الكلمة التي ألقاها في حفل التخريج الذي أقامه معهد الآفاق للعلوم والتكنولوجيا لطلابه الناجحين في الشهادات الرسمية في قاعة الأونيسكو.
ومما جاء فيها:
هناك من يبني قيادته وزعامته على الفتنة والتحريض، ويقتات من التسعير المذهبي.
هم يريدون حكومة تُنقذ مشغِّليهم الإقليميين، ولذا يمنعون الحكومة من التشكُّل إلى أن يأتي الأمر لمصلحة هؤلاء الإقليميين.
هم يخجلون بالذين يدعمونهم فلا يتجرأوا أن يُعلنوا عمن يدعمهم، فلو كانت تُشرِّفهم لأعلنوها أمام الملأ، أما نحن فتشرِّفنا إيران ونعلن ذلك أمام الجميع.
شرف لإيران أنها تدعم الشعوب لمقاومة الاحتلال، والخزي لبعض البلدان في منطقتنا العربية والاسلامية التي تُحرق سوريا وشعبها من أجل مصالحها.
حصلت حادثة في بعلبك في الأيام الماضية، وهي حادثة فردية بكل ما للكلمة من معنى، لأن أجواء البلد هي أجواء تعايش سني شيعي مسيحي بامتياز منذ عشرات بل مئات السنين، ومن الطبيعي أن تحصل بعض الحوادث حتى في داخل العائلة الواحدة بين الحين والآخر، وحزب الله كان مظلوماً في هذه الحادثة لأنه قد اعتُديَ عليه على الحاجز، ومع ذلك قلنا أنه يجب أن نلملم الجراح وأن نعمل للمعالجة في أسرع وقت، وانطفأت هذه الفتنة في مهدها في الليلة نفسها، ودرأناها قبل أن تُطل رأسها ودعاتها. للأسف هناك دعاة للفتنة ينفثون بنار المذهبية من لا شيء، ويصنعون من الحبة قبة، ويضخمون الأحداث الصغيرة بدل معالجتها، هناك من يبني قيادته وزعامته على الفتنة والتحريض، ويقتات من التسعير المذهبي، بدل أن يبحث عن الأسباب ويعمل على حلِّها. ارأفوا بالناس والعباد قبل أن تحرضوهم، ولا تلعبوا على العواطف والمشاعر فتُثيروا النعرات المذهبية، والقضية ليست في هذا الوارد لا من قريب ولا من بعيد، والملفت للنظر أن القيادات الحكيمة السنية الموجودة في بعلبك تعاونت مع القيادات الشيعية في المنطقة لتُخرج هذه المشكلة من ساحة التداول والتفاقم، وأحيي هؤلاء جميعاً على التصرف بمسؤولية. وإذ بقيادات أخرى في مناطق بعيدة تصدَّوا للدفاع المذهبي فخربوا مناطقهم وقاتلوا أنفسهم وصنعوا أعداءهم من بينهم، حتى أنه لا يوجد خلافٌ مذهبي لكنهم اصطنعوه بصورٍ مختلفة، وإذ بهم يدمرون أحياءهم ويورِّطون أناسهم، فيُطلون رؤوسهم ليسعِّروا الفتنة من بعيد، رغبة منهم بأن تشتعل، ورغبة منهم بأن يمتطوا قيادة الناس عبر بوابة الفتنة. حرام عليكم أن تستمروا بهذا النهج الآثم والخاطئ والمنحرف، والذي ينبذه الاسلام، فكروا كيف تقربون القلوب واعملوا من أجل أن تتكاتف الأيدي، وارحموا الناس الذين وثقوا بكم فلا تعطوهم معلومات خاطئة ولا تحرِّضوهم تحريضاً لا ينفع إلى إسرائيل وأمريكا.
لقد عمل حزب الله كثيراً وفي محطات عدة لدرء الفتنة، وسيعمل دائماً لمنعها مهما كلَّفه ذلك من تضحيات وصبر إيماناً بهذا النهج ورأفة ببلدنا وأهلنا.
