، وكانت النتيجة أن هُزم الأول بهزيمة إسرائيل، وهُزم الثاني بهزيمة الإرهاب التكفيري، إذًا بإمكاننا أن نسقط مشاريعهم رغم كل الحشد الدولي الذي يكون معهم، إذا كانت معنا معادلة: الجيش والشعب والمقاومة، وهي معنا بحمد الله تعالى، وها هي تثبت جدواها في كل الأوقات وهي التي حمت لبنان إلى الآن باستقراره ونجاحه.
نحن ندعو الجميع إلى ثلاثية النصر: الإيمان بنصر الله تعالى والتوكل عليه، والمقاومة المصحوبة بالاستعداد للشهادة، ووضوح الهدف وسلامة التخطيط والإعداد، إذا امتلكنا هذه الأمور الثلاثة تأكدوا أننا سننتصر دائمًا وهي مستفادة من قوله تعالى: "وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللهِ وَعَدُوَّكُمْ".
إنَّ جهاد الشعب الفلسطيني كفيل بتحرير القدس وفلسطين، فما رأيناه ونراه خلال عقود من المواجهة يؤشر أن تحرير فلسطين قادم إن شاء الله تعالى، هذا الشعب قدَّم الكثير والكلمة أولًا وأخيرًا له، ولا تستطيع أنظمة النفط أن تفرض عليه خياراتها، فهي بذلت الكثير في سوريا والعراق ففشلت مع دول العالم الذين دعموا داعش، لأن إرادة الشعبين السوري والعراقي كانت أقوى، وتضحياتهم أثمرت.
وليكن معلومًا إن تحرير فلسطين هو تحرير كل البلاد العربية والإسلامية إلى الأبد، وبقاء فلسطين محتلة هو بقاء هذه المؤامرات والأخطار على منطقتنا، فلا تنظروا إلى فلسطين بأنها بعيدة عنّا ، فلسطين هي القلب فمن حرَّر قلبه حرر كل الجوارح، ومن حرر فلسطين حرر كل المنطقة العربية والإسلامية. تحرير فلسطين هو تحرير للبلدان العربية والإسلامية من التبعية والإرهاب.