الكلمة التي ألقاها نائب الأمين العام لحزب الله سماحة الشيخ نعيم قاسم في حفل الإفطار السنوي للجمعية الخيرية لأبناء كسروان وجبيل في مطعم شلالات خير الله -نهر إبراهيم ومما جاء فيها:
(...)، في لبنان لم تكن لنا مشكلة في يوم من الأيام من الدين، مشكلتنا في لبنان من قلِّة الدين ومن الذين يحملون مظاهر الدين من أجل ان يصلوا من خلاله إلى مواقعهم ومكاسبهم وأمورهم الخاصة على حساب طوائفهم أولاً وعلى حساب الوطن ثانياً وهم لا يريدون للدين ان يكون بين الناس، مشكلتنا في لبنان أنه أُسس على تركيبة حاولوا استخدامها فزاعة في كل أمر فقالوا: بأن التركيبة الطائفية هي السبب الذي يؤدي إلى تلك المآسي والمصائب، ولكن بالله عليكم ألا يوجد فرق بين تركيبة طائفية تعطي كل طائفة حصة كي لا تأخذ الطوائف من بعضها البعض، وبين أداء طوائفي يستغل الطائفة ليصادر من فيها ويصادر الطوائف الأخرى من أجل مصالح بعض الزعماء والمسؤولين من دون ان يكون للطائفة علاقة ومن دون أن يكون للنظام الطائفي علاقة بهذا الوضع، هذا الذي نجده في لبنان، نجد تذرعاً بحماية حقوق الطوائف لتكون مطية يصادر من خلالها البعض حقوق طوائفهم لمؤيديهم وزبانيتهم على حساب الناس، هذه العصبية التي تُثار بين الحين والآخر يجب ان نتخلص منها، ليس صحيحاً بأن السارق يصبح محترماً عندما نلصق فيه ختم الطائفة لتحميه طائفته على قاعدة أنها اهتزت إذا حوكم وحوسب، السارق سارق مسلماً كان أو مسيحياً فانتسابه إلى الطائفة لا يعفيه من مسؤوليته أمام الناس وأمام الوطن، أرفعوا أيديكم عن سرَّاق الوطن وارفعوا عنهم صفات الأديان من أجل أن يُحاكموا حتى يرتاح الناس، لأننا تعبنا من المساواة والتوازن في معاملة السرَّاق بين الطوائف حتى تتعادل جميعها فتسقط بسبب السرَّاقين فيها، يجب أن نحاكم المرتكب لا أن نغطيه تحت عنوان إدانة الطائفة فإدانة الفرد لا يكون في يوم من الأيام إدانة لطائفة مهما كان هذا الفرد ومهما علا شأنه.
لطالما ذكروا عن مشكلة لبنان وكيفية المعالجة وفي كل مرة يخلقون لنا أزمة في البلد وينشغل فيها الناس على فترة شهر او شهرين على أساس انها هي المصيبة الكبرى، وآخر الأزمات أزمة الموازنة، والموازنة هذه هي موازنة تصريف في الأعمال، وهي موازنة لا طعم لها ولا لون ولا رائحة، هي موازنة لو اجتمعت أساطين المال في العالم ليناقشوا فيها لغيروا بعض الأرقام وبعض الأبواب بما لا يغير من المنحى العام لموازنة فاشلة مستندة إلى خطة اقتصادية وسياسية تراكمت خلال فترة من الزمن وأدت إلى هذه المديونية العالية التي ندفع ثمنها من خلال الموازنة، فالموازنة اليوم أصبحت موازنة الديون ودفع الأقساط، ولم تعد موازنة إنماء أو إنعاش وفي آنٍ معاً هي موازنة تراعى فيها بعض الخصوصيات الفردية ولا يراعى فيها الوطن، وبالتالي ليست حلاً وليست سبباً أساسياً للمشكلة، المشكلة الأساس هي اننا لا نملك خطة اقتصادية أو سياسية أو اجتماعية تحاكي معالجة الأزمات التي تراكمت بفعل السياسات الخاطئة للحكومات المتتالية التي أدت إلى هذه المديونية العالية والتي يصعب على لبنان ان يتخلص منها بهكذا إدارة وبهكذا عقلية، وبهكذا مسار، وبالتالي إن لم توضع خطوات المعالجة سريعاً فإن النتائج ستكون سيئة أكثر فأكثر يوماً بعد يوم لأن البلد يدفع من اللحم الحيّ ولا خلاص إلاَّ إذا كانت هناك إرادة جدِّية وخطوات عملية.
ربما يقول البعض كيف نبدأ؟ صدقوا لو بدأنا بإيقاف الفساد على مستوى المسؤولين الأساسيين الذي يرتكبونه، ولو اعطينا الفرصة للمواطنين ليدخلوا إلى الإدارة من خلال المباراة والكفاءة لا من خلال المحسوبيات، ولو تركنا المجال ليتنافس الناس بعلمهم لا بتزلفهم، ولو اتحنا الفرصة لتلك الطاقات من أجل ان تنمو وجعلنا الرقابة والتفتيش بعيدين عن سلطة الحكَّام وقمنا بأداء قضائي لا يأخذ بعين الاعتبار تلك العناوين السياسية المختلفة، لبدأنا بوضع الأمر على السكة الصحيحة وأمكننا ان نغير تدريجياً ضمن خطة متكاملة تأخذ بعين الاعتبار وضعية هذا البلد.