ينطلق حزب الله في عمله من ثلاثة أمور أساسية: أولاً تحرير الأرض، ثانياً وحدة البلد، ثالثاً بناء الدولة. هذه هي قواعدنا أعجبت البعض أو لم تعجبه، فهم علينا البعض أو لم يفهم علينا، أراد أن يستوعب حقائقها أو أراد أن يركِّب حقائق تُعجبه، لكن هذا هو منهجنا، وآثار هذا المنهج واضحة في طريقة أدائنا. فتحرير الأرض دفعنا لأن نكون حزب المقاومة، وكنا كذلك ونجحنا وحررنا الأرض، وقدمنا النجاح قربة إلى الله تعالى وهدية إلى اللبنانيين وكل المحبين، وقلنا أن من أحب أن يكون شريكاً في النصر فأهلاً وسهلاً به، ومن أحب أن يكون خائباً مع إسرائيل فلا رده الله مع إسرائيل.
أما وحدة البلد فقد عملنا لنتعاون مع كل الأطراف، الإسلامية والمسيحية، ولم نتخلَّ في اتفاقاتنا مع أحد عما توافقنا عليه، ولكن كان دائماً التخلي يحصل من الطرف الآخر، أجرينا اتفاقاً في يوم من الأيام سمِّيَ الاتفاق الرباعي للملمة الصف الإسلامي في مرحلة مصيرية خطرة وصعبة بعد اغتيال الرئيس الحريري، وإذا بالطرف الآخر هو الذي يتخلى عن الاتفاق، وقمنا بمساعٍ حثيثة لإنشاء حكومة وحدة وطنية تجمع الكل في إطار الاتفاقات المشتركة، لكن الأطراف الأخرى أخلَّت وخرجت عن الميثاقية ولم تقبل أن تُشارك في حكومة وطنية، عندها كُلِّف الرئيس ميقاتي، ومددنا اليد إلى أطراف من قوى وأحزاب إسلامية ومسيحية علمانية وغير علمانية، والحمد لله الآن عندنا اتفاقات واسعة مع العديد من الفرقاء، نحترم هذه الاتفاقات وهؤلاء يحترمونها، إلا الفريق الآخر الذي اختلفنا معه والسبب أنه عجز عن مواكبة المشاركة بالتعاون معنا. ودعونا إلى بناء الدولة، فدخلنا إلى المجلس النيابي من بوابة الانتخابات، ودخلنا إلى الحكومة من بوابة الاختيار النيابي، وقبلنا بكل النتائج التي أفرزتها الانتخابات، حتى أننا في سنة 2009 لم نأخذ الأغلبية في المجلس النيابي، وكان كل الرهان أننا لن نقبل بهذه النتيجة، فأعلنا أمام الملأ قبولنا بالنتيجة طالما أن خيار الناس بصرف النظر عن طبيعة القانون الانتخابي الذي أدى لهذه النتيجة. لاحظوا أن كل مسيرتنا هي مسيرة دعم لموقع الدولة ودور الدولة، حتى عندما حصلت التفجيرات في الضاحية، أول ما فعلناه أننا طلبنا من القوى الأمنية أن تعالوا وأقيموا الحواجز واحموا الناس من السيارات المفخخة، هم قالوا في بداية الأمر أن لا قدرة لهم على ذلك، فاضطررنا أن نملأ الفراغ مؤقتاً، وقامت الدنيا ولم تقعد أننا لا نعمل لمصلحة الدولة، ثم أعلنت القوى الأمنية أنها مستعدة لملء الفراغ وأتت لتملأ الفراغ، ثم قامت الدنيا ولم تقعد لأن القوى الأمنية تقوم بدورها، ماذا تريدون؟!! لقد عطلوا كل شيء، فماذا فعلوا بتحرير الأرض، هم حاضرون أن يقبلوا بالاحتلال الاسرائيلي شرط أن لا نكون مقاومة، عجيب أمرهم! فإذا كنتم تستطيعون أن تستبدلوا المقاومة بطريق آخر يؤدي إلى حماية لبنان وتحرير الأرض فنحن حاضرون أن نستريح، وإلى أن تصلوا إلى هذا الأمر سنبقى في الميدان لتسدوا الفراغ، فمع الاحتلال لم تنفع الأمم المتحدة ولا مجلس الأمن، لم تنفع إلا بندقية المقاومة التي أخرجت إسرائيل ذليلة من لبنان، فلا تظنوا أننا سنستجيب لهلوساتكم، تريدوننا أن نتوقف عن المقاومة وليحصل ما يحصل، فهذه قواعد القانون الدولي تقول هكذا، نحن عندنا قواعد القانون الانساني بأن نكون أعزة في أرضنا، فوالله لن نرضى الذلة وفينا طفل واحد يقول لا إله إلا الله. أما وحدة البلد فقد خربوها، فهم لا يقبلون الاتفاق ولا الشراكة ولا الحوار، فماذا يعني هذا؟ يعني أنكم تريدون إيجاد شرخ في البلد لا يلتئم، لمصلحة من هذا الشرخ في البلد؟ هل يستطيع أحد في هذا البلد أن يحكم لوحده؟ لا نحن ولا غيرنا. هم يعطلون المجلس النيابي جهاراً أمام الناس، ويعطلون الحكومة بالشروط التي يضعونها، ويعيقون حركة الرئيس المكلف.
