جربت الحكومة اللبنانية الحالية برئاسة السنيورة حظها لمدة خمسة عشر شهراً ولم تفلح في توفير الاستقرار السياسي ، ولا في معالجة المشكلات المستعصية على المستوى الاقتصادي والاجتماعي ، وبرز تباين واضح في الساحة بين أكثرية نيابية مؤلفة من 71 نائباً تمثل 55 % من المجلس النيابي هي في الوقت نفسه تمثل 40 % من الواقع الشعبي، ومعارضة نيابية مؤلفة من 45 % من المجلس النيابي تمثل 60% من الواقع الشعبي، هذا التباين له طابع سياسي جلي ، وليس مجرد اصطفافات طائفية عابرة . وبعد تراكم المشاكل وحصول العدوان الإسرائيلي الأخير ، والهواجس المشتركة بين الافرقاء ، والتدخل الأجنبي الأمريكي في شؤون البلد ، وصلنا إلى حالة من انسداد الأفق فيما لو بقيت الأمور على حالها ، وهذا ما يستدعي المعالجة العاجلة بحلول تُخرج البلد من المأزق ، بحيث لم تعد تنفع التحليلات والخطب الرنانة والكلمات المعسولة وتخبئة الرأس في الجسد كما تفعل النعامة ، فالبلد في مأزق ، والجميع في المأزق ، ولا بدَّ من حل.
إنَّ أقل الحلول كلفة ، وأقدرها على إيجاد تقاطع بين السلطة والمعارضة هو حكومة الوحدة الوطنية ، وهي ليست مكافئة لأحد ، ولا محاصصة بين الأطراف ، بل يجب أن تكون مشروع نهوض وطني يتحمل مسؤوليته جميع الأطراف ، لإنقاذ البلد من التدخل الخارجي والتجاذبات السياسية ووضعه على سكة الحل الاستقلالي السياسي والاقتصادي ، بحيث تحل المشاركة مكان الاستئثار ، والتفاهم مقابل التوتر ، والبناء معاً من أجل لبنان ، وهكذا يكون الحوار والقرار في موقع واحد .
إنَّ خفافيش الليل الذين يستخدمون مفرقعاتهم لإيجاد بلبلة أمنية ، مكشوفون بأهدافهم السياسية التي تريد المزيد من الخراب في لبنان ، لكنهم لن يتمكنوا من حرف الحقيقة في مسؤولية القرار الجريء بأن ننقذ لبنان معاً ، ونحن مصرون في سعينا في هذا الاتجاه .
كما أن المعلومات المزيفة التي أطلقها العميل الأمريكي الإسرائيلي لارسن عن إدخال السلاح إلى لبنان والتي فضحت زيفها الحكومة اللبنانية لن تساهم في تعديل المعادلة الداخلية , ولا في إعطاء المبررات لإسرائيل المفضوحة بعدوانها المتكرر على لبنان براً وبحراً وجواً , وستبقى هذه الاعتداءات وصمة عارٍ برسم المجتمع الدولي في ادعائه بحفظ الأمن والسلام .
إن موافقة الأكثرية النيابية على حكومة الوحدة الوطنية مكرمة لها ونقطة ٌ ايجابية في مسار بناء الثقة من جديد بين أطياف الشعب اللبناني , ولا تكفي إضافة بعض الوزراء بل لا بدَّ من تحقيق المشاركة الفعلية في القرارات المصيرية , وهذا ما لا يتحقق إلاَّ بالثلث المشارك في كامل العملية السياسية في لبنان .
وإذا كان البعض يتعهد بأن لا تُتخذ القرارات المصيرية إلاَّ بالتوافق من دون إعطاء الثلث المشارك , إذاً ما الخوف أن تكون المشاركة مقنَّنة بهذا الثلث طالما أن نواياهم حسنة وبذلك يترجمونها بالدليل الحكومي .
نتمنى عدم تفويت فرصة التفاهم السياسي , وهي مسؤولية الأكثرية النيابية , لأن المقابل هو التفاهم السياسي أيضاً لكن بعد القيام بأنشطة واعتراضات وتظاهرات تحاول أن تفتح كوة في الأفق المسدود , ولا معنى للتهديد بشارع مقابل لو التفت القوم , لأن أي شارع يتحرك يؤدي مساهمة مشكورة في الأنشطة التي تنشد التغيير , فأهلاً وسهلاً بكل تعبير حضاري سلمي يشارك في وضع الحكومة الحالية أمام مسؤوليتها .
ستزعج وحدتنا أميركا وإسرائيل وخفافيش الليل , وسنكون معاً أقوى , فتعالوا نتعالى على الحسابات الطائفية والفئوية الضيقة , اللهم اشهد أننا قد بلَّغنا .