على ضوء نتائج الانتخابات النيابية يكون مستقبل وواقع المرحلة الجديدة، ولكلٍ أن يختار خياراته التي يريد... سياسة الغالب والمغلوب لا يمكن أن تحقق نتيجة في لبنان...لم تتدخل أمريكا في بلد في هذه المنطقة إلاَّ وخربته.
(...)، في هذه اللحظة الاستثنائية التي يعيشها لبنان، خاصة بحصول مفصلين تاريخيين أساسيين: الأول استشهاد الرئيس رفيق الحريري، والثاني قرار سوريا بالخروج من لبنان، فأننا مقبلون على مرحلة جديدة لها متطلباتها وهي لا بدَّ أن تؤسِّس على قواعد تأخذ بعين الاعتبار كيفية بناء بلدنا متعاونين مع بعضنا. وقد سمعنا مراراً وتكراراً من جميع المسؤولين عن القوى والأحزاب والطوائف والدولة بأن لبنان لا يُبنى إلا بالتوافق، وهل التوافق إلا عند الاختلاف في المحطات المصيرية؟ ها نحن أمام محطة مصيرية، تعالوا نتوافق مع بعضنا. قلنا بأن الأهمية الكبرى في هذه المرحلة، هي لحكومة الوحدة الوطنية، وكان الهدف من هذه الحكومة أن تجمع بين جنباتها كل الأطياف لنقل لبنان خلال أشهر معدودة، من حالة المأزق إلى حالة الحل، ومن أجل أن تقوم هذه الحكومة بمهمتين كبيرتين: الأولى إجراء التحقيق ومتابعته في جريمة الاغتيال، والثانية العمل الدؤوب لانجاز الانتخابات النيابية، فإن استطاعت حكومة الوحدة الوطنية أن تؤسس لتفاهمات لمرحلة قادمة فهذا أمر جيد، وإن لم تستطع فبالحد الأدنى تكون قد نقلت البلاد من المأزق إلى الاختيار الشعبي من خلال الانتخابات عندها على ضوء نتائج الانتخابات النيابية يكون مستقبل وواقع المرحلة الجديدة، ولكلٍ أن يختار خياراته التي يريد. لكن المعارضة رفضت حكومة الوحدة الوطنية، وأعلم أنهم من ناحية خائفون من الدخول إليها كي لا يُقال بأنهم تنازلوا عن مطالبهم وأنهم قبلوا بموقع في حكومة مؤقتة لا تملك حلاً، وجوابه أن الجميع يعلم بأن هذه الحكومة هي حكومة انتقال وليست حكومة تأسيس كامل للمرحلة القادمة، ألا تريدون أن تكونوا شركاء في حكومة انتقالية تنقل البلد من المأزق، لأنه في المقابل الطرف الوطني الآخر يجد في الرفض الدائم لحكومة الوحدة الوطنية محاولة للاعتراض الدائم على كل شيء، وعلى كل شكل وعلى كل موقف وعلى كل لون، لأنهم لمسوا خلال هذه الفترة الوجيزة بأن الاعتراض يُكسب شعبية إضافية فهو رمي للمسؤول الذي يسهل على المعترض أن يرميه بكل التهم من دون دليل لأنه ليس في موقع المسؤولية حتى يُقدم الأدلة، فما أسهل الرفض والانكار وما أصعب الإعمار والبناء.
على هذا الأساس إذا كان الرهان قائماً على قاعدة المزيد من الكسب، فأقول لكم لقد استقرت الأمور الآن على تلك الأصوات التي أخذت محلها في هذا المكان وفي المكان الآخر، فكلُّ رفعٍ للصوت لن يزيد إضافة بل ربما أصبح مخسِّراً في هذه المرحلة القادمة.
والأمر الثاني وهو الأساس، أن هذه الحكومة الانتقالية هي التي تحقق التفاهم والتوافق الذي نتحدث عنه جميعاً، وبالتالي إذا لم تساهموا فيها فأنتم مسؤولون عن كل النتائج التي برزت حتى الآن في تأخير التشكيلة الحكومية وأنتم كذلك مسؤولون عن النتائج التي ستترتب. من الطبيعي أن لا تبقى البلاد من دون حكومة، ومن الطبيعي أن تتشكل في الأيام القادمة بل يجب أن تتشكل الحكومة حتى ولو كانت من لون وطني واحد على قاعدة أن تتحمل مسؤولية نقل البلاد من حالتها الحاضرة، وبالتالي هذا لا يعفي المعارضة من مسؤوليتها في أن تقدم مساهمة عملية لا أن تبقى متفرجة. بالله عليكم دلوني عن الفروقات الموجودة اليوم بين الخط الوطني والمعارضة أو من يقولون عنهم لقاء عين التينة ولقاء البريستول، كلهم يرفع العلم الوطني وكلهم يطالب بكشف الحقيقة، وكلهم يريد السيادة والحرية والاستقلال، وكلهم ولو بعد حين أصبحوا مع الطائف إلاَّ من شذَّ وندر، وكلهم يريدون تأجيل نقاش سلاح المقاومة إلاَّ من أراد أن يرسل رسائل إيجابية للأمريكيين بنقاش حالي ليسجل له موقعاً في هذه الدائرة، فإذاً إذا كانت كل القضايا متفق عليها بالعناوين، ما الذي يمنع أن يجلس القوم مع بعضهم من أجل أن يحققوا المستقبل؟
