أولاً:
نحن نعرف عدونا جيداً، عدونا إسرائيل ومهما حصل من تطورات ستبقى إسرائيل هي العدو الأول، وعندما واجهنا التكفريين لم نواجههم كعدوٍ اخر لكن واجهناهم كأدوات بيد إسرائيل لهم وظيفة تخريب وتفكيك وتدمير المنطقة خدمةً للمشروع الإسرائيلي، هذه النشأة للتكفيريين معروفة تماماً عند العالم، ترعاهم أمريكا والسعودية وقد قرأت تقريراً أجنبياً في سنة 2004 وكان قد مضى على انتصار الثورة الإسلامية في إيران خمسة وعشرون سنة، يقول التقرير بأن إتفاقاً حصل بين الإدارة الأمريكية والقيادة السعودية من أجل نشر المبلغين ودفع الأموال والمساعدات وإنشاء المدارس والجامعات وإيجاد التكتلات وتعميم الثقافة من خلال المدارس الدينية وغيرها في منطقة الغرب وكذلك في العالم الإسلامي على قاعدة أن يكون هناك إسلامٌ مقابل الإسلام الذي يدعو إليه الإمام الخميني(قده)، حيث لا يمكن المنافسة إلا من السنخية نفسها، وقد بلغت الأموال التي صُرفت منذ خمس وعشرين سنة ثمانية وثمانون مليار دولار بمعدل ثلاثة مليارات ونصف في السنة من أجل مواجهة الإسلام والخط العصي ومن أجل مواجهة الثورة، هذا هو الإتفاق الذي كان موجوداً بين أمريكا والسعودية، ثم في المرحلة الأخيرة منذ خمس سنوات بدأت المشكلة في سوريا وبحجة الإصلاحات بدأت الخطوات المركزة لتدمير سوريا وإنهاك هذا الشعب وتعديل المسار من مسار مقاوم إلى مسار يخدم المشروع الأمريكي الإسرائيلي، دولة الرقة والموصل التي سميت بالدولة الإسلامية هي نتيجة سياسة الاحتواء التي إعتمدتها أمريكا والاحتواء يعني المحافظة على هذه الدولة الإسلامية داعش من أن تتمدد أكثر مما يجب ولكن لحمايتها من أن تسقط في عملية المواجهه، وهكذا رأينا كل القصف الأمريكي لمدة سنة ونصف لم ينتج إلا تهديم بعد الحجارة وتخريب بعض المنشآت لكن لم نرَ تعديلاً في كل مشروع إقامة هذه الدولة التي يتحدثون عنها.
كل التقارير تؤكد وبحسب ما ذكر الرئيس الروسي بوتين أن أربعين دولة تدعم مباشرةً داعش لإقامة الدولة الإسلامية وثمانين دولة سهلت للتكفريين أن يتنقلوا في داخلها وخارجها ومنها وإليها عبر تركيا أو الأردن ليصلوا إلى سوريا ويقوموا بهذا العمل الآثم، وسمعنا بالأمس من الرئيس الفرنسي هولاند بأنه قرر الآن أن يقضي على داعش وأن يوقف سياسة الإحتواء بمعنى أنه اعترف عملياً بأنهم لم يعملوا يوماً لإيذاء داعش أو تدميرها، بل أكثر من هذا أحد الذين فجروا أنفسهم في فرنسا كان قد خضع لثمان جلسات تحقيق في ثمانية قضايا لكنه لم يسجن في أي قضية من القضايا التي أدين بها والسبب معروف لأنهم إذا سجنوه خسروا طاقته التي يستفيدون منها فيما لو ذهب إلى سوريا أو العراق وقاتل هناك وفجَّر هناك.
بالله عليكم أليس الصمود الأسطوري الذي حصل في سوريا لمدة خمس سنوات في مواجهة هذه الحرب العدوانية العالمية تدل على أن سوريا بقيادتها وشعبها قوية وقادرة على أن تصمد أمام التحديات وتستحق أن تتخذ قراراتها من دون تدخل الأخرين، هذا أمرٌ برسم المجتمع الدولي.
كانوا يعتقدون أن التكفريين مجرد أدوات يمكن استخدامهم خارج مناطقهم وبلدانهم ثم بعد ذلك يتخلصون منهم وتبيّن أن هؤلاء التكفريين قد تربُّوا كوحشٍ كَبُر واتجه إليهم لأن مطالبه توسعت ولم يعد يكفيه ما رُسِم له في منطقتنا، كل محاولات استثمار القاعدة وبنات القاعدة داعش والنصرة ومن معهم قد فشلت وارتدت عليهم، نحن أردنا كحزب الله من خلال دعمنا لسوريا أن نحمي خيار المقاومة لتبقى سوريا جزاءً لا يتجزأ من هذا المحور الذي يصنع مستقبله ويصنع حاضره ويقرر ما يريد، وقد كان لروسيا الدور المهم في المعادلة الدولية وفي التدخل وكانت لمساهمة إيران العمل الأساس في المحافظة على استقلال سوريا، ولكن يجب أن لا نُغفل صمود الرئيس الأسد والجيش السوري فهم رأس الحربة الذي ساعد بشكل مباشر على الإنجازات التي نراها اليوم، وبكل وضوح كل نتائج الميدان السوري نتائج إيجابية ضد التوجه الأجنبي المعتدي وفي مقابل هؤلاء التكفريين المنتشرين هنا وهناك.