نحن نؤمن أن الحكومة الجامعة هي التي تُنقذ البلد، فهم يريدون حكومة تُنقذ مشغِّليهم الإقليميين، ولذا يمنعون الحكومة من التشكُّل إلى أن يأتي الأمر لمصلحة هؤلاء الإقليميين، فليس لهم قرار ذاتي، هم يريدون تغطية الفشل للسياسات الخرقاء التي اتبعوها، يريدون وضع لبنان في عين العاصفة علَّهم يخففون من الخسائر التي ألمَّت بهم بسبب مواقفهم ومواقف من وراءهم. بالنسبة إلينا الحكومة الجامعة هي الحل، وأي شكل آخر للحكومة سواء سمُّوها حكومة حيادية أو حكومة ثلاث ثمانيات أو حكومة أقطاب، فكل هذه الأشكال التي يرضى عنها جماعة 14 آذار تعني أنها حكومات فاسدة لا تصلح للبلد، ورئيس الحكومة المكلف مسؤول أن يعمل بحسب من كلَّفه، فكلنا كلَّفناه والمفروض أن يسمع لنا وليس لهم فقط.
نحن ندعو إلى الحوار ونعتبره طريقاً للمعالجة، والحل في لبنان بالتوافق السياسي، ولا حل بالتحريض أو السيارات المفخخة وإثارة الفتن أو ترغيب إسرائيل بالعدوان على لبنان والمنطقة.
تتجِّه الأمور في المنطقة نحو التهدئة السياسية والحلول السياسية، وعلى المستوى الإقليمي والدولي ثبت للجميع أن الحلول العسكرية والعقوبات لا تنفع ولا تؤدي إلى نتيجة، والمتضررون مما حصل خلال هذه المراحل السابقة كثُر، وقد رأينا أن البعض لا زال في قراءة متخلفة ولم يقرأ الحاضر بعد. أقول للطرف الآخر: لماذا يحشر البعض أنفه في المسار الخاسر والخاطئ ويحشر البلد معه، تعلَّموا من الجمهورية الإسلامية الإيرانية، فمنذ عام 79 وهم يحاربونها ويحاصرونها ويعاقبونها وهي تقول لا، وفي سنة 2013 في نهاية المطاف كان هناك خطابان في الأمم المتحدة، خطاب أمريكا الدول الكبرى من خلال أوباما وخطاب الجمهورية الإسلامية الإيرانية من خلال الشيخ روحاني ليتوازن الخطابان على المستوى الدولي، وهذا دليل على موقع وقوة إيران. البعض ينتقدنا على وقوفنا مع إيران ويُعيبون علينا الاستفادة منها، هم يخجلون بالذين يدعمونهم فلا يتجرأوا أن يُعلنوا عمن يدعمهم، فلو كانت تُشرِّفهم لأعلنوها أمام الملأ، أما نحن فتشرِّفنا إيران ونعلن ذلك أمام الجميع.
شرف لإيران أنها تدعم الشعوب لمقاومة الاحتلال، وترفض الانخراط في تدمير بلدان المنطقة، والخزي لبعض البلدان في منطقتنا العربية والاسلامية التي تُحرق سوريا وشعبها من أجل مصالحها وتستقدم المقاتلين والسلاح من أنحاء العالم كافة من أجل بعض المصالح الخاصة، فمن أرد مصلحة سوريا يدعوا إلى الحوار والحل السياسي، فيتوقف التدمير وليختر الشعب السوري ما يريد بعيداً عن الضغوطات الإقليمية والدولية.