لكن عندما يكون التعيين محاصصة، ويدخل إلى الإدارات أكثر بعض الجهلة الذين لا يعرفون في إداراتهم، وتُرتكب المخالفات الكثيرة ولا من يحاسب فهذه مصيبة كبرى، إذا وجدتم أن الأمر يحتاج إلى خطوة أولى فأقترح عليكم أن تبدأوا بقانون" من أي نلك هذا"، كل مسؤول في هذه الدولة على المستوى الإداري أو السياسي قدَّم تصريحاً بأملاكه قبل ان يبدأ المسؤولية، نحن نطالب بأن يجروا مقارنة بين أملاكهم اليوم وما كانوا يملكونه قبل ذلك، وليعطوا تبريرات حول أسباب هذه الملكية، فمن ثبت أنه صادقٌ في ملكيته فهو أحق ملكيته، ومن ثبت عليه غير ذلك يجب ان يُحاسب ليتعلم الآخرون، بطبيعة الحال أن أعلم كما تعلمون أن الذين يسرقون في هذا البلد لا يسرقون بفواتير، الفواتير التي تذهب إلى المالية هي غير الهدايا التي يقبضونها، والذي أعرفه أن الهدية بوكيه ورد أو علبه شوكولا لكن أن تكون الهدية شقة بمئات الأمتار، وسيارات مميزة وقصور، ومؤسسات ومصانع، ومشاركة في أرباح ونسب مئوية، ويكون هناك نسبة على المشروع الذي يقرر قبل أن يبدأوا به، هذه ليست هدايا, هذه سرقة للمال العام وهذا امر يحصل والكل يعرف ماذا يحصل، سألني احد الصحافيين، قال لي نريد منك أن تعطينا أسماء؟ قلت له: لا أملك قدرة على إحصائها لأنها من شدة ما أصبحت مكشوفة ومعروفة للناس، أصبحت هناك صعوبة أن نختار الأسماء التي لم تتلوث ولم تسرق في هذا البلد، للأسف هذا أمر موجود، وهذا أمر يجب ان نصرخ فيه عالياً، مشكلة لبنان ليست خارجية هذه المشكلة الاقتصادية الاجتماعية هي مشكلة داخلية، هي مشكلة عقلية الحكام، هي مشكلة المحاصصة، هي مشكلة امتطاء الطوائف لمصالح الأفراد، هي مشكلة مصادرة البعض لطوائفهم من داخلها ليألوا على حسابها ولا يوزعوا للناس، هذه هي المشكلة الداخلية.
كانوا في السابق يقولون أن هناك أزمة بأن العدو الإسرائيلي يحتل الجنوب اللبناني لذلك كل المآزق من الاحتلال الموجود، فتبيَّن بعد التحرير بأن المآزق ازدادت، لأنهم لم يعودوا منشغلين كثيراً بالعدو الإسرائيلي, أصبحوا منشغلين في الداخل فأصبحوا أكثر دقة في متابعة التفاصيل والجزئيات مما مكنَّهم من أن يتسلطوا عليها بشكل أفضل.
نحن بحاجة إلى إعادة النظر في كيفية الإدارة، وكيفية المتابعة، وكيفية التلزيم، وكيفية إقرار المشاريع، كي نكون منصفين وعلى الناس أن يتحركوا بجدية وأن يرفعوا أصواتهم عالياً، لأن هذه الأصوات لا بدَّ أن تصل إلى نتيجة معينة إذا تراكمت وكان هناك تحرك جدي في هذا الاتجاه، لا أن يكون هناك تحرك في المناسباب, فقطف التظاهرات التي تحصل في السنة مرة هي بروتوكولات وليست تظاهرات من اجل التغيير، والذين يشاركون في التظاهرات ويشاركون في صنع المشكلة لن يحلوا المشكلة، يجب أن نميز الأمور فلتحدد الناس خياراتها بشكل واضح، لنعرف بعض المسؤولين يهتمون بمعرفة موعد التظاهرة حتى يشاركوا فيها، فلم يعد هناك إمكانية لهذا الاتجاه لتحقيق الأهداف.
