في سوريا قرار دولي اسمه تدمير سوريا المقاومة لمصلحة إنشاء سوريا جديدة تكون ملحقة بإسرائيل بالكامل
دور العالم في هندسة القوة العالمية
هذا الموضوع له قسمان:
القسم الأول: معرفة الطريق التي نريد الوصول إليها، والقسم الثاني له علاقة بالأداء العملي الذي يُترجم من خلال الحركة اليومية والحركة السياسية وفعل المقاومة المنتشر في منطقتنا بفعل أداء الصحوة الإسلامية، سأتناول القسم الثاني على المستوى العملي، لأني أعتقد أيضًا أنه كلما تقدمنا في إنجازات الصحوة كلما استطعنا أن نصل إلى المشاركة الفعلية في الهندسة العالمية لموقع العالم الإسلامي في النظام العالمي.
هذه الصحوة الإسلامية انطلقت بشكل فعال مع الإمام الخميني(قده) ومع الثورة الإسلامية المباركة، واستحضرت نصًّا للإمام الخميني(قده) ذكره وهو في النجف الأشرف، قال: "إنني عقدت آمالًا كبيرة على هذه النهضة وعلى هذه الصحوة العامة، اللتين ظهرتا في البلاد الإسلامية عامة وفي إيران خاصة"، أي أننا أمام قيادة كانت تعرف ماذا تريد، وتخطط للمستقبل، وتُحدث الحراك القوي من أجل إنجاز هذه الصحوة التي تجسدت وتمثلت في أروع تجلياتها بعطاءات وجهاد الشعب الإيراني العزيز البطل، الذي أقام الجمهورية الإسلامية في إيران، فأحيا الدين مجددًا وأعادنا إلى رسول الله (ص).
هذه الصحوة أعطت دفعًا كبيرًا لعودة الإسلام إلى الحياة، وهي يترتب عليها إحياء هذا الدين، وتطبيق حالة العزة والاستقلال، وسلوك طريق المقاومة لمواجهة الاحتلال والعمل لبناء الأجيال " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا للهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ"، هذه الصحوة هي التي أحيتنا وهي التي أنجزت هذا الاتجاه العظيم على مستوى الأمة الإسلامية جمعاء، بل على مستوى العالم.
وفي الواقع قد لامست هذه الصحوة مشاعر الناس وفطرتهم من ناحية، وقدَّمت علاجًا للإخفاقات المختلفة التي أصابتهم على الصعد كافة (السياسية، والاجتماعية، والثقافية، وما شابه)، هنا وجد الاستكبار وأعوانه أنفسهم أمام تحدٍ كبير، فبدأوا بالمواجهة القاسية والعنيفة والصلبة، كما المواجهة الناعمة لمواجهة هذه الصحوة وارتداداتها المختلفة، ووجدنا أول مواجهة من نوعها هي محاولة القضاء على الجمهورية الإسلامية في مهدها من بوابة الحرب المفروضة من العراق بيد صدام اللعين على الجمهورية الإسلامية لثمان سنوات بهدف إسقاط هذه التجربة الجديدة، وبهدف إلغاء حضور الإسلام في حياة الأمة، ولكن والحمد لله استطاعت إيران بقيادتها الحكيمة وبمواجهة شعبها الأبي أن تنتقل من مرحلة تكوُّن النظام الإسلامي إلى مرحلة البناء ثم إلى مرحلة تشكيل الرؤية التي تساعد شعوب العالم والمنطقة على أن تستلهم منها وأن تأخذ من توجهاتها وإشعاعاتها العظيمة.
اليوم عندما تواجه الدول الكبرى إيران بعنوان منع إنجاز الدراسات والإمكانات على صعيد الطاقة النووية السلمية، هم في الواقع لا يريدون منع إيران من امتلاك السلاح، وهم يعلمون تمامًا أن إيران لا تريد التسلح النووي، ولكن هم يريدون منع إيران من التقدم العلمي، وأيضًا يعلمون أن إيران على الرغم من كل الحصار الذي أصابها وكل التضييقات المستمرة منذ قيام هذه الثورة الإسلامية المباركة، استطاعت أن تكون ملهمًا ونموذجًا، هم يريدون مواجهة هذا النموذج لمنعه أن يكون رأس الصحوة الإسلامية ورأس المقاومة والتغيير في المنطقة، ولمنعها من إلهام الشعوب مساعدتها لهم.
ولكن الحمد لله تعالى بحكمة قيادة الجمهورية الإسلامية وعلى رأسها الإمام القائد الخامنئي(حفظه الله ورعاه) وتضحيات الشعب الإيراني رأينا أن هذه الإنجازات تتواصل، وحضور إيران في المعادلة الإقليمية والدولية يقوى يومًا بعد يوم ذلك أنها تصير بخطوات ثابتة، وهم إنما يستهدفون إيران، لأن إيران تمثل اتجاهًا عالميًا يريد أن يصنع من منطقة الشرق الأوسط والعالم الإسلامي قدرة ومكانة تنافس مكانة الآخرين وتحقق حقوق شعوب هذه المناطق المختلفة بعيدًا عن التبعية والاستعمار، وأيضًا بعيدًا عن الاستبداد والظلم الذي يُغطى من قبل الإدارة الدولية لأنظمة فاسدة موجودة في منطقتنا وللتخلف الذي يريدوننا أن نبقى عليه، ولكن إن شاء الله تعالى ستنتصر إيران في هذه المواجهة وهذا وعد الله تعالى " وَكَانَ حَقّاً عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ"، وهذا ما نراه أمامنا بإذن الله تعالى.
