عندما دخلنا إلى الحكومة دخلنا على أساس أننا شركاء، وإذ بنا نُفاجأ في هذه الحكومة أن هناك من هو مستعجل كثيراً على حرق المراحل، والأهم من ذلك قرأنا في هذه العجلة رغبة بمصادرة القرار وتدريب الموجودين في داخل الحكومة أن يكونوا تبعاً لا أن يكونوا شركاء على قاعدة أنهم إذا قاموا بعدة إجراءات ولم يعترض عليهم أحد تصبح سنَّة موجودة في داخل الحكومة يقرر البعض والآخرون يبصمون أو يسكتون لكن يكون القرار لجهة دون الجهات الأخرى، قلنا لهم في الجلسات الخاصة: هذه لعبة خاطئة.
ثم قال: جاءت مسألة المحكمة الدولية ، وقلنا لماذا المحكمة الدولية ؟ قالوا بأنه يمكن أن يكون هناك متهمين سوريين ولا يستطيع لبنان أن يحاكمهم فلا بدَّ من الحكمة الدولية حتى تُحاكمهم، قلنا وهل أنتم متأكدون أن التحقيق سيدين السوريين حتى يكونوا في دائرة المحكمة؟ اصبروا حتى ينتهي التحقيق وعندها نرى من هم المتهمون وكيف يمكن التعاطي معهم، هل يحتاجون إلى محكمة لبنانية أو إلى محكمة لبنانية سورية أو إلى محكمة عربية أو إلى محكمة مختلطة أو إلى محكمة فيها قضاة دوليين يساعدون ، هناك خيارات كثيرة يمكن نقاشها، ولكن علينا نصبر حتى نرى أفق التحقيق.
لماذا رفضنا المحكمة الدولية أو المحكمة ذات الطابع الدولي؟ فما الفرق بين محكمة دولية ومحاكمة دولية وبين محكمة ذات طابع دولي، ومحكمة مطعمة دولياً،قالوا يمكن أن توصل المحكمة الدولية إلى الوصاية، بينما المحكمة ذات الطابع الدولي لا توصل إلى الوصاية، فنحن لا نعرف ما تعني محكمة دولية ومحكمة ذات طابع دولي! فلا يجوز اللعب بالمصطلحات، قبل أن تأخذ قراراً بأمر عليك أن توضح لنا ما تقصد بهذا القرار ، نحن نخشى كحزب الله وحركة أمل من أن تصبح المحكمة الدولية طريقا للوصاية الدولية لأن العين الدولية مفتحة على لبنان وهم يتدخلون بكل شيء، لا نريد أن نجعل لبنان بإيديهم، ولا نريد أن يتحول لبنان إلى ممر لضرب سوريا، ولا نريد أن يكون لبنان موطئ قدم للإسرائيليين، ولا نريد أن يتدخل الواقع الدولي في لبنان ليِّغلب طائفة على طائفة أخرى، فنحن نقول بأن هذه الطريقة مخيفة ومرعبة ، هذه الطريقة تدخل الوصاية الدولية إلى لبنان، وبعض الأشخاض يقولون ما المانع اذا وجدت الوصاية الدولية في لبنان فمنذ زمن الوصاية الدولية موجودة في لبنان ، نقول: من يريد الوصاية الدولية في لبنان فهو لا يريد خيراً للبنان، نحن نقول وبالفم الملآن نريد استقلالا وسيادة وحرية وقراراً حراً في لبنان ولن نقبل لا بالسيطرة الإقليمية ولا بالسيطرة الدولية تحت أي عنوان من العناوين ، آن للبنانيين أو يعيشوا مع بعضهم أحراراً ليختاروا ما اتفقوا عليه وينظموا ما اختلفوا عليه، ولسنا بحاجة لأي قوة تتدخل لتغلب بعضاً على البعض الآخر، وإلاَّ دخلت كل القوى إلى لبنان وعندها لا يكون لبنان لأحدٍ منّا بل سيكون مسرحاً للآخرين وملعباً لهم وستسقط الضحايا بسبب رعونتهم على المستوى الدولي لأنهم لن يرحمونا إذا لم نرحم بعضنا ولم نتعاون مع بعضنا البعض.