نحن نعتبر أن الحل يجب أن يكون حلاً سياسياً وأن يتم الإستفادة من الرئيس السوري ومن القيادة السورية والشعب السوري لمواجهة التكفريين وبعد ذلك يترك للشعب السوري أن يقرر مصيره في الإنتخاب بكل تفرعها وتفاصيلها، وبالنسبة إلينا نحن مستمرون في خيار دعم سوريا المقاومة وقد بدأنا في ظروفٍ أصعب وأعقد ولم تكن بهذا الوضوح ولن نترك الميدان الآن بل سنتابع لنصل إلى النهايات السعيدة في الانتصار إن شاء الله تعالى.
بعد هذه المقدمة أطرح إستنتاجات أربعة
أولاً: تبين أن داعش هي خطرٌ على كل العالم وليست خطراً على فئة أو جهة أو جماعة أو دولة أو مجموعة وهذا برسم الجميع.
ثانياً: أن داعش خطر على السنة قبل أي جهة أخرى هم ليسوا مدافعين لا عن السنة ولا عن الإسلام ولا عن رسول الله (ص) هم مجموعة من القتلة التي لا تُطيق الناس بل لا يُطيقون أنفسهم وبعضهم عندما ينشقون عن هذا التنظيم.
ثالثاً: لولا مواجهة هؤلاء التكفيريين في سوريا لكانت الأخطار على لبنان أكبر وأكبر، ولقد رأينا القتال في الشوارع والقرى ولوجدنا السيارات المفخخة تنتقل من قرية إلى قرية ومن مكان إلى مكان في العاصمة وفي الأرياف، ولكن ما أداه حزب الله كان مهماً جداً لدفع الخطر الأكبر على لبنان.
رابعأً: المواجهة نخوضها كمواجهة سياسية وليس هناك لا مواجهة مذهبية ولا عقائدية، هي مواجهة سياسية ولاحظوا كل المواقف التي تجري في منطقتنا هي مواقف مبنية على قواعد سياسية، من معنا هو معنا بالسياسة ومن ضدنا هو ضدنا بالسياسة، مشروع المقاومة يضم دولاً وجماعات وأفراداً وقيادات يشتركون سياسياً في الموقف من مشروع الغرب الآثم الذي يريد أن يحتكر منطقتنا ويتحكم في مسارنا ولا يجمعنا إلا هذا الموقف السياسي أيضاً، في المقابل الأخرون يجمعهم الموقف السياسي.
ثانياً:
جريمة برج البرجنة هي من صنع أعداء الإنسانية هؤلاء استهدفوا المواطنين الأمنيين والمصلين ولم يكن لهم إلا هدف واحد وهو إيقاع أكبر عدد ممكن من الشهداء والجرحى.
هؤلاء مجرمون ليسوا سنة ولا لبنانيين ولا فلسطنيين ولا سوريين ولا قوميين ولا عربيين، هؤلاء مجموعة من المجرمين الذين عاثوا في الأرض فساداً والمستهدف هو الناس، والشهداء بينهم لبنانيون على الأغلب الأعم وفلسطينيون وسوريون، أي أنهم يستهدفون الإنسان، هنا لا بد أن نرسل تحية كبيرة لأهل الشهداء وأهل الجرحى وأهل المنطقة منطقة برج البراجنة لأنهم لم ينجرُّوا إلى الفتنة التي أرادها صانعها لم ينجرُّوا إلى الفتنة المذهبية ولم ينجرُّوا إلى الفتنة اللبنانية الفلسطنية ولم ينجرُّوا إلى الفتنة اللبنانية السورية ولم ينجرُّوا إلى الفتنة الداخلية وإنما بقوا محافظين على الاتجاه وعلى الأصالة، العدو مجرم ومعروف ولا علاقة للناس حتى لو كانوا من الأقرباء.
