هذه المقاومة التي انطلقت في لبنان هي في الواقع أكبر وأهم من سلاح، هذه المقاومة هي خيار سياسي له علاقة بمواجهة التطورات فيما يتعلق بوجود إسرائيل العدواني الذي يؤثر علينا وعلى شعبنا وعلى إمكانياتنا، وبالتالي لم تكن المقاومة يوماً سلاحاً بل كانت دائماً خياراً في مقابل الخيارات الأخرى، خيار المقاومة مقابل إسرائيل، خيار المقاومة ليكون لبنان قويا أمام الكيان الإسرائيلي ، خيار المقاومة لتحرير الأرض وحماية لبنان، ومن أجل أن نبقى أسياداً في بلدنا وأعزاء ولا نكون تحت وصاية أجنبية أو إسرائيلية، وبالتالي هذا الخيار هو خيار سياسي ، عندما يتحدثون عن السلاح فهذا فرع وليس هو الأصل، الأصل أين نريد أن يكون لبنان، هل نريد لبنان الإسرائيلي أو نريد لبنان المستقل، هل نريد لبنان الملحق بالخيار الأمريكي أو نريد لبنان السيد الحر المستقل، هل نريد لبنان الذي تأخذه بعض المجموعات لمصالحها على حساب مجموعات أخرى أوأننا نريد لبنان بعيداً عن كل هذه المؤثرات .
أقول بوضوح، من غيَّر رأيه بلبنانية مزارع شبعا بعد أن دافع عن لبنانيتها لسنوات ولسنوات لم يبحث عن جغرافية ولا عن قانونية مزارع شبعا، هو اختار خياراً سياسياً آخر ، أختار خياراً ثم بحث بعده عن المقومات التي تساعد لدعم هذا الخيار فتبين له أن التشكيك بلبنانية مزارع شبعا تساهم في خياره السياسي، من هنا لم نتصدَ للدفاع عن لبنانيتها فهذا أمرٌ منته بالنسبة إلينا، وهذا البعض لو أتيناه بكل الخرائط والأدلة والإثباتات فإنه لن يقتنع بلبنانية مزارع شبعا لأنه لا يبحث عن القناعة الجغرافية والقانونية بل يبحث عن علَّة وعن سبب ليقف في المقلب الآخر وليرفض تحرير مزارع شبعا بالمقاومة.
ان الصراخ المرتفع الذي يملأ الدنيا لن يغير من الواقع شيئاً بالنسبة إلينا فهذا صراخ في فراغ، المقاومة مستمرة بجهوزيتها ومواجهتها لإسرائيل والعمل الدؤوب لتحرير مزارع شبعا وسنطرد إسرائيل إن شاء الله تعالى بقوة السلاح في مزارع شبعا ولن نرد على تلك الأصوات التي تحاول أن تشكك بهذا الموقف، وإلاَّ إذا كنا سنرد على أولئك الذين يبدلون ويغيرون ويريدون أخذ لبنان إلى المقلب الذي يؤمنون به فلن يبق لبنان السيد والمستقل.
نرى اليوم مشروعاً بدأ في لبنان بعد الزلزال الكبير الذي حصل باغتيال الرئيس الشهيد الحريري وخروج القوات السورية من لبنان وحصول الانتخابات النيابية، على أساس أننا سنبدأ مرحلة جديدة في لبنان وإذ بنا نُفاجأ أن هذه المرحلة الجديدة هي مرحلة لا تعمل ولا يعمل القادرون فيها على لملمة الوضع والوحدة الوطنية واستقرار لبنان السياسي، وإذا استمرت الإدارة لمسائل الدولة اللبنانية بالطريقة الحالية فإن لبنان يسير إلى الهاوية, ولن يكون مرتاحاً في أية لحظة من اللحظات, بل سنشهد واقعاً مريراً على المستوى السياسي وهذا سينعكس بطبيعة الحال على المآسي الاجتماعية والاقتصادية التي كبُرت كثيراً في ظل هذه الإدارة وهي تسير باتجاهات سلبية يوماً بعد يوم، لا يمكن للسلطة أن تكون سلطة ومعارضة، هي تختار أن تكون سلطة عندما تستأثر وتعين وتركب البلد كما تريد وتأتي بالمحاسيب وتحصل على المكتسبات المختلفة, فإذا واجهت صعوبات معينة أو أسئلة من المواطنين وإذا واجهت حالة اجتماعية واقتصادية وأمنية معقدة تحولت فجأة إلى صفوف المعارضة لتنتقد المهملين والمقصرين وترمي الأمور على الأجانب وعلى الآخرين وكأنهم لا يتحملون مسؤولية ما يحصل في البلد. هذه اللعبة بين موالاة تارة ومعارضة تارة أخرى لإلغاء القوى الموجودة في البلد ، ولشطب كل الإمكانات المتوفرة عند الآخرين هي لعبة مكشوفة لا يمكن أن تُعمر بلداً ولا يمكن لأي وزير أو أي جهة في الحكومة أن تتنصل من مسؤولياتها فيما ورد في البيان الوزاري، على الجهة التي لا تؤمن بما ورد في البيان الوزاري وعلى رأسه ما ورد أن مزارع شبعا لبنانية وأن المقاومة هي الطريق لتحريرها أن يتركوا هذا الموقع لأنهم خالفوا البيان الوزاري ولم يعودوا مؤهلين للمشاركة بمثل هذا العمل طالما أنهم في الموقع الآخر فلينتقلوا إذاً إلى المعارضة بجد، وليقفوا الموقف الذي يريدونه، لكن أن يكونوا مع السلطة ثم يضربون مشروعها بأساليب مختلفة فهذا أمرٌ خطيرٌ جداً يتحمل مسؤوليته الجميع من الذين يُواجهون أو من الذين يراقبون فالكل في مركبٍ واحد وعليهم أن يعلموا أن المركب لا يسير ببعض دون البعض الآخر، إمَّا أن ينقلنا جميعاً إلى بر الآمان وإمَّا أن يغرق بنا جميعاً وعندها يتحمل الساكتون والذين لا يغيرون الواقع المسؤولية الكبرى أمام الله والتاريخ واللبنانيين جميعاً.