لبنان الوطن يتطلب تضحية
الكلمة التي ألقاها نائب الأمين العام لحزب الله سماحة الشيخ نعيم قاسم في حفل تخريج تلامذة الإمداد، قصر الأونيسكو، 26/9/2016
لو اعتمدنا على بعض المواقف السياسية لكان لبنان في قلب أزمة المنطقة ويدفع أثمانها.
لو لم تضح شباب مقاومة حزب الله في جنوب لبنان والبقاع الغربي، لما خرجت إسرائيل من لبنان، لو لم يضحِ هؤلاء الشباب هل كان يمكن أن نسجل نصر أيار سنة 2000، لو لم يضحي هؤلاء الشباب هل كان يمكن أن نهزم إسرائيل سنة 2006 ويشهد لنا العالم بأننا في الموقع العزيز المستقل الذي لا يقبل أن يكون مطيَّة لأحد أو تحت سيادة أحد، لا حماية للبنان إلاَّ بالتوكل على الله تعالى وبنادق المقاومين، وستبقى هذه البنادق حاضرة لتواجه وتحرر وتحمي لتردع إسرائيل مهما كانت إسرائيل وارتفعت ستسقط إن شاء الله تعالى ببركة المقاومة.
لو لم تتم مواجهة التكفيريين من بوابة البقاع من حدود لبنان الشرقية مع سوريا،أين كان هؤلاء؟ كانوا دخلوا إلى قرى البقاع وأقاموا إمارات تكفيرية في البقاع والشمال، وبدأوا بتصدير المنتج الوحيد الذي يعرفونه وهو السيارات المفخخة، ودخلت السيارات إلى لبنان من أوله إلى آخره، نعم إلى الجنوب وإلى صيدا وإلى بيروت وإلى جونية وإلى طرابلس وإلى الضاحية وإلى كل مكان.كنا نسمع البعض يقول بأن هؤلاء لا يقصدوننا ولا يريدوننا نحن، أعتقد بعد اعتقال أمير داعش في لبنان من قبل الجيش اللبناني مشكورًا ومأجورًا عرَّف الناس تمامًا أن استهدافهم للجميع من دون استثناء. كيف كان وضع لبنان لولا هذه المواجهة التي حصلت، ولولا هذا القتال وهذه التضحيات وهذا النبل الذي قدمه شباب المقاومة وضحوا بأنفسهم من أجلنا ومن أجل وطننا وأطفالنا ومن أجل أن ننجح ي مدارسنا، ومن أجل أن نعيش في بيوتنا، فلولا هؤلاء في مواجهة التكفيريين لكانوا يفجرون في كل يوم ويقتلون في كل شارع، ولكن خسئوا ببركة هؤلاء المقاومين المجاهدين الذين واجهوهم في ديارهم.
نظَّروا علينا كثيرًا، وقالوا لا نريد أن نورط لبنان في أزمة المنطقة، من يورط لبنان؟ التكفيريون يورطون لبنان، وأمريكا تورط لبنان، والسعودية تورط لبنان، أسجل بكل جرأة أنه لولا حزب الله القوي القادر المصمم الذي يريد للبنان الاستقرار وحمى الاستقرار ومنع الفتنة وتحمل المصاعب وقاتل إسرائيل من جهة والتكفيريين من جهة لما كان هناك استقرار في لبنان، وأشهد أن أمريكا والدول الأوروبية يريدون استقرار لبنان، من أجل أن يكون مركز للجوء السوري كي لا يذهب النازحون السوريون إلى أوروبا وبلدانهم، أي يريدون لبنان مستودعًا للنزوح بعد أعمالهم البشعة في قتل الشعب السوري، شتان بين هدف حماية لبنان وما نقوم به وبين جعله مستودعًا للنازحين ومسرحًا لأطماعهم وقتلهم ومؤامراتهم.
ليكن واضحًا: التعامل مع لبنان الوطن يتطلب تضحية، أما لبنان المغانم فلن يصمد، والذي يحاول البعض أن يأكل منه وأن يسلبه وأن ينافس الآخرين عليه فلا يمكن أن يصمد أمام التجاذبات والاستئثار.
فلنتفق على معيار كي لا ينهار لبنان، فليجتمع اللبنانيون بأي طريقة من الطرق ولنتفق على قاعدة واحدة ونقول: نريد معيار دولة القانون، نحن نقبل، وعندما نقول معيار القانون يعني الكل يذهب إلى القضاء ليحاسب، لا على أساس طائفته وإنما على أساس أعماله، وإذا لم تريدوا معيار القانون فلنتفق على معيار دولة المؤسسات، يعني يجب أن نُخضع الناس لمباريات ومن ينجح ويكون مؤهلًا يدخل إلى المؤسسة والمواطن له حق أن يأخذ الخدمات من دون وسطاء ولا سمسرة. والاقتراح الثالث: دولة العدالة، ودولة العدالة لا تكون عادلة إلاَّ إذا كان هناك قانون انتخاب عادل حتى يأتي الناس كممثلين حقيقيين، لماذا تخافون من النسبية التي تعطي تمثيلًا واقعيًا حقيقيًا بحسب كفاءة وعدد الناس الذين يؤيدون، لا فالمطلوب التمثيل المنتفخ، يعني شخص يساوي 4 أو 5 نواب يريد كتلة من 12 نائب أو أكثر، من أين أتت الزيادة، عن طريق المال، أو سرقة الدولة، أو من حسابات خفية نعلم بعضها ويخفى عنَّا الكثير منها.
