رأى نائب الأمين العام لحزب الله سماحة الشيخ نعيم قاسم أن حوار حزب الله وتيار المستقبل الذي انطلق مفيد للبنان، لأنه يقرّب وجهات النظر في معالجة بعض القضايا، واعتبر أن مشاركة حزب الله في سوريا حمت البلد من تداعيات أزمة المنطقة وحصّنت لبنان ومقاومته، كما أن حزب الله ساهم في تعطيل مشروع الشرق الأوسط الجديد، وكسر الإتجاه الإسرائيلي للمنطقة لمصلحة الإتجاه الوطني والإستقلالي، وأشار إلى أن المنطقة اليوم في حالة مراوحة، فلا حلول ولا غلبة ولا إنجازات، كما أنه لا حل قريب في لبنان لكثير من القضايا العالقة لارتباطه بالمشروع الموجود في المنطقة، وأكد أن حزب الله قد بذل جهوداً كبيرة وتضحيات كثيرة للمحافظة على الإستقرار في لبنان في ظل هذه الأزمات المتنقلة، ودعا إلى تفعيل المؤسسات وانجاز الإستحقاق الرئاسي، واتخاذ القرارات اللازمة من أجل التلزيم لبدأ التنقيب عن النفط، لأننا إذا تكاتفنا الآن في هذا الموضوع فلا تستطيع إسرائيل لا أن تسرق ولا أن تأخذ ثروتنا.
كلام الشيخ قاسم جاء خلال رعايته لقاء خاصا مع رؤساء وأعضاء الإتحادات والمجالس البلدية والهيئات الإختيارية في قاعة الإستشهادي أحمد قصير في مدرسة الإمام المهدي (عج) في مدينة صور، الذي دعت إليه مديرية العمل البلدي في حزب الله، بحضور عضوا كتلة الوفاء للمقاومة النائبان السيد نواف الموسوي والدكتور علي فياض، ممثل عن قوى الأمن الداخلي بالإضافة إلى عدد من العلماء.
وفيما يلي نص الكلمة التي ألقاها الشيخ قاسم:
إن أميركا قد سلكت في منطقتنا خطوتين من أجل إجراء تغيير جذري في الخارطة السياسية وفي تركيبة المنطقة خلال فترة زمنية لم تتجاوز عقداً واحداً تقريباً، وقد كانت الخطوة الأولى التي قامت بها أميركا لإيجاد الشرق الأوسط الجديد خلال عدوان تموز عام 2006، حيث أعلنت وقتها وزيرة خارجية الولايات المتحدة الأميركية السابقة كونداليزا رايس أن ما يجري هو مخاض آلام ولادة شرق أوسط جديد، وكانت أميركا تعتبر أن نجاح إسرائيل في القضاء على المقاومة في لبنان سينشأ تغييراً سياسياً وجغرافياً يغيّر معالم المنطقة باتجاه خارطة أميركية إسرائيلية، ولكن هذه الخطة قد فشلت في عام 2006 بجهاد حزب الله بفضل معادلة الجيش والشعب والمقاومة التي كانت مؤثرة جداً في إيجاد مسار آخر.
إن الخطوة الثانية التي سلكتها أميركا في منطقتنا قد بدأت منذ حوالي أربع سنوات، أي منذ مطلع العام 2011 عندما اتخذت الإدارة الأميركية قراراً بتدمير سوريا لإيجاد شرق أوسط جديد بعد أن فشل الأول، وكانت تتوقع أن هذا الأمر يحتاج إلى ثلاثة أشهر، وأن التغييرات ستحصل مع نظام سوري موالٍ لإسرائيل لضرب خط إمداد المقاومة من إيران إلى لبنان وفلسطين، ومحاصرة المقاومة فيهما، لتحصل هناك تشعبات كثيرة بناء على هذه الخارطة الجديدة بعد القضاء على النظام السوري وتدمير سوريا.