أقول بصراحة، سياسة الغالب والمغلوب لا يمكن أن تحقق نتيجة في لبنان، إذا كان البعض يرغب الاستفادة من الرياح المؤاتية من أجل تحقيق غلبة يستفيد من خلالها في هذه المرحلة لتحقيق مواقع متقدمة في السلطة ومتفقة مع الأجنبي فهو مخطئ تماماً لأننا تعلمنا من تجاربنا السابقة بأن الاستقواءات المختلفة التي حصلت جعلت من لبنان مسرحاً لأعمال سلبية أدَّت إلى حربٍ ومشاكل لم نتخلص منها إلاَّ بعد معاناة طويلة لخمسة عشر عاماً بالحد الأدنى، وهذا الأمر هو تجربة ماثلة أمامنا فلنستفق على الحقائق ولنعمل من أجل أن نتعاون مع بعضنا ، ومن كان يعتقد بنفسه قوة فليكن قوياً بشعبه وباختيارات الناس له، أمَّا من أراد أن يتقوى بالمستعمر والأجنبي فهو مخطئ تماماً لأنه سيكتشف أنه خاسر بهذا الاختيار ولن يرضى المواطنون من أبناء هذا الوطن أن يكون لبنان أسيراً لأمريكا أو لغيرها ولن يقبل أن يكون مستعمراً أو مستعبداً ، أو مداراً من قبل المندوب السامي الأمريكي ساترفيلد، ولا يمكن أن يقبل لبنان بعد اليوم أن يكون محطة لتصفية حسابات دولية أو إقليمية على أرضه، ولذا آن لأهلنا جميعاً ولكل المواطنين ولكل القوى أو يفكروا بطريقة يجتمعون فيها على الخير والحق والاتفاق، أو على الأقل على تنسيق الاختلاف وفرزه لنعرف ما الذي يريده كل طرف وما الذي لا يقبله هذا الطرف أو ذاك.
بكل وضوح أقول لكم المشكلة ليست في تلك العناوين العريضة التي يتحدثون عنها، طالما أننا نقبل بالمؤسسات الدستورية، ونقبل بنتائج الانتخابات، المشكلة هي في محاولة البعض أن يستثمر اللحظة، حذار فاستثمار اللحظة لا يدوم، أمَّا السير مع الواقع الشعبي والتأكيد على اختيارات الناس هو الذي يستقر وهو الذي يدوم، نحن نرفض مجدداً وتكراراً التدخل الأمريكي السافر في لبنان، ونرفض هذه الإدارة الميدانية لساترفيلد، ونرفض تلك الخلية الدائمة في سفارة عوكر التي توجه وتُدير وترسل البيانات اليومية وترسم الخطط وتضع البرامج، ونحذر من أن اتباع هذا المندوب السامي هو ضررٌ على اتباعه قبل أن يكون ضرراً على الآخرين. وهنا أريد أن أسأل ما الذي يجعل برنامج العمل الأمريكي هو البرنامج المعتمد، ولا نسمع من أطراف أخرى انتقادات واعتراضات على تدخل أمريكا في شؤوننا، نحن لن نتهم أحدأ بأنه يعمل وفق الرزنامة الأمريكية، لكن عندنا شبهات عليكم أن تذللوها لنا، قولوا معنا على الأقل لا لتدخل ساترفيلد، وقولوا معنا على الأقل: لا للتدخل الأمريكي في الشؤون الداخلية، حتى نعلم أن اتفاق البرنامج هو من قبيل المصادفة وليس من قبيل التنسيق، تكفينا كلمات منكم فنحن نصدق ما تقولونه عبر وسائل الاعلام طبعاً وليس في الجلسات الخاصة، لأننا لن نُحاسب على النوايا، فإذا أعلنتم رفضكم للتدخل الأمريكي فعندها لو تماهى موقفكم مع الموقف الأمريكي فلن نظن إلاَّ خيراً، لكن ما لم نسمع هذا الأمر فالشكوك موجودة في داخلنا ومن حقنا أن نتساءل.
أقول بوضوح لم تتدخل أمريكا في بلد في هذه المنطقة إلاَّ وخربته، أشهد أمامكم أن أمريكا ناجحة جداً في التخريب لكن العالم بأسره يشهد أنهم غير قادرين على البناء وفق مصالح الشعوب، إذا بنوا فإنما يبنون للمواطن الأمريكي من أجل أن يأكل خيراتنا وأن يستثمر بلداننا، ولكنهم لا يفكرون بالإنسان في بلدنا، فهم ناجحون بالفوضى لكنهم ليسوا ناجحين في البناء، وهم ناجحون في إثارة القلاقل لكن لن يعطونا لا حرية ولا ديمقراطية ولا سيادة ولا استقلال، نحن نعلم أن في لبنان من الحرية ما هو غير موجود حتى في أمريكا التي لا تتحمل كلمة في وسيلة إعلامية فتمنع بثها كما فعلت بالمنار فكيف نستجدي حرية ممن خنقوها ولم يعطوها، وهنا أشيد بما حصل في لبنان من تظاهرات وحرية أثبتت وجودها، تعالوا نكتفي بما فعلناه في الداخل، ولنستمر بهذا النمط ولنترك الأجانب بعيدين عنّا، عندها يمكننا أن نبني وطننا وإلاَّ فلا بناء بالشعارات، البناء بالميدان، من كان ضد أمريكا وإسرائيل فليعلن هذا على الملأ، فهذا الإعلان يساعد في بناء الوطن وفي مداميكه نحو الحرية والسيادة والاستقلال.