اليوم كلنا نعاني من أزمة التكفير والتكفيريين في لبنان والمنطقة والعالم، لا يوجد بلد في العالم لا يعاني من أزمة التكفيريين، من هو الذي أوجد لنا هذه الأزمة؟ أمريكا والسعودية، أمريكا أوجدت لهم مظلة سياسية ودعم عسكري وجرَّت الدول إلى دعمهم، والسعودية دفعت الأموال حتى اضطرت أن تأخذ من صندوقها السيادي وتقع في عجز مالي وهي تدمر في سوريا واليمن والعراق وأماكن أخرى من أجل إبقاء هؤلاء على قوتهم وقدرتهم.
كيف تجمع التكفيريون في الرقة؟ وكيف اجتمعوا في الموصل؟ ألم يأتوا من ثمانين بلدًا عبر تركيا والأردن والمال السعودي والقطري، والدعم الأمريكي الفرنسي والأوروبي والبريطاني، والغطاء الإعلامي والسياسي الذي ترعاه أمريكا في العالم.
ليكن معلومًا: قوة التكفيريين ليست ذاتية، وعندما تمت مواجهتهم من قبل الأبطال المواجهين وأصحاب الشرف والكرامة أذِلُّوا في أماكن مختلفة، وطُرِدوا من أماكن مختلفة، وقُتِلوا في أماكن مختلفة، والانتصارات تتالى على هؤلاء التكفيريين رغم اجتماع العالم معهم.
أيها التكفيريون هل هي بطولة أن تبقروا بطن إنسان لتأكلوا كبده؟ هل هي بطولة أن تجمعوا عددًا من العزل وتقتلوهم بدمٍ بارد وبأشكال مختلفة؟ هذه قذارة، هذه وحشية، هذه بعيدة عن الإنسانية. أيها التكفيريون تقتلون كاتبًا وإعلاميًا هو الأستاذ ناهض حتر وهو أعزل، لأنكم لم تتحملوا كلمة حق قالها، ولم تتحملوا موقفًا مؤيدًا للمقاومة ولسوريا وهذا المشروع. هذا مشروع خطير جدًا على البشرية جمعاء، وهو في الواقع سيتحول إلى أصحابه.
لقد ضخموا الوحش لإخافتنا، فانقلب على مشغليه، وسيكون مشكلة لهم لسنوات طويلة على امتداد كل العالم، أما نحن فلا نخافه فمن خاف الله تعالى لا يخاف مخلوقًا على وجه الأرض وهؤلاء إن شاء الله تعالى سيسقطون بعد حين.
أمريكا غير جاهزة للحل السياسي في سوريا، وهي تضيع الوقت، وتحاول أن تزرع أفكارًا وهمية من أجل أن تمرر الزمن إلى ما بعد الانتخابات الأمريكية. لم تتحمل أمريكا ميل الميزان العسكري لصالح الدولة السورية وحلفائها، ولذلك تحاول أن تحرك الركود ولكن في غير الطريق الصحيح يعني في غير طريق الحل السياسي. أسأل: ماذا حصدت أمريكا؟ في سوريا دمار، وفي المنطقة تخريب، وأمريكا تتحمل المسؤولية، وماذا حصدت السعودية؟ السعودية خسَّرت سوريا مئات الآلاف من الشهداء والضحايا، ودمرت هذا البلد الذي وصل إلى مرحلة متقدمة، من أجل ماذا؟ السعودية تدمر اليمن لأن اليمن لم ينصَع إليهم، وكيف ينصاع إليكم إذا كان هادي المعزول رئيس البلاد السابق لم يجد مكانًا في اليمن ليحكم من خلاله إلاَّ مع قلة في العدد والمساحة، يعني أن الأغلبية الساحقة من الشعب اليمني يريد حريته واستقلاله، والجيش اليمني مع الشعب، والشعب عندما ترونه فهو مستعد لكل التضحيات، إذًا ماذا تريد السعودية من اليمن غير القتل والدمار، لا يوجد أخلاق ولا إنسانية، ولكن ليكن معلومًا: لو بقيت السعودية تقصف اليمن لسنوات وسنوات هذا الشعب اليمني سينتصر ولا يمكن أن ينهزم.