إن المنطقة انعطفت انعطافتين كبيرتين بدل الخطوتين الأميركيتين بتغيير جغرافيتها، فقد بدأت تباشير الأولى سنة 2000 وتجسّدت بشكل كبير سنة 2006 من خلال حضور مشروع المقاومة بقوّة في المنطقة، وأصبح مشروعاً منافساً قادراً على المضاهاة وعلى مواجهة المشروع الأميركي الإسرائيلي، وهنا بدأ توازن الردع والرعب والمشاريع في عملية المواجهة.
أما الثانية فقد حصلت بكسر مشروع تدمير سوريا، وبالتالي كانت النتيجة بروز مشروع المقاومة كقوة لها قرارها بحيث لا يمكن تجاوزه على الإطلاق، ففي الإنعطافة الأولى حضر مشروع المقاومة، وفي الثانية أصبح عصياً على مؤامراتهم وقراراتهم، وبالتالي لا يمكن لخططهم أن تمر في المنطقة بوجود هذا المشروع.
إننا في حزب الله شاركنا في سوريا، ونعتبر أن مشاركتنا حمت لبنان من تداعيات أزمة المنطقة وحصّنت لبنان ومقاومته، وبالتالي فإن أدلتنا واضحة، فلولا المشاركة في ضرب الإرهاب التكفيري في سوريا، ولولا هذه التضحيات التي جرت من سنة 2013 حتى الآن لكان الإرهاب التكفيري يتمختر على الأوتسترادات في الشمال والجنوب والبقاع، ويوزّع السيارات والإنتحاريين بطريقة لا يقرّ لأحد قرار في لبنان، فبكل وضوح لقد قُطع رأس الأفعى، وكان أمراً مهماً، حيث ضاع جسدها ولم تعد قادرة على أن تنفذ مخططاتها كما تريد.
إن حزب الله قد ساهم في تعطيل مشروع الشرق الأوسط الجديد، وكسر الإتجاه الإسرائيلي للمنطقة لمصلحة الإتجاه الوطني والإستقلالي، واليوم بدل من أن يكون المشروع الأميركي الإسرائيلي يحصد وينجح ويحقق إنجازات، جاءت المقاومة ومشروعها لتكسر هذه الإندفاعة وتمنعها من التقدم تأسيساً لثبات مشروعنا واستقلالنا وإرادتنا، واستقلال كل هذه المنطقة في مواجهة هذا المشروع، وأصبح واضحاً أن أميركا خرّبت وأخطأت وانحرفت وارتبكت بشكل غير عادي، وأكبر دليل أنهم جاؤوا بالتكفيريين إلى سوريا من أجل أن يكونوا استثماراً استكبارياً في منطقتنا، فتحوّل التكفيريون إلى عبء عالمي يطال أميركا وأوروبا كما يطال هذه المنطقة، وهذا يعني أن على أميركا أن تعلن فشلها، وإن لم تعلن فهي فاشلة والكل يعلم ذلك، وعلينا في لبنان أن نبقى متيقظين لمواجهة الخطرين المتمثلين بالإرهاب التكفيري والإسرائيلي، ولا يجوز أن نطمئن في أي حالة من الحالات وإن كنّا في الموقع القوي، وهذا تحدٍ حقيقي برسم الدولة وعلى الجميع أن يتعاون معها.
إن المنطقة اليوم في حالة مراوحة، فلا حلول ولا غلبة ولا إنجازات، وبمعنى آخر لا حل قريب في سوريا ولا في مواجهة داعش ولا في العلاقات السعودية الإيرانية ولا في مجموعة من المشاكل الموجودة في منطقتنا، ومن ضمنها لا حل قريب في لبنان لكثير من القضايا العالقة لارتباطه بالمشروع الموجود في المنطقة.
