هذه العاطفة التي تتمثل بالبكاء كمظهر من المظاهر تولد من البكاء حباً ، فالبكاء على الحسين (ع) في المأساة لا يولد حالة من الضعف والركون والاستكانة ، وإنما يولد حالة من التفاعل والاقبال والاقدام والجهاد والتصميم .
فالبكاء على الإمام الحسين (ع) هو بكاء إيجابي وليس سلبياً ، فهو بكاء القوة وليس بكاء الضعف ، بكاء الانطلاق وليس الجمود والركود ، هو بكاء العمل من أجل رفع راية الاسلام وليس بكاء ً على الماضي وإعطاء العذر للنفس بأن لا يتحرك الانسان .
فهذا يولد حالة عاطفية من الحب ، يجب أن نفكر أثناء البكاء بحب الإمام الحسين وأصحابه وأهل بيته ، وأننا ننمي هذه العلاقة العاطفية التي تجعلنا أقوياء ، فبغير الحب لا يمكن أن يتولد أي عطاء وأي إيجابية في حياة الانسان في العمل .
وفي الشأن السياسي قال سماحته :
(...)، من الخطأ أن ننتظر ما يقرره الآخرون ويتآمروا به علينا كما تفعل أمريكا وإسرائيل، ثم ننتظر لنقوم بردات فعل على خطط وضعوها دون ان تكون لنا خططنا ومن دون أن تكون لنا اتجاهاتنا التي نحاول أن نصنع من خلالها اهدافنا في المستقبل، يجب أن تكون لنا خططنا ومنطلقاتنا لمواجهة الأعداء والمحتلين.
عندما أسسنا مراراً وتكراراً بأن هدفنا تحرير الأرض، واسلوبنا المقاومة من اجل التحرير حددنا بذلك العنوان العام والقاعدة العامة التي ننظلق من خلالها، وأصبحت كل التفاصيل في مسارنا وكل الأولويات التي لجأنا إليها منسجمة ومرتبطة بهذه القاعدة العامة، إذا كان الهدف التحرير فهذا يعني أن لا نقبل بالمساومة وأن لا نتنازل عن الأرض وأن لا نسلك أي طريق سياسي يمكن أن يؤدي إلى إعطاء إسرائيل حقاً فيما هو حقٌ لنا، وأرضٌ في ما هي أرض لنا، وبالتالي هذا الهدف يجعلنا نركز أولوياتنا ونخطط لطريقة أدائنا ولتوجيه أسلوبنا ليكون منسجم مع هذا الهدف، وقد تبين لنا أن أسلوب تحقيق الهدف ينحصر بالمقاومة والشهادة والجهاد والاستشهاد فاخترنا طريق المقاومة، لا لأننا نبحث عن قتال كيفما كان، بل لأن المقاومة هي التي تصنع لنا التحرير وبغيرها لا يمكن أن يكون هناك تحرير على مستوى العالم، وقلنا أن هذا البناء المقاوم ضروري باتجاه تحقيق أهدافنا، ولذلك ارتبطت أولوياتنا كلها بالمقاومة، ركزنا على التجهيز العسكري والاستعداد البشري وعلى إعداد المقاومين وتدربيهم، وعلى تهيئة المجتمع ليكون محباً للمقاومة، وعلى توضيح الصورة أمام الناس ليؤمنوا بهذا المنهج الذي آمنّا به، وقدمنا كل الحيثيات التي تساعد على بناء مجتمع مقاوم، وعملنا في الأولويات ليكون هذا المجتمع قادر على التغيير وحماية المقاومة ومواجهة التطورات والصمود أمام الأعداء، ونجحت خطواتنا إلى الآن بنسبة كبيرة في مقابل كل الخطوات الأخرى الإنهزامية التي سقطت وسجلت انطلاقتنا الحسينية إعاقة للمشروع الإسرائيلي فاظطر أن يخرج من لبنان من دون ان يأخذ ثمناً سياسياً لخروجه، واضطر أن يتوقف عن العدوان العسكري اليومي على لبنان خوفاً من ردات فعل المقاومة عليه، واضطر أن يتحمل مرارات الانتفاضة وعطاءاتها التي غيرت في خريطة الواقع الإسرائيلي فأعادت الحرب إلى بدايتها سنة 1948 ولم يعد هناك استقرار لهذا الكيان مع وجود الانتفاضة الفلسطينية وهذا أثرٌ من آثار البناء الحسيني، إذاً بإمكاننا أن نصنع خططنا وأهدافنا وأساليبنا وأن نغير في مقابل الأهداف والخطط والأساليب الموجودة عند الآخرين، وإلاَّ إذا انتظرنا ان يصنعوا ما يشاؤون فلن يكون لنا موقع ولا مستقبل.
*ثانوية شاهد - طريق المطار في الليلة الأولى من عاشوراء لمحرم 1425هـ