هذا من جهة، ومن جهة أخرى واجهوا حركة المقاومة في المنطقة، سواء في لبنان أو فلسطين أو العراق، أو في كل موقع من المواقع التي يواجه فيها الاحتلال أكان أمريكيًا أم إسرائيليًا، ونعتوا هذه المقاومة بالإرهاب، على قاعدة أن هذه المقاومة تخالف مشاريعهم، ما هو مشروع أمريكا في المنطقة؟ تثبيت إسرائيل على حساب الشعب الفلسطيني، كل العمل ظلم وعدوان واعتداء، وليس فيه أي وجه حق، أذكر في يوم من الأيام كان هناك أحد الصحافيين يحاورني حول مسألة فلسطين: يقول: لماذا تقاومون؟ قلت: أسألكم: لماذا تتمسكون بإسرائيل وهي محتلة؟ قال: إسرائيل ليست محتلة. كيف وهي أخذت أرض الفلسطينيين، قال: لا، عندما تقول الدول الكبرى شيئًا يصبح القرار الدولي هو الحقيقة وكل ما غيره ليس حقيقة. قلت له: هذا يمكن أن يصح في مكان آخر، أما مع أناسٍ مؤمنين بربهم أولًا وبأرضهم وبشعبهم، فإن هذه المنطقة ستتفجر من تحت أقدام الصهاينة وستعود فلسطين من البحر إلى النهر لهذا الشعب الأبي الطاهر مع كل شعوب المنطقة الموجودة هنا. وها ليس كلامًا، نحن مارسنا هذا العمل على الأرض، رأينا بأم العين كيف أن المجاهدين يحققون الإنجاز تلو الآخر، كيف تحقق التحرير في لبنان سنة 2000 ثم تمت مواجهة العدوان الإسرائيلي، وهزمت إسرائيل في تموز 2006 في لبنان، وكذلك هزمت إسرائيل في غزة مرتين 2008 و2009، وكان الانتصار واضحًا لأصحاب المشروع.
هذا يدل أننا كأمة إذا عرفنا كيف نحمل فكرًا صحيحًا وله قابلية للتطبيق وهو الفكر الإسلامي الذي نحمله، وجاهدنا وضحينا من أجل تثبيته على المستوى العملي في الجهاد الشريف، وأقول الجهاد الشريف يعني جهاد المقاومة ضد المحتل، فإنَّ بإمكاننا أن نغير المعادلة في المنطقة على المستوى الميداني لأن الحق لنا والناس معها، وهم معتدون ومغتصبون، ودائمًا يكون المعتدي والمغتصب أضعف قبل أن يبدأ، وصاحب الحق يكون قويًا قبل أن يبدأ، فإذا بدأ صاحب الحق انتصر في هذه المواجهة.
لذا نحن نعتبر أن حركة كيري اليوم من أجل التسوية في فلسطين هي حركة إسرائيلية بالكامل، هم يريدون إنتزاع الاعتراف بوجود دولة يهودية، ويريدون ترسيم حدود إسرائيل حتى تصبح دولة معترف بها، وهذا خطر كبير، وكل ما يقولونه للفلسطينيين لا يعدو عن كونه مخيمًا كبيرًا يؤمن له الطعام والشراب بالمساعدات، وعندما ترضى إسرائيل أن تترك الكهرباء لتصل إلى المناطق الفلسطينية. هذه جريمة كبرى بحق الإنسانية، ونحن نعتقد أن قدرة هؤلاء على أن يمرروا هذا الحل غير متوفرة مع وجود المقاومة ومع وجود الشعب الفلسطيني الباسل والمجاهد والذي سيستمر في جهاده وكل شعوب المنطقة معه، وهذه الصحوة مؤيدة ومساندة بإذن الله تعالى.
أما فيما يتعلق بما يجري في سوريا، لا يوجد في سوريا لا معارضة للنظام ولا مطالبة بحقوق مدنية، وإنما يوجد قرار دولي اسمه تدمير سوريا المقاومة لمصلحة إنشاء سوريا جديدة تكون ملحقة بإسرائيل بالكامل، هذا هو المشروع، وبدأ ينكشف منذ أكثر من سنة ونصف، بل كان مكشوفًا لنا من اللحظات الأولى وكنا نقول دائمًا هناك مؤامرة دولية على سوريا، يريدون ضربها لأنها تشكل خط متقدم للمقاومة، ماذا يجيب الناس هؤلاء الذين يدَّعون المعارضة عندما يذهبون للمعالجة في داخل الكيان الإسرائيلي ويبلغ عددهم 1600 شخص يعالجون عند إسرائيل، ويأتي المسؤولون الإسرائيليون ليتباهوا بأنهم يؤيدون ويساندون المعارضة السورية ويعملون معها، ويعالجون المرضى والمصابين أثناء القتال ويفتحون لهم الطريق لينتقلوا من مكانٍ إلى مكان آخر!
هل هذه معارضة تريد أن تصنع مستقبل؟ قلنا من اليوم الأول الحل في سوريا هو حل سياسي، وكانوا يقولون لا، وجربوا حظهم، وكانت النتيجة أن أحدثوا دمارًا وقتلوا أنسًا، وبقروا بطونًا، وأخرجوا قلوبًا وارتكبوا المجازر، وأساؤوا إلى الإنسانية إلى الطفل والمرأة، ,أساؤوا إلى صورة الإسلام، التي قال عنها تعالى: " وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ"، فلم نجد ذرة رحمة واحدة عند هؤلاء، ماذا كانت النتيجة؟ أنهم بدأوا ينكشفون ويتراجعون ببركة الصحوة الإسلامية، وببركة الاتجاه المقاوم في هذه المنطقة، ولذا علينا أن نلتفت بأن الخيار السياسي هو الحل في سوريا، وهو الخيار السياسي الذي ينتجه الشعب السوري بإرادته وليس ما يفرض عليه من الدول الإستكبارية.