هنا لا بد أن نحيي التضامن اللبناني الواسع. وأن نحيي أجهزة الأمن: من فرع المعلومات والأمن العام إلى المخابرات على جهودهم الكبيرة التي بذلوها بالتعاون والتضامن مع المقاومة وأهل المقاومة ما أدى إلى كشف هذه الشبكة الخطيرة في فترة زمنية قياسية لم تتجاوز اليومين، وقد سمعت أهدافها وإمكانتها وما كانت تعده للمناطق المختلفة. مرة جديدة تثبت المعادلة الذهبية الثلاثية أنها هي الأنفع، معادلة الشعب و الجيش مع القوى الأمنية والمقاومة هذه المعادلة الثلاثية أثبتت بأنها قادرة على أن تحبط المخططات وأن أن تتقدم إلى الأمام، لاحظوا هذا الإلتفاف الذي حصل في جريمة برج البراجنة، كيف أخرجنا بصورة إيجابية وعظيمة ومكَّننا من أن نتخطى الجراح وأن نتحمل كل الألم وأن يتحمل الناس كل المأساة التي حصلت لمصلحة شموخ الرأس والتأكيد على الموقف والثبات، وهذا بفعل المعادلة الثلاثية،أصبح واضحاً حيث يجتمع ثلاثي الجيش والشعب والمقاومة ننتصر ويربح لبنان واللبنانيون.
هنا في هذا المقام وفي محضر عوائل الشهداء وعوائل الجرحى نحن نطالب الدولة اللبنانية بإنزال عقوبة الإعدام على كل المشاركين في ارتكاب هذه الجريمة المروعة في منطقة برج البراجنة.
كفى تساؤلاً وكفى إجراء حسابات لا معنا لها هؤلاء مجرمون وقطاع هم طرق والسلابين واللصوص، لماذا تحسبون لهم حسابات في توازنات المذاهب والطوائف وهم لا علاقة لهم لا بالمذاهب ولا بالطوائف، هم مجرمون قتلوا وعلينا أن ننزل بهم عقوبة الإعدام لنربي الآخرين ونعلم الأخرين أن لا تساهل مع هؤلاء، وهنا أيضاً أؤكد بأن مسؤولية الجميع في لبنان أن يتبرأوا من هؤلاء وأن ينبذوهم وأن ينبذوا من على شاكلتهم بل أن يخبروا عنهم وأن يحاصروهم، المسؤولية تقع على كل الشعب اللبناني، ليس صحيح بأن نتقبلهم إلى اللحظة التي يفجرون فيها بل يجب أن نضع لهم حد قبل أن يصل إلى هذه النتيجة وهذه مسؤولية الجميع.
بالنسبة لحزب الله نحن لن نغير موقفنا ضد إسرائيل وسنستمر في المقاومة، ولن نغير موقفنا من الدعوة إلى الوحدة وسنعمل لها وطنية وإسلامية مهما كلفنا ذلك، لن نغير موقفنا في أن نعمل لنكون ركناً أساسياً من أركان بناء الدولة القوية القادرة والعادلة وسنساهم ونعمل بكل ما أوتينا من قوة لنصل إلى هذه النتيجة.
ثالثاً:
لقد نجى لبنان من فتنة التكفيريين ولكنهم سيحاولون باستمرار أن ينفذوا من بعد الثغرات وأن يقوموا بأعمالهم الإجرامية، علينا أن نهتم بالقيام بكل الإجراءات التي تحمي، لكن على رأس المطلوب هو الأمن السياسي، الأمن السياسي هو الذي يمنع الفتنة من أدواتها والأمن السياسي هو الذي يقطع الطريق أمام دعاتها والأمن السياسي هو الذي يحمي أطياف المجتمع اللبناني لينصرف إلى بناء دولتهم، وهذا يمكن أن نصل إليه من خلال سلة حل متكاملة التي دعى إليها سماحة الأمين العام فهي تساعد على الانطلاق لبناء الدولة خاصةً أن ما يُرسم في الخارج ليس معلوماً بأن يصل إلى نتائجه المرجوة.
اليوم اجتماعات فيينا رسمت طريقاً يتحدث عن سنة ونصف من انتخابات في سوريا، لكن هل يلتزمون بالسنة ونصف؟ هل يمكن أن يقطعوا هذا الوقت بشكل إيجابي وفعَّال؟
ألن يدخل الشيطان في التفاصيل؟ ألن يكون هناك عوائق تمنع بعض الخطوات؟ من المهم أن لا نعَّول على الحلول التي يصنعونها لأن عقباتها كثيرة، علينا أن نعَّول على أنفسنا لنستثمر الفرصة وتتشابك أيدينا معاً ونخوض حواراً بنّاءً لنبني لبنان معاً، هذا هو الطريق الذي يمكن أن يشكل الإنقاذ. سنبقى دائماً في الموقع المتقدم الذي يحافظ على الحق وعلى سبيل الله تعالى وسنمد أيدينا إلى الآخرين ولن نغادر ساحة الجهاد في كل مواقعها.