ربما يظن البعض بأننا نرفع شعاراً اسمه مزارع شبعا من أجل أن تستمر المقاومة بذريعة مزارع شبعا، اطمأنكم مشكلتنا مع إسرائيل ليست في مزارع شبعا فقط، مشكلتنا مع إسرائيل أنها تشكل خطراً حقيقياً على لبنان وعلى مستقبل المنطقة، إسرائيل هذه خلال السنوات الخمسين الماضية لم تمرر يوماً واحداً إلاَّ وهددت وقتلت وتعدت واخترقت وقامت بالأعمال العدوانية والإجرامية من أجل أن تحقق مشروعها، لم تنجز إسرائيل لمشروعها إنجازاً واحداً مرة من دون دماء وتهديد أراضي وقتل للأطفال والنساء، وحتى الاتفاقات التي عقدتها إسرائيل ووافقت عليها، كانت متكئات لعدوان قادم، لم تكن الاتفاقات سبباً من أجل ان تلتزم فيها إسرائيل، ولعلَّ أبرز اتفاق هو القرار 425، الذي كان يُفترض ان تنفذه إسرائيل سنة 1978، بقيت إلى سنة 2000 أي بعد 22 سنة ولم تنفذه، لكنها خرجت من لبنان هاربة خائبة خائفة بفعل ضربات المقاومة والتفاف الشعب اللبناني حول هذه المقاومة، فإسرائيل لا تلتزم بشيء، حتى اتفاق أوسلو الذي نعتبره اتفاقاً لا يُنصف الفلسطينيين، وهو ضد مصلحة الفلسطينيين وقَّع عليه الإسرائيليون ثم رموه عرض الحائط واستبدلوه بتينت وميتشيل وخارطة الطريق ويمكن ان تكون هناك عشرون او ثلاثون خارطة طريق مستقبلاً لأنهم لا يتلتزمون باتفاقاتهم، إسرائيل تفكر دائماً بعنوان القوة والسيطرة، وتحاول أن تضغط بعسكرها وأسلحتها من أجل أن تفرض شروطهان لا يوجد طاولة مفاوضات بين إسرائيل وأحد، واهناً من يعتقد بأن إسرائيلأوسلو تفاوض الفلسطينيين، أو أن إسرائيل تفاوض العرب، إسرائيل تجلس مع الفلسطينيين وتجلس مع العرب من أجل ان تلزمهم بالتوقيع فإذا وقعوا كما تريد قبلوا منها وإذا لم يوقعوا غادروا الطاولة ليقلبوها مجدداً بقوة العسكر والعدوان لتكون الطاولة بعد ذلك سبباً لتوقيع إسرائيل بأيادي غير إسرائيلية بعد الضغط العسكري الذي مارسته إسرائيل.
لذلك نحن لا نعتقد بوجود خطة سلام أو تسوية في المنطقة، يوجد قرار إسرائيلي امريكي دولي بإطلاق يد إسرائيل لتصنع ما تشاء، والمطلوب من العرب والمسلمين في هذه المنطقة أن يتخلوا عن أسلحتهم وإمكاناتهم وقوتهم وأن ينتظروا الطيران الإسرائيلي والمدافع الإسرائيلية والجيش الإسرائيلي ليدخل إلى أي مكان ويفرض الشروط التي يريدها، هل هذا هو الحل المطلوب؟ ألا تكفينا تجربة ثلاث سنوات من أيار 2000 إلى اليوم لنأخذ درساً من عقلية إسرائيل وكيفية متابعتها، لقد اخترقت إسرائيل الأجواء اللبنانية والمياه الإقليمية أكثر من ثمانية آلاف مرة خلال ثلاث سنوات ونصف تقريباً، وهذا الاختراق كما ذكر بعض قادتهم يستهدف الأماكن المختلفة في لبنان، وتدريب الطيارين الجدد على كيفية الإغارة على لبنان، وإعادو رسم الخرائط والاحداثيات التي تتناسب مع بعض الضربات العسكرية حيث يمكن أن تقررها إسرائيل مستقبلاً، هم يصرحون بأن أهداف الطلعات هي هذه الأهداف اليس هذا عدوان على لبنان؟ تهديد إسرائيل المستمر بعدم السماح للبنان لاستغلال مياهه، وتهديد لبنان والمستمر بأن إسرائيل يمكن أن تضرب وأن تتدخل وأن تصنع ما تشاء، هذا يعتبر عدواناً وخطراً على لبنان، إذاً من العجيب أن يفكر البعض بأن لبنان خارج دائرة الصراع. إذا كان لبنان ضعيفاً فستدخل إسرائيل إليه وستستخدمه لتوطين الفلسطينيين ، وللضغط على سوريا ولتحقيق المكاسب السياسية في لبنان، ولتحقيق الأهداف الأخرى التي تجعل من لبنان مركزاً أمنياً وسياسياً لخدمات إسرائيل، إذاً لم يبق أمامنا إلاَّ أن نقول: لا للمشروع الإسرائيلي وأن نقف بوجهه وأن نتحداه وأن نبقى على جهوزيتنا وقوتنا، فإسرائيل لا تحترم ضعيفاً في هذه المنطقة ولا في العالم، قوتنا هي التي تصنع مكانتنا، فلبنان رفع رأسه عندما أصبح قوياً، قاتل الله تلك المقولة التي تعتبر" بأن قوة لبنان في ضعفة" لا قوة لبنان بوحدة أبنائه وتعاونهم وبمقاومته وبمؤازتنا مع بعضنا البعض حتى نقف بشكل مشترك تجاه القضايا المختلفة.