نصير الأسعد
نائب الأمين العام لـ "حزب الله" يرفض ربط المقاومة بعنواني الأسرى وشبعا فقط
مع قرب إنجاز عمليّة تبادل الأسرى والمعتقلين بين "حزب الله" وإسرائيل، ثمة سؤال مطروح بقوة في الأوساط السياسيّة اللبنانيّة يقول الآتي: بما انّ تبادل الأسرى ضمن الشروط المعلنة للأمر ليس مجرّد عمليّة تبادل بل هو إقفالٌ نهائيٌ لواحد من ملفّين من مخلّفات الاحتلال الإسرائيلي في جنوب لبنان، بينما الثاني هو ملّف مزارع شبعا، وهما الملفان اللذان أعلنت المقاومة بعد العام 2000 استمرارها بأفقهما، هل ثمة احتمال لإقفال ملفّ المزارع ايضاً وفي وقت قريب.. وفي هذه الحالة ما انعكاس إقفال الملفّين على عمل المقاومة؟
عن هذا السؤال المركزّي يجيب نائب الأمين العام لـ"حزب الله" الشيخ نعيم قاسم، الذي لا يرى انّ ملفّ مزارع شبعا مطروح في هذه المرحلة على المستوى الإسرائيلي، لانه أكثر تعقيداً من ملف الأسرى من وجهة نظره. ويعتبر قاسم ان "إسرائيل تريد ـ في أحسن الأحوال ـ أن يكون إقفاله مرتبطاً بالتزامات سياسيّة وأمنيّة في إطار اتفاقية مع لبنان تنهي حالة الصراع وتخرج لبنان من دائرة العلاقة بالقضيّة المركزية وبالواقع السوري والفلسطيني، ويكون من ثمارها (الاتفاقية) إلغاء المقاومة".
ويؤكد الشيخ نعيم انّه يستبعد "مغامرة إسرائيلية بالانسحاب غير المشروط ومن طرف واحد من المزارع... على الأقل في هذه المرحلة بناء على المعطيات السياسيّة والميدانيّة لانّ حصول انسحاب إسرائيلي من هذا القبيل سيشكل انتصاراً جديداً للبنان والمقاومة لا يدفعان بموجبه أي ثمن لخروج إسرائيل". وتشديداً على استبعاده هذا الاحتمال، يذكّر قاسم بأنّ "نقاشاً لا يزال دائراً في إسرائيل حتى اليوم حول النتيجة التي أفرزها خروج إسرائيل من لبنان بدون اتفاق، الأمر الذي انعكس اندلاعاً للانتفاضة الفلسطينية وبقاء للمسألة اللبنانية حيّة وفاعلة مع انتقال لأوراق الضغط من صيغة الاتجاه الأحادي الإسرائيلي الى صيغة الاتجاه الثنائي حيث لم يعد الفعل الإسرائيلي متيسّراً من دون ردّ فعل".
ويستنتج القيادي الكبير في "حزب الله" أن "إسرائيل ليست في موقع الإقدام على انسحاب من المزارع من دون اتفاق يضمن لها مكاسب او يحقق لها أهدافاً". ويدعو الى "وعي حقيقة ان انسحاباً إسرائيلياً غير مشروط من مزارع شبعا لن يكون إلاّ إذا فرض كأمر واقع لا تستطيع إسرائيل تخطيّه وهذا ما حصل تماماً في جنوب لبنان عندما وصلت إسرائيل الى المأزق فاضطرّت للخروج معلنة انها هي من اتخذ قرار الخروج بينما هو في حقيقة الأمر قرار الضرورة وليس قرار المبادرة".
استمرار المقاومة وعناوينها
من هنا، يستطرد نائب الأمين العام للحديث عن المقاومة مبرّرات ودوراً، فيقول انّ "مقاومة الاحتلال الإسرائيلي مرتبطة بمجموعة أمور محورها الرئيسي وجود هذا الاحتلال ومشروعه التوسعي الخطير والتهديدات المتولّدة عنه". ويضيف "عندما نعطي أمثلة عن أعمال هذا الاحتلال ونعتبرها سبباً مباشراً يبرّر للمقاومة استمرارها كوجود المعتقلين والأسرى لدى العدو او احتلال المزارع او الخروق الإسرائيلية للسيادة اللبنانية، فإن ذلك حديث عن مفردات تطبيقية فإذا انتفى أحدها فهو لا ينفي وجود المفردات الاخرى التي تدخل تحت عنوان خطر الاحتلال الإسرائيلي على المنطقة والذي ينعكس مفاعيل اخرى لا يتكرّر الحديث عنها كثيراً مثل احتلال الجولان ووجود اللاجئين الفلسطينيين في لبنان كنتيجة من نتائج الاحتلال.. وخطر التوطين كبديل من عودة اللاجئين الى أرضهم". ويلفت الشيخ نعيم ايضاً الى "نقطة مركزية تتعلق بأسلوب إسرائيل لجهة استخدام القوة المفرطة وتجاوز القوانين الدولية والأعراف وقلب الطاولة باستخدام الأداة العسكرية وتهديد الآخرين بالقوة لفرض شروطها". ومن هنا يرى ان "ذلك كله يجعلنا أمام مشروع خطير ذي أبعاد متعددة".