وأضاف سماحته: طلبنا في مجلس الوزراء أن عرِّفوا لنا المحكمة الدولية، وحصل نقاش كبير ورُفع الأمر من التداول في أول جلسة مجلس وزراء واتفقنا أن يوضحوا لنا معنا المحكمة الدولية من أجل أن نتفق على تفاصيلها ثم تطرح في مجلس الوزراء، قرر الأستاذ سعد الحريري أن يرسل الوزير السابق بهيج طبارة ومعه مشروع المحكمة بالتفصيل ليوضحه لنا وقلنا بأننا مستعدون للحوار، وجاء الأستاذ والتقى مع الحاج حسين الخليل وعرض عليه المشروع كممثل لحزب الله، سألنا عدة أسئلة وقال الاستاذ بهيج أنا أحتاج عدة أيام للرد على هذه الأسئلة وتمَّ الاتفاق على أن يعقد اللقاء الثاني مع سماحة الأمين العام للحزب السيد حسن نصر الله(دام حفظه) بحضور الحاج حسين الخليل وحضور الأستاذ بهيج طبارة على أن يكون الاجتماع يوم الاثنين 12/12/2005 أو الثلاثاء 13/12/2005، وإذ بعملية الاغتيال الآثمة للاستاذ جبران تويني تحصل صبيحة يوم الاثنين 12/12/2005، ونُفاجأ بأن الرئيس السنيورة أرسل وراء سفراء الدول الأجنبية صباحاً وأبلغهم بنيته أن يعمل من أجل إقرار المحكمة الدولية وتوسيع التحقيق منذ محاولة اغتيال الأستاذ مروان حمادة حتى الأستاذ جبران تويني، مع أن جلسة مجلس الوزراء الساعة السابعة مساءًا، وسمعنا تصريحاً للرئيس السنيورة بواسطة وسائل الإعلام الساعة الخامسة يتحدث عما قاله مع السفراء ! طبعاً طوال النهار حصلت اتصالات ونقاشات أبلغونا أنهم يريدون أن يطرحوا هذا الأمر ولكن بعدما كان الرئيس السنيورة بلغ الدول الكبرى، قلنا لهم بأن هذا الأمر خاطئ والحوار لم يكتمل بعد، اصبروا قليلاً على مشروع المحكمة ، قالوا لن نستطيع الصبر، وفي جلسة المساء الساعة السابعة سنطرح هذا الأمر إما أن توافقوا وإما أن نصوِّت، قلنا لهم أنتم ترتكبون خطأً فادحاً، ولماذا العجلة؟ قالوا بأن دماء الشهيد على الأرض؟ ولكن هذه المسألة لها حلول وعليكم أن تتخذوا إجراءات في مواجهة الدماء وحمايتها، فالموضوع يمكن أن يتأجل أربعة أو خمسة أيام. قالوا بأن مجلس الأمن سينعقد في الليلة نفسها وإذا لم نلحق به فسنخسر الكثير، قلنا لهم بما أن العلاقة مع سفراء الدول الكبرى جيدة ولبنان تحت المجهر و أمريكا مهتمة جداً فلو كانت الساعة الواحدة بعد منتصف الليل وعرفوا أن مجلس الوزراء أخذ قراراً بالمحكمة الدولية بعد ساعتين يعقدوا اجتماعاً ويقرروا. أصروا في مجلس الوزراء أن يتم التصويت، في الواقع نحن لم نعلق كحزب الله وحركة أمل أعمالنا في جلسات مجلس الوزراء من أجل هذا الموضوع بعينه فقط، بل من أجل هذه الذهنية الخاطئة التي يريدون تركيزها ولم يصبروا أياماً قليلة للوصول إلى نتيجة وكان يمكن أن نصل إلى نتيجة، نحن منفتحون على النقاش والخيارات لكن في الواقع أحسسنا أنهم يريدون التصويت بالأغلبية من أجل التأكيد لقاعدة تقول بأنكم في مجلس الوزراء مجرد ديكور، مجرد استقطاب لا فعالية لكم مجرد شهود زور على كثير من القضايا القادمة، ونحن لا نقبل أن نكون كذلك، لسنا مستوزرين، ولسنا بحاجة إلى هذه المواقع، ولم ندخل إلى الحكومة من أجل بعض المكاسب، دخلنا إلى الحكومة لنصنع مستقبل لبنان إمَّا أن نكون شركاء في صناعة مستقبل لبنان وإمَّا لن نكون في مثل هذه الحكومة .
وختم قائلاً: ما هذه الدعايات التي يطلقونها بين الحين والآخر، فأنا لم أرى حكومة في العالم يكون الأمن في داخل بلدها يعاني من أزمات متتالية ومن تفجيرات متلاحقة ثم تبقى كل هذه المدة وتعتبر نفسها غير مسؤولة عن شيء، هم يلجئون إلى أسلوب لعب خفافيش الليل ليرفعوا عن أنفسهم المسؤولية، لماذا فالحكومة مسؤولة عن الأمن، وعندما يحصل اغتيالات فيجب أن تُحاسب الحكومة، أمَّا في كل مرة مع كل التغيرات والتعليلات التي حصلت ومع كل التبديلات في الأجهزة وما كل ما فعلوه خلال الفترة السابقة ثم يقولون الأمر ليس بيدنا، هذا غير مقبول فالأمر بيدكم وأنتم مسؤولون، والخلل بالمتابعة والإدارة ، قد يكون من وضعتموهم في مواقع معينة غير أكفاء فتشوا عن أكفاء، وقد تكون الطريقة التي تعتمدونها في غير محلها.
لا يمكن أن يُحكم لبنان بمنطق الحزب الواحد ، فلبنان قائمٌ على التوافق والتعايش وتعاون طوائفه وجهاته المختلفة ومن أراد أن يتفرد في لبنان مستغلاً الظروف التي حصلت والدعم الدولي القائم فهو مخطئ لأنه قد يحصل على دعم لشهر أو لشهرين أو ثلاثة ، ثم يكتشف بأن كل شيء تحته منهار لأن القوى الأخرى الموجودة في لبنان قوى لها دورها وفعاليتها ولا يمكن ان تمرر الأمور من دون التوافق والتعاون معها، أكرر منطق الغلبة في لبنان فاشل، ومنطق الحوار والتعاون هو الذي ينجح، نحن ندعو إلى الحوار لا إلى الكلمات المعسولة، نحن ندعو إلى برامج إجرائية للتعاون تترجم الكلمات إلى مواقف، لا إلى خطب رنانة لا ترجمة لها على الأرض، نحن ندعو إلى رسم خطوات وحدة اللبنانيين لأن بلدنا إذا توحد وإذا اهتمَّينا بإنعاشه سياسياً وربطنا كل الأطراف بطريقة مناسبة لحماية هذا البلد فإنما نهيئ بيئة أمنية مناسبة لمنع خفافيش الليل أن يلعبوا بنا