إن حزب الله قد بذل جهوداً كبيرة وتضحيات كثيرة للمحافظة على الإستقرار في لبنان في ظل هذه الأزمات المتنقلة، ولولا تضحيات هذا الحزب وعطاءاته لانفجر لبنان منذ زمن بتأثيرٍ من أزمة سوريا وأزمات المنطقة، ولكن كنّا عامل استقرار مهم، ونجحنا في تعزيزه، وليكن معلوماً أنه لا يستقيم وضع لبنان إلاّ بالتوافق، ولا يمكن لأي فريق أن يأخذ حصته وحصة غيره، وعلينا دائماً أن نتعاون في القضايا الرئيسية، وأن نكون موحدين لحماية لبنان وخدمة الناس، ومن هنا إننا ندعو إلى تفعيل المؤسسات وانجاز الاستحقاق الرئاسي، فمعالم الحلول واضحة، وخير لنا أن نقبل الحل اليوم من أن نقبله هو نفسه بعد سنة أو سنتين لأن الأمور واضحة، وبالتأكيد هي تحتاج إلى تضحيات من البعض، وعلى الجميع أن يضحوا من أجل إنجاز الإستحقاقات بشكلها المناسب والصحيح.
إننا نطمئن الجميع بأن وضعنا في القلمون ممتاز وكل التسريبات التي تحدثت عن مشاكل هناك واغتيالات وأسرى من حزب الله لا محل ولا مجال لها لأن النقاط التي نتواجد فيها والمنطقة التي نسيطر عليها بالتعاون مع الآخرين هي منطقة صلبة وعصيّة وقوية انشاء الله، وأن التكفيريين غير قادرين على إحداث ثغرة هناك بل يتقاتلون في ما بينهم على السلطة والمنافع ويعانون من بعض العمليات التي تجري ضدهم ويدفعون خسائر يومية، ولكنها لا تبرز كثيراً في الإعلام بسبب قلتها.
إننا نسأل كيف يقبل لبنان بمسؤوليه ومؤسساته الأساسية مهما كان المبرر أن نتفرج على ثروتنا النفطية ونتماحك على إصدار مرسومها أو على بلورة قانونها أو على تقديم البلوكات بعضها على بعض أو ما شابه ذلك وهي تضيع بفعل العامل الإسرائيلي، فيما أن كل هذه الأمور يمكن أن تحل ويمكن أن نجد خطوات نتفق عليها.
إننا ندعو إلى جدية في عقد الاجتماعات واتخاذ القرارات اللازمة من أجل التلزيم وبداية الخطوات التي لن تؤتي ثمارها إلاّ بعد حين، وإن كل تأخير سيؤدي إلى خسائر في المسألة النفطية أقلها في هذه المنافسة الإسرائيلية التي توصل إلى السرقة الموصوفة من دون قدرة بعد ذلك على إيجاد حل لما يمكن أن يحصل، ولكن لو تكاتفنا الآن في هذا الموضوع فلا تستطيع إسرائيل لا أن تسرق ولا أن تأخذ ثروتنا.
إن حوار حزب الله وتيار المستقبل الذي انطلق مفيد للبنان، لأنه يقرّب وجهات النظر في معالجة بعض القضايا، وفيما كان اللقاء الأول إيجابياً، فإننا نعتبر أن مسار الحوار هو المسار الصحيح في هذا البلد، ليس فقط بين حزب الله وتيار المستقبل بل بين أي أطراف موجودة على الساحة تحتاج إليه من أجل فضّ الإشتباكات والخلاف فيما بينها، فهو لا يعني أن تنعدم الخلافات، ولكن على أقل تقدير أن لا نخرّجها توتيراً واحتقاناً، لأنه ليس فيها فائدة لأي لأحد، بل علينا جميعاً أن نسلك الطريق الذي يحمي لبنان، ونحن بدورنا فإن خطواتنا ثابتة وسجلنا تصاعدي وإنجازاتنا متراكمة وخياراتنا صائبة ودائماً إلى الأمام في التحرير والعزة والكرامة.