كل شيء في وقته
ويوضح مشدّداً ان "المقاومة ليست محصورة بمثل من الأمثلة انما هي في موقع المشروع الدفاعي في مقابل العدوان وتهديداته". ويلاحظ انّ "من الخطأ أن تربط المقاومة بملف محدّد او بموضوع واحد، لانها في الواقع تمثل ردة الفعل على كل التحديات الإسرائيلية وهي كثيرة وخطيرة"، ولذلك فإن "المقاومة مستمرة تجهيزاً وإعداداً وعملاً بحسب متطلّبات الواقع والمرحلة".
ويعود قاسم الى مسألة الانسحاب الإسرائيلي من مزارع شبعا، وهو الاحتمال الذي استبعده، ليقول مع ذلك "عندما يحصل الانسحاب من مزارع شبعا نكون أمام واقع جديد ذي متطلّبات ومعطيات مختلفة، وإذا حصل لا يمكن إنكار هذا التطوّر المهمّ". بيد ان السؤال الذي "سوف يطرح" عندئذٍ هو "هل هذا الأمر هو نهاية كل مفاعيل الاحتلال ومخاطره على لبنان والمنطقة؟"، ويعلن "في ضوء الإجابة عن هذا السؤال في وقته، تتخذ الإجراءات العملية الملائمة للتطوّرات والأفضل عدم استباق الأمور وأن تُناقش القضية من زاوية ضرورة المقاومة كقوة دفاعية لا أن تٌناقش كعبء نفتّش له عن مخرج".
العمليّات الأخيرة في المزارع وشلومي
وبالانتقال الى موضوع ثانٍ، يُسأل الشيخ نعيم قاسم: هل يُفهم انك أعطيت في ما تقدّم تفسيراً لعمليات المقاومة في المزارع، والتي جرت قبل نحو شهرين، أبعد من التفسير الذي أعطاه الحزب في حينه من انّ العمليات "تأكيد حقّ في أرض لبنانية محتلة"؟
يجيب القيادي البارز في "حزب الله" بالقول "لن أدخل في تفسير محدّد لمعنى عمليات المقاومة سواء في المزارع او في مستوطنة شلومي وإن كنت لا أمانع في التفسيرات التي يرغبها الآخرون". ويضيف ان "الآخرين أحرارٌ في أن يفسّروا العمليات اختباراً سياسياً لردّ الفعل الإسرائيلي، او ربطاً للعمليات بما يجري في فلسطين او محاولة لكسر الجمود بعد احتلال العراق او اشارة الى بقاء الجبهة على حالها من غير تأثر باحتلال العراق او ما شابه ذلك من تفسيرات اخرى نسمعها ونقرأها وهي يمكن بنسب متفاوتة أن تعطي تفسيراً ما للمراقب السياسي".
بيد ان نائب الأمين العام يسارع الى القول انّ "كل ما يهمّنا من هذه العمليات انها تحقق مجموعة أهداف وانها توجه مجموعة رسائل وتكشف مجموعة حقائق". ويعدّد الأهداف والرسائل والحقائق فيقول ان "العمليات أكدت أولاً استمرارية المقاومة على الرغم من التطوّرات السياسية التي رافقت احتلال العراق وأوضحت ثانياً الاستعداد للقيام بعمليات حيث يكون الاحتلال وفي اللحظة التي نقدّر انها مناسبة، وأبرزت ثالثاً عدم الخوف من ردود الفعل الإسرائيلية، وكشفت رابعاً ان إسرائيل لا تستطيع ان تستمر في احتلالها وعدوانها وخروقها من دون ردّ فعل مهما كان محدوداً، ولفتت خامساً الى رفضنا الحديث عن مرحلة سياسية جديدة تفرض تغييراً في روزنامة عمل المقاومة، وقدّمت سادساً الإجابة الواضحة عن فشل الضغوط الأميركية في تحقيق هدف إسرائيل بالتضييق على المقاومة".
إيضاحات كثيرة قدّمها الشيخ نعيم قاسم عبر هذا الحوار.. والتطوّرات التي تحصل الآن على الصعيد الاقليمي من جهة وعلى صعيد مفاوضات تبادل الأسرى من جهة ثانية، ستولّد معطيات سيكون من المهمّ جداً "فحصُها" بالعلاقة مع تحليل الشيخ نعيم وتقديراته، الأمر الذي يعني ان الحوار معه لا يزال